لعنة كرامازوف.. ما زالت تطاردنا

لعنة كرامازوف.. ما زالت تطاردنا

العدد 717 صدر بتاريخ 24مايو2021

عرض على مسرح قصر ثقافة الأنفوشي بالإسكندرية، العرض المسرحي «لعنة كرامازوف» من إنتاج الفرقة القومية بالإسكندرية .
النص مأخوذ عن  رواية «الإخوة كرامازوف» لفيدور دستوفاسكي الرواية الأشهر والتي تنتمي لعيون الأدب العالمي والتي انتهي دستوفيسكي من روايتها في عامين تقريبا وظهرت كاملة عام 1880 لازالت صالحة للتناول والعرض .
وقد تم تناول الرواية في عدة أعمال مصرية وعالمية من أشهرها فيلم (الإخوة الأعداء) بطولة الفنان نور الشريف ويحيي شاهين  وإخراج حسام الدين مصطفى .
ولقد عمل المعد «ميسرة صلاح الدين» على عدم اقتفاء أثر الرواية من حيث القصة الرئيسية أو الحبكة ، ولم يتمسك بأي حدث رئيسي أو محوري  فيها .،عدا إعدام الإبن الأصغر للسيد «فيدور كرامازوف»  بعد أن اتهم بقتل آباه ، الإبن الغير شرعي والذي يعاني من مرض الصرع وتتميز شخصيته بالقسوة والعنف وزاد طينها بله المعاملة المزدرية والقاسية التي تلقاها من آباه .
عمد «صلاح الدين» عدم التقيد بأحداث القصة واكتفى بأن اتخذ لنفسه سمه رئيسية تميزت بها شخصية الأب وكانت السمة المميزة للعائلة جميعها وهي الأنانية والشهوة والطمع وجعل  منها مادة عمل عليها ، حيث بدأ القصة بحادث الإعدام سالف الذكر ثم انتقل بكسر الحائط الرابع عن طريق عائلة  مكونة من إناث فقط (لاحظ معي عكس عائلة كرامازوف المكونة من الذكور) تأتي للسكن في قصر مهجور قيل في معرض الحديث أنه لخبراء روس كانوا هنا فيما مضى  إشارة إلى عائلة كرامازوف .
القاسم المشترك الأعظم بين العائلتين هو تلك اللعنة ، لعنة أنانية الأب وانحرافه وتفضيله لشهواته على الأسرة والأبناء .
وتنتهي المسرحية كما بدأت بعائلة جديدة  تأتي هي الأخرى لسكنى القصر المسكون بأشباح كرامازوف وأبناءه  وكأن آنانية الآباء لم ولن تنتهي ولن تنفك الأسر تعاني نفس المصير .
عمل المخرج الأكاديمي «محمد عبد المنعم» على الاستفادة من جميع عناصر العرض المسرحي لخدمة الفكرة الرئيسية وهي الاهتزاز وعدم الثبات ،ما يؤدي لعدم اليقين أو الشعور بالأمان  الذي يمنحه الأب السوي للأسرة . فجميع العلاقات مشوهه ومبتورة سواء في القصة المعروفة للجميع (كرامازوف) أو في قصة الأم وبناتها التي تم اختلاقها بالكامل لتعكس رواية أخرى (لكرامازوف) الأب ، فها هو أب آخر ينجرف وراء آنانيته وشهواته وينسى بناته ويتخلى عن الجميع .  والعيب الوحيد هو عدم تعدد مستويات اللغة مما يمنح العمل غنى وثراء لفظي ويجعله أقرب لقلب وعقل المشاهد فكما أن القصتان متوازيتان لرواية واحدة في زمانين مختلفين كذلك تأتي اللغة لتعبر عن تلك الفروق الزمانية والمكانية بين الأسرتين .
  ولنأتي للديكور وقد ظهرت تلك الفكرة ايضا فيه حيث استخدامه لجميع عناصر البيت للإيحاء بالفكرة(عدم الثبات والذي يوحي بعدم الشعور بالأمان) فالسلم الذي يوحي بالثبات والارتقاء للعلى يتحرك حاملا الأب الذي يعلو ولا يعلى عليه فطوال العرض لا يهبط للأرض أبدا يقف معتليا حجرات الأبناء بحذائه الثقيل وحضوره المربك.
الحوائط الشفافة التي لا تخفي شيئا ولا تستر  بدن ولا تحفظ سر والجدران التى تتقدم وتتقهقر   موحيه بعدم الثبات .كذلك لعبت الإضاءة  دورا في التباين بين الظل والنور وما يحدث خلف الجدران المكشوفه للجميع،ذلك بحلول بصرية مبتكرة وغير مكلفة لمهندس الديكور “ وليد السباعي “ والإضاءة لإبراهيم الفرن .
كذلك العمل على دمج خبرات وعناصر الفرقة الرئيسية من ممثلين مخضرمين مع شباب محدثين،وهذا أمر لو تعلمون عظيم خاصة في فرق الأقاليم التي يسيطر على معظمها شيوخ يتحكمون في كل شئ بدأ من اختيار المخرج مرورا باختيار النص وليس انتهاء بمن يعمل ومن لا يعمل من الممثلين  وتلك آفة ضمن آفات فرق الثقافة الجماهيرية بشكل عام منذ سنوات طويلة.، يحسب للمخرج إذن محاولة تفكيك تلك المنظومة الجهنمية والعمل مع شباب حديثي السن ذلك وفق احتياجات النص والمورال الأساسي للعمل ككل  وقد تألق الممثل المخضرم «محمد علي» في دور الأب الأناني الشهواني «فيدور كرامازوف” وأبدع الممثلين الشباب على حداثة سنهم وخبرتهم .
يحسب للمخرج الكثير من التوفيق في إنتاج عرض يستحق المشاهدة رغم مشكلات الإيقاع والتي تتخلل العمل على فترات .
 لعنة كرامازوف : إنتاج الهيئة العامة لقصور الثقافة \ إقليم غرب ووسط الدلتا الثقافي
الفرقة القومية بالإسكندرية
إعداد «ميسيرة صلاح الدين «
إخراج : محمد عبد المنعم
ديكور وملابس :  وليد السباعي
موسيقى : محمد مصطفى 


نسرين نور