سمات مسرح يسري الجندي في رسالة الدكتوراه

سمات مسرح يسري الجندي في رسالة الدكتوراه

العدد 618 صدر بتاريخ 1يوليو2019

حصل الباحث شريف صالح على درجة الدكتوراه من المعهد العالي للنقد الفني بأكاديمية الفنون، الأحد 16 من يونيو الحالي، وحملت رسالته عنوان «التحليل السيميائي للنص المسرحي: مسرح يسري الجندي نموذجا».
في دراسته أشار شريف صالح إلى أنه كان يطمح إلى تقديم قراءات لمسرحيات يسري الجندي، تنبع عن تفاعل العلامات داخل النص، وتتجاوز الثنائية التقليدية في قراءة أعماله ما بين التأثر بالغرب وتحديدا المسرح الملحمي ومحاولة استلهام عناصر شعبية وتراثية لتأكيد الهوية المصرية. أضاف: كتب الجندي الكثير من النصوص واخترت من بينها ست عشرة مسرحية طبعت بالفعل وصدرت عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.
كما أشار إلى أن أهمية الرسالة تكمن في عناصر النص المسرحي وخضوعها على الدوام للدراسة والتحليل؛ مؤكدا أن ثمة ندرة في قراءتها بوصفها «علامات» على اعتبار أن المسرح كله علامة كبرى أو نظام سيميائي. أضاف: ورغم ما يتميز به ذلك المنهج من الدقة والقدرة على التحليل، فإنه لم يطبق في مجال المسرح العربي إلا على نطاق صغير وعبر دراسات محدودة نسيبا.
تابع صالح: تقتصر الأهداف على قراءة النص المسرحي بوصفه نظاما سيميائيا، واختبار إمكانية تطبيق المنهج السيميائي على النص المسرحي، وإعادة قراءة النص المسرحي للكاتب يسري الجندي بعيدا عن الخطاب الآيديولوجي السائد واستنطاق المعنى الظاهر والمباشر، حيث لم يتعامل الباحث مع «المعنى» باعتباره كلا جاهزا داخل النص، بل يعيد اكتشافه من خلال فك الشفرات وقراءة شبكة الدول.
وعن منهج الدراسة قال: قدم دي سوسير نموذجا ثنائيا حيث تتكون العلامة من الدال ومدلول وهما أشبه بوجهي الورقة، ولا يمكن فصلها إلا بغرض الدراسة والتحليل؛ أما بيرس فقدم نموذجا ثلاثيا حيث قسم العلامة إلى الممثل أي الشكل الذي تتخذه، الذي يحيل إلى موضوع أو مرجع؛ أي المشار إليه، وهو الجزء الذي استبعده دي سوسير، وتحدث تلك الحالة عبر مؤول أو مفسر ويعادل «المدلول» لدى دي سوسير، ووفقا للمنظور السيميائي يعتبر المسرح نصا أو عرضا، وهو علامة كبرى تتفاعل فيه على نحو ديناميكي ومركب مجموعة من العلامات الصغرى التي تنتمي إلى فنون ومجالات مختلفة.
وتناولت الدراسة ضمن «نسق النص» إكراهات النوع التي تجعل النص مستحقا لوصف «نص درامي» وليس رواية أو قصة؛ وهذا النسق يدرج في إطار السيميائيات الواصفة، حيث تتشكل ماهية النص في ثلاث علامات أساسية وهي: القالب، لغة الإشارات، لغة الحوار.
وعن سمات نصوص الجندي قال الباحث: يلعب الممثلون و»الرواة» دور المرسل في أكثر من نص، ما يعني بالضرورة أن «المرسل إليه» هو «الجمهور» وفي بعض الأحيان تمثل «المرسل» في حادث مادي كالحرب أو عملية اغتيال، وهيمنت «الذوات الفاعلة» ذات المرجعية التاريخية على معظم النصوص؛ وهو ما يتماشى مع المنطق الذكوري لمفهوم البطولة والاكتفاء بحضور المرأة في الدرجة الثانية من الأهمية، وعبر هذه النماذج تم تمرير خطاب آيديولوجي يسائل قيم الحرية والعدالة والخلاص، وتم الاشتغال على تصورات السلطة وعلاقتها بالشعب وما يحاك ضد الوطن من المؤامرات.
أضاف: ولا تفصل النصوص مفهوم الوطن عن امتداده وسياقه العربي والإسلامي، وهو ما يظهر في وجود نصين عن القدس وفلسطين هما «ماذا حدث ليهودي» و»وا قدساه»، كما يظهر في تنوع النماذج البطولية من زمكانيات عربية وإسلامية متباينة.
تابع صالح: ورغم محاولات اشتراك عامة الشعب في النقاش؛ وفي الفعل الدرامي، فإن الإنجاز ظل مرهونا على الدوام بالبطل المخلص القادر على تصحيح علاقة الشعب بالسلطة وغالبا ما كانت تلك المحاولات تنتهي إلى الفشل بسبب فرديتها، فالرهان على «بطل خارق» منتظر يضع الشعب غالبا في خانة المتلقي السلبي والقابل للانخداع بأي وجه ديكتاتوري يقدم نفسه كبطل مخلص. تابع الباحث: وإذ ما تم ربط النصوص بسياقها التاريخي عقب نكسة يونيو، ذلك الجرح الهائل في نظام عبد الناصر بأحلامه القومية، تبين أنها جميعا كانت تكشف عن محاولات متكررة لعلاج ذلك الجرح للتأكيد على قناع عبد الناصر كمخلص وبطل شعبي طال انتظاره إذا ما التف الشعب حوله.
وأوصت الدراسة أولا: بضرورة التنسيق بين الجامعات والمراكز البحثية حيث تتكرر دراسة أعمال بعض الكتاب وفق المناهج ذاتها والخروج بنتائج متقاربة في حين يغيب معظم الكتاب بدءا من جيل الثمانينات. ثانيا: تشير أعمال يسري الجندي إلى قضايا إشكالية تتطلب المزيد من البحث والنقاش مثل قضية «الديمقراطية» ودور المسرح وهو الشكل الفني الأكثر ديمقراطية في طرحها للنقاش العام، بدلا من تكريس نموذج البطل المخلص وكذلك قضية الهوية المصرية. ثالثا: ضرورة العناية بالجوانب التوثيقية الخاصة بالمسرح المصري عند صدور أعمال الكتاب حيث تفتقر معظم الإصدارات إلى الإشارات الدقيقة المتعلقة بسنوات كتابتها وسياقها وكذلك التجارب الإخراجية التي تناولتها. رابعا: الاستفادة من الوسائط التكنولوجية في توثيق التراث المسرحي المصري كي تسهل الاستفادة منه من قبل الباحثين.
وعن سبب اختياره للمنهج السيميائي قال: نسبة التطبيق من خلال المنهج السيميائي قليلة جدا، وعلى الرغم من أن مسرح يسري الجندي سياسي فإنه مسرح مليء بالعلامات والإشارات والشخصيات التاريخية والفولكلورية.
ناقش الرسالة الدكتورة سامية حبيب والدكتور سيد الإمام والدكتور أحمد مجاهد.
 

 


شيماء سعيد