العلاقة بين النص والأداء في المسرح

العلاقة بين النص والأداء   في المسرح

العدد 559 صدر بتاريخ 14مايو2018

حتى من قبل الازدهار غير المسبوق للمسرح الأدبي في الثقافة الأوروبية الغربية، الذي بدأ في منتصف القرن التاسع عشر، لم تدر النقاشات الفلسفية الأداء المسرحي، بشكل نموذجي، حول المسرح أو الأداء المسرحي نفسه. إذ تأسست، بدلا من ذلك على فهم الأداء المسرحي باعتباره الممارسة التي ترتبط وظيفتها بأشكال الفن الأخرى، واعتمادها على مخرجات تلك الأشكال الأخرى، ولا سيما ما ينتج من فنون الكتابة. ومُنحت الوظائف الأخرى، عندما تم الاعتراف بها، وضعا ثانويا وعوملت كحالات هامشية. ولم يتعزز هذا التوجه نحو المسرح مع نجاح المسرح الأوروبي فحسب.
فما زال هناك سلف أقدم لهذا التوجه. عند أرسطو في البداية، حيث كان لمفهوم الدراما تطبيق غامض: فهل أشار إلى ملامح شكل يشبه الرقص والموسيقى، أم ملامح الشكل نفسه الذي يقدمه؟ علاوة على ذلك، أجاب أرسطو على هذا السؤال بشكل غامض، من خلال التأكيد على أن السمة المميزة للدراما هي الحوار dialogue. ولكن، هل يعني هذا فعلا نوعا من الكلام أم نوعا من الكتابة؟ لقد اهتم أغلب المؤلفين في العصر الوسيط وعصر النهضة والعصر الحديث بالتأكيد على أنه إذا كانت الكتابة هي شكل الحوار فيكون لدينا عندئذ دراما، وإلا كان لدينا شكل آخر من أشكال الشعر المكتوب. ولذلك، فإن الأنواع المقارنة بشكل ملائم لا تقع في نطاق المسرح وأشكال التقديم الأدائي الجماهيرية الأخرى، ولكن الدراما كشكل في الكتابة بالمقارنة مع أشكال المسرح الأدبي الأخرى قد ظهرت في الصورة.
والحقيقة المثيرة هي أنه في الوقت نفسه الذي ازدهر فيه المسرح، ظهرت تقاليد أضعف كانت مسرحية بشكل صريح. وفي أواخر القرن التاسع عشر بدأ بعض المتخصصين في المسرح يحللون الأداء المسرحي بشكل مستقل عن ارتباطه بالأدب. وفي العقود التالية من القرن العشرين بدأ بعض منظري المسرح يلتحقون بهذا العمل المبكر (مثل بلو، وشيشنر، وشميدت، وأوسلاندر). ومع ذلك، بينما كان كثير من المنظرين يجاهدون للهروب من ذلك، ظل التوجه الأدبي كامنا بعمق في تفكيرهم كما وضحت (جوليا ووكر) في سؤالها المركزي حول الفصل بين المسرح ومنظري الأداء خلال العقد الأخير من القرن العشرين: «لقد طرح هذا الجدال سؤال أين يكمن المعنى، وهل يكمن في الكلمات وحدها، أم يكمن في الأجسام التي تعطي هذه الكلمات الصوت؟
وكان الفلاسفة أبطأ من منظري المسرح في الاستجابة إلى ضعف التقاليد المسرحية؛ إذ فشلوا بوجه خاص في الهروب من نمط التفكير أن الأداء يُرى باعتبار أنه يعتمد بقوة على شيء مختلف عن الحدث المسرحي نفسه.
واستمر فلاسفة التأويل (الهرمنيوطيقا) في وضع القراءة والكتابة في قلب تفكيرهم، وعندما طبق منظرو هذه الأنساق على المسرح كان يُنظر إلى الأداء المسرحي باعتباره شكلا جديدا لنسق العلامات Sign system التي كانت تعني أنه ما زال هناك شيء لكي يُقرأ. وهذا هو الشيء الأكثر صراحة وعلانية في تحليلات المسرح السيميوطيقية، ولكنه حاضر بنفس القدر في التحليلات المستمدة من الظاهراتية (الفينومينولوجيا)؛ إذ اعترف المحللون الظاهراتيون بأهمية مادية الأداء، لكنهم لا يزالون يرون أن مشكلة المسرح باعتبار أنها مشكلة وضع الأداء ضد الكلمات، وأنه لا يزال عوالم خيالية مصنوعة من الكلمات التي لها أولوية منطقية.
وباستثناء أغلب كتابات الفلاسفة التحليليين الحديثة، فإننا إذا استطعنا أن نحصل على التناظر الصحيح مع الأعمال الموسيقية وأدائها، فسوف يُطبق الوضع نفسه على الأعمال المسرحية وأدائها. وهذا الأمر له تأثيران: الأول، أنهم يعتقدون أن الأداء يعتمد على شيء آخر مختلف في نوعه عن الأداء. والثاني، أن العلاقات الفعلية بين النصوص والأداء في ممارسات تقديم وتلقي المسرح ظلت تقريبا خارج هدف التنظير الفلسفي تماما.
وفي هذه الدراسة، سوف أقدم باستفاضة الافتراضات الأساسية في هذه المناقشة وأسباب الالتزام بها. وهدفي الرئيسي أن أقدم إطارا لمقارنة وتقويم مختلف البدائل المطروحة. وسوف أوضح أيضا بعض التحديات التي تستجيب لهذه الافتراضات.
 البداية
تدريس الأدب هو دراسة عمل كلاسيكي في الأدب الدرامي، مثل «هاملت» لشكسبير؛ إذ يحاول الطلاب معرفة ما كل هذه الضجة حول مشهد الغرفة الذي يواجه فيه هاملت أمه ويتهمها بالزنا. وهذا المشهد يسبقه مشهدان آخران، الأول حين يراقب هاملت «كلاوديوس» وهو يشاهد فرقة المؤدين الجوالة وهم يقدمون «مقتل جونزاجوThe murder of Gonzago»، وهي مسرحية قصيرة تكرر قتل “كلاوديوس” لوالد هاملت وزواجه السريع من الملكة. وعند مشاهدته للأحداث وهي تتكشف ينادي «كلاوديوس» بإشعال الضوء ويغادر الغرفة في عجلة. يضع هاملت مصيدته ويجهر للانتقام لمقتل أبيه. ولكن المشهد التالي يصادف «كلاوديوس» وهو يصلي، فيتردد في قتله، ويقول إنه لو قتل «كلاوديوس» وهو يصلي فسوف تذهب روحة إلى الجنة وهذا ليس الانتقام الذي يسعى إليه.
يفهم الطلاب كل هذا، علاوة على ذلك، يرون السخرية في حقيقة أن «كلاوديوس» يعتقد أن صلاته لن تصل إلى السماء، لأنه يستطيع أن يكوّن كلمات صلاته وليس الأفكار المصاحبة لها. فهو في النهاية مجرم مشارك في قتل أخيه.
ولكن عندئذ يلي مشهد الغرفة لغز، فما هي فكرته الرئيسية؟ هل هي جنون هاملت، أم هل هي سلامة عقله؟ هل هي خطيئة جرترود؟ وهل هي مذنبة؟ وهل هو قتل هاملت لبولونيوس؟ ولماذا يظهر الشبح مرة أخرى في هذا المشهد، وما هي وظيفته؟ ثم كيف تنشأ النقاط الفرعية في المشهد وكيف ترتبط بالنقطة الأساسية؟ وأخيرا، ماذا عن الفكرة الرئيسية أو النقطة التي تجعلها مركزية؟ هل هو دورها في بنية الحبكة أم في تطور الشخصية؟ وكيف يترابط كل هذا في هذا المشهد خصوصا؟
يجد دراسو الأدب صعوبة في كل هذه الأسئلة، ولمساعدتهم تقسمهم المدرسة إلى مجموعات تجسد المشهد باستغلال مختلف الأدوات. تمسك المجموعة الأولى السيف والسلسلة وكرسي وشيئا يوظف كسرير. وتمسك المجموعة الثانية سيفا وصورتين بالحجم الطبيعي وعدة كراسي. تمسك المجموعة الثالثة عددا من الكراسي ويُطلب إليهم أن يجدوا المزيد من الأدوات التي يمكن أن يحتاجوها لحركاتهم. وعندما يحزمون أمرهم ويقومون بالتمثيل، تعود المجموعات إلى توضيح ما فعلوه في المشهد. فالمشاهد مختلفة ماديا عن بعضها البعض. وتبدأ بعض الإجابات على الأسئلة التي حيرتهم في الظهور أثناء تقديمهم للمشهد. كما تقدم أداءات أخرى إجابات أخرى مختلفة لهذه الأسئلة.
تتأثر هذه الطريقة في تدريس العمل الأدبي بما يسمى «النقد المرتكز على الأداءPerformance - centered criticism» وعلم التربية. لذلك، حتى تساعد المدرسة طلابها في التمرين، قد تطلب منهم أن يجيبوا على أسئلة الأداء الأخرى: كيف يكون رد فعل هاملت تجاه قتل بولونيوس (هل يعاني أم لا يبالي)؟ وما مدى قرب جرترود وهاملت خلال المشهد؟ وهل ظهر الشبح فعلا أم لم يظهر؟ وإن لم يحدث من هو الذي يقول سطوره؟ وسواء ظهر الشبح أم لم يظهر، كيف تجمع الثلاثة على خشبة المسرح؟ (بمعنى، أين كان هاملت يركز انتباهه؟ وأين كنت جرترود تركز انتباهها؟ وأين يجب أن يوجه المتلقون انتباههم؟). وعندما انتظر الشبح كلام هاملت لجرترود، ويفعل هاملت ذلك، هل انتبه لها أم لا؟ وإذا كان هناك سيف هل ظل هاملت يحمله طوال المشهد بعد قتل بولونيوس أم تركه في لحظة ما؟ وفي النهاية، إن كان الأمر كذلك هل كانت هناك دماء؟ وأين هي؟ وكيف؟
ويجادل البعض بأن هناك حدودا جدية لتدريس أعمال الأدب الدرامي المرتكز على الأداء، لأن احتمالات الأداء، بينما هي مضيئة، فإنها لا تستنفد ما يمكن في النص. علاوة على ذلك، يقال إنه إذا كان ما نريده هو أغنى وأوسع تفاعل مع النص، فسوف نفكر في احتمالات المعنى والحدث الذي لا يمكن أن يُقدم في أي أداء، أو إن حدث، فلن يُفهم حتى بواسطة المتلقين المتمرسين، حتى في مرات مشاهدة متعددة.
ولكنني لا أقدم تمرين التدريس هذا كوسيلة لدعم أسلوب التدريس المرتكز على الأداء، أو لنقد أعمال الأدب الدرامي. ورغم ذلك، أقدمه لأنه يمكن أن يستخدم في اقتراح ستة ملامح للأداء المسرحي سوف تكون مفيدة في التدرب على مختلف المواقف تم اتخاذها في مسألة اختبار الأداء.
 يوضح التمرين أن كثيرا مما يُعرض في هذه العروض النصية ينشأ من ملاحظات صغيرة وأحيانا تصادفية ليس لها وصف مكتوب في نص الأداء. فهل صور «كلاوديوس» و«هاملت» الذي يرتدي السلسلة، حجمها صغير جدا لدرجة أن الشخصيات فقط الذين يرونهما؟ أم هل الصور معلقة على الحائط حتى تراهم كل من الشخصيات والمتلقين؟ وإذا لم يرَ الجمهور الصور، فإن حكمه على «هاملت» و«كلاوديوس» يحدده تماما ما يصنعونه مع الشخصيات الأخرى التي يرونها، وموثوقية تقويمهم لـ«هاملت وكلاوديوس». وإذا جعلت الفرقة المتلقين يرون الصور، فيبدو أن للجمهور حكما مستقلا على تلك الأمور لأنهم يستطيعون أن يروا ملامح كل شخصية مستهدفة بأنفسهم. وهذا يوضح لماذا، حتى عندما يعتبر المؤدون أنفسهم مجرد حشو للنص، يتجاوزون دائما ما يعطيه لهم الناس عند إعداد الأداء.
 يقترح التمرين لماذا تشكل خصوصية ومادية الأداء وتقدم لهم وزنا لما يُقدّم بشكل مميز. يستطيع التمرين أن يقدم فرقا مميزا لفهم المتلقي لما يحدث في المشهد إذا تلامس هاملت وجرترود باستمرار فضلا عن أنهما دائما بعيدان عن كل منهما الآخر.
 يقترح التدريب ما يسميه (كيندال والتون) «أسئلة سخيفة» يمكن أن تبدو نسبيا أقل سخافة عند تطبيقها على بعض الأداءات المسرحية. فهل طول قامة هاملت ستة أقدام وخمس بوصات؟ تركز عروض أخرى بشكل نموذجي على ملامح مختلفة للمؤدين والأدوات والديكورات، وهل هناك تأثير مختلف فعلا؟ في نص الأداء، وفي كثير من العروض يكون طول قامة هاملت بلا قيمة، ولكن يمكن أن يكون له وزن مهم في بعض العروض الأخرى، والشيء بالشيء يُذكر، ماذا لو كان هاملت بدينا؟
 يمكن أن يخدم التمرين في تذكيرنا بشكل حيوي بحقيقة أن أغلب المتلقين الذين يشاهدون أداء لأي مسرحية – بالمقارنة إلى الطلاب قاعة الدرس – سوف يرون فقط أداء واحدا ولن يقرأوا النص المستخدم في تطوير الأداء.
 يؤكد التمرين فكرة أن كثيرا من الأداءات المنفصلة قد تستخدم نفس نص الأداء.
 يمكن أن يذكرنا التمرين أيضا بأهمية النصوص – مجموعة الجمل وأجزاء الجمل المرتبة بنظام معين – من أجل المسرح وبالتأكيد المسرح وفقا للتقاليد الأوروبية الغربية.
ولذلك، يساعدنا التمرين أن نرى لماذا تستمر علاقة النصوص بالأداءات في إخضاع الانتباه، ولماذا هي كذلك، وكما تقول (جوليا ووكر) «لم تسيطر أي فكرة على ثقافة الدراسات في المسرح أكثر من فكرة (انفصال النص/ الأداء)».
 النصوص والأداءات:
ما هي إذن العلاقة بين الأداءات والنصوص المستخدمة في صنع كثير من الأداءات المسرحية؟
المجموعة الأولى من الافتراضات التي يجب أن نتأملها تضع تأكيدا نسبيا على الحقيقتين الأخيرتين من الحقائق الست التي قدمناها آنفا – أهمية النصوص المكتوبة من أجل الأداء في التقاليد الأدبية وتعددية الأداءات في ما يتعلق بتلك النصوص. وكما سنرى، فإن هذه الافتراضات إما يتم تجاهلها أو تحديها لتقديم تفسير ملائم للحقائق الأربع الأخرى.
 الأداءات باعتبارها تصويرا للنصوص
خط الفكر الذي كان مفضلا في أقسام الأدب والدراما الأكاديمية هو أن الأداءات المسرحية تصوير للنصوص الدرامية. وعلى أساس هذه الرؤية، قد يضيف التقديم على خشبة المسرح إلى جاذبية المسرحية، ولكنه لا يضيف إلى جوهرها، لأن جوهرها يٌنقل بواسطة النص وحده. ولا تنكر هذه الرؤية وجود أو حتى أهمية التفاصيل المضافة والواضحة في درس التمرين على الأداء السابق، لكنها تنكر تلك التفاصيل التي تقول لنا (أو توضح لنا) أي شيء له أهمية في ما يتعلق بالنص. فالنص يتم تصويره بواسطة هذه التفاصيل لكنه لا يتضح بواسطتها.
ومن الممكن أن يُرى هذا باعتباره وضعا يتعذر الدفاع عنه. ومن المثير للجدل أن الشرط المسبق لتأمل الأداءات المسرحية بهذه الطريقة هو أن النص يتم تناوله باعتباره كاملا، بمعنى أن كل اختيارات معانيه متضمنة فيه على نحو ما. ولكن لا يوجد سبب للاعتقاد بأن أي نص، ولا سيما النص المكتوب للمسرح، هو نص كامل، بمعنى أنه يتضمن كل احتمالات معانيه. وبشكل أوضح، لأن الأداء المسرحي هو طريقة للفعل، وأن استجاباتنا للأفعال تختلف عن استجاباتنا لوصف الأحداث، فلا تستطيع التفاصيل المضافة أن تقدم أي شيء بخلاف ما هو مكتوب في النص: ويقول (و.ب. وارزين) «حتى هذه الصورة تسيء تفسير العمل الذي يقوم به الأداء، ليس فقط على الهوامش ولكن في الكتابة».
 الأداءات باعتبارها تفسيرات للنصوص:
الطريقة الأخرى لفهم علاقة النص بالأداء هي أن نفكر في الأداءات باعتبارها تفسيرات لأي شيء مكتوب للأداء المسرحي. وبشكل نموذجي، هل تكون هذه الأعمال من الأدب الدرامي. فعلى الرغم من أن تقاليد الأدب الدرامي أوروبية غربية في الأصل، فإن هذه الطريقة في التفكير يمكنها أن تمتد بشكل منطقي إلى تقاليد مسرحية أخرى. وعلى الرغم من نشأة بعض صيغ التفسير على تأمل النص والأداء، فإنها تسمح أيضا بمساحة منطقية أكبر للأداء لتلك الأداءات التي ليس لها نصوص مكتوبة بالكامل مسبقا، ولكن ما يسميه (بول توم) مواد للأداء وليس أعمالا للأداء.
 الرؤية القوية للأداء باعتباره تفسيرا:
تفترض أقوى رؤى الأداءات باعتبارها تفسيرات أن التفاصيل مطلوبة فقط عندما لا نفهم النص، وأن أي تفاصيل إضافية تساعدنا في فهمه تقدم التفسير الصحيح للنص. وأسميها الرؤية القوية لأنها تقدم أكبر المطالب السيمانطيقية على أساس اختيارات المؤدين. والفكرة كما يقدمها (ديفيد نوفيتز David Novitz) هي كالتالي:
 «بما أنه من المنطقي أن نفترض أن هناك طريقة واحدة فقط نفهم بها العالم في أي وقت من الأوقات (ونسمي ذلك “تقييد التفرد”)، فلا بد أن نعترف بأننا لم نفهم في النهاية، إذا ما أدركنا أيضا أن الظاهرة أو الحالة قابلة للتكيف مع تفسيرين: تفسيرين يدلان على خصائص مختلفة وحصرية للظاهرة المعنية. لأنه إذا كانت هناك طريقة واحدة نفهم بها العالم في أي.... فهذا يشير إلى أنه لم يتم التوصل إلى فهم كاف، وأن هناك عملا يجب القيام به، وهو تفارب يجب التفكير فيه».
مثل كل صيغ الفهم التفسيري لعلاقة النص بالأداء، تفترض هذه الرؤية نقصا كامنا في طبيعة النصوص المسرحية. والشيء المميز في هذه الرؤية هو أنها تفسر النقص باعتبار أنه ينشأ بواسطة فجوة معرفية، أو ثغرة فيما يمكن أن يُفهم بشكل تام. والفشل المفترض في الفهم ليس فشلا من جانب القراء: فالأعمال المكتوبة للمسرح لا يمكن أن تُفهم تماما حتى تُؤدى على خشبة المسرح. ولذلك لن تمنع هذه الرؤية الالتباس أو الغموض أو الاضطراب في النصوص المسرحية، بل إنها تنكر فقط أن النص له معنى دقيق ومحدد في لحظة ما، وأنه لو كان غامضا في تلك اللحظة فلن يكون له معنى منفرد عندئذ.
في النهاية، مثل كل صيغ الفهم التفسيري لعلاقة النص بالأداء، تفترض هذه الرؤية أن التفاصيل الإضافية هي التي تنشئ التفسير. ولكن السمة المميزة لهذه الرؤية هي أنه من المفترض أن تكمل التفاصيل الإضافية النص عن طريق إسناد خصائص حصري له. بمعنى أنه، حينما يكون النص غامضا، يحل أي أداء هذا الغموض، لدرجة إقصاء معاني النص الأخرى. وبذلك لا بد أن تكون بعض الأداءات إساءات لتفسير النص.
 الأوضاع الثلاثة الأضعف:
لا تزال تفسر أقل رؤى الأداءات كتفسيرات ضعف التفاصيل الإضافية للأداء باعتبار أنها تحقق وظيفة سيمانطيقية (مرتبطة بالمعنى). ولكن تلك الوظيفة هي وظيفة تقديم معنى للنص، فضلا عن جعل النص مفهوما بشكل أحادي المعنى. ومثل أوضاع التفسير الأخرى، تدرك هذه الرؤية أن الأعمال المخصصة للأداء على خشبة المسرح هي أعمال ناقصة بطبيعتها بدون ذلك الأداء. ووفقا لهذه الرؤية، تعزز التفاصيل الإضافية طرقا بعينها لفهم النص. فمثلا، ظهور الشبح في مشهد الغرفة وجعل هاملت ينظر إليه، بينما تنظر جرترود إلى هاملت، يمكن أن يعزز فكرة أن هاملت ليس مشوشا، رغم أن الشخصيات الأخرى لا تفهم هذه الحقيقة، وسوف تستمر في البحث عن أسباب أخرى لسلوكه الغريب. وعلى الرغم من أن هذه الرؤية تدرك أنه قد توجد طريقة واحدة لفهم هذا المشهد، ولذلك فهي ليست مرتبطة بالواقعية الميتافيزيقية للخصائص الثقافية.
ومن الجدير بالملاحظة أن المدافع الرئيسي عن هذه الرؤية، وهو (بول توم)، يجادل بأن تفسير النص يتعلق بأكثر من مجرد إضافة تفاصيل حتى لو كانت مقصودة: التفاصيل لا يجب أن يعكسها المؤدون كجزء من أدائهم، فلا بد أن تكون التفاصيل متكاملة مع صور تفسير المؤدين الأخرى للمادة. وتعزز هذه الرؤية الموقف المشترك بين صيغ نظريات التفسير في ما يتعلق بالإضافة القصدية للتفاصيل. تأمل مثلا قرار جعل كل من جرترود وهاملت يقفان متباعدين كل منهما عن الآخر دائما، دون إشارة إلى أن هذا الوضع مقصود من جانب الشخصيتين. فهل النتيجة المرجوة هي إعطاء انطباع بتوتر جنسي بين الأم والابن، ولكن هذا القرار لن يتكامل تماما داخل الأداء. ولذلك، إذا لم يُعد الأداء تفسيرا حتى لو لم يهدف إلى التناغم، فلن تتكامل القرارات داخل تفاصيل الأداء الأخرى، ويمكن أن تكون من علامات الفشل التفسيري.
وتفترض الرؤية الثانية الأضعف في تأويل الأداءات كتفسيرات للنصوص أن التفاصيل الإضافية المقدمة في الأداء تقدم ترجمة للنص. وعلى أساس القصة المنقولة، تفترض (فيشر - ليشت Fischer - Lichte) أن الأداء هو طريقة لإنشاء علامات النص في عملية التفسير المتعلقة بالدور المعطى للممثلين في النص الدرامي، والبعد البدني للممثل وتقاليد التمثيل السائدة في ذلك الوقت، بمعنى الشفرة الملائمة للتمثيل. وطبقا لهذه الرؤية يكون النص الدرامي ناقصا وفي حاجة دائمة إلى تفسير. فما الذي يفعله الأداء إذن؟ وبما أن الأداء وعناصره يُفسران لغويا، فلا بد أن تكون لدينا شبكة متناغمة من أفكار الترجمة والتفسير:
 «توظف الكتب والمطبوعات كوسائل اتصال تنقل دراما النص الأدبي ولا يكون لها تأثير على إنشاء المعنى... وبالمقارنة يضم الممثل وفراغ خشبة المسرح الذي يضم الوسائط التي تقدم دائما خصائص دلالية معينة في عملية نقل المعنى. ولذلك لا يمكن استخدامها لنقل المعنى بدون تغيير».
على أساس هذه الرؤية، يُفسر اسم الشخصية وجسم الممثل باعتبارهما موضوعين لغويين، وبما أنه يمكن تفسير الشخصية نقديا بلغة مكتوبة، فإنها تُفسر نقديا أيضا في النص المسرحي، أعني في الأداء. وفي النهاية، لأن اختيار العلامات يتحدد جزئيا بواسطة تقاليد التمثيل السائدة في وقت الأداء، فأكثر من أداء تفسيري ممكن لأي عمل درامي بعينه: بالطبع التفسيرات المتعددة حتمية.
والضعف في هاتين الرؤيتين له علاقة بما تحققه التفاصيل. فعدم التمكن من تقديم التفسير يوفر تفهما لا ينقطع – مع الأسس الواقعية التي تنطوي عليها الرؤية القوية – فهذه الآراء تسمح صراحة بالانتقال إلى الخصائص غير الحصرية. ولذلك، تسمح هذه الرؤى للتفسيرات المتعددة والمقبولة على حد سواء بالشيء نفسه.
وما زالت هناك رؤية تفسير أضعف ممكنة، وهي الرؤية التي يقال فيها إن التفاصيل المضافة للأداء تكمل النص المكتوب بالطريقة نفسها التي توضع فيها إضافات جديدة للمعجم. وعلى أساس هذه الرؤية، يوضح الأداء النقص غير الواضح حتى الآن. علاوة على أن الأداء يوحي بأن مزيدا من الإضافات ممكنة الآن، ومن الممكن أن تكون حتمية. فعند قراءة إضافة عتيقة الطراز لمعجم، نفترض أنه يمكن أن توجد إضافات أخرى تليها. ولذلك، لا يوضح الأداء النقص في النص فقط، ولكن أيضا في الأداء ذاته. وما يضعف هذه الرؤية مرة أخرى له علاقة بما تقدمه لنا التفاصيل. ولكن في هذه الحالة لا نرى أن النص الآن يمكن أن يكون غامضا فقط، بل إن الأداء الحالي الذي يضيف تلك التفاصيل لكي يزيل غموض النص المكتوب هو في ذاته عرضة لتعديلات في المستقبل.
.. يتبع
 العناصر المشتركة بين المواقف القوية والمواقف الأضعف:
ما يهمنا هنا هو هل يشرح النموذج التفسيري علاقة النص بالأداء المسرحي فعلا. قبل أن نلتفت إلى هذا الأمر، رغم ذلك، يجب أن نلاحظ أن هناك ثلاثة ملامح عامة في كل نظريات التفسير قادرة على إقرار الأداءات كتفسيرات.
 كل مواقف التفسير هذه أضعف من رؤية تصوير النص بمعنى أنها تعترف أن النص المكتوب ناقص. ولا شك أن كل أعمال الأدب الدرامي مكتوبة لكي تعرض على خشبة المسرح، وهذا يتم تناوله ليعني أنها حتى تعرض فهناك شيء مفقود.
 تعترف كل مواقف التفسير هذه بأهمية أنواع من التفاصيل المضادة الواضحة في تمرين التدريس سالف الذكر. وفي موقف الأداء كتصوير للنص، فإن المسائل ذات الأهمية في الأداء فعلا هي الملامح الموجودة في النص نفسه. وتلك الملامح التي تحض على الأسئلة السخيفة، والتي لخصوصيتها وماديتها أهمية في الأداء، هي الملامح الطفيفة التي تثير انتباه المتلقين في الأداء الواحد الذي يشاهدونه – وكلها بلا أهمية. ولكن في كل موقف من مواقف التفسير، فمن المعترف به أن هذه التفاصيل ذات أهمية كبيرة. لأن إضافة مثل هذه التفاصيل يقدم كل ما هو مفقود في النص المكتوب.
 تفترض كل مواقف التفسير هذه أن المؤدين يجب أن يختاروا بشكل قصدي التفاصيل المضافة الملائمة. فالصور التي تحدث بالمصادفة في الأداء – حتى لو كانت متوافقة مع تفسير بعينه – لا يتم تأملها باعتبارها جزءا من التفسير الأصلي.
ولذلك لا يمكن أن نرى أن الفروق بين هذه المواقف يغير الشكل المحدد الذي تقدمه كل نظرية لكل من هذه الملامح العامة الثلاثة.
 الشك في مواقف التفسير القوية والمتوسطة:
ليست كل محاولة قصدية لدمج التفاصيل ومنح أحد أنواع الإنجازات السابق ذكرها – وهي الفهم والمعنى والترجمة – هي محاولة تفسير أدائي، أو أداء تفسيري. فالمحاضرة، مثلا، يمكن أن تكون تفسيرا لمسرحية «هاملت» أيضا. ولعل إحدى الاستجابات لهذا الاعتراض هو أن ندعم رؤية التفسير بالتأكيد على الصورة المشار إليها سابقا، وهي أن يكون لدينا أداء تفسيري في حالة أن يعكس المؤدون التفاصيل وتندمج مع مواد أخرى داخل الأداء المسرحي. ومع أن هذا الأمر جذاب مبدئيا، فإنه يعني أن الأداء يفسر المسرحية عن طريق أدائها بهذه الطريقة، ويستتبع ذلك أن اقتراح أن الأداءات تفسر المسرحيات لن يستطيع أن يشرح الذي ينشئ العلاقة بين المسرحية وأداءاتها بما أنه يفترض تلك العلاقة.
والطريقة التالية الأكثر وضوحا لتجنب المشكلة السابقة تواجه في ذاتها صعوبات. فربما نحاول أن نزعم أن كل أداء يهدف أن يكون تفسيرا بأحد هذه المعاني. وعلى أساس هذا الاعتبار، يمكن أن تظل العلاقة بين النص والأداء، التي لم تحقق تفسيرا، علاقة محاولة للتفسير. والمشكلة هي أن هذا الادعاء يبدو زائفا. إذ لا يهدف كل أداء لمسرحية «هاملت»، أن يفعل ذلك، لأنه في الواقع يحاول أن يفسر «هاملت»، بمعنى أنه يقدم تفاصيل تساعدنا في فهم أو نقل تلك المسرحية إلى نص مسرحي. ويمكن تقديم الأداء باعتباره تحديا لأي معنى يمكن أن يتناوله النص بشكل تقليدي، وليس كتفسير له.
في النهاية، هناك نتيجة إضافية لحقيقة أن اختيارات الأداء هي من بين الأحداث والإيماءات والنطق والإضاءة والإعداد والعناصر المادية الأخرى، وهي المؤثرات المنقولة بواسطة الأداء المسرحي، ليست منصوصا عليها. ويلاحظ (ديفيد أوسيبوفيتش) أنه:
 «إذا كان الأداء المسرحي غير منصوص عليه، فلا سبيل إلى تفسير ذلك الأداء عموما (ولا حتى أي أداءات أخرى تستخدم النصوص) باعتبار أنه تفسير لنص».


  تجاوز التفسير:
يحاول عنصر ثالث أن يتحرك إلى ما وراء نماذج لتفسير في علاقة النص بالأداء لكي ترى النصوص باعتبارها تقدم نوعا واحدا، من بين عدة أنواع أخرى، من تعليمات أو وصفات الإعداد للأداءات، ولكي نرى الأداءات باعتبارها تنفيذا لتعليمات مقدمة في النصوص بشكل موسع. وتجاوزا للفكرة التي أشرنا إليها توا بأن هناك مجرد مواد للأداء تستخدم لتقديم بعض الأداءات، يعامل (نويل كارول) كل النصوص باعتبارها «خطط أداء»، وهذا ينقل ما يسميه (كارول) «نموذج وصفة الإعداد».
 نموذج وصفة الإعداد:
يمكن تأمل نموذج وصفة الإعداد باعتباره أضعف مفاهيم التفسير التي يمكن أن تقوم بوظيفة شرح علاقة النص بالأداء، لأنها تحتفظ بمفهوم التفسير باعتبار أنه مركزي بالنسبة للقصة، على الرغم من نشره للمفهوم بأسلوب مختلف. ولكنني أعتقد أنه من الأفضل أن أصنفه كبديل لنماذج تفسير علاقة النص بالأداء. وعلى أساس رؤية وصفة الإعداد، فإن عملية وضع الإضافات، التي يقوم بها المؤدون في التدريبات، هي التي تؤسس فعل تفسير النص. وبالمقارنة، فإن الأداءات ليست بذاتها تفسيرات للنص، بل هي نتائج للتفسيرات. علاوة على ذلك، لا داعي لتحفيز العملية التفسيرية من خلال التفسير النقدي للنص المكتوب. بمعنى آخر، الأداء هو نتيجة تفسير بأدق معاني ملئه.
وتضعف هذه الرؤية مفهوم التفسير لأنها توظف في أكثر مواضع التمركز حول النص بعدة طرق. أولا، تستغنى عن التركيز السيمانطيقي على أعمال الأدب الدرامي المميزة في الرؤي سالفة الذكر وتستبدلها بمفهوم العمل الدرامي كوصفة للأداء. إذ يشير (نويل كارول) بقوله:
 «إن استخدامي للتفسير أوسع من ذلك المعنى المحدد للنوع المسرحي, فهو يشير إلى ملء أو كسوة النص المسرحي أو خطة الحدث بمؤثرات ومعانٍ متضمنة فيه، سواء كانت تتطابق مع القصد التأليفي من عدمه. فاختيار الممثل وتخطيط الإضاءة وإعداد المشاهد وتبني أسلوب الاغتراب، كلها أجزاء من تكوين تفسير، في رأي، ليس مجرد اختيارات متوافقة مع التمثيل».
ثانيا، تستغنى عن فكرة الأداء كتفسير وتستبدله بفكرة أن التفسير هو فعالية تحديد اختيارات أنواع التفاصيل التي نتآلف معها، كما في تمرين التدريس السابق ذكره، لكي نقدم أداء. ولذلك، يُسمح للاختيارات التي لها علاقة بالمؤثرات التي تسمح بالمعاني بشكل أكبر. وفي النهاية، على الرغم من أن الاختيارات لا داعٍ لأن تكون نتيجة للتوسيط القصدي بين النص والأداء، فإنها لا تؤكد أن التفسير الذي يستمر في تقديم الأداء مزود بتفسير نقدي. ولذلك، فإنه يسمح لأي مواد مضافة بشكل قصدي أن تكون نتيجة للتفسير.
هذا التناول لعلاقة النص بالأداء تناول واعد جدا. فنحن غالبا نتحدث عن نصوص أداء وعروض وأداءات بطرق متداخلة فيما بينهم. ونعرف أنه يمكن أن يكون لدينا مؤلف للمسرحية ومخرج مشهور للعرض، وأداء لهذا العرض في ليلة بعينها. وربما نقيم هذه الأشياء بشكل مختلف عن أشياء أخرى. وأحيانا نقرأ النصوص ونذهب لمشاهدة العرض الذي يستخدمها. وبالتأكيد نقيم النصوص بشكل مختلف عندما نتأملها كأعمال للقراءة مقابل تأملها كنصوص في الأداء. وهذه حقائق مهمة عن التقاليد المسرحية السائدة في الغرب الأوروبي في القرنين الماضيين. إذ يبدو أن نموذج وصفة الإعداد يفسح المجال لكل هذه الممارسات.
 تحديات لنموذج وصفة الإعداد:
المشكلة الأولى أن هدف المدى المرجو في هذا الاعتبار ليس كاملا كما يبدو. فلا يمكن أن تكون المؤثرات المذكورة سابقا جزءا من تنفيذ خطة معينة في نص مسرحي. فليس من الواضح فورا، مثلا، ربما كان تبني أسلوب الاغتراب – على الأقل إذا كان يهدف إلى معارضة المعاني المفترضة أو المؤثرات الموصوفة في النص - جزءا من ملء أو تغطية وصفة الإعداد أو جزءا من تنفيذ خطة الحدث. وتتسم محاولة معارضة هذه المعاني أو المؤثرات المزعومة بممارسات (بريخت) لمساعدة المؤدين على فهم نصوصه.
وتتعلق المشكلة الثانية بكيف نشرح ما هو المهم في خطة الإعداد. ويمكن إعادة هذه النقطة إلى مكانها بتذكير أنفسنا إلى أي مدى نتسامح مع كونها مجتزئة من النص، بينما نظل نعتبر الموجود أمامنا هو أداء لمشهد الغرفة في مسرحية «هاملت». فهل يظل ذلك الأداء لمشهد الغرفة إذا لم يتهم «هاملت» أمه بالإسراع من الزواج بـ«كلاوديوس»؟ من الجائز لا. ولكن ماذا لو لم يظهر «بولونيوس» مطلقا، ولذلك لن يموت؟ من المحتمل أن يقال إنه لن يموت، ولا سيما إذا كان العرض يُقدم في مدرسة ثانوية. ولكن ما هي الخطة إذن، وكيف يعد المشهد الناتج تنفيذا لها؟ هذا ليس القرار الذي يفترض أن يتخذه الفلاسفة. إنه يتخذ في ظروف خاصة بواسطة الممثلين والمتلقين والنقاد، ثم يتخذ مرة أخرى في ظروف مختلفة. فالنقاد والآباء يمكنهم بسهولة ومنطقية أن يصلوا إلى استنتاجات مختلفة في هذا الشأن.
وتتعلق المشكلة الثالثة بكيف يمكن أن نشرح المهم أثناء تنفيذ الخطة. تأمل قرارا بتقديم مشهد الغرفة بممثل يؤدي دور هاملت وهو ينطق سطور «جرترود» والعكس، من خلال حدث مسرحي تجسده العرائس، مع أداء كل سطور بتتابع معكوس من النهاية إلى البداية. فهل يعد هذا أداء يتناول نص «هاملت» كخطة أداء وأنه ينفذ تلك الخطة؟ فكل سطور النص موجودة، ولكن كما يجادل (وارزين) «معرفة أن الأداء ملتزم بنص لا يخبرنا شيئا عنه تقريبا، وهذه النقطة ترتبط بأخرى، وهي أن كثيرا من الاختيارات المتضمنة في أي أداء هي اختيارات تصادفية وليست محددة مسبقا في خطة الأداء».
والمشكلة الحاسمة، رغم ذلك، هي أن اختيار استخدام النص المكتوب كخطة أداء هو في ذاته أحد القرارات الأساسية المفتوحة أمام المؤدين، وأن نموذج وصفة الإعداد في علاقة النص بالأداء تعوقها.
 استراتيجيتان في تمركز الأداء:
على الرغم من الرؤية السابقة التي تأملناها، تسعى إلى التحرك فيما وراء التفسير ونتبنى رؤية مختلفة تماما في علاقة النص بالعرض، فلا متداخلة مع وجهة نظر المسرح الذي تكون فيه العروض المنصوص عليها نموذجية. تتناول كل من الأوضاع سالفة الذكر مسألة علاقة النص بالأداء بافتراض أن أغلب الأداءات المسرحية تُستخدم نصوص فعلا. فبقايا هذا الافتراض هي المسئولة في الحقيقية عن أنه على الرغم من أن وجهة نظر وصفة الإعداد تحول دون وجود اختيارات أساسية فهي سؤال مفتوح أمام المؤدين والمتلقين.
وتسعى أحدث محاولات التعامل مع علاقة النص بالأداء إلى البدء بتناول مختلف بشكل متطرف، يدفعنا إلى التركيز أولا على أنواع الأداء الأكثر تحديدا التي توظف النصوص، وأن نعالج الأخيرة باعتبارها حالات خاصة لنوع أعم من النشاط البشري. وهناك رؤيتان لهذا الأصل الحديث، تطورتا بطرق مختلفة ولها تأكيدات مختلفة. وأختم هده الدراسة بتقديم مختصر لكل منهما.

 نموذج المكونات:
أولا، يؤكد نموذج المكونات الاستخدامات التي توضع من خلالها النصوص في الممارسة الفعلية. وإذا نظرنا إلى قائمة الملامح المقترحة بواسطة تمرين التدريس السابق ذكره في بداية هذه الدراسة، فيمكننا أن نقول إن هذا الوضع يؤكد على الملمح الرابع – وهو أن المتلقين عادة يشاهدون الأداء مرة واحدة – ويدرس ما يفعله المؤدون أثناء الإعداد للعرض في ضوء تلك الحقيقة.
والمؤيدان الرئيسيان لهذه الرؤية، وهما (جيمس هاميلتون) و(ديفيد أوسيبوفيتس)، يفترضان أن النصوص تستخدم في الأداءات المسرحية باعتبار أنها مصادر للكلمات والأفكار الأخرى من أجل تقديم العروض المسرحية بالإضافة إلى مكونات أخرى من مصادر مختلفة. وربما لا يحدد نموذج المكونات أي استخدام لنص بعينه – سواء كان نصا مسرحيا أو خلافه – فضلا عن أي شيء آخر، ولكنه يعني أن يكون له غرض واسع حتى يسمح بأي استخدام خاص.
ولذلك للوهلة الأولى، تعد الاختيارات المتعددة لكثير من الملامح الصغيرة التي تصنع الأداء في وضع مساو للمكونات المستمدة من أي نصوص يمكن استخدامها. حيث يُرى الغياب النسبي للأسئلة السخيفة عن الأداء المسرحية كشيء طبيعي على نحو ما. ولكن ما الذي يمكن أن يقوله هذا الوضع عن الأداء المتعددة التي تستخدم  النص نفسه وأهمية النصوص في التقاليد الأوروبية؟
تعترف الإجابة على هذا السؤال بالتقاليد التاريخية في استخدام النصوص كخطط للأداء، وباعتبارها تقود، رغم ذلك، كثيرا من تفاصيل الأداء بالطريقة التي لا تجعل لهذه القرارات مدى في تلك التقاليد قبل أن يبدأ المؤدون أو المتلقون في تأمل مجموعة الأنواع المتاحة لهم. ومع ذلك، يفترض نموذج المكونات أن قرار ما هو مهم مثل استخدام النص بالشكل الملائم، لا يزال يتخذ بواسطة الذين يعملون في الممارسات المسرحية، وليس بواسطة التأمل الفلسفي. فهو يسمح لإمكانية أن تفوز إحدى الرؤى التي تأملناها سابقا في حدود ما يحدث في هذه التقاليد. وبذلك تسمح بنقاش جديد للافتراضات الفلسفية السابقة، رغم أنها تفسرها من جديد باعتبارها تفسيرات منافسة للممارسات المسرحية الفعلية في مواقف تاريخية معينة، فضلا عن كونها تحليلات لعلاقة النص بالأداء.
 نموذج الآثار:
ثانيا، ما نسميه نموذج الآثار، فكرته الأساسية هي أن العمل المسرحي هو نوع حدث Event - type قابل للتكرار. وكيفية تذكره لإمكانية تكراره هي مسألة عملية يتم حلها في بعض الثقافات باستخدام النصوص لكي تتبع، جزئيا على الأقل، نموذج حدث نقدره ونرغب في تكراره.
ومثل نموذج المكونات، يؤكد نموذج الآثار الملامح الأولى في القائمة المقترحة في تمرين التدريس المذكور سابقا. فاختيارات المؤدين لتطوير الأداء وخصوصية ومادية هذه الاختيارات هي مسألة أساسية في تشكيل ما سوف نشاهده في الأداء. وبالمقارنة، تُقدم النصوص بواسطة فن مختلف، هو فن الكتابة. وإذا كان النص يُقدم بواسطة الكتابة، فإن الأداء يُقدم بواسطة المسرح، فالنص (الموضوع) والأداء (الحدث) هما نوعان مختلفان. فما هي إذن العلاقة بينهما.
للإجابة على هذا السؤال، يمكن أن نعلن مباشرة عن نوع من الانتقال إلى الأنطولوجيا. نميز أولا بين ثلاثة أنواع من الأحداث event - types. فالعمل المسرحي كما يزعم (بول وودروف) هو نتاج فن المسرح الذي قد يتكرر في عدة مناسبات وأماكن وبعدة طرق مختلفة. وبالمثل يُوظف باعتباره نوع حدث يتناول العروض أو الأداءات باعتبارها علامات. فالعرض قادر على التكرار، بفريق العمل والإعداد نفسيهما عادة. ثالثا، يحدث الأداء مرة واحدة، وقد يكون مثالا لكل من العمل المسرحي والعرض. ومن خلال تزويده بهذا التمييز يمكننا أن نسأل الآن ما الذي يجعل العمل المسرحي بما هو كذلك؟ وما الذي يجعل أي أداء هو أداء لعمل مسرحي معين؟ الحل الذي طرحه (وودروف)، على الأقل بالنسبة للمسرح التمثيلي هو:
 «لاكتشاف جوهر العمل المسرحي التمثيلي، وتحديد الشخصية (أو الشخصيات) الرئيسية والصراع الأساسي (أو الصراعات) التي يتم حلها في الحبكة. وأعني بالحبكة الحدث المبني الذي يحافظ على انتباهنا ويقيس زمن الأداء المسرحي. وأعني بالشخصية، الشخص الذي يجذب انتباهنا بشدة».
بوضوح، لا يمكن أن يكون العمل المسرحي القابل للتعريف هو النص، ولا يمكن، كما يجادل (وودروف) أن يكون نوعا ينتمي إلى تقاليد الأداء، لأنه لا يمكن أن توجد عناصر تنتمي إلى تلك التقاليد التي لا نعتبرها أمثلة لنوع الحدث. تخيل مثلا عرضا يتعلق بـ(بورتيا) التي تغري «هاملت» في المشهد الأول، والتي تستدعي «كلاوديوس» لكي يرسل هاملت إلى الجيش لمحاربة «الفورتينبارز». لا بد أن هذا المشهد ينتمي إلى تقاليد نص «هاملت». ولكن لا يتضح ما إذا اعتبره المشاهدون عرضا لهاملت.
ما الذي يجعل الشخصية والحبكة نفسيها في المسرح التمثيلي يمتلكان الملامح نفسها التي تمكننا من تحديد عمل مسرحي بعينه؟ الإجابة المباشرة المستمدة من الهدف المعياري الذي يخدمه المسرح، وهو تحديدا تقديم الحدث الجدير بالمشاهدة. أولا، ما يستحق المشاهدة هو حدث ينبثق من الاختيارات، والشخصيات وحدها – بمعنى العوامل – هي التي تختار. ثانيا، ما يستحق المشاهدة هو حدث يجب أن يكون له مدة واضحة، ونماذج الحدث المرسومة هي التي يمكن أن تكون لها هذه السمة.
وعلى أساس هذه الرؤية يحدد المتلقون العمل المسرحي عن طريق إدراك سماته الأساسية، والنص المستخدم ليس جزءا من التطابق. ودوره، إن كان له دور، يساعدنا في تذكر الملامح الرئيسية، وبذلك نبني الحدث المسرحي من جديد.
هذه المواقف، كما قلت هي مواقف جديدة، وتبقى هذه الأوضاع محل بحث إذا كانت متوافقة وتقدم بديلا جديدا، أو حتى لو طرحت بديلين جديدين فيجب علينا تأملهما.
 - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
 قدمت هذه الدراسة في Journal compilation (في الجزء الرابع من المجلد الرابع) عام 2009 التي تصدرها جمعية الفلسفة.
 وقد سبق أن قدمت جريدة “مسرحنا” دراسة سابقة للمؤلف نفسه في العدد رقم 550 لسنة 2018 وكانت تحمل عنوان (الأداء المسرحي والتفسير).
 جيمس هاميلتون يعمل حاليا أستاذا للفلسفة وعلم الجمال في جامعة ولاية كنساس – الولايات المتحدة الأمريكية.

 


ترجمة أحمد عبد الفتاح