ظلال أنثى .. مجرد ظلال رجل

ظلال أنثى ..  مجرد ظلال رجل

العدد 528 صدر بتاريخ 9أكتوبر2017

  يربط البعض حياة الإنسان برمزية القطار، ولهذه الرمزية قيمة الخاص فى المجتمعات العربية المرهون فيها الإنسان بخطوط لابد السير فيها؛ كالالتحاق بقطار الحياة والزواج والعُمر، ولعل حياة المرأة العربية تكاد تتمحور حول هذه الرابطة الإستعارية للقطار، استنادا على فرضية الطرّق التي لابد أن تسير فيها بشكل متتالي، بحيث تبقي لحظات انتظارها بأحد محطات حيتها هي لحظات هزيمتها لعدم مواكبتها لفرضيات المجتمع حول المراحل الطبيعية لحياة المرأة.
ذلك ما قدمه العرض المسرحي (ظلال أنثى)، وأثناء محاولته فى كسر القيود التي تُكَبل بها المرأة التي وقعت فى شباك تقديس أستعارة القطار. العرض مُقدم من فرقة المسرح الحر من الأردن، من تأليف هزاع البراري، ومن إخراج إياد شطناوي.
يبدأ العرض فى مكان مهجور حيث تقف ثلاث شخصيات تقوم بأدوار البطولة فيها الممثلات  “أريج دبابنة، مرام أبو الهيجاء، و دلال فياض” فى انتظار أي قطار يأتي ليلحقوا به، وفي تلك اللحظات تفتح كل منهن حقيبة الذكريات الخاصة بها لتكشف عن حياتها قبل ضياع القطار منها، وتستمر حالات البوح أو “الحكي” بنبرة الهزيمة إلي أن يأتي صوت القطار وهو الأمل فى التخلص من الاغتراب والوحدة، ولكنه سرعان ما يرحل. وعبر ذلك يؤكد العرض على أن “القطار” هو الأمل والحياة، ولعل ذلك ما جعل منه متناقض مع فكرة الدفاع عن المرأة، وكأن لا دور ولا تأثير لحياة المرأة سوى انتظار القطار، ومواكبته، ومن هنا فالقطار الذي لا يأتي فى المحطات المهجورة؛ جعلهن وحيدات ومُنعزلات فى اللحظة الآنية - أي زمن العرض- عن الحياة الاجتماعية بل وعن تحقيق  ذاتهم.
 وضعت المرأة فى العرض فى قوالبها النمطية الموجودة فى المجتمع، حيث المرأة التي تعمل موظفة، وحلمها المفقود فى الأمومة بعدما خَزلها الرجل الذي أحبته وتركها، والمرأة الأخرى الفنانة الحالمة بالشهرة من خلال التمثيل وضياع حلمها بعد زواجها من رجل مدعي الانفتاح والحرية، والثالثة الثورية التي تعمل بالسياسة أملاً فى تحرر الأوطان، وتوقفت حياتها يوم زفافها بسبب خداع المناضل الذي أحبته وتزوجته من امرأة أخرى وأصبح فستان زفافها الأبيض كفنها، وبجانب ذلك ظهرت صور الرجل فى العرض بصورة واحدة ( الذكر الخائن والمتناقض الباحث عن الحب مع امرأة والزواج بامرأة أخر، الذكر الانتهازي والكاذب) . وفي حين لا يمكن إغفال القضايا التي كُشفت من خلال هذه الشخصيات التي نزعت الأقنعة عن المثقف والسياسي المخادعين، والظلم التي تتعرض له المرأة ولكن العرض من ناحية أخرى كرّس لصورة الأنثى المهزومة والمنكسرة التي يُشكل الرجل الركيزة الأساسية فى حياتها وبالتالي الرجل هو السبب الوحيد والأساسي فى مشاكلها، وهو السبب الوحيد فى وجودها وتحقق ذاتها، وعندما يختفي الرجل فى حياتها تفقد كيانها وحلمها، وكان هذا الطرح - ربما بقصد أو غير قصد- من نقاط التناقض فى العرض القائم على صوت المرأة فقط ويحاول أن يبحث عن مكان لها فى هذا المجتمع الذكوري الذي ينتهك حقوقها.
تعري فضاء العرض من الديكور وكانت حقائب النساء وأجسادهم تشكل الخطوط الأساسية فى السينوغرافيا، وكذلك الاعتماد على الإضاءة المسرحية حيث رسمت طرّق تسير فيها الشخصيات من خلال خطوط ، اتخذت كل شخصية طريق أو ضلع خاص بها تتحرك فيه ويُشكل عالمها، وهناك خطوط أخرى تتقاطع فيها الشخصيات مع بعضها البعض ، لذلك كان هناك خطوط ضوئية وسكك محددة مغلقة تسير فيها الشخصيات دون حياد، ومن خلال الإضاءة أيضاً فى عمق المسرح جسد مرور القطار الذي يمر سريعا دون توقف. ورغم المساحات التي كانت تملؤها جسد الممثلات، من خلال التشكيل الحركي (أسيل بدران)  الذي يسعي إلي التحرر فى فضاء العرض، إلا أنه هناك سيادة من الكلمة المنطوقة بصورة أوقع من الجسد، لذلك الأداء الجسدي كان يمكن اختزاله فى عدة مشاهد لأنها تأكد القصة المروية، أي أن تكررت القصص بالكلمة والجسد .
وفى ظل عالم النساء المهزوم والهش بسبب الرجل - الذي أتى به العرض- لم يتبقى سوى مؤازرة النساء لبعضهن، والمشهد الذي يكاد يكون الوحيد المعبر عن التمرد للوضع؛ جاء مع “الممثلة” عندما قدمت شخصية (الليدي مكبث) بصوتها المرتفع و كلماتها عن الانتقام من الرجال وعدم التنازل عن أنوثتها. علي الرغم من انفصال القصص المروية عن بعضها الذي خلق فى بداية العرض حالة الانفصال بين الشخصيات، وانغماس كل شخصية داخل حقيبة آلامها، إلا أن تقاربت الخطوط شيئا فشئيا حتى ألقي كل ما في الحقائب من ملابس وأوراق وذكريات على أرض واحدة في محاولة لبداية جديدة، وهي الأنتظار ولكن هذه المرة علي آمل بالقرب من القطار، فكيف يكون إذا الحل فى البقاء على تقديس مفهوم القطار الذي يضعه المجتمع ولا يوجد بدائل بالنسبة لشخصيات العرض، والحل هو مجرد “لأمل” بدل من الهزيمة لقدومه، فأي دفاع عن المرأة إذا يسعي إليه العرض!.
“ظلال أنثى” محاولة للمساس بالقضايا الشائكة التي تمس المرأة وتعيد النظر في  تعريف الحب والثورة والحرية، ولكن صناع العمل أتوا بها فى إطار تقليدي بل تجاوز التقليدي فى نهاية العرض وأصبح الحل العودة للمشكلة والرضوخ والاستسلام لها، الإيمان بأن اللحاق بالقطار هو الحل وليس البحث عن طريق آخر للعودة وإن كان سيراً علي الأقدام، فأخذت الأحداث الشكل الدائري حيث العودة إلى  نقطة البداية وهي الانتظار. وظلال الأنثى الموجودة داخل حقيبتها وحلمها المهجور؛هي مجرد ظلال لأفعال الرجال فى المقام الأول.


سمر هادي