وداعا.. فيصل ندا فارس الكوميديا وأحد البنائين الكبار لفن الكوميديا في مصر

وداعا.. فيصل ندا فارس الكوميديا وأحد البنائين الكبار لفن الكوميديا في مصر

العدد 731 صدر بتاريخ 30أغسطس2021

ودع الوسط الفني والمسرحي أحد قاماته الفنية والأدبية، وهو الكاتب فيصل ندا  الذي طالما شكلت أعماله المتنوعة ذاكرة المشاهدين العرب، وقد توفي عن 81 عاماً بعد حياة فنية حافلة ومديدة، بدأها منذ ستينيات القرن الماضي .
كان لفيصل ندا طابعه الخاص وبصمته المميزة، و ترك إرثا فنيا كبيرا فى الدراما التلفزيونية والسينمائية والمسرحية، وكانت لكوميديا فيصل ندا توقيعها الخاص حيث تنبع من البيت المصري والحياة الاجتماعية وقد برع في هذا النوع  الذي يعيش طويلا، وعلى مدار مشواره الفني أعطى الكثير، لم يكل ولم يمل فدائما كانت أفكاره حاضره على الرغم من التهميش الذي عاناه في سنواته الأخيرة.

قال المؤرخ والناقد د. عمرو دوارة: الأديب والكاتب المسرحى فيصل ندا قامة أدبية وفنية سامية، وأحد رموز قوتنا الناعمة، فهو أديب متعدد المواهب، من رواد الإعداد المسرحي والتأليف التليفزيوني، وهو رجل مسرح بمعنى الكلمة حيث شارك بالتأليف والإعداد والإنتاج المسرحي . هو كاتب وسيناريست مصري، ولد بحي عابدين بالقاهرة عام 1940، التحق بكلية التجارة جامعة القاهرة وتخرج منها عام 1963، وكان عضوا في فريق التمثيل بكل من الكلية ومنتخب الجامعة، عقب تخرجه التحق بوزارة المالية، إلا أنها لم ترض طموحه وأحلامه التي بدأها من الكلية عبر كتابته لمسرحية قام بالتمثيل فيها مع زملائه .
اعد لمسارح التلفزيون «الطريق المسدود»، «ثم تشرق الشمس»، كان أول مسلسل تلفزيوني له هو «هارب من الأيام»، الذي تمكن عبره من إنشاء أسس وقواعد كتابة المسلسل التليفزيوني، ومن خلاله اشتهر العديد من نجوم الفن. ساهم في دفع عجلة الإنتاج السينمائي منذ عام 1968 بعد تأميم صناعة السينما المصرية وهجرة الفنانين إلى بيروت وتركيا، وفي عام 1974 عاد مجددا للتأليف المسرحي عبر مسرحية «من أجل حفنة نساء» ومسرحية «المتزوجون»، و أهلا يا دكتور لفرقة الثلاثي، وأتبعها بعدة مسرحيات متميزة من بينها: الدور الرابع شقة 9، الصعايدة وصلوا، كيمو والفستان الأزرق، المدرسون ودروسهم الخصوصية، و إن كبر ابنك. خاض تجربة التأليف الإذاعي أيضا عندما قدم المسلسل الكوميدي: الناجح يرفع إيده، من أبرز أعماله أيضاً: قضية سميحة بدران، المغتصبون، الفجالة، يعد من رواد الأعداد المسرحي بمسرح التليفزيون و رائدا في الكتابة التليفزيونية، فقدم «الطريق المسدود « مسرح التلفزيون «النهضة «عام 1962 تأليف إحسان عبد القدوس إعداد فيصل ندا، إخراج نور الدمرداش بطولة زوزو نبيل، وداد حمدى، يوسف شعبان . فى نفس العام قدم مسلسل «هارب من الأيام « عن قصة ثروت أباظة ومن إخراج نور الدمرداش، ثم قدم مسرحية «ثم تشرق الشمس « من إخراج كمال عيد، وقدم أهم وانجح عروضه المسرحية من خلال فرقة ثلاثي أضواء المسرح وهم»من اجل حفنه نساء» إخراج حسن عبد السلام « و أهلا يا دكتور « عام 1980. لم تقتصر أعماله المتميزة على فرقة الثلاثي فقط بل ساهم في إثراء فرق القطاع الخاص ببعض العروض الأخرى ومن بينها
الدور4 شقه 6 إخراج شاكر عبد اللطيف، «الصعايدة وصلوا» إخراج السيد راضى «صفقه بمليون دولار» إخراج شاكر خضير. ومع تراجع مستوى الإنتاج المسرحي قام بتأسيس فرقته الخاصة واتخذ من مسرح جمعية هدى شعراوي مقرا لها وقدم من خلالها العروض التالية «كيمو والفستان الأزرق « بطولة يحيى الفخراني، «مدرسون ودروسهم الخصوصية « إخراج السيد راضى، « إن كبر أبنك « إخراج فؤاد عبد الحي . و برغم غزارة إنتاجه وتميزه لم يكرم بالمسرح إلا نادرا حيث تم تكريمه في الدورة الثالثة لمهرجان المسرح العربي الذي نظمته الجمعية المصرية لهواة المسرح عام 2013.

بصمة كبيرة فى تاريخ الدراما المصرية
و نعاه المخرج التلفزيوني هاني لاشين فقال :» فيصل ندا اسم يفرض نفسه إذا تحدثنا عن أى شكل من أشكال الدراما: تلفزيونية، سينمائية، مسرحية، إذاعية، فهو من رواد الدراما فى مصر والوطن العربي، فلا نستطيع أن ننسى مسلسل « هارب من الأيام « الذي ترك بصمة كبيرة في تاريخ الدراما المصرية، كذلك ثنائيته مع الفنان سمير غانم ومجموعة العروض المسرحية المتميزة معه.  لقد فقدنا قامة كبيرة، وكان يتميز بسخريته من كل شىء، كما كان عنصر التشويق والمفاجأة أحد أساليبه التي برع فيها، كان يفاجئ الملتقى بمواقف لا يتوقعها بسلاسة وبناء درامى محكم.

 بارع فى رسم الشخصيات
الفنانة حنان شوقي نعته قائله «التقيت بالكاتب والسيناريست فيصل ندا فى مسلسل «يوم عسل ويوم بصل»، بطولة الفنانين وائل نور، رانيا فريد شوقي، شريف منير، شويكار، و خيرية أحمد، وقد استمتعت كثيرا بالعمل معه  ومع المخرج محمد عبد العزيز، وكان المسلسل يناقش المشكلات الاجتماعية والزوجية ويعالج المشكلات التي لازالنا نعانى منها حتى يومنا هذا، وقد برع الراحل فيصل ندا فى رسم الشخصيات، كانت كل شخصية فى العمل مكتوبة ببراعة شديدة وكان آخر لقاء جمعني به فى أحد المؤتمرات بوزارة الشباب والرياضة وتحدث فيها عن هموم السينما والفن

بصمة خاصة
فيما أشار الفنان القدير محمد أبو داود إلى أن الكاتب الراحل كان له إسهام كبير فى الدراما التلفزيونية، وكانت أولى بصماته فى عالم الدراما مسلسل «هارب من الأيام « أحد علامات الدراما المصرية، ثم قدم مجموعة من الأعمال المسرحية التي ظلت محفورة فى قلوب وعقول المشاهدين ومنها « أهلا يا دكتور «، «المتزوجون « وغيرها من الأعمال المسرحية لا حصر لها
وتابع :» كانت تربطني به علاقة صداقة قوية منذ سنوات طويلة ومنذ بداية مشواري الفني كمخرج، كان شديد الإعجاب بى كممثل وقد رشحني لبطولة مسلسل «الفجالة» من إخراج أحمد صقر، وقد ترك فيصل ندا إرثا فنيا متميزا،  وكان يقدم موضوعات اجتماعية يعرف بها كيف يجذب المتلقي فاستطاع ببراعه شديدة أن يحل المعادلة الصعبة وهى تقديم عمل فني جيد وجماهيري في الوقت ذاته  .

أعماله تتحدث عنه
كما نعته الفنانة تيسير فهمى قائله « رحم الله الكاتب المبدع فيصل ندا فقد ترك إبداعات عديدة، وأعماله تتحدث عنه، كما كان صديقا لي و لعائلتي هو وزوجته. هو كاتب من طراز خاص وله طابع مميز، جمله الحوارية تصل بسهوله للمتلقي، كان يتميز بلغه سهلة، هي من أهم مميزاته ككاتب دراما .

 قربه من المخرج نور الدمرداش
فيما قال المخرج القدير محمد فاضل:  معرفتي بالكاتب فيصل ندا تمتد لفترة الدراسة الجامعية، فقد كان رئيس فريق التمثيل بكلية التجارة جامعة القاهرة آنذاك وكان المخرج القدير نور الدمرداش يخرج لهم عرضا، وفى نفس التوقيت يخرج عرضا لجامعة الإسكندرية، وكان ذلك عام 1958 بالتحديد وكان يصاحبه أثناء بروفاته في جامعة الإسكندرية، وبدأ تعارفي به من ذلك الوقت واستمر بعد التخرج وعندما فتح التلفزيون عام 1960، استفاد من قربة من نور الدمرداش وكان دءوبا لديه جلد فى تقديم ما يريد ويرغب واستطاع أن يترك بصمات، و أثره  كبير وواضح فى السينما والتلفزيون.

مونيكا
 فيما قال المنتج أحمد الأبيارى إن فيصل ندا كاتب وسيناريست مميز ومن الصعب سرد تاريخه في بضعه سطور قليلة أو شهادة . أضاف:  تاريخ الفنان هو شهادته، وفيصل ندا تاريخ يسير على الأرض، فمسيرته الفنية بدأت منذ سبعينات القرن الماضي واستمرار المؤلف هو أكبر دليل على نجاحه،  فالممثل من الممكن أن يبدأ كنجم ثم يتراجع ليقدم أدوارا ثانية ولكن المؤلف يظل مؤلفا ناجحا وهو بالفعل حصل على وسام المؤلف الناجح ولذلك استمر. تابع : كان لي معه «خناقه « شهيرة بسبب عرض « أنا ومراتى ومونيكا « كان هو يقدم عرض عن «مونيكا» فطلب منى تغيير أسم العرض فرفضت، كان يرى أن له السبق في الكتابة عن مونيكا،  وبعد هذه المشادة قام بتغيير اسم مسرحيته  وجعله «الفستان الأزرق» وقدمها على مسرح فيصل ندا بطولة يحيى الفخراني، وتم إنهاء الخلاف ببساطه، وتم التصالح وهو فنان على خلق.

برع فى كتابة كوميديا الموقف
الناقدة السينمائية حنان شومان قالت: برع الكاتب القدير فيصل ندا فى كوميديا الموقف، وميزة دراما فيصل ندا أنها دراما مصرية جدا ولا تعتمد على الافيه  وهذا نادر للغاية. أضافت:  كوميديا فيصل ندا أشبه بكوميديا عادل خيري، فهو يكتب كوميديا مصرية شديدة الالتصاق بالبيت المصري، وكان يعتمد بشكل اساسى على كوميديا الموقف، أعماله لا تجعلك تستلقي على الأرض من الضحك ولكنها موجعه خاصة فى فترة الثمانينات والسبعينيات عندما كان التلفزيون هو الوسيلة الوحيدة لرؤية الأعمال الدرامية . وأضافت:» على الرغم من أن فيصل ندا لم يكن الأفضل بين كتاب جيله وذلك لأنه يكتب «لايت كوميدى « فإنه  كان غزير الإنتاج، دائما ترى فى أعماله قصة وحبكة وتصاعد. كوميديا فيصل ندا هى الباقية التي تعيش لسنوات طويلة دون أن ينساها الجمهور

نقطة البداية
قال الفنان القدير محمود الحدينى: بداية عملي في التلفزيون كان مسلسل «هارب من الأيام» تأليف فيصل ندا، ويعد هذا العمل بداية عملى فى التلفزيون، وآنذاك كنت أقدم مسرحية «مأساة جميلة « على المسرح القومي وكنت لازلت طالبا فى المعهد العالي للفنون المسرحية، وكان المخرج نور الدمرداش مسئول المسلسلات فى التلفزيون، وعندما شاهد المسرحية رشحني لتقديم شخصية « ابن العمدة « وكان يجسد دور «العمدة « الفنان العظيم حسين رياض، وهذا العمل كان الأول لفيصل ندا وكان هارب من الأيام عن رواية الكاتب الكبير ثروت اباظه، وحقق المسلسل نجاحا كبيرا. أضاف:  كان لديه خبره وحرفيه في صياغة الحوار وكتابة المشاهد بالاعتماد على عنصري التشويق والإثارة، وكان يتميز بهذا التكنيك. وكان هذا المسلسل هو  الوحيد الذي قدمته للكاتب فيصل ندا ولم نلتق في أعمال أخرى ولكنه قدم مجموعة متميزة من الأعمال المسرحية.

أحد كبار كتاب الدراما فى مصر
وقال الكاتب والناقد عماد مطاوع: « يعد فيصل ندا واحدا من البنائين الكبار لفن الدراما فى مصر منذ بداية كتابة الدراما التلفزيونية مع الرعيل الأول فى ستينيات القرن الماضي، وكان له بصمات واضحة، كما كانت هذه المرحلة تتسم بالثراء الشديد والحب والإخلاص لإنجاح تجربة جديدة، فكانت الدراما التلفزيونية تخرج للجماهير بشكل ثرى ومميز وله طابع خاص، وكان الفنانون يقبلون على تقديم التجارب بتفان وحب،  وكان التلفزيون زائرا جديدا على المجتمع المصري، وساهم فى تغيير أنماط التلقي وسلوك قطاع كبير من المجتمع حتى أصبحت الدراما التلفزيونية تشكل توجهات فكرية وأنماط تفكير.
وتابع قائلا :» مثلما كان آثره واضحا فى التلفزيون كان أيضا له علامات هامة وبارزة في المسرح، فقد أهتم وآمن بالمسرح وقام بشراء مسرح هدى شعراوى وأسس فرقته الخاصة ومن خلالها قدم تجارب مهمة، فكان علامة مميزة فى الإنتاج المسرحى فى مصر والعالم العربي، كما كان له تجارب ليست كثيرة ولكنها مؤثرة وهامة على مستوى الدراما الإذاعية، والحقيقة لن يكون هناك حديث يوفى قدر هذا المبدع و أتمنى من الله ان يجازيه خيرا عما قدم.
رحل بعد عمر طويل من العطاء
وحرصت الفنانة نبيلة عبيد على نعي فيصل ندا برسالة مؤثرة باعتباره واحداً ممن رافقوا مسيرتها، وكتب لها واحداً من أشهر أفلامها وهو «قضية سميحة بدران» عام 1990، قالت نبيلة عبيد عبر «إنستغرام»، «بكثير من الحزن والأسى أنعي وفاة الكاتب والسيناريست فيصل ندا الذي رحل بعد عمر طويل من العطاء للفن رحمه الله. خالص العزاء إلى عائلته وأصدقائه ومحبيه»


رنا رأفت