الوردة والتاج.. كن حراً تجد السعادة

الوردة والتاج..  كن حراً تجد السعادة

العدد 705 صدر بتاريخ 1مارس2021

«الألم، الإحباط، اليأس، شعور بالإغتراب وفقدان المعنى تجاه الحياةمشاعر مختلطة داخل إنسان تمنحه ألف سبب لعدم الإستمرار وتركهذا العالم، أن تجد نفسك مدفوعاً للاستمرار فقط لأنك تحيى .كل هذه المشاعر والأفكار سوف تخالطك وأنت تشاهد العرض المسرحى“ الوردة والتاج “ تاليف ج .ب .بريستلى ودراماتورج “ياسر أبو العنين”وإخراج «إبراهيم أشرف «، أنت الآن على مقعدك تنتظر فتح الستاروتتأهب لتشاهد العرض، يفتح الستار تطالع عيناك أشباحا تجلس وخيط من النور الساقط من الأعلى لترى مطربة شابة تشدو بأغنية غربية، تلمح في صوتها القوة التي تمنحها الموسيقى لصاحبها الأشباح تتحدث بيأس عن هذه الحياة، خيوط من الأحاديث المنعدمةمن الحياة، ليقطع كل تلك الأحاديث شخصاً يلبس بذلة بيضاء تعتقدأنه  النور وسط هذه الظلمة ولكنه وبعيون خاوية من أي معنى أو مشاعرلا يتحدث إلا بجملة واحدة « اسف على إزعاجكم «كل تلك البداية ستدفع مشاعرك لأن تندمج مع هذه الحالة من العرضيضاء المسرح ونجد أنفسنا داخل « حانة» يعمل بها شخص أصم وصاحبتها فتاة جميلة، زوار الحانة «سباك « عجوز رحلت زوجته عنعالمنا وتركه ابناءه  وحيداً لا يعترف بأن هناك سبباً لجعل الحياة جيدةومطربة في وسط عمرها اعتزلت الغناء بسبب مرض في أحبالها ومعدتهاوزوجين شابين لطيفين الزوج يعمل « كمدير» لإحدى المخازن مثقف لكنهلا يجد معنى لهذه الحياة التي يقاسى بها الجميع ولولا افتقاره للشجاعة لانتحر وترك الحياة ولا يريد إنجاب أطفال حتى لا يأتون لهذا العالم القاسى، أما زوجته فشابة رقيقة تحب الحياة لكنها مخلصة لزوجها وما يقوله، وهناك تلك العجوز التي أتت إلى الحانة فقط لكى تبحث عن السعادة ولكنها اندمجت داخل الجو الكئيب للحانة  وأخذت تتحسر على شبابها الذى ضاع وعلى أزواجها السابقين، فترة كبيرة في تعريفنا بهؤلاء الشخصيات وحياتهم السيئة والكأبة المتعمدة من طاقم عمل العرض حتى أنك يمكن أن تزفر وتتساءل بداخل نفسك، كيف أصبح الجو كئيباً هكذا حتى سخريتهم كانت سخرية كئيبة على أحوالهم، حتى يدخل إلى الحانةشاباً حيوياً ممتلئاً بالنشاط، خيط من اللطف على كأبة الجو العام، يضحكمع الجميع، يمنح العجوز فرصة للضحك ويستمع إلى ثرثرة المطربة السخيف بل ويقوم بمنح السباك كأساً على حسابه، يبدأ جو من البهجة يتسلل إلى المكان وأيضا على وجهك، الإبستامة تعلو خشبة المسرح هذا الشاب هو «هارى» الذى لا نعلم عنه سوى أنه شاب يحب الحياة ويمنح الأمل للجميع، ولكن وفى لحظة غير متوقعة يقوم مدير المخزنبصدمة لهارى، كيف لشاب مثله لا يكفى الراتب الذى يحصل عليه لكىيغطى احتياجته  الأساسية ويستدين ولقد فقد حبيبته لأنه لا يملك ما يجعله يتقدم لها ويعطى هذه السعادة للناس، لابد وأنها سعادة زائفة، فهو إما يسخر منهم بحديثه عن الحياة والسعادة أو يضحك على نفسه وفى الحالتين فسعادته زائفة، ولكن هارى يخبر الجميع أن ما يحيى فيه هو السعادةهو يحب الحياة، تلك الحياة التي تشبه حنو الأم على ابناءها، التي تشبه فخر الأب بأبناءه حتى ولو تركوه، سعادة تشبه من يحيا بالموسيقى ومن أجل الغناء، سعادة تشبه فتاة رقيقة تجلس بجوار زوجها ، هذه حقيقة السعادة والتي يخبرنا أنها تكمن في أهم الأشياء وهى « الحرية «“ كن حراً تجد السعادة “ وفى هذه اللحظة التي تمتلئ بها من الداخل مع شخصياتهم ليظهر لنا ذلك الشخص المرتدى بذلة بيضاء يعرف نفسه بأنه غريب وكان المتسبب في قتل بقال القرية وحينما يظنون أنه قتله يخبرهم “هارى “ أن البقال مات على إثر مرض عضال فيخبرهم الغريب أنه مندوب « الموت « وقائمته ينقصها شخص واحد ولقد سمع حديثهم اليائس من الحياة وذلك الشخص الذى ينقصه موجود هنا ولكنه سيعطيهم حرية القرار أن يختاروا فيما بينهم من سيموت ومن ثم يختفى يبدأ الجميع في النظر إلى بعضهم البعض وكل منهم يخبر الأخر أنه عليه أن يكون هو الشخص الذى يجب أن يموت فيدافع عن نفسه بأنه يريد الحياة، تحول الجميع إلى شخص يدافع عن نفسه من أجل الحياة حتى يعلن « هارى « انه هو الذى سيضحى بنفسه ويقبل أن يذهب مع الموت ولكنه لم يذهب إلا لأنه شعر بأن الموت جاء من أجله وبعد أن شعر بأن السعادة ستملئ العالم داخل الحانة ورحل وهو يلقى بجملته الأخيرة “ كن حراً ستجد السعادة “ مجموعة من الإنفعالات صاغها لنا الدراماتورج «ياسر أبو العنين « فاستحضر لنا من عالم شخصيات بريستلى ما يتناسب وواقعنا وما يجعلنا نتماس معها في مشاعر اليأس والإحباط ثم مشاعر الفرح والإنطلاق ومع تكثيف النص واللعب على وجهة النظر بين الحياة وكيف نستطيع أن نعيشها تلاعب «ياسر أبو العنين « بخطوط الشخصيات الدرامية وبين فكرته الأساسية ._ أما مهندس الديكور “ محمود هاشم « فنشعر وكانه نقل قطعة من كادر سينمائى واقعى مليئ بالتفاصيل الكثيرة والتي حافظ عليها بل وربما نستطيع أن نتخيل أنه نقل جو الكآبة إلى المنظر المسرحى واعتمد على منظر الحانة  ذات الخشب بنى اللون مما وضع المتلقى داخل جو العرض ولكنه اهتم وبشدة بتفاصيل الصورة المسرحية، مما ساعد « وليد دروبش»على رسم خطة إضاءته التي توحدت مع الجو العام للنص للدرجة التي أوصلتها للعب ببعض «لمبات» السيلسيون لتضئ وتنطفئ وكانها شربات قلوبهم في حالة الفرح والحزن، ولقد لعب الإستعراض الوحيد داخل العرض وهو استعراض « البهجة « الذى أصر «هارى « على أن يقوم به أهل الحانة جميعهم كان فيصلاً بين حالة الكآبة الأولى وبين حالة البهجة ولقد رسمته «مى إبراهيم « باحتراف وساعدها على ذلك تمييز الممثلين في إضافة آداءهم داخل الحركات الراقصة مما يثبت دائما ان الرقص ليس حركات فقط ولكنه روح تعطى تشكيلاً معبراً للرقصات، ولقد اكمل الصورة المسرحية للعرض «يوسف وليد» بموسيقى لم تكن فقط مكملاً مسرحياً بل كانت من نسيج العرض فنسمع موسيقى الجاز مع اغنية الإفتتاح  والتي كانت تنذرنا ببداية الحدث القديم ثم نراها انسيابية مع الحالات النفسية للعرض التي تنطلق من داخل الشخصيات التي تتمحور حولها قصتنا كما كانت مبهجة وبشدة مع دخول هارى وتحول الأمر وكأن الموسيقى تبتسم مع شخصيات عرضها، ولكن ما يميز العرض حقاً هو الآداء التمثيلى والذى بمناقشة تفاصيله سنعلم كم المجهود المبذول في دراسة هذه الشخصيات خصوصاً وكيفية تناغم طرق التمثيل فيها فعندنا مثلا « أحمد على /مندوب الموت» والذى ووفقاً لطبيعة شخصيته كان متحرداً من كل المشاعر الإنسانية كان صارماً يلقى الكلام وكانه أمر يجب تنفيذه وهو ما يتناسب مع شخصيته التي اعتادت أن تفعل بالبشر ما تشاء في لحظة موتهم ولهذا اختار أحمد أن يلعب شخصيته بالحرفية وحدها والتكنيك الخالص للعملية التمثيلية ونجح في ذلك وهناك « نغم صالح» والتي لعبت دور المطربة «ريد» التي كانت تعيش مع الموسيقى والغناء ولكن الزمن لعب دورته وأصيبت في احبالها الصوتية مما جعلها تتوقف عن الغناء وهو ما يمكن ملاحظته في غناءها بعد دخول هارى فرغم الزمن إلا أنها حاولت ومع الألم أطلقت صرخة غنائية وكانها تسرق من الزمن هذه اللحظة، هناك أيضا « السباك ستون « محمد محسن ولقد أجاد في الموازنة بين التكنيك واللحظات الإنفاعلية الداخلية وهناك « النادل ديفيد» زيزو والذى كان مصاباً بالخرس ولكنه أجاد في التمثيل دون حديث ليثبت أن عدم الكلام لا يمنع التمثيل، أما البطل «هارى» الشاب محمود بكرفلقد كان مرحاً وسلسلاً في اداءه ورائعاً في مشهد موته، لقد اجاد الجميع ولكن وفى الحقيقة كانت هناك «مابيك» أو الممثلة جنا صلاح والتي أتعجب حتى الان كيف لم تحصل على فرصة حقيقية في التمثيل فهى تمتلك قدرة رائعة على أداء أدوارها وما رأيته على خشبة المسرح يقول أننا أمام طاقة تمثيلية رهيبة تحتاج من ينظر إليها خصوصاً وأن تلك الطاقة تسيطر عليها جنا لتخرج لنا بكل سلاسة .نحن أمام عرض  امتلك مخرجه وعياً بالحياة وقضية أراد طرحها على متلقيه وانضباط قلما نجده على خشبات مسارحنا وإحساس أخرجنا من عباءة المتلقى المتخصص إلى استمتاع المتلقى العادى فكانت جملة العرض منبعاً هاماً لنا “ كن حراً تجد السعادة “


محمد عبد الوارث