المسرح المصري في فلسطين قبل نكبة 1948 (15) نهاية مؤثرة لفاطمة رشدي في فلسطين

المسرح المصري في فلسطين قبل نكبة 1948 (15) نهاية مؤثرة لفاطمة رشدي في فلسطين

العدد 693 صدر بتاريخ 7ديسمبر2020

مرّت ثلاث عشرة سنة، لم تزر فيها فاطمة رشدي فلسطين بفرقتها! وعندما زارتها بعد كل هذا الغياب عام 1943، كانت فاطمة في أواخر قمة مجدها المسرحي! فهل كانت تظن أن الحظ سيبتسم لها، وهي في سنوات أفول نجمها .. وهي لا تملك فرقة مسرحية ثابتة وراسخة، بل تمّ تجميعها بين يوم وليلة من أجل السفر - تضم بعض الهواة؟! قبل الإجابة على هذا السؤال، اطلعت على الصحف الفلسطينية – المتاحة – فلم أجد مقالات، أو كتابات، بقدر ما وجدت إعلانات منشورة في بعض الصحف، ومن أهمها جريدة «فلسطين»، التي صورت منها مجموعة إعلانات، في أواخر أغسطس وأوائل سبتمبر 1943. ولأهمية هذه الإعلانات؛ كونها الدليل على رحلة فرقة فاطمة رشدي إلى فلسطين، سأذكرها بصورة متسلسلة، هكذا:
إعلانات جريدة فلسطين
(إعلان يوم 21 أغسطس): «لأول مرة في يافا «فاطمة رشدي» ممثلة الشرق الأولى وصديقة الطلبة، ستحيي مع أفراد فرقتها حفلاتها الرائعة على مسرح «سينما الحمراء» ابتداء من مساء يوم الاثنين 23 الجاري. التذاكر تباع في شباك السينما». (إعلان يوم 24 أغسطس): «غداً الأربعاء لأول مرة في يافا بطلة التمثيل المسرحي وصديقة الطلبة «السيدة فاطمة رشدي» على رأس فرقتها المكونة من أشهر الممثلين والممثلات، تقدم المسرحية الهائلة «مصرع كليوباترا» على مسرح سينما الحمراء». (إعلان يوم 27 أغسطس): « مساء اليوم لأول مرة في يافا بطلة التمثيل المسرحي وصديقة الطلبة «السيدة فاطمة رشدي» على رأس فرقتها المكونة من أشهر الممثلين والممثلات، تقدم المسرحية الهائلة «المستنكرة» على مسرح سينما الحمراء». (إعلان يوم 28 أغسطس): « ليلة واحدة فقط، مساء الاثنين 30 الجاري على مسرح سينما عين دور بحيفا، نابغة التمثيل وصديقة الطلبة «السيدة فاطمة رشدي»، تقدم أقوى رواياتها المسرحية العظيمة «مصرع كليوباترة» باشتراك 60 ممثلاً وممثلة من أشهر الممثلين، مساء الاثنين في 30 الجاري». (إعلان آخر ليوم 28 أغسطس): «مساء اليوم لأول مرة في يافا بطلة التمثيل المسرحي وصديقة الطلبة «السيدة فاطمة رشدي» على رأس فرقتها المكونة من أشهر الممثلين والممثلات، تقدم المسرحية الهائلة «العباسة» على مسرح سينما الحمراء». (إعلان يوم 29 أغسطس): « ليلة واحدة فقط، مساء الاثنين 30 الجاري على مسرح سينما عين دور بحيفا، نابغة التمثيل وصديقة الطلبة «السيدة فاطمة رشدي»، تقدم أقوى رواياتها المسرحية العظيمة «المستهترة» باشتراك 60 ممثلاً وممثلة من أشهر الممثلين، مساء الاثنين في 30 الجاري. تباع التذاكر في محل السيد توفيق الزعبلاوي في ساحة الجرينة». (إعلان آخر ليوم 29 أغسطس): « لأول مرة في مدينة القدس، بطلة التمثيل المسرحي في الشرق وصديقة الطلبة «السيدة فاطمة رشدي» على رأس فرقتها المكونة من أشهر الممثلين والممثلات ستحيي على مسرح سينما ركس بالقدس، يوم الأربعاء 1 أيلول سنة 1943، الرواية العصرية الشهيرة «المستهترة» يوم الخميس 2 أيلول سنة 1943 الرواية التاريخية الخالدة «مصرع كليوباترا» سيرفع الستار الساعة 8,30 مساء، احجزوا تذاكركم المنمرة من الآن من شباك سينما ركس». (إعلان يوم 31 أغسطس): « غداً الأربعاء 1 أيلول على مسرح سينما ركس بالقدس، الساعة 8,30 نابغة التمثيل الشرقي «السيدة فاطمة رشدي» تقدم مع فرقتها المكونة من 30 ممثلاً وممثلة، أقوى وأروع رواياتها المسرحية «المستهترة»، تكرر تمثيل رواية المستهترة في القاهرة أكثر من 50 مرة، ثم في مدينة يافا نزولاً على إلحاح الجمهور أعيد عرضها، وقد لاقت إقبالاً منقطع النظير. الخميس 2 أيلول، الرواية التاريخية الخالدة «مصرع كليوباترا». فرصة نادرة اغتنموها لمشاهدة هاتين الروايتين. تباع التذاكر المنمرة اعتباراً من اليوم من شباك سينما ركس». (إعلان يوم 2 سبتمبر): «هذا المساء الساعة 8,30 «كليوباترا» أقوى وأروع دراما مثلت على المسرح حتى الآن، تقدمها لكم «السيدة فاطمة رشدي» ممثلة المسرح المصري الأولى، على مسرح سينما ركس بالقدس». (إعلان آخر يوم 2 سبتمبر): « اليوم مساء الساعة 9، نابغة التمثيل المسرحي في الشرق، السيدة فاطمة رشدي وفرقتها، تقدم بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك على مسرح «سينما البرج بعكا» الرواية المصرية الأخلاقية «المستهترة». الرجاء حجز التذاكر مقدماً من شباك السينما لأنها منمرة». (إعلان يوم 3 سبتمبر): «هذا المساء الساعة 8,30 على مسرح «جمعية الشبان المسيحية بالقدس» تقدم لكم فرقة السيدة فاطمة رشدي آخر حفلاتها الوداعية، رواية «العباسة أخت الرشيد»، تباع التذاكر من شباك الجمعية».
نشر هذه الإعلانات، يوحي بأن عروض فرقة فاطمة رشدي نجحت نجاحاً كبيراً، بدليل نشر الإعلانات يومياً طوال فترة وجود الفرقة في فلسطين وبهذا الكم! كما أن هذه الإعلانات تقول إن الفرقة مثلت ثلاث مسرحيات فقط، هي: «مصرع كليوباترا، والمستهترة، والعباسة»، أما مسرحية «المستنكرة» فهي نفسها المستهترة، ومسرحية «العباسة أخت الرشيد» هي نفسها مسرحية «العباسة»!! وتبديل الأسماء أسلوب قديم في تاريخ المسرح العربي، تلجأ إليه بعض الفرق المسرحية، عندما تريد خداع الجمهور بأنه سيشاهد مسرحية جديدة!! كما أن الإعلانات بها تضارب غريب، لا سيما إعلانات عرض يوم الثلاثين من أغسطس!! حيث يوجد إعلانين في الجريدة نفسها لعرضين مسرحيين مختلفين، هما «مصرع كليوباترا، والمستهترة»، وفي مكان واحد، وهو مسرح سينما عين دور بحيفا، لفرقة فاطمة رشدي!!
الحقيقة المؤلمة
بناء على ما سبق، نعود إلى سؤالنا السابق: هل كانت فاطمة رشدي تظن أنها ستنجح في زيارتها هذه إلى فلسطين - بعد انقطاع دام ثلاث عشرة سنة - وهي في أواخر مجدها الفني؟! الإجابة على جزء من هذا السؤال، وجدناها عند مراسل مجلة «الصباح» في يافا (م.ع)، عندما نشر تقريره في المجلة عن الفرقة في سبتمبر 1943، تحت عنوان «ملاحظات على فرقة فاطمة رشدي الجديدة ورواياتها على مسارح فلسطين»، قال فيه:
وصلت إلى فلسطين السيدة فاطمة رشدي، مع فرقة جديدة لها. وهنالك انتقادات على ممثلي الفرقة وإدارتها، منها أن الفرقة مثلت على مسارح فلسطين ثلاث روايات، هي «مصرع كليوباترا» و«العباسة أخت الرشيد» ثم رواية «المستهترة» وهي رواية عصرية رائعة ..... وكان معظم الممثلين غير صالحين لأدوارهم، فمثلاً في رواية «العباسة» ظهر أبو نواس رث الثياب، بينما الحقائق التاريخية تقول إنه كان ممتلئ الجسم جميل الهيئة حسن البزة خفيف الروح، وكذلك كان الممثلون يرتكبون أخطاء نحوية فظيعة، ويلقون الأبيات الشعرية دون إقامة أي وزن لبحور الشعر أو عروضه، كما ظهر في رواية «كليوباترا» وفي أدوار الشعراء في رواية «العباسة». وكانت ملابس هارون الرشيد وجعفر، لا تختلف عن ملابس الممثلين الآخرين ذلك الاختلاف الذي يميز بين الملك ورجال بلاطه، وقد احتفظ كل ممثل بملابسه طيلة أدوار الرواية. مع أننا نعرف أن هارون الرشيد كان إذا أعجبه بيت من الشعر خلع ألبسته على صاحب ذلك البيت واستبدلها بغيرها .... أما السيدة فاطمة رشدي النابهة فقد أعجبني منها ثبوت قدمها على المسرح، لأنها كانت تمثل تمثيل من يريد أن يحافظ على سمعته. يا لها من مسكينة حائرة، كنت أراها تلقن الممثل الذي يمثل أمامها إذا نسى دوره أو تلعثم فيه، وكنت أشاهد إمارات الأسف الشديد تبدو على وجهها – وهي تحاول أن تخفيها محافظة على الدور الذي تمثله – كلما أخطأ الممثل الذي أمامها، وكنت كلما زحزح الهواء الستار أثناء فترة الاستراحة، أراها منهمكة في إرشاد مدير مسرحها إلى الديكورات والتغييرات اللازمة للفصل الجديد. أما الإدارة فكانت دلائل الإهمال بادية عليها، ولا ألوم في ذلك إلا الريجيسير ومدير المسرح، الذي أهمل فيما حدث في الديكورات «المناظر» من الثقوب والتخريب حتى أن قصر هارون الرشيد كان مثقوباً، وكانت تظهر وراءه النجوم في سماء يافا الصافية. أما المُلقن فيجب ألا ينتقد إلا إذا ظهر للمشاهدين، وقد وقع في هذه الغلطة مع الأسف الشديد.
 ومن أحداث الفرقة في هذه الزيارة، ما نشرته إحدى المجلات المصرية، تحت عنوان «أردتم مصرع كليوباترا وأرادت فاطمة المستهترة»، قائلة: بهذا العنوان تلقينا من حيفا الخطاب الآتي: كان من المقرر بل ومن المحتم أن تمثل فاطمة رشدي وفرقتها في حيفا، الرواية التاريخية الخالدة «مصرع كليوباترا» تأليف أمير الشعراء المرحوم شوقي بك على مسرح سينما «عين دور» بحيفا. وقد تهافت الجمهور على حضور تلك الرواية، نظراً لما فيها من الآثار الفرعونية القديمة، ولما أخذ كل مكانه فوجئنا برواية «المستهترة»! فليت شعري ما معنى هذا؟ لقد نشرت الصحف بأحرف ضخمة أن الرواية التي ستمثلها السيدة فاطمة رشدي وفرقتها، هي رواية «مصرع كليوباترا». وكذلك الإعلانات التي الصقت على الجدران، أفادت ما أفادته الصحف، غير أن فاطمة رشدي لم تشأ العمل إلا كما تريد غير عابئة بالجمهور رضى أم لم يرض!! وهذا الموقف يؤكده التضارب الذي أشرنا إليه في إعلانات الفرقة المنشورة في هذه المقالة!!
ربما يظن القارئ أن المراسلين وأهالي فلسطين، تجنوا على فاطمة رشدي وفرقتها فيما نشروه من تقارير ورسائل!! لذلك وجدنا دليلاً على صدق ما قالوه متمثلاً في مجموعة ملاحظات نشرها مصري اسمه «محمود نظمي»، شاهد عروض الفرقة في يافا، عندما كان هناك! وهذه الملاحظات نشرها في مجلة «الصباح» في سبتمبر 1943، تحت عنوان «ملاحظات على فرقة فاطمة رشدي الجديدة ورواياتها على مسارح فلسطين»، قال فيها: انتهزت فرصة وجودي في مدينة يافا الجميلة بموقعها وإشرافها على البحر، لحضور الروايات التي ستعرضها فاطمة رشدي، علني أسمع من الشعب الفلسطيني الكريم عبارات المدح والثناء على هذه الفرقة المصرية، ولكن خاب ظني إذ أن فاطمة رشدي وفرقتها أخلفوا ظن الشعب الفلسطيني بهذه الفرقة المصرية. حقاً أنها مهزلة مسرحية كانت بطلتها فاطمة رشدي، وهذه المهزلة الشائنة التي مثلت على مسارح فلسطين، كانت وصمة عار في جبين التمثيل المصري. ففي أول ليلة حضرت في مدينة يافا رواية «مصرع كليوباترا»، وكنت فخوراً جداً عندما علمت أن هذه الرواية ستمثل مسرحياً لا سيما من فرقة مصرية، رغم فداحة ثمن التذاكر، إذ يبلغ ثمن التذكرة بالمقاعد الأمامية 75 قرشاً، فإن الجمهور كان مقبلاً إقبالاً زائداً على شراء وحجز التذاكر، ولكن ما لبثت الرواية تبدأ فصولها حتى سئم الجمهور هذه الرواية، ومن جملتهم «أنا» المصري الصميم، وكان الجمهور أيضاً يضج من التمثيل لعدم حفظ الأدوار، وعدم تجهيز المناظر بسرعة لكل فصل من فصول الرواية، وعدم وجود موسيقى تذاع بين الفصل والآخر! ولم يمض على بدء الرواية نصف ساعة، حتى كنت تنظر إلى الجمهور يتسلل من القاعة، ويخرج اشمئزازاً مع أن الشعب الفلسطيني حسب الإحصاء الأخير بلغت نسبة التعليم فيه 62 في المائة، ولا يمكننا أن نتهمه بالجهل إذ إني سمعت من أفواه بعض الفلسطينيين انتقادات مسرحية قد لا تصدر إلا من المتخصصين في فن التمثيل، وكانوا طبعاً على حق في انتقاداتهم. كانت هذه المهزلة فاتحة لمهازل أخرى مُثلت على مسارح القدس الشريف وحيفا وغيرها من البلاد الفلسطينية، حيث ظهر لنا أن الفرقة كان ينقصها الأشخاص، إذ أن الممثلين كانوا يظهرون في مظهرين أو أكثر من كل رواية! مع أن بعض الفصول كانت تتطلب ظهور غير هؤلاء الأشخاص! ولكن عمل الفرقة هذا، كان عبارة عن توقيع وتلفيق للروايات، ولم تكن الفرقة تسعى إلا وراء المادة!!
وكما يُقال «شهد شاهد من أهلها»، وجدنا رسالة منشورة في مجلة «الصباح» من إحدى ممثلات الفرقة، وهي «فؤادة حلمي»، نشرتها المجلة تحت عنوان «فرقة فاطمة رشدي وفرقتها في فلسطين كما تصفها إحدى ممثلات الفرقة»، قالت فيها: وصلتنا رسالة من الممثلة «فؤادة حلمي» التي سافرت مع فرقة السيدة فاطمة رشدي إلى فلسطين. وتوضيحاً لحالة الرحلة ننشر من رسائلها ما يلي؛ حيث قالت: تعاقدت معي السيدة فاطمة رشدي للعمل معها بفرقتها، التي تكونت خصيصاً لرحلة فلسطين! ونظراً لسابق عملي معها بالفرقة السابقة، ولما أعرفه عنها سابقاً من غيرة صادقة واحترام كلي لفرقتها ولزملائها، قبلت عن طيب خاطر السفر معها. وعند وصولنا إلى فلسطين وفي أول بلد بدأ عملنا فيها وهي مدينة يافا، ظهر لي أن الفرق شاسع بين فاطمة رشدي بالأمس وفاطمة رشدي اليوم! فهي تريدهم جميعاً رجالاً وسيدات أن يكونوا خداماً لها، بل عبيداً .. عندما تأمرهم وجب عليهم الطاعة والتنفيذ بدون اعتراض .. ولا تجيز هذا لنفسها إلا في بروفات الفرقة التي كان يحضرها المتعهدون وبعض أهالي فلسطين .. ومع هذا الاهتمام الذي أظهرته في البروفات سقطت للأسف الشديد كل رواياتها، التي مثلتها في بلاد القطر الشقيق! ولما ازدادت معاملتها السيئة لي ولغيري من أفراد الفرقة، رأيت أن أنفصل عن العمل، وأطلب عودتي إلى مصر.
مما سبق يتضح لنا أن رحلة فاطمة رشدي إلى فلسطين عام 1943، كانت الرحلة الأسوأ طوال تاريخ زياراتها إلى فلسطين أو إلى أي بلد عربي آخر! ولا أظن أحداً يتوقع – أو يتخيل – أن يقرأ في يوم ما عنواناً يقول: «القنصلية المصرية في فلسطين تحجز على إيرادات فاطمة رشدي»!! وبكل أسف هذا العنوان تم نشره بالفعل في أواخر سبتمبر 1943!! وتفاصيله منشورة في مجلة مصرية، وتقول: تحدث أحد وجهاء فلسطين الذين زاروا القاهرة أخيراً عن رحلة فاطمة رشدي مع فرقتها بفلسطين فقال: كان من المقرر أن تبدأ الفرقة حفلاتها يوم الاثنين، ووصل أفراد الفرقة يوم الاثنين فعلاً؛ ولكن لم يعرفوا أية رواية ستمثل، فعُطلت الفرقة ثلاثة أيام، وكان إيجار المسرح يحسب بنسبة 75 جنيهاً في الليلة الواحدة. وبلغ إيراد الحفلة الأولى للفرقة 520 جنيهاً، وفي اليوم التالي كان 60 جنيهاً، بعد أن لمس الجمهور ضعف الفرقة من الناحية الفنية. وكان علي أفندي يوسف قد اتفق على أن يأخذ مبلغاً معيناً من إيراد كل حفلة، فلم يأخذ المبلغ المتفق عليه، واضطر أن يشكو إلى القنصلية المصرية، فطلبت الحجز على جميع إيرادات الفرقة، كما طلب إلى أفراد الفرقة ألا يمثلوا إلا إذا تسدد المبلغ المطلوب، وإذا اشتركوا فلا بد من الحجز على إيراد الحفلات. وكانت نتيجة ذلك أن تعطلت حفلات الفرقة، ولم يعرف مصير ونتيجة هذا حتى الآن.
مرّ أسبوعان على هذه الحال، حتى ظهرت بارقة أمل، قامت بنشرها مجلة «الصباح» في أكتوبر 1943، وكانت عبارة عن خطاب أرسلة ابن شقيق قنصل مصر العام في فلسطين، قال فيه: «حضرة صاحب العزة الأستاذ محمود بك فوزي قنصل مصر العام في فلسطين، قرأت في «الصباح» الغراء رسائل وردت إليها من فلسطين، بأن القنصلية المصرية حجزت على إيراد السيدة فاطمة، ريثما تسدد دينها، أو أجر المتعهدين بإقامة حفلاتها، ومنعها من التمثيل حتى ترضي هؤلاء. وأرى أن تكون على عهدنا بك من التلطف والرحمة، فتخوّل لها حق العمل؛ لأنها ربما لا تستطيع أداء الحقوق إلا بالرجوع إلى عملها، ونظراً لمكانتها في عالم الفن .. أقدم هذا الرجاء ملتمساً من عزتكم النظر إلى الفن فيها بعين الرحمة والتقدير. وتقبل منى عظيم التقدير والإجلال. القاهرة [توقيع] ابن أخيك عبد القادر محمود».
بعد أسبوع واحد من هذا الرجاء، عادت فاطمة رشدي إلى القاهرة، مع بعض أفراد فرقتها، وتبقى البعض الآخر في فلسطين أو في بلاد الشام! حتى أغراض الفرقة من ملابس تمثيلية ومناظر وإكسسوارات .. إلخ، تمّ شحنها من حيفا إلى دمشق على أمل أن تواصل الفرقة عملها ورحلتها إلى بلاد الشام، إلا أن فاطمة رشدي قررت عدم السفر إلى أية دولة أخرى بعد ما حدث لها ولفرقتها في فلسطين، وقررت العودة إلى القاهرة!!


سيد علي إسماعيل