«ما وراء النهر».. لوحة فنية متكاملة رسمت بحرفية.. ولكن!

«ما وراء النهر»..  لوحة فنية متكاملة رسمت بحرفية.. ولكن!

العدد 656 صدر بتاريخ 23مارس2020

اسم العمل واسم الفرقة التي تقدمه له دور كبير في مدى حرصي على مشاهدته، فلم يكن من السهل علي متابعة العروض المسرحية التي يقدمها مهرجان ما بشكل يومي، لذا شاهدت ثلاث عروض فقط قدمها مهرجان إقليم القاهرة الكبرى وشمال الصعيد الذي عُقد على مسرح الجيزة، من هذه العروض عرض «ما وراء النهر» لفرقة بني سويف، تأليف محمد عبد المعطي، دراماتورج وأشعار أسامة بدر، إخراج أحمد البنهاوي، فحين يذكر مسرح بني سويف يتم استدعاء ذكرى أليمة يعرفها كل المسرحيين، لذا حرصت على مشاهدة العرض حيث اعتدت على كسر الحاجز النفسي بيني وأي شيء، كذلك عنوان العرض وسوف أتناول ما يتعلق به في نهاية المقال.
في هذا العرض نجح المخرج أحمد البنهاوي أن يقنعني أنني أشاهد عرضًا مسرحيًا لمحترفين لا هواة ينتمون إلى مسرح الأقاليم، وهو ما يدعم وجهة نظري بأن الهواة حين يتم تدريبهم بشكل جيد يكونون أكثر احترافية من المحترفين، بل أنهم محترفين بالفعل لكنه تصنيف إداري يخضع لحسابات ليس لها علاقة بالفن، حيث اعتمد على عناصر تمثيلية متميزة جدًا، فاستطاع كل منهم أن يقنعني بما يقدمه من خلال توحده مع الشخصية التي يجسدها، خاصة بطل العرض الفنان كامل عبد العزيز(جابورو)، مصطفى محمد محمود (الكاهن)، أحمد عبد العليم (العراف)، عبد الرحمن مجدي (جيلفون)، جويد نجم الدين (باهاروني)، أسامة جابر (حبرو)، سيدة فاروق (بابيلا) وهى المفاجأة الكبرى بالعرض بالنسبة لي، فأنا أعرفها جيدًا منذ سنوات طويلة باعتبارها شاعرة ولم أرها من قبل ممثلة، فإذا بها ليست ممثلة فحسب بل متميزة جدًا خاصة في تجسيد شخصية الأم وهو دور محوري وهام جدًا في الأحداث.
كذلك كل من: آية سامي، منة الله ياسر، داليا عصام، مصطفى علاء، مصطفى عبد العزيز، محمد عصام، محمد البرنس، إسماعيل شاهين، إيمان عبد الحليم، نور محمد يحيى، إسلام عبد الناصر، مازن محسن، نورهان عماد، محمود ربيع، محمد أحمد محمد، هشام محمد، كريم فكري، شادي الجارحي، سعد عادل، إبراهيم علي، جميعهم عناصر تمثيلية جيدة تستحق الإشادة، على الرغم من وجود أخطاء في اللغة العربية لا يمكن تجاوزها أو العبور عليها من دون الإشارة.
    من أهم العناصر المميزة للعرض هو جعل النيل راوي للأحداث من خلال الاستعانة بصوت الفنان الكبير فتحي عبد الوهاب المصاحب للصور السينمائية وهو ما أضفى على العرض بعدًا جماليًا وفنيًا.
بالفعل العرض لوحة فنية متكاملة تم رسمها بحرفية عالية خاصة مع موسيقى وألحان محمد عبد الوهاب ديكور د. محمد سعد الذي قام بتصميم الملابس أيضًا، وإضاءة عز حلمي التي جعلت من الصورة بطلاً حقيقيًا. أما الكريوجراف الذي صممه الفنان محمد عبد الصبور فعلى الرغم من كونه أضاف عنصرًا هامًا هو حالة البهجة التي اكتملت بها الصورة المرئية بتشكيلاته الرائعة ورشاقة الممثلين إلا أن الحركة كان بها بعض القصور التي عملت على إخفاء بعض الشخصيات خاصة الأم معظم الوقت.
أما ما يتعلق بالعنوان «ما وراء النهر» وهو ما أرجأته إلى نهاية المقال فهذا العنوان استدعى إلى ذاكرتي رواية لعميد الأدب العربي الدكتور طه حسين تحمل العنوان نفسه، على الفور أعدت قراءة الرواية بعد سنوات طويلة كانت كفيلة بنسيان تفاصيلها، لأعرف مدى العلاقة التي تربط بينهما، وهل هذا العنوان مجرد صدفة أم أن العرض يستلهم أحداثه من هذه الرواية، فوجدت علاقة قوية تربط بين العملين، بداية من المجتمع الذي تدور فيه الأحداث، حيث قسم د. طه حسين المجتمع في روايته إلى الصفوة الذين يعيشون في قصر فاخر فوق التبة المرتفعة وأهل القرية الفقراء الذين يعيشون أسفل هذه التبة، وهو التصنيف ذاته الذي اعتمد عليه العرض المسرحي حيث ناس القلعة وناس الأرض، كذلك قصة الحب التي نشأت بين ابن صاحب القصر وفتاة من أهل القرية، هي نفسها قصة الحب بين ابن الملك وولي عهدة وفتاة من أهل الأرض، وموت هذه الفتاة في الرواية والعرض المسرحي، إلا أن العرض أظهرها مرة أخرى في النهاية لنكتشف أنها هربت من الموت، أما عن عشق النهر وتأمله والتحاور معه فهو أهم ملمح في العملين حيث الشاعر في رواية د. طه حسين، وبهاروني ابن الملك في المسرح، كل هذه التفاصيل تؤكد على وجود استلهام واضح وهو ما أنكره كاتب العمل بعدم الإشارة إليه، وذلك على الرغم من أنه كان سيضيف لعمله أهمية كبرى ولم ينتقص منه. وهنا لابد من طرح سؤالاً هامًا هل استخدام اسماءً غريبة على مجتمعنا، أو تغيير بعض التفاصيل وإضافة عناصر لم تكن موجودة في عمل إبداعي يعطينا الحق بنسبه إلينا وحذف اسم الصانع الحقيقي لهذا العمل؟ إنه مجرد سؤال وليس اتهام لأحد


نور الهدى عبد المنعم