150 سنة مسرح.. رؤية مصر 2030 مهرجان شرم الشيخ للمسرح الشبابي

150 سنة مسرح.. رؤية مصر 2030  مهرجان شرم الشيخ للمسرح الشبابي

العدد 693 صدر بتاريخ 7ديسمبر2020

اختتم مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي فعاليات دورته الخامسة التي تحمل اسم الفنانة القديرة «سناء جميل». وهي بلا شك دورة استثنائية في عمر المهرجان الوليد، سواء على مستوى التحديات أثناء التحضير، كتخلي بعض الجهات عن تقديم الدعم للمهرجان هذا العام، أو على مستوى الظرف العالمي لكوفيد 19 وما فرضه من قيود متعسفة. وهنا تجدر الإشادة بالإجراءات الاحترازية التي تم تطبيقها أثناء فعاليات المهرجان، حيث حرص فريق التنظيم علي توفير كافة الخدمات اللوجستية من «كمامات أو مواد التطهير وقياس الحرارة» بجانب المتابعة الطبية المستمرة.  لكن أهم ما تميز به المهرجان في دوراته كافة، هو التمكين الفعلي للشباب علي أرض الواقع؛ إذ جمع عددا مثيرا للإعجاب من الشباب؛ متطوعين ومنظمين، تتراوح أعمارهم بين العشرينات والثلاثينات تقريبا، بداية من رئيس المهرجان، ووصولا إلى أصغر أعضاء الفريق؛ ومعظمه من طلبة الثانوي والجامعة.
حافظت الدورة علي برنامجها الفكري السنوي، فبجانب المؤتمر الصحفي للاعلان عن تفاصيل الدورة الجديدة، ضم البرنامج خمس مؤتمرات صحفية علي مدار الفعاليات اليومية،  مؤتمران لتكريم «حنان مطاوع» و»بيومي فؤاد» ومؤتمري الاعلان عن الفائزين بجائزة عصام السيد للعمل الأول للشباب وبجائزة التأليف المسرحي، بالاضافة الي المؤتمر الصحفي للفائزين بجائزة أفضل شخصية مسرحية شابة لعام 2019 (مصرياً وعربياً).
أما الندوات واللقاءات الفكرية توزعت علي ثلاث محاور: ندوة حامل اسم الدورة الخامسة «سناء جميل» بعنوان «بداية ونهاية»، والملتقى الفكري الخاص بعنوان «المسرح الشبابي: صناعة ثقافية لتنمية مستدامة»، على جلستين متتاليتين. يؤسس للمحور: رئيس المجلس الأعلى للثقافة الدكتور/ هشام عزمي ورئيس أكاديمية الفنون أ.د/ أشرف زكي.
فيما احتفت المناظرة الفكرية بمرور «150 سنة مسرح مصري» بمشاركة د.سيد على إسماعيل، المناظر الثانيى  د.عمرو دوارة ، ويدير المناظرة النجم الفنان. محمود الحديني.
مفهوم «الصناعات الثقافية» .. و»التنمية المستدامة» رؤية مصر 2030
افتتح الامين العام للمجلس الاعلي للثقافة د. هشام عزمي الجلسة الاولي من الملتقي الفكري الخاص بالدورة الخامسة.. دورة «سناء جميل» والذي خُصص هذا العام للمناقشة موضوع «المسرح الشبابي صناعة ثقافية لتنمية مستدامة» وتمت فعالياته علي جلستين اشترك عزمي في الاولي بمصاحبة رئيس ومؤسس المهرجان الفنان مازن الغرباوي، فيما قدم الفنانان محمد الشافعي واسلام امام شهادتهما في الجلسة الثانية من الملتقي، وأدار الجلستان الدكتور مصطفي سليم.
الذي اشار في البداية أن الغرض الاساسي من هذا الملتقي هو الوصول لبعض التوصيات لتنشيط صناعة المسرح وتطويرها للبحث عن سبل تنميتها الثقافية. لاسيما وقد بات المسرح يُنظر له علي مستوى العاليم علي انه صناعة، ومن هنا أصبحت مقولة «الفن للفن» لا محل لها من الاعراب –والكلام لسليم- في مجتمعات ما بعد الثورة الصناعية الذي يعتمد علي قواه الناعمة كالمسرح والسينما وكافة الفنون.
أكد الدكتور هشام عزمي في كلمته ان الصناعات الثقافية اصبحت الان ركن اساي من اركان الاقتصاد في العالم، وان ثمة علاقة عضوية ورسيخة بين هذه الثنائية ولم يأتي هذا الربط بينهما جراء المصادفة.
الي جانب ذلك، اشار الامين العام الي خطط التنمية المستدامة التي تتبعها الدولة في العموم ووزارة الثقافة، لتنفيذ استراتيجية كبيرة تحت عنوان «رؤية مصر 2020» تم التوافق بين جميع الجهات علي تنفيذ هذه الرؤية وفق برنامجها الزمني وتذليل كافة الصعاب لهذه الرؤية بتوجيه مباشر من السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي.
وذلك من خلا سبعة مراحل تخص الشأن الثقافي، حيث تهدف خطة التنمية لاستهداف كافة الامور الحياتية والمعيشية للمواطن، لتحقيق المفهوم الايسر للتنمية الذي اصدر اول مرة سنة 1987 من خلال اللجنة الدولية المشكلة لرصد وضع الاقتصاد العالمي واصدرت ذلك التعريف «كيفية تحقيق حياة بقدر من الرفاهية والصحة للمواطن وذلك من خلال استغلال كل الموارد المتاحة؛ بشرط الا يؤثر ذلك في مخزون الاجيال القادمة من ذلك المخزون».
تشتمل خطة وزارة الثقافة علي سبعة برامج اساسية، هي: (تحقيق العدالة الثقافية. تقرير القيم الايجارية. تنمية المواهب. تحقيق الريادة الثقافية. دعم الصناعات الثقافية. تطوير المؤسسات الثقافية. حماية التراث الثقافي).
أشار الامين العام الي تأمل تجربة كمهرجان شرم الشيخ والتي تحقق فيها العديد من هذه النقاط التي تشتمل عليها الخطة، ومن هنا  انطلق الفنان مازن الغرباوي رئيس المهرجان من حيث انتهي الامين العام، متوجها بالشكر علي الايجاز الشديد والموجز المقدم من د. هشام عزمي، داعيا اياه لتبني فكرة «حُلم» اقامة هذا الملتقي الفكري بشكل سنوي منطلقا من مهرجان شرم الشيخ، علي أن يقوم المجلس الاعلي للثقافة برعاية الملتقي، الذي سيعمل علي تنفيذ مفهوم «تحقيق العدالة الثقافية» المنشود، وذلك بالوصول الي المواطن باختلاف توجهاته وبيته اينما كان، ومن ثم سيؤدي ذلك الي الانتشار التراكمي لتغطية كافة المحافظات واحتياجتها.
وفي نهاية الجلسة الاولي تم تكريم للدكتور هشام عزمي الامين العام للمجلس الاعلي للثقافة، بشهادة تقدير من مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي، قدم التكريم رئيس المهرجان.. كي ننتقل للجلسة الثانية في موضوع الصناعات الثقافية ومفهوم التنمية المستدامة، بشهادتين للمخرجان محمد الشافعي واسلام امام.
حيث تعرض الشافعي في كلمته الي حصر نقاط الضعف التي تعاني منها المؤسسات الثقافية الحكومية، وكيف يؤثر ذلك علي صناعة ثقافية قادرة علي تحقيق مفهوم الاستدامة الفعلي.
فيما اشار الدكتور مصطفي سليم الي حقبتي الثمانينات والتسعينات، حين كان المسرح التجاري في مصر شريك فاعلي في فعل التنمية، وظل ذلك مستمرا حتى تم غلق مسرح محمد نجم في 2005، التاريخ الذي يعتبره سليم نقطة فارقة في تاريخ المسرح التجاري المصري.
في حين ذكر اسلام امام تعدد الصناعات الثقافية في صورها الاولي، عبر العديد من المراحل، كالمسرح الشعبي الذ ي خاطب القومية الوطنية، طارحا «بديع خيري وسيد درويش» كنموذج لهذا المسرح الشعبي الذي يقبل عليه الجمهور العادي اكثر من الكلاكسيات العالمية لشكسبير.
مناظرة «150 سنة مسرح».. نظرية الخدعة الكبرى
في العام الماضي 2019، أثار الدكتور سيد علي اشكالية حول بعض القناعات او الاعتياد علي تأريخ بداية المسرح المصري بالمحاولات الاولي لـ «يعقوب صنوع الاولي» مكتشفا ان صنوع لم يكن هو رائد هذا الفن في مصر –في مفهومه العصري الحديث، حيث يبدأ البذوغ الأول للمسرح من الاف السنين حين استخدم قدماء المصريين فسلفة الفعل المسرحي في الطقوس الدينية بداية الامر- ولم يقف الامر عند هذا الحد مع علي؛ فقد تتبع بعض الوثائق –منها التي لم يعلن عنها حتى الان- بالاضافة الي العديد من الحواشي التأريخية من صحافة او كتابات نقدية وكتابات رأي، نفي من خلالها ريادة صنوع المسرحية وحقيقة كونه صناعة ماسونية –علي حد قول علي- تم استخدامها من قبل الجماعات الماسونية علي حياة عين صنوع وبعد مماته ايضا.
حين تحلوت تلك الماسونية –الكلام لعلي- الي الصهيونية الحديثة التي لاتزال تستخدم اسم صنوع لصناعة ما اطلق عليه علي «الخدعة الكبرى» حتى الان عن طريق ابنته التي تمد البعض من ان لاخر بوثائق ابيها التاريخية التي لم تظهر للنور من قبل.
اثارت هذه الاشكالية العديد من التساؤلات والمراجعات حول البداية الحقيقية للمسرح المصري، في طريق التأريخ والتوثيق العلمي من جهة، ومن جهة اخرى خرجت اصوات اخرى لا ترى غضاضة في ان يكون المسرح المصري نشأ علي يد غير مصرية، واخرى تدلل علي وجود وثائق اخرى موازية تؤكد ريادة صنوع في التاريخية، ومن بين تلك الاصوات التي عملت علي تفنيد نظرية د. سيد علي والرد عليها؛ كان الدكتور عمرو دوارة، ومن هنا يعاود مهرجان شرم الشيخ في دورته الموافقة مرور 150 سنة علي ميلادة المسرح المصري 1870، فتح هذه الاشكالية من جديد، لاسيما وكلا الطرفان «علي ودوارة» لم يقدما الدلائل القاطعة علي ثبوت وجهة نظر كل منهما، وحتى لا يبقي الوضع علي ما هو عليه؛ اقيمت مناظرة اليوم ضمن برنامج الملتقي الفكري للمهرجان لطرفي النقاش «د. سيد علي اسماعيل، يناظرة الدكتور عمرو دوارة، ويدير النقاش الذي اقترب من ساعتين الفنان القدير محمود الحديني.
لا يلفت النظر في حقيقة الامر الي الاشكالية المطروحة حول احقية صنوع من عدمها بالريادة، ولا تفصيلاتها المتشعبة الاخرى؛ ولكا ما يدعو الي التساؤل هنا هو الخطاب –الدائم- الموجه من د. سيد علي بتقسيم القضية الي طرفان «انا وانتم» الصيغة التي تكررت اكثر من مرة في مناظرة اليوم او غيرها، حيث يؤكد علي انه الوحيد صاحب قضية كشف خدعة صنوع الكبري كما أسماها، والجميع في المقابل في طرف اخر مواجه، ومن هنا تكرر استعمال ضمير «أنا» في مقابل «أنتم» في الكثير من النقاط البحثية.
الخدعة الكبرى
«يعقوب روفائي صنوع»،  و»جيمس سانووا»، «أبو نظارة وابو زمارة»، أسماء عديدة لحامل اسم صنوع، جنسيات مختلطة وغير مثبتة، تشابكات وتقاطعات تاريخية في حياته مع الاحداث السياسية العامة، اننا امام شخصية اسطورية الي حد ما، ما السر في كل هذه الغرابة الملاذمة لصنوع الي ما بعد مماته؟ وهل يوجد غرابة بالفعل في هذه الخلطة الدرامية؟!
ومن اجل هذه الربكة التي احدثها استدعاء صنوع، الزم الفنان محمود الحديني المشاركين في المناظرة باوقات محددة ومقسمة ومتساوية للطرح والرد والمداخلات، فيما يشبه «مباراة تناظرية» تاركا الحكم في النهاية للجمهور ولمحاولات البحث العلمي وقراءة التاريخ، فيما اذا كان صنوع رائد المسرح ام لا.
قدم د. سيد علي سردا تفصيلا لعدة فترات مختلفة قبل ان يظهر اسم يعقوب صنوع في اي مصدر صحفي او خبري. وتعمق علي في شرح هذه الفترات المتتالية والمتجاورة وتعدد الشخصيات –المشهورة والمجهولة- في سير مجراها، وبقيت الصورة الكلية في النهاية تتبني فكرة الصناعة الماسونية لشخصية يعقوب صنوع واستخدامها في اغراض مختلفة، وعدم زوال ذلك بموت الشخصية علي ارض الواقع، ولكن تبقي الخدعة الكبرى الي ما بعد الوفاة ايضا.
وهنا يظهر سؤال هام يطرح نفسه بقوة: ما هو السر الرهيب فيما اقدمت عليه هذه الجماعات الماسونية قديمة اواخر القرن ال18 ثم توارثت هذا السر عبر الاجيال اللاحقة حين تحولت واصبحت صهيونية، اسئلة اخرى عديدة ربما لا يستطيع احد الاجابة عليها –الي الان-  حتى صنوع نفسه!
وذلك بعيدا عن تحديات مطروحة او تفنيدات لوسائل بحثية اتبعها الطرفان، ستبقي هناك اشكالية كبرى اخرى واظن انها من الاهمية كي تستحوذ علي توحيد طرق البحث للوقوف علي قراءات حقيقة لتاريخ المسرح، السينما، الموسيق، لقد شهد هذا البلد ميلاد للعديد من الفنون والثقافات والعلوم الانسانية، ولم يلتفت الي الشخص الذي تم علي يديه الريادة ان كان من مصر او من خارجها، ليكون التاريخ الميلادي هو بداية هذا الفن في العموم، كما حدث علي سبيل المثال مع فن السينما، حيث يؤرخ لميلادها بعرض غير مصري للاخوين لوميير بمدينة الاسكندرية.

المفهوم الحديث للمسرح
في مداخلته السابقة للمناظرة أشار الدكتور هشام عزمي الامين العام للمجلس الاعلي للثقافة، الي النظرة الجزئية التي تتناول الموضوع، حيث يدور السجال حول تأريخ البداية للمفهوم الحديث للمسرح اواخر القرن ال18، ولكن المسرح متواجد في مصر منذ الفراعنه، واستعرض عزمي المحطات المختلفة في تاريخ هذا الفن المصري القديم.
ربما لا تحظى اللقاءات الفكرية والملتقيات الثقافية بنفس النسبة التي تحظى بها بقية الفعاليات وعلي رأسها العروض في غالبية عروض الفرجة او المسرح، وفي ذلك يحسب لمهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي استمراره منذ الدورة الاولي وحتى الخامسة بنصيب مواز للفعاليات الاخرى خلال ايام المهرجان، حيث لا يخلو يوم من لقاء فكرى او ندوة ثقافية، وبذلك يتميز عن بقية المهرجانات بالاحتفاء المناسب لوجبة الثقافة والفكر ضمن برمجة باقي جدول الفعاليات.
اظن ان ندوة المناظرة كانت نموذج علي عدة اشياء اخرى تتخطى فكرة صنوع او بداية الميلاد، وقد تختلف من وقت لاخر، بحسب الحاجه البشرية والوعي المجتمعي، فبجانب ما اثارته المناظرة من دعوة لاعادة القراءة وتقصي التأريخ، خلقت الندوة المجال المناسب للمعارك الثقافية المندثرة منذ زمن في واقعنا الثقافي، والمعارك هنا او العراك بمعناه الايجابي كما يشير اليه الناقد محمد الروبي رئيس تحرير مسرحنا، والذي غاب عن فعاليات وتجمعات المثقفين والفنانين، تلك المعارك التي سبقها العديد من عراكات تاريخية كان للكثير منها الدور في خلق رؤى جديدة للاشكاليات الثقافية المطروحة وتحريك اي مياه راكده باستمرار، وهي احدى مستويات الصناعات الثقافية –الفكرية- وارتباطها بمفهوم التنمية المستدامة..
ثنائية الاتهام والدفاع
علي الجانب الاخر، يلفت الانتباه ايضا استهلال د. عمرو دوارة بتصريح «لن اكون احد الديوك المتناحرة في عرض»، وبرغم ان الطرفان «دوارة وعلي» كل منهما في طريق مختلف عن الاخر، الا ان الطرفان يتفقان علي شيء واحد –غير مبرر- وهو اخذ القضية في اتجاه التناحر او التنقل بها لمستويات مختلفة من الاتهامات والدفعات المتتالية من الطرفين.
فيرد دوارة علي ما قدمه علي رافعا من هذا أو مقللا من ذلك ، ويثار علي سبيل المثال سيجال طويل حول نقطة فرعية لمذكرات صنوع المشكك فيها وكيف اتخذها الجميع مرجعا لكل المعلومات المتضاربة التي سجلها التاريخ عن يعقوب صنوع، كما يطرح «علي» او كما يدافع دوارة عن مشروعيه ذلك وعاديته وبأن المذكرات احد الوسائل البحثية.
وفي حين يستعين الطرف الاول باسماء لامعة تصب في صالح نزع الريادة من صنوع، يرد الطرف المقابل باسماء مشابهة تؤكد علي ريادته. وقد يكون حل هذا الاشكال عند المسرحيين الشباب كما اشار الفنان محمود الحديني، والذي طالب شباب الباحثين من المسرحين المشاركة في هذا السجال للوصول الي الايضاح، او كما قال؛ «الحكم للجمهور»!


وائل سعيد