بنية العلامة في النص المسرحي عند فهد ردة الحارثي قراءة في كتاب تفاصيل الطين ومحطات المغادرة

بنية العلامة في النص المسرحي عند فهد ردة الحارثي قراءة في  كتاب تفاصيل الطين ومحطات المغادرة

العدد 714 صدر بتاريخ 3مايو2021

الكتاب من إصدارات نادي الأحساء الأدبي بالسعودية لد. تركية عواض الثبيتي، قد تبنت الدراسات النقدية الحديثة (دراسة الأدب في كل اتجاهاته) موجهة اهتمامها الكامل نحو جسد النص الإبداعي؛ مُهَمّشة كل ما جاء خارج سياقه، وكان حقل اللغة، والأدب الفضاء الواسع لكثير من المناهج النقدية التي تناولت جسد النص الإبداعي،و تمظهرت في اللسانيات مثل: (التفكيكية،السيميائية، نظرية القراءة، نظرية النص ...) وخاضت صوراً من الجدل المعرفي، و خلقت تنافساً جاداً بينها،وعملت على تفكيك النصوص، ومنحتها أبعاداً قرائية مختلفة ومتنوعة ؛ووجهت إلى التركيز على النص باعتباره قائماً بذاته؛ يتميز بكثافة علاماته إذ يشكل نسيجاً من العلاقات والإشارات التي تقبل التأويل وتتطلب المزيد من الدراسات في ما لم يقرأ منه.  
وقد قامت فكرة الكتاب على استثمار المنهج السيميائي في دراسة النص المسرحي حيث شقت السيمياء طريقها نحو الأدب؛ وكان للنص المسرحي نصيب من اهتمامها  نظراً لتعدد مستويات القراءة فيه ؛خصوصاً أنه يجمع  في تشكيله العام بين أنساق لفظية،وغير لفظية قابلة للرصد العلاماتي حيث ترتبط عناصر التشكيــل المسرحي (العنـوان، الثيمة، الشخصيات، الحوار، الصراع، الديكور، الإضاءة، الموسيقى ...) - بالسيمياء ارتباطاً مباشراً هدفه إدراك العلاقات بين العلامات، وما تختزله من مدلولات اجتماعية،فلسفية، منطقية. 
ولأن بنية العلامات في النص المسرحي تقوم على العلامات اللفظية والعلامات غير اللفظية - فهي بحاجة إلى تفكيك وتحرير الصورة الذهنية والدفع إلى فضاءات من التأويل للوقوف على وظيفتها الجمالية،وعلى ما وراء هذه الوظيفة من علامات قصدية تواصلية-
جاءت منطقة اشتغال هذا الكتاب على النص المسرحي السعودي متمثلاً في نصوص الكاتب السعودي فهد ردة الحارثي أحد أهم الكتّاب المسرحيين في المملكة العربية السعودية و ممن شهدت له أهم المهرجانات في العالم العربي.
أما مشكلة البحث فقد قادها السؤال المعرفي الذي تنطوي بين ثناياه  وهو :هل السيمـــــياء صالحة لتقديم قراءة موضوعية لبنية النصوص المسرحية للكاتب فهد ردة الحارثي؟! ومن خلاله أيضاً تمت عنونته بـ( بنية العلامات في النص المسرحي عند فهد ردة الحارثي ) 
و طرحت جملة من الأسئلة المتعلقة به منها :
 - ما السيمياء ؟ما إرهاصات البداية والامتداد ؟ .
- كيف أثّر الكاتب المسرحي فهد ردة الحارثي في المسرح المحلي،والعربي ؟ 
- هل نصوص الكاتب صالحة للدراسة السيميائية؟
- حدود العلامة اللفظية في نص الكاتب، وهل يمكن من خلالها إنتاج معانٍ متعددة القراءة ؟
- حدود العلامة غير اللفظية في نص الكاتب، وكيف تقرأ إشارتها الدلالية؟
تم تقسيم الكتاب إلى «تمهيد وثلاثة فصول وكان شكلها العام يشمل:
المقدمة: التي طرحت فكرة عامة عما ورد في  كامل البحث .
التمهيد: وتناول محورين الأول : العلامة تطور وتاريخ وتتبع من خلال هذا المحور العلامة تاريخياً منذ أفلاطون حتى العصر الحديث  كما تناول  في المحور الثاني :العلامة والمسرح  وطرح فيه تطبيقات موكاروفيسكي  في الدرس السيميوطيقي للفن وبوغاتيرف الذي بين دور العلامة في المسرح وعرض لتصنيف تادوس كوزان للعلامات وكذلك باتريس بافيز الذي حد سيميولوجيا المسرح في تحليل النص .ثم انتقل بعد ذلك إلى: 
الفصل الأول والمعنون بـبنية العلامات اللفظية في النص المسرحي عند فهد ردة الحارثي وتحت هذا الفصل طرحت العديد من المباحث تناول.
المبحث الأول : لغة الحوار وتناول من خلاله :
(المزج بين الفصحى والعامية الفصحى/ الجملة الدرامية ، العامية ، اللغة الثالثة) وطرح في كل ما سبق نماذج متعلقة تبين الفكرة المحور المدروس.
أما في المبحث الثاني فدرس :بنية العلامة اللغوية  من خلال.
أولاً: المفردات. وتناول تحت هذا البند : (الأسماء والأفعال ).
ثانياً : التراكيب  وتناول ضمنها (الاستفهام، النداء، التكرار).
في المبحث الثالث: درس النص الموازي من خلال: (العناوين، المقدمات، الإرشادات المسرحية) .
وفي الفصل الثاني : تناول العلامات غير اللفظية ضمن عدد من المباحث:    
- المبحث الأول: لغة الجسد ودلالتها على الحال في مسرح الحارثي.
العلامات الجسدية ، العلامات التعبيرية،العلامات الانفعالية.
- المبحث الثاني : درس  الأيقونات  نحو :( الغلاف، علامات الترقيم، تكرار الحرف في اللفظ الواحد، الألوان ).
-في  المبحث الثالث :قدمت الدراسة تطبيقاً للمنهج على علامات خشبة المسرح فتناولت العلامات المرئية وأدرجت ضمنه المنظر المسرحي والممثل والضوء ثم الأشياء نحو الكراسي والحبال والحقائب .
وتناول العلامات السمعية نحو الموسيقى والأغاني العربية والشعبية وكذلك المؤثرات الصوتية مع تطبيق المنهج على نماذج متعددة من مسرح الحارثي . 
 في الفصل الثالث: حاول البحث مس البنية الزمكانية في النصوص المسرحية عند الحارثي فتناول هذا الفصل في ثلاث مباحث؛ المبحث الأول البنية الزمكانية عرض فيه شيئاً عن مفهوم: (المكان والزمان ونحت المصطلح الزمكانية) مع تطبيق على نماذج من مسرحه . 
 وفي المبحث الثاني توقفت الدراسة قليلاً عند علاقة العلامات الزمكانية بالشخصية المسرحية وأسماء الشخصيات مع تطبيق المنهج على نماذج من مسرح الحارثي . 
 أما المبحث الثالث :فقد تناول علاقة البنية الزمكانية بالصراع ودرس تحت هذا المبحث الصراع المسرحي وأنواعه وأشكاله. 
 من أهم نتائج الكتاب
 أثبتت  الدراسة السيميائية نجاعة عملها في النص المسرحي و مدى قدرة العلامة على التحول والمزج بين الأنظمة والدلالات الرمزية والأيقونية والإشارية وتفكيك هذه العلامات يملك خاصية الاستمرار باعتبار النص المسرحي نص لا يعتمد على الألفاظ فقط بل يعمد إلى دراسة الإشارات، الملابس، الأصوات،والمنظر المسرحي بما فيه من ديكورات وأشياء موظفة كما أن النص المسرحي بكل مكوناته نص خالد ثابت على مر العصور. 
والنصوص المسرحية للكاتب السعودي فهد الحارثي نصوص ممتلئة بالدلالات والرموز التي تفرض على القارئ قراءات متعددة قد لا تتطابق فيما بينها وبين رؤية الكاتب وفيما بينها وبين الآخر وبعد رحلة طويلة في أتون مسرح الحارثي توصلت الدراسة إلى عدد من النتائج عامة وخاصة من أبرزها :
-النص المسرحي المكتوب نص محفوظ من كل تغيير وحذف وإضافة على خلاف نص العرض وهو أجدى في مجال دراسة السيميائيات إذ يمكن دراسته من الناحية اللغوية والفلسفية والرمزية والتحليلية ...الخ. 
-العلامة في النص المسرحي متعددة كونه يتألف من مجموعة من الفنون المختلفة مما يعكس ثراء وغنى في مجال البحث السيميائي ويجعله النص الأول لهذا المنهج و سيميائية المسرح إطار منهجي موضوعي لنقد النص المسرحي وإن وقعت بين منطقتي النص والعرض فلكل منهما دوره المؤثر ولا يمكن إقصاءه..
-العمل المسرحي يعمل على صناعة مجموعة من العلامات التي لا يصنعها الكاتب وحده فقط بل يشترك معه المخرج والممثل والسينوغرافي فلكل منهم نصه الخاص ليتبلور في النهاية نص العرض وبذلك يفقد الكاتب حقه الخاص في النص المعروض ويبقى له نصه الخالد وبذلك يكون لدراسة النص المسرحي  دراسة مستقلة خاصة وإن تناولت جميع العلامات لفظية أو غير لفظية . 
-الوقوف على البنية الكبرى في النص المسرحي يحتم النظر في النص المسرحي باعتباره كلاً متكاملاً لا يقبل التجزئة وذلك من أجل الوقوف على طاقات النص المكثفة المرتبطة بالأبعاد السيميائية والتداولية .
-النص المسرحي عند الحارثي نص خارج عن المألوف إذ تتيح المنظومة العلامية في لغته قراءات متعددة للعلامة اللفظية وأبعاد تأويلية مختلفة ووظائف متعددة في النص الواحد  جمالية إبلاغية وتواصلية .
-إن كل علامة قصدية في نصوص الحارثي لفظية أو غير لفظية لها وظيفة مزدوجة .
 


محمود سعيد