«ممثل كل الأدوار».. هل كل الأدوار صالحة للتمثيل؟

«ممثل كل الأدوار».. هل كل الأدوار صالحة للتمثيل؟

العدد 719 صدر بتاريخ 7يونيو2021

قدمت فرقه ديرب نجم التابعة لفرع ثقافة الشرقية العرض المسرحي .. ممثل كل الأدوار.. تأليف وإخراج د. محمود كحيلة في مغامرة مسرحية جديدة من مغامرات كحيله كمؤلف وكمخرج تلك المرة ..لتبدأ اللعبة من هنا مبدع يمتلك معظم الأدوار!
في هدوء شديد يقدم لنا المؤلف فكرة المسرحية في جمله شديده الاختصار عبر مجموعه من الأسئلة التي ازدحم بها النص وتناقلتها ألسنة فريق التمثيل داخل عرض إشكالي مليء بالتساؤلات
لكن السؤال الأهم.. هو هل من الممكن أن يتحول المجني إلي جاني أو ربما القاضي إلي متهم أو يتحول الحاكم إلي محكوم ..هل يمكن بالفعل تبادل الأدوار؟.. تتعدد الأسئلة إلا أنها تدور في فلك واحد قديم متجدد حول لعبة ..من هو صاحب الحق، من هو القاتل، من هو المقتول، إذن ما الحل؟..
الفن غير معني بتقديم الحلول والإجابات بقدر ما هو يطرح الأسئلة تلك احد اهم بديهيات اللعبة المسرحية والتي لعب عليها كحيله مستخدما خبراته كمؤلف وكمخرج
وفي قراءتي لهذا العرض اطرح سؤالا.. هل تأتي استنارة الجسد من أنوار مسلطه عليه أم يكون هو مصدر تلك الاستنارة التي ينشرها ويغطي بها المساحة من حوله؟..أنها تلك الكلمات التي تشكلها أعضاء الجسد مجتمعه والتي تمثل الوميض الذي يبرق حوله ليحيطه بهاله منيره غير محدده الأبعاد تلك الهالة هي اللعبة المسرحية اليوم لا تعرف من هو الحاكم ولا المحكوم من القاتل ولا المقتول هي حلم يقظه ..وسؤال آخر ماذا يحدث لو تداخلت الأدوار؟..
ارغم العرض المتلقي علي انه لا يضع نقطه بنهاية الجملة لتختم المعني، ذلك لأن الجملة تظل منفتحه علي العديد من المعاني متشابكه الأحرف ،متباعده للغايه بشكل يكفل للمشاهد مساحه ملموسه لإبداء تخيله، أن العرض لا يسرد حكاية كي يتفق أو يختلف معها المتلقي ولكنه يجعل المتلقي يعيد كتابه النص ويعيد مشهديه العرض ذاته من خلال احرف يجتهد في تفكيكها وخلطها لابتكار أبجدية جديده تناسب العصر
هي أبجدية العرض الذي يناسب لعبه تبادل الأدوار.. هي أبجدية الحياه ذاتها ففي الحقيقة تبادل الأدوار لم يعد فقط علي خشبه المسرح وإنما تحولت اللعبة إلي ممارسات حياتيه عاديه لتفقد لعبه تبادل الأدوار هيبتها في الحياه، فهي لعبه مكشوفه لكن داخل العرض هي من اخطر الممارسات المسرحية، فقد سيطر كحيله علي أدوات اللعبة بشكل منظم ما بين فريق التمثيل وفريق الاستعراضات في ظل حركه منظمه إلي حد بعيد لولا قله خبره بعض الممثلين في بعض الأوقات مع ازدحام المسرح لكن خرجت الصورة المسرحية في شكل جيد

مزج الألوان.. 
عمل العرض علي مزج الألوان للحصول علي لون جديد غير مألوف قد يبهر البعض وقد يصدم البعض الآخر ليحدث حاله من الفزع الدرامي المطلوب وليس مجرد كسر الإبهام البريختي
لعب العرض علي لعبه الوقت كأهم عنصر مادي في المسرح كنسيج يتم شغله ،ينسجه الممثلون بعباراتهم وسكونهم وذهولهم وقفزاتهم وانكسافهم وتباطؤهم وتعجلهم بالفعل الوقت هو النسيج الأهم، الذي يجب رتقه وفتقه للذهاب إليه، إلي أعمق ما بداخله لعرضه في الهواء
لذالك خرجت اللغة كالقذيفة هي كتل عمياء متدحرجه ومنجرفه ،هي أشياء لها أصداء تتعارض مع الكلمات في نص موازي آخر خلقه الشاعر علاء عيسي مؤلف أغاني العرض وكانه يكتب نصا آخر ،فقد وعي جيدا مفردات النص ،هذا النص المراوغ لينسج علاء عيسي وهو شاعر العامية المهم ..نص جديد وكانه يزيد لعبه تبادل الأدوار تعقيدا، إلا أنه التعقيد المحبب عندما يخترق مؤلف الأغاني عمق النص لينقله مخففا إلي عمق الصالة لتضاف مساحة جديدة، مساحة تأتي لتخفي الأخري
فالترتيب هنا متشابه وقابل للانعكاس حتي انه يبدو لنا بلا عقبات ،خاصه مع لعبه تغير القبعات
ليحدث بين التغني والتحدث انتقال مفاجئ كما بين الكواليس والمسرح، نبحث بالغناء عن موضع آخر للغة، وعن طبقه أخري تحتها غير متوقعه ،فهو يخلق مساحه تحت المساحة وأزمنة أخري تحت الزمن ففي حرص شديد يفتح العرض الهوامش واللعب عند الحدود هناك دائرة كلاميه وتركيب للجمله واسترجاع
فظهرت المشاهد وكأنها تنهار الواحد في الأخر وتنصب في الفكر لتتوالي المشاهد بنوع من الانجذاب عبر انهيار الفضاء وإعادة التكوين
نحن فوق طاوله مدميه يتذكر عليها المشهد الأصلي، ولكن أي مشهد ؟ مشهدي؟ أم مشهدك؟
تحولت لعبه التمثيل والممثل في قمه الأداء إلي دميه يحركها شيء آخر، أو ربما شخص آخر، أن الجميل في الدمية هو خروج الإنسان منها فنحن أمام الممثل المشطور للغايه يستطيع القيام بها ،فالممثل في هذا العرض ليس أحدا يعبر عن نفسه ولكنه منشطر ومتفرق انه شخص يشاهد نفسه ،ومتفرج لجسده ،وإنسان يخرج من إنسان
..علي حد كلمات المسرحية هذا ما فعل ليستمر..قام بكل الأدوار فهو صحاب القرار لكن المسافة بين الدور والقرار هي العرض المسرحي ذاته
فالتمثيل ممنوع ،كل شيء علي خشبه المسرح يعرض بموضوعيه، ولكن ليس هناك تمثيل ليحدث التداخل بين التمثيل واللا تمثيل وهنا تتحقق رسالة العرض المباشرة وغير المباشرة
داخل الوجع الإنساني الذي عبرت عنه ألحان د ايمن نجم وغناء احمد عادل وأمينة حسن وسط استعراضات مجدي الفيومي المتقنة داخل إطار الصورة المشهدية للمنظر الذي صنعه في بساطه محمد خلف وسط إضاءة مجدي فرج
وتميز فريق التمثيل الذي حمل عبء لعبه، بل لعبات تبادل الأدوار .. وهم بلا أي ترتيب... محمود المنسي، حماده عبدالسلام، علي فكري، الزير سالم، دنيا مجدي، محمد البنا، أبو زياد المصري ،خالد مجدي ،عصمت رمضان ،شهد مجدي، مجدي عادل، فرج محمد ،أمجد حسن ،أمينه حسن ....
عرض مسرحي مهم هو إضافة قويه للكاتب والمخرج د.محمود كحيلة، عرض يؤكد علي قيمة وأهمية الإبداع بالأقاليم... 


محمود سعيد