هل يعاني النص المسرحي أزمة نشر.. ولماذا؟

 هل يعاني النص المسرحي أزمة نشر.. ولماذا؟

العدد 753 صدر بتاريخ 31يناير2022

يعتبر المسرح هو العمود الفقري للفن، لذلك أُطلق عليه “أبو الفنون”، فهو أول أشكال الإبداع التي عرفها الإنسان، والبناء المسرحي والفني بشكل عام يعتمد فى أساسه على النص “الورق” في المقام الأول، فهو الذي يُبنى عليه كل أركان وعناصر العمل، وتزامنا مع فتح معرض القاهرة الدولي للكتاب أبوابه لاستقبال زائريه ومحبي القراءة، ومع تنوع الكتب والأعمال المقدمة في المعرض، مازالت فكرة طباعة النصوص المسرحية وإصدارها في كتب مقروءة أمر يكاد يكون مقتصرًا على الهيئات الحكومية المختصة بذلك، حول نشر النصوص المسرحية، أجرت “مسرحنا”  استطلاع رأي مع العديد من المسرحيين ودور النشر الخاصة. 
البداية كانت مع الكاتبة رشا عبد المنعم التي قالت: كتابة المسرح مازالت موجودة، وهناك عدد كبير من كُتّاب المسرح المهمين، وهناك دليل واضح على ذلك، أننا نستطيع أن نرصد بسهولة أعداد الذين يتقدمون للمسابقات ، ويحصدون العديد من الجوائز. عدد النصوص المسرحية تكشف أن لدينا ثروة على مستوى أعداد كُتّاب المسرح ونصوص تستحق التواجد وبقوة، ولكن هناك أزمة كبيرة وقديمة متعلقة بفكرة نشر المسرح. هناك اعتقاد تم ترويجه أن المسرح للعرض وليس للقراءة، وللأسف هذه الفكرة جعلت سوق المسرحية ضعيف على مستوى التداول. هل الجمهور لا يقرأ المسرح؟ الحقيقة إن مع مسرح توفيق الحكيم ويوسف إدريس، كان هناك أفراد يقرأون المسرح، ولكن ترويج فكرة أن المسرح لا يُقرأ سببت ضررًا كبيرًا للرواية المسرحية وتسويقها، بالإضافة إلى أن المنافذ أو السلاسل المتواجدة في الدولة المتعلقة بالمسرح ليست كثيرة، هناك سلسلة في الهيئة العامة لقصور الثقافة وأخرى في الهيئة العامة للكتاب، ولكن متابعة هذه السلاسل والتسويق لها والإعلان عنها، والدعاية الخاصة بها أقل بكثير من الإصدارات الأخرى الخاصة بالرواية والقصة والشعر.
وأضافت “عبد المنعم”: النشر المسرحي يحتاج إلى ترويج ودعاية أكثر، ودور النشر لديها إشكالية في عدد النسخ المُباعة، و إطلاق التعبير الخاص بـ”زمن الرواية”، جعل الصدارة للرواية، وأصبحت دور النشر أكثر اهتمامًا بنشرها ويأتي بعدها القصة القصيرة ثم الشعر، وفي آخر القائمة يأتي المسرح. هناك قلة يتشجعون وينشرون المسرح، ولكنهم يبحثون في المقام الأول عن الأسماء المشهورة جدًا في هذا المجال، من أجل التسويق، وربما يقبل الجمهور على الكتاب المسرحي. هناك احتياج شديد جدًا للمسرحية المقروءة، في المعاهد المتخصصة وأقسام المسرح والفرق المسرحية في الجامعات، لاختيار المسرحيات الجيدة، وتقديمها على خشبة المسرح. نحتاج لطريقة جديدة ومختلفة لتسويق المسرحيات المقروءة، وكيف نصل للفئات المستهدفة من ذلك. المسرحيات المقروءة ستجعل المخرجين لديهم اختيارات أكثر، يستطيعون أن يختاروا من بين أكثر من نص مصري مرتبط بواقعه المحلي والاجتماعي، وما يناسب رؤيتهم وما يرغبون في طرحه من أفكار.
نص أدبي
وقالت الكاتبة صفاء البيلي: النص المسرحي نص أدبي، بمعنى أن من حق القارئ أن يقرأ الأعمال المسرحية المكتوبة، مثلها مثل الرواية والقصة والشعر وكل الآداب ، من حق القارئ العادي أن يتطلع على أحدث الكتابات المسرحية، وذلك للعديد من الأسباب منها، صنع أساس ثقافي ومعرفي للقارئ بشكل عام، وحفظ التراث المسرحي من الضياع، كما أن النشر أصبح بمثابة حفظ وتوثيق من قبل الكاتب لأعماله دون أن يسطو أحد على أفكاره، وفي حالة السطو على أفكار منشورة في كتاب حاصل على ترقيم محلي ودولي، بالتأكيد يُحاسب هذا المنتحل. ولدي ملحوظة، هي أن هناك العديد من دور النشر الخاصة لا ترغب أو ربما ترفض نشر النصوص المسرحية، أو تنشرها بشكل  قليل جدًا، لأنهم يرون أنها  ليس لها رواج عند القارئ، القارئ الآن يبحث عن الرواية ثم القصة ثم الشعر.
وتابعت “البيلي”: بالتأكيد أنا مع نشر النصوص المسرحية في كُتب للتوثيق لأننا نصنع قاعدة للقارئ، ونحن لا نخترع ذلك، فمن عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، والنصوص المسرحية كانت تُطبع، وسور الأزبكية يجعلنا نُعيد اكتشاف التراث، وهناك العديد من المسرحيات المهمة، نحتاج لتكثيف النشر، وأن تكثف دور النشر الحكومية مثل الهيئة العامة للكتاب والهيئة العامة لقصور الثقافة ودار الكتب، دورها في نشر المسرح بشكل أكبر، ويقومون بإصدار سلاسل مسرحية أكثر، وهناك مسرحيات تُعد علامات فارقة في تاريخ المسرح المصري، نحتاج لإعادة نشرها، لكي يتعرف الجيل الجديد على ذلك، ويصبح لديه وعي مسرحي وإقبال على قراءة النصوص المسرحية.
وأضافت “البيلي”: غير صحيح أن يقول البعض أن العامة لا تقبل على قراءة المسرح، فيكون ذلك نتيجته أن لا يتم نشر أعمال مسرحية جديدة، من واجب دور النشر الحكومية أن تمد السوق المحلي بما يقدمه كُتّاب المسرح، أحيانًا وجود المنتج يجعل القارئ يذهب إليه، ففكرة تواجده بقوة خطوة مهمة، يجب أن يتم طرح النصوص المسرحية بشكل مطبوع، سواء الحديث أو القديم، حتى لا يندثر.
الحكومية أولى
فيما قال الكاتب المسرحي بكري عبد الحميد: بالطبع أنني مع نشر المسرحيات وطباعتها، سواء في دور النشر الخاصة أو الحكومية، وإن كانت دور النشر الحكومية هى الأولى بعملية النشر، لست بعيدًا عن نشر الأعمال المسرحية، فقد نُشر لي أكثر من نص مسرحي، سواء في الهيئة العامة للكتاب أو الهيئة العامة لقصور الثقافة أو في دور النشر الخاصة، وبالطبع أتمنى أن يتم نشر أعمالي المسرحية التي لم تُنشر، ويقرأها العامة، فكرة الحصول على نصوص مسرحية جديدة أو قديمة مطبوعة تفيد العامة والمتخصصين، وتجعل المخرجين ليدهم فرصة أكبر على الاطلاع والاختيار.
وأضاف “بكري”: النصوص المسرحية للأسف لا تجد إقبالا جماهيريا كبيرا، ودور النشر تبحث عن ما عليه إقبال مثل الرواية ثم القصة ثم الشعر، الجهات الحكومية هي الجهات الداعمة للثقافة، هيئة قصور الثقافة النشر فيها يكاد يكون منعدما مقارنةً بما كان يحدث سابقًا، هناك تقليص للدعم الحكومي للكتاب، خاصةً الكتاب المسرحي، وفي نفس الوقت يحرم قطاع كبير من الفنانين من أن يحصلوا على الكتابات المسرحية الجديدة بسعر مدعوم ، أما دور النشر الخاصة فهي تضع فكرة الربح والخسارة في المقام الأول، وأكثر هذه الدور تتعامل مع الكُتاب على أنهم وسيلة للكسب، ثمن الكتاب يؤخذ بالكامل من المؤلف وعند بيع الكتاب لا يحصل المؤلف على أي مستحقات، والعقود لا تضمن  له أي حقوق، لذلك فحقوق المؤلف تحتاج رعاية من اتحاد الكُتّاب.
نوافذ قليلة
كذلك قال الكاتب المسرحي عماد مطاوع مدير تحرير مجلة المسرح: بالطبع أنا مع إتاحة النصوص المسرحية مطبوعة على شكل كتاب ليتم قراءتها، من المنطقي أن المسرح عرض، أي أن المتفرج يذهب لدار العرض ، ويرى العرض بشكل حي، عرضًا وليس نصًّا، ولكن مع زيادة عدد النصوص المكتوبة ومع تعدد أشكال المعوقات التي تقف أمام عملية الإنتاج، لجأ الكُتّاب لطباعة الأعمال ، وأصبحت النصوص المسرحية تُعامل معاملة أدبية، الأنواع الأدبية الأخرى من رواية وقصة وشعر يتصدرون المشهد في مصر والعالم العربي وربما فى العالم، فلا أعتقد أن هناك ناشر خاص سيتحمس ويُغامر إلا في دائرة محدودة للغاية، لذلك فالمؤسسات الرسمية التابعة لوزارة الثقافة هى التي تتحمس طوال الوقت لنشر الأعمال المسرحية، من نهاية الخمسينيات يتم نشر المسرحيات العالمية المترجمة، و مؤخرًا لم يعد هناك غير نافذتين فقط لنشر هذه النصوص، سلسلة نصوص مسرحية التي تصدرها الهيئة العامة لقصور الثقافة، وسلسلة الإبداع المسرحي التي تصدرها الهيئة العامة للكتاب، أحيانًا هيئة الكتاب تنشر في النشر العام خارج السلسلة، وبالفعل لي تجربة حديثة كانت في النشر العام للهيئة بعنوان “الدائرة ومسرحيات أخرى”. 
شريحة ضعيفة
و قال الكاتب هاني مهران: دور النشر الخاصة هدفها الأول هو الربح، فمن الطبيعي أن تبحث عن الكتب التي تلقى إقبالا كبيرا من المهتمين بالقراءة، فالرواية هي مصدر جذب أكبر من أي عمل أدبي آخر وخاصة المسرح، بالإضافة إلى أن الجمهور المهتم بالمسرح فقط والممارسين له هم الجمهور المستهدف الوحيد وهى شريحة ضعيفة بالنسبة لسوق البيع لذلك لا تهتم الدور الخاصة بطباعة النصوص المسرحية.
وتابع “مهران”: أعتقد أن دور النشر الحكومية تهتم بصورة كبيرة بذلك، فهناك سلاسل مخصصة لهذا النوع من الأدب، ويصدر من خلالها نصوص عديدة سواء مترجمة أو حديثة أو ما تم تقديمه في السابق، وبالطبع أنا مع طباعة الأعمال المسرحية الحديثة وذلك لعمل قاعدة كبيرة من النصوص المتاحة لدى الممارسين أولًا، لعل وعسى تفتح سوق للقُراء بعد وقت ما من طرحها، كتّاب المسرح الموهوبين كثر، ولكل منهم العديد من النصوص المكتوبة والمقدمة على خشبة المسرح، لكن هناك عوائق كثيرة للنشر الحكومي، أما الجمهور المستهدف فهم قاعدة مكونة من الممارسين لفن المسرح، والكتاب أنفسهم، النصوص القديمة لها مكانتها بالطبع ويجب طباعتها للتعرف على المواضيع المطروحة وطرق التناول والرؤى المختلفة، لكن النصوص الحديثة من وجهة نظري أهم للمخرجين وذلك لسهولة التواصل مع المؤلف وتقديمها على خشبة المسرح عكس النصوص القديمة التي صدرت بشأنها قوانين تخص الرقابة على المصنفات الفنية تعوق تقديمها على خشبة المسرح وخاصة للفرق الحرة والهواة، ولدى تجربة حديثة بعنوان “النافذة ومسرحيات أخرى”، وهى نصوص مسرحية مونودراما، وهي صادرة عن دار خاصة وليست حكومية وهى دار فهرس للنشر والتوزيع، هناك بعض الدور التي تُقبِل على ذلك ولكن بشكل عام دور النشر الخاصة الربح هو هدفها الأساسي.
فيما قالت المخرجة والدراماتورج عبير علي:  دور النشر الخاصة تنتج الكتاب الذي يسهل تسويقه له عنوان وقضية لافتة، ولكن المسرح أو النصوص المسرحية ليس لها سوق تسويقية، و طباعة النصوص المسرحية دور مهم من أدوار الدولة لدعم الصناعة الثقافية الثقيلة، والمسرح إحدى هذه الصناعات، والتي يكون محتواها غير جماهيري بالقدر المُحقق للربح لأي دار نشر. النصوص المسرحية عندما يتم طباعتها تصبح سهلة التداول، ولكن في العشرين سنة الأخيرة، أصبح هناك اتجاه في أوروبا يقول إن النص يُخلّق عبر خشبة المسرح، بمعنى أن يقوم المؤلف أو الدراماتورج والمخرج وفريق العمل ببحث ونقاش ويكونون النص المسرحي على المسرح، و يتم طباعته بعد عرضه، وذلك للتوثيق ولعمل ذاكرة للكتابة المسرحية، وللاطلاع عليه فيما بعد. أضافت: الجيل الجديد من المسرحيين أعتقد أنهم لا يعرفون شيئًا عن محمود دياب ونعمان عاشور، إلا الدارسين في الكليات المتخصصة أو المسرحيين المهتمين بذلك، ونحن بالتأكيد نحتاج إلى إعادة طبع هذه النصوص المسرحية للمعرفة والاطلاع.
وأضافت “علي”: للأسف لم نعد مهتمين بالقراءة، الأجيال الجديدة ليست أجيال قارئة، لم تتناول هذا المنتج الثقافي، ومع التكنولوجيا أصبحت الصورة تأخذ الصدارة أكثر من القراءة للأسف، وهذا بالتأكيد يؤثر على سوق الكتاب، ومن الممكن أن نقدم أفكارًا تسويقية جديدة تُنشط من إقبال الجمهور على النصوص المسرحية المطبوعة.
عصر الديجيتال
و قال المخرج طارق الدويري: أنا مع طباعة الكتب ولكن هناك أزمة بشكل عام في طباعة الكتب والتعامل مع الكتاب، ومع الديجيتال أصبحت هناك صعوبة أمام  دور النشر لأن تتحمس لطبع كتاب بسهولة، ونرى ذلك أكثر في الشعر والمسرح، والأهم حركة الترجمة وطباعة الكتب المترجمة، أضاف : في الستينيات كانت هناك حركة ترجمة عظيمة، ولكن الآن حركة ترجمة المسرح ونشره بها مشاكل حقيقية، و يجب أن تكون هناك لجان قراءة جيدة لاختيار ما يتم نشره، نحن نناقش قضية طباعة النصوص، ولكن يجب أن نناقش قضية جودتها وكيفية اختيارها.
طبعات جديدة 
كذلك قالت المخرجة المسرحية منار زين: فكرة طباعة النصوص المسرحية الحديثة مهمة جدًا، لأننا كصناع للعمل المسرحي، طوال الوقت نحتاج لطبعات جديدة، سواء للنصوص القديمة أو للنصوص الحديثة، تلك النصوص تحتاج أن تُنشر لكى تكون متاحة لنا كمخرجين، خاصةً أننا دائمًا نقول أن لدينا ضعفا في الكتابة المسرحية، فعندما تتاح الفرصة للمؤلفين أن تُنشر أعمالهم المسرحية، سيكون لدى تلك الأعمال مساحة لتناولها في المسارح والجامعات وكل المنافذ المسرحية، ولا أجد سببًا واضحًا لعدم إقبال الجمهور على هذه النوعية، لماذا لا تجد النصوص المسرحية المقروءة إقبالًا مثلها مثل الرواية؟.
سبب مادي 
ومن وجهة نظر دور النشر قالت الكاتبة والناشرة هالة البشبيشي رئيس مجلس إدارة الهالة للنشر والتوزيع:  بالطبع أنا مع نشر النصوص المسرحية، ومن فترة كنت شريكة في إحدى دور النشر، وقمنا بالفعل بإنتاج مسرحية  1980 وأنت طالع، كرواية مسرحية، وسبب عدم إقبال دور النشر على نشر هذه النوعية، هو سبب مادي بحت، إقبال الجمهور على الكتب عمومًا يبدأ بالرواية ثم القصص القصيرة والمجالات العامة، ويأتي المسرح في نهاية القائمة، له جمهور متخصص جدًا، قمت بإنتاج كتب سينمائية، سيناريو وكتب نقد فني، في دار الهالة، ولكن في الخطة القادمة للدار سوف يتم إنتاج كتب مسرح، سواء نقد أو نصوص مسرحية قديمة أو حديثة، وجاري الاتفاق مع أقلام معروفة بالإضافة إلى شباب الكُتّاب المتميزين، والنشر بشكل عام وخاصةً في دور النشر الخاصة، مرهق ماديًا جدًا، ومرهق في التوزيع أكثر بكثير، ففكرة صناعة كتاب يحمل رسالة أدبية وفنية ويحمل الشق التجاري، في غاية الصعوبة، ولكننا نحاول ونجتهد، هي معادلة تحتاج لجهد كبير لتحقيقها.
وختامًا قال سيد شعبان مدير عام دار تشكيل للنشر والتوزيع: تختلف سياسات دور النشر من دار لأخرى، وأجهزة الدولة مثل الهيئة العامة لقصور الثقافة والهيئة العامة للكتاب هى المعنية أكثر بنشر النصوص المسرحية، ولكن على الجانب الآخر فيما يتعلق بدور النشر الخاصة هناك ندرة للنصوص المسرحية التي تُعرض على دور النشر، في ظل هيمنة الرواية أو الكتاب الفكري، والمكتبات لا تُقبِل على تسويق وعرض النصوص المسرحية، ونحن كدار نشر خاصة نتمنى أن يكون لدينا تنوع في الإصدارات بكل فروع الأدب، ولم يحالفنا الحظ للأسف حتى الآن أن يُعرض علينا نص مسرحي جيد، نستطيع نشره، ويعبر عننا كبداية لنشر النصوص المسرحية من خلالنا.


إيناس العيسوي