يوسف المنصور: المخرج بداخلي لا يتحيز لكوني ممثل ومهمتي كمؤلف تنتهي بتسليم النص

 يوسف المنصور: المخرج بداخلي لا يتحيز لكوني ممثل ومهمتي كمؤلف تنتهي بتسليم النص

العدد 702 صدر بتاريخ 8فبراير2021

كانت بداياته مع فريق المسرح بكلية الهندسة جامعة القاهرة ومنتخب الجامعة، شارك خلالها بالتمثيل والإخراج والتأليف، بالإضافة لإدارته لفرقة الأمل المسرحية، شارك بالتمثيل والإخراج والتأليف في العديد من عروض الثقافة الجماهيرية في المهرجانات المختلفة .. حصل على بكالوريوس الهندسة بتقدير امتياز، ثم التحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية قسم التمثيل والإخراج، وهو حاليا بالدراسات العليا، حصل على العديد من الجوائز منها أفضل مخرج عن مسرحية «الأفاعي» ، بالإضافة للمركز الثاني بمهرجان جامعة القاهرة للعروض القصيرة 2013 ، والمركز الثالث بمهرجان ساقية الصاوي، و أفضل مخرج بمهرجاني المسرح العربي وآفاق مسرحية، أيضا أفضل مخرج وأفضل عرض عن «الدخان» بمهرجان مواسم نجوم المسرح الجامعي، وفي عام 2016 حصل عن مسرحية «ساحرات سالم» على أفضل مخرج بمهرجان جامعة القاهرة للعروض الطويلة ، وجائزة أفضل مخرج بمهرجان المسرح العربي زكي طليمات بالمعهد العالي للفنون المسرحية، كما حصل على جائزة أفضل مخرج صاعد من المهرجان القومي للمسرح عن عرض «طقوس الإشارات والتحولات» بالإضافة للعديد من الجوائز عن نفس العرض، كما حصل على عدد من الجوائز في التأليف، وأخيرا قرر الغوص في أعماق شخصيات الأديب العالمي نجيب محفوظ ليستعين بها على خشبة المسرح فاختار واحده من أشهر رواياته «أفراح القبة» ليعيد تركيب شخصياتها في العرض المسرحي «أفراح القبة» الذي قدم على مسرح الشباب برئاسة المخرج عادل حسان، وحقق نجاحا كبيرا ولاقى استحسانا نقديا؛ فكان ضمن العروض المشاركة بالمهرجان القومي للمسرح الدورة 13 وكان له النصيب الأكبر من الجوائز، منها أفضل دراماتورج وأفضل إخراج لمخرجها محمد يوسف المنصور الذي كان لمسرحنا معه هذا الحوار
- ما شعورك بعد حصولك للمرة الثانية على جائزة الإخراج من المهرجان القومي للمسرح وحصول العمل على هذا العدد من الجوائز؟
أشعر بالفخر لحصول المسرحية على هذا العدد من الجوائز، وأجدها تأكيدا على أن الطريق الذي اخترته كان صحيحا وأسير فيه بخطى تصاعدية، لكن؛ في نفس الوقت يبث القلق على مستوى التساؤل عما سأقدمه في المستقبل؛ ما يشعرني بمسئولية أكبر و يزيد من حدة توتري.
- حدثنا عن»أفراح القبة» منذ قرأتها وصولا لخشبة المسرح؟
منذ قراءتي لها انتابني القلق؛ فليس سهلا تحويل رواية سينمائية إلى مسرحية، ترددت في المجازفة؛ ولكن دفعني للعمل عليها حين شاهدت المسلسل لأنه مع روعته وجودته الفنية على كل المستويات؛ إلا إنني رأيت أن الأفضل للرواية أن تقدم مسرحيا أو سينمائيا حتى لا يكون هناك انقطاع تواصل مع المتفرج لطول حلقات المسلسل؛ مع انتهاء كل حلقة؛ بالإضافة أيضا إلى أن الرواية تحكي قصة ممثلي مسرح؛ لذا رأيت أن المسرح رجوع لحضن بطل من أبطال الرواية - المكان الحقيقي للأحداث - وهو المسرح فأخذت الجمهور إليه؛ وشعرت أن ذلك سيخلق حالة رائعة وسيكون من السهل تقديمها.
- ألم تتخوف من المقارنة بعد مشاهدة المسلسل؟
انتابني الخوف من المقارنة ولكني حسمت الأمر وبدأت الكتابة، كانت مرحلة صعبة؛ حيث قمت بعمل الكثير من التغييرات وإعادة الصياغة في كل مرة حتى تم الاستقرار على النسخة النهائية، وبدأت المرحلة الثانية وهي الاستقرار على جهة الإنتاج؛ حيث تحمس للنص المخرج عادل حسان مدير مسرح الشباب فرأى التجربة بمنظور آخر وشجعها، ثم المرحلة الثالثة «الكاستينج» وتلك كانت الأصعب لأني أبحث عن ممثلين لديهم نضج إنساني بجانب الفني ليكونوا قادرين على استيعاب التعقيدات النفسية للشخصيات، بالإضافة لحاجتنا لممثلين متناسقين وبينهم «كيميا» فنية على مستوى الشكل والصوت والتمثيل والإحساس، إلى أن تم الاستقرار على الفريق بالكامل وبدأنا العمل؛ فكانت هناك مرحلة طويلة من القراءة والدراسة والمناقشات مع الممثلين لاستيعاب ما وراء الرواية وما وراء الشخصيات، فكانوا على قدر كبير من التعاون والنضج والوعي بالرواية وأبعاد الحكاية، بل أضافوا للمسرحية من روحهم وتفاصيلهم على مستوى الشخصيات التي قدموها.
- أعدت كتابة النص 12 مرة فما الذي كنت تبحث عنه؟
أولا: حين أقرأ النص كقارئ ومتفرج أشعر بالمتعة ولا أقع في فخ الرتابة أو «مط» الأحداث، وثانيا: ألا يضيع مني ال «moral» بين الخطوط الكثيرة، وأن تكون الرؤية واضحة، ثالثا: إمكانيات المسرح؛ فقد تكون أحيانا أحلامي أكبر من الإمكانيات مما بضطرني «للتقليل» ولكن بشكل لا يخل بالتركيبة الفنية للعمل بل على العكس كنت استثمر كل مشكلة تواجهني داخل العمل نفسه وكأنها مقصودة، وأحيانا كنت أبني عليها أيضا؛ فطيلة الوقت أتعرض لأشياء تغير وجهات النظر أو توضح أشياء أخرى؛ وبالتالي يتغير الورق ولكن بعد استقراري على النسخة التي بنيت عليها اختيار الفريق لم تكن التغيرات في العصب بل في تركيب أو قص أو إضافة بعض الخطوط البسيطة بناء على الصورة التي تظهر في النهاية حين يتحول الموضوع «للحم ودم» على المسرح.
- معروف أن شخصياته محفوظ ليست أحادية البعد فكيف أعدت صياغتها وجمعت كل هذه التركيبات المعقدة؟
لكل شخصية خصوصيتها وتركيبتها النفسية المختلفة عن الأخرى؛ لكنهم في النهاية مثل «تروس» الآلة، كل شخصية مركبة مع الأخرى، وإن كانت هناك شخصية وصلت لتركيبة نفسية معينة؛ فهي بسبب بعض ما تعرضت له شخصية أخرى بتركيبتها المختلفة؛ وبالتالي هم ماكينة واحدة لها تروس مختلفة الشكل واللون والوظيفة، مثل الذي يرسم لوحة بألوان مختلفة ولكل لون خصوصيته لكن في النهاية الأصفر يخرج من رحم الأحمر، لكن كان سؤالي كيف أوضح الخطوط الدرامية التي أوصلت كل شخصية لما هي عليه فتظهر المسببات؛ فلماذا أخذ «كرم يونس» هذا اللون بخصوصيته لأن هناك لون أخر اسمه»الأم» تسببت في حدوثه ولون آخر اسمه الزوجة أثرت على لونه ولذلك خرج بهذا الشكل؛ فكان المحرك النهائي في وضع التركيبة النفسية للشخصيات هو الدراما والواقع الذي نعيشه، هذا لأنه رغم تعقد الشخصيات فإنها نماذج حقيقية في الحياة وتلك من عظمة نجيب محفوظ؛ لم يجعل للشخصيات خصوصية بمنطق «الأفورة» ولكن لكل منها مبررها، لها طريقة نشأتها وتربيتها الثقافية التي أثرت فيها؛ بالنسبة لي «عملت بازل» بحيث يوضع كلٍ في المكان الذي يجعل الرؤية واضحة.
- تعددت المواهب بين التمثيل والإخراج والتأليف و الدراماتورج، فأيهما الأقرب إليك وهل يمكن أن نشاهد قريبا عملا تليفزيونيا من تأليفك؟
بالطبع أطمح لتقديم عمل تليفزيوني لأن الكتابة لا تتجزأ؛ دراما للسينما أو التليفزيون أو المسرح لكن تختلف الآلية وطريقة التناول من آلية لأخرى و الصورة التي تراها.. فحين أكتب أرى أمامي ليس فقط الصورة الدرامية للشخصيات ولكن أيضا الوسيط، أما الأقرب لي فهو التمثيل، فقد حصلت على أفضل ممثل في المعهد العالي للفنون المسرحية خمس مرات، و أحاول قدر الإمكان حين أكون مخرجا أن أحكم على نفسي كممثل حكما حرا، فإذا لم أرى نفسي في أي دور في المسرحية لا أقحم نفسي، لا أحب الخلط بين أدواري، أحيانا أشعر أن هناك جنون في أن يتحدث المخرج مع المؤلف فيطلب منه القص، وبالتالي أفضل أن يسلم المؤلف النسخة للمخرج وينتهي دوره ليبدأ المخرج بالحذف والإضافة لإظهار رؤيته ويحكم المخرج على الممثل مثل أي ممثل آخر وإذا وجده يصلح يمنحه الدور.
- كيف ترى قيام بعضهم بكل الأدوار الممثل والمؤلف والمخرج؟
لست ضده؛ لأن الفارق الوحيد لأي مبدع هو العمل المقدم والمنطقي أن يكون الحكم على الممثل منفصلا عن كونه مخرجا أو مؤلفا، فربما نفس الشخص يقال أنه وفق كمخرج وأخفق كمؤلف أو كممثل أو كان ممثلا جيدا، فأنت مبدع وأنا أحكم على النتائج ، وضد إصدار الأحكام بأنه لا يجوز القيام بأكثر من عمل في العرض، لكن الأهم أن يكون لديه أفق لقبول النقد، فلا يكون ممثل سيئا ويظل مقتنعا أنه جيد، وهنا يأتي دور النقد أيضا للفصل بين عناصر العمل، وبهذه المناسبة فقد شاركت في مهرجان مواسم نجوم المسرح الجامعي بمركز الإبداع الفني وحصلت على جائزة أفضل ممثل وأفضل مخرج وأفضل عرض عن مسرحية»الدخان» لميخائيل رومان، وقيل لي بعد النتيجة - من أعضاء اللجنة - إننا لم نخلط بين العناصر وكونك نفس الشخص، فكان الحكم عمليا؛ ولهذا حبي كبير لمركز الإبداع الذي يتعامل مع الإبداع بشكل حر بخلاف بعض المهرجانات التي تتعامل بمنطق «كفاية عليه كده».
- بما أنك تُنقب على الرواية فهل هناك رواية أخرى سواء لمحفوظ أو غيره فكرت في تحويلها مسرح؟
نعم رواية «أولاد حارتنا» جذبتني لتقديمها برؤية مختلفة لأني رأيتها بمنظور مختلف تماما عن كل التوجهات، لكنها لم تكتمل بالنسبة لي ولم يأخذني الشغف حتى أكملها، قد تختمر يوما مثلما حدث مع «أفراح القبة» . كان مشروعا مؤجلا في الدرج أو في خيالي حتى شعرت بشغف خروجه، و أجهز حاليا رواية لايت كوميدي مختلفة عن تجربة «أفراح القبة» وقصدت هذا الاختلاف حتى لا يكون هناك مقارنات بين التجربتين، وهي رواية مشهورة جدا ولكني سأقدمها برؤية وكتابة مختلفة، وسأعلن عنها قريبا.
- أيهما الأكثر قدرة على الغوص في النفس البشرية الرواية أم النص المسرحي؟
الرواية أكثر غوصا في النفس البشرية على مستوى القراءة، فآلية الرواية متحررة وتنتقل معها من مكان لآخر وتصنع عدد كبير من «اللوكيشن»، وتدخلك بإسهاب «لنفس» الشخصية، فهناك متعة في القراءة وإثارة الأحاسيس، بينما الكتابة المسرحية من متطلباتها عدم الإسهاب في»اللوكيشن» فلا تستطيع الانطلاق لأكثر من عشرة مناظر، كما أن آلية المسرح تقوم على الممثل فلن يظل لسبع ساعات على خشبة المسرح ليقول كل تفاصيل الشخصية و تلك هي الصعوبة والأكثر حرفية أن تستطيع إيصال الإحساس أو التفاصيل التي يكتبها الراوي في صفحة كاملة بجملة أو رد فعل، بينما الرواية تتحدث بدقة شديدة وأريحية للشرح وصعوبتها تكون في ألا تجعلني أشعر بالملل وأجد المتعة بكل وصف يقال.
- من الحلم بالطيران إلي كلية الهندسة ثم الطيران على خشبة المسرح ما سبب هذا التحول؟
مع اختلاف المراحل العمرية تختلف الأحلام ، وحلمي أن أصبح طيارا لم يختلف عما أنا عليه الآن، ما لم أترجمه في طفولتي وفهمته الآن أن رغبتي في الطيران كانت من أجل السفر ورؤية أماكن وأشخاص مختلفين والانتقال من عالم لآخر، متعة الطيران وليس المهنة، وهذا له علاقة بالفن لأن الفن يأخذني من عالم لآخر ومن شخصية لأخرى ومكان لآخر دون التحرك من مكاني، فأصبحت أحب الفن؛ لكن؛ تعجبني مكانة كلية الهندسة لأني حصلت على مجموع مرتفع فيها، انطلاقا من فكرة المنافسة بيني وأبناء جيلي ولا يشكل هذا فارقا عن الفن لأن من أسباب حبي للفن هو أن أتحقق داخل مجتمعي. حينها كنت صغيرا وسعدت بمكانة الكلية الاجتماعية المرموقة بين العائلة؛ لكن حين نضجت اكتشفت أن كل ذلك زيف وأنه علي القيام بما أحبه، فكان الفن لأنه سيحقق حلمي بالطيران ، وحبا في الفن ذاته، وكل دراسة قمت بها أفادتني فنيا وتحديدا الهندسة.
- كيف أفادتك الهندسة فنيا؟
التفكير العلمي بطريقة المقدمات تؤدي لنتائج، وهذا ألمسه بين زملائي الفنانين فلدي جزء عملي يشكل فارقا في العمل، علمونا في الهندسة كيفية الوصول لأفضل النتائج بأقل الإمكانيات وكيف تحسب الخسائر وتقلل منها، بالإضافة لفقه المقارنات والأولويات وفقه دفع الضرر أفضل من جلب المصلحة، فربما تبني برجا عظيما ويتسبب في قتل الأرواح فتجنب بناءه، وهذا جعلني في الفن قد أتنازل عن فكرة رائعة لأن ضعف إمكانياتها المادية والتقنية قد يؤدي لتنفيذها بشكل سيء وبالتالي تخرج بصورة مشوهه تسيء لصورتي؛ هنا أدفع الضرر حتى أصل لإنتاج ضخم يحقق حلمي.
- دراستك في المعهد كانت بوابة المرور أم لتعزيز موهبتك بالدراسة الأكاديمية؟
الأمران معا، بالتأكيد في الأساس كنت أريد الدراسة الأكاديمية لأن الأمر يختلف حين تنطلق دون معرفة الأسس .. الدراسة في المعهد كانت أمرا هاما للتعلم والاستفادة من الأساتذة الكبار ممن كنا نحلم فقط بلقائهم، بجانب أن الدراسة تتيح التعرف على من يعملون في الوسط الفني كما يقال»أدخل البيت من بابه»، وحاليا أكمل دراستي بالدراسات العليا للاستزادة من علم الفن والتعمق أكثر.
- ما تقييمك لهذه الدورة من المهرجان القومي للمسرح؟
كانت مفاجأة»اتخضيت».. تخيلت أنه مع الظروف التي يمر بها العالم بسبب كورونا وتوقف المسرح سيكون مستوى المهرجان غير مبشر؛ ولكن فوجئت بردود الأفعال، وكانت هناك مسرحيات جيدة و الأصداء كانت قوية ويظهر ذلك من أسماء العروض وجهات الإنتاج، سعدت بالإنتاج المسرحي الذي يتصاعد في مصر رغم كل هذه الظروف، والقائمين على إدارة المهرجان مروا به بسلام شديد واستطاعوا تحقيق دورة ناجحة بمقاييس الأعوام السابقة، وللأسف نظرا لكوني مشارك في المسابقة لم أتمكن من متابعة كل العروض، ولكني شاهدت معظمها خلال الموسم المسرحي مثل «حريم النار» فهو من العروض المخيفة ، و»المتفائل» أكثر من رائع، و»البخيل» ، و»المأوى»، و»الوحوش الزجاجية» وهو عرض رائع يشارك فيه مجموعة من الممثلين المبشرين والمخرج واع جدا، و «الوردة والتاج» ، و»سينما 30 « للمؤلف محمود جمال الحديني، سعيد بالمهرجان وأتمنى أن يظل في تصاعد بهذا المستوى.
- ما أحلامك وطموحاتك في المستقبل؟
أتمنى حين أقدم عملي الجديد السابق ذكره أن ينال إعجاب الجمهور لأنه شكل مختلف ويذهب بي لمنطقة أخرى، بالإضافة لتجربة أخرى ضخمة على كل المستويات كنت أجلتها لخوفي منها لكن هناك حماس شديد من البيت الفني لتقديمها وسأتحدث عنها حين تصبح على أرض الواقع ، وأتمنى في العموم أن أتقدم للأمام و أوفق في تقديم الألوان المختلفة التي أنوي تقديمها.


روفيدة خليفة