دورة «سناء جميل» عروض تحمل قضايا إنسانية

دورة «سناء جميل»   عروض تحمل قضايا إنسانية

العدد 693 صدر بتاريخ 7ديسمبر2020

ضمن فاعليات مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي، دورته الخامسة من 16 الي 20 نوفمبر 2020 قدمت العديد من العروض المسرحية في محاور مسابقاته الفنية المختلفة، ففي مسابقة مسرح الشارع والفضاءات المفتوحة قدم عرض أغنية علي الممر وعرض تراث سيناوي، واشترك العرضان في كونهما يؤكدا أهمية سيناء سواء علي المستوي الوطني والسياسي في أغنية علي الممر او علي المستوي السياحي والاقتصادي في تراث سيناوي، هذا الي جوار عدد كبير من العروض تحمل قضايا إنسانية واجتماعية.
 أغنية علي الممر
 هزيمة أقرب الي النصر
 قدم المعهد العالي للفنون المسرحية “ عرض أغنية علي الممر” تأليف علي سالم اخراج «بدر الأحمدي» أشعار احمد عمر و احمد عيسي، العرض يقدم ضمن مسابقة مسرح الشارع والفضاءات غير التقليدية، يبدأ العرض بمجموعة من الجنود يبدو عليهم قدر من التوتر في انتظار محاولات لإصلاح جهاز اللاسلكي المتوفر لديهم، وهو وسيلتهم الوحيدة في التواصل مع القيادة العسكرية ولأن الجنود المصريين لا يتركون، ارضهم وسلاحهم يمكنهم ان يضحوا بحياتهم مقابل ذلك الممر،
واذا هل يمكنك تصور أجواء الحرب؟ هل تعرف معني النصر؟ هل تعرف كيف تبدو الهزيمة؟
 تلك الأسئلة يمكن الإجابة عليها من خلال العرض، في احد المواقع العسكرية في سيناء ابان حرب 1967 يوجد بعض الجنود، لم يتلقوا امر بالانسحاب نظرا لعطل في وسيلة اتصالهم بالقاعدة فقرروا التضحية بحياتهم في سبيل الدفاع عن موقعهم، قد يبدو الأمر هزيمة لكنها لا تخلوا من بطولات لا يمكن غض البصر عنها، فكيف يمكن ان يضحي شخص بحياته في مقابل دفاعه عن ارض الوطن فهي اذا هزيمة اقرب الي النصر، ذلك أنها تثبت مدي شجاعة الجندي المصري وعدم خوفه من الموت.
تعد المسرحية من الأعمال القليلة القادرة علي التعبير عن الحالة الإنسانية التي كان عليها الجنود المصريين ابان تلك الفترة، تلك المجموعة من الجنود في عزلة تامة وحيرة من أمرهم ، ما بين فكرة الانسحاب و انتظار الأوامر او الاستمرار، تلك تفصيله هامة تعبر عن روح العسكرية المصرية التي لا يمكنها التخلي عن الأرض بل لابد من الدفاع عنها لأخر نفس «هنموت هنا هنعيش هناك» ما يعني انهم وان ماتوا علي الأرض جسدا فإن روحهم ستحيا في الجنة، يعرض كل جندي بعض مما مر به من مشاكل قبل التجنيد في الجيش، وكيف كانت الحياة ابان ذلك مؤكدين ان اهم البطولات التي قدمت في حياتهم هي بطولة الاستبسال في الدفاع عن الممر الذي يحموه الآن.
يقطع استرسال حالة استرجاع الماضي من قبل الجنود في حياتهم الشخصية صوت من خارج الفضاء المسرحي، وهو صوت العدو الإسرائيلي مهددا إياهم وطالبا منهم الانسحاب تاركين هذا الممر، وفي كل مرة نصل الي نفس النتيجة وهي عدم استسلام الجنود ورفضهم التخلي عن أرضهم.
وفي خضم هذا التوتر نكتشف موهبة الغناء في احد الجنود، وكأن تلك الأغاني والألحان تعبيرا عن فجر يوم جديد وجب ان يعاش، عرض اغنية علي الممر نموذج للعروض المحفزة علي الوطنية علي الرغم من مناقشته لأجواء الهزيمة التي جاءت غدرا الا انه يصنع حالة من التفاعل مع المتلقي تمكنه من ادراك ما يمتلكه الجندي المصري من وطنية، وإخلاص لأرض الوطن وان كلفه الأمر التخلي عن حياته، وعلي الرغم من تلك المشاعر الإنسانية الرهيفة التي يقدمها الجنود الا ان العرض لا يخلوا من الكوميديا فأحد الجنود لم تفارقه روح الدعابة علي مدار العرض، حتي وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، ومن اللافت للنظر ان يموت جنود الممر واحدا تلو الأخر دون محاولة استسلام أيا منهم فكل ما طرح هو كيفية الدفاع عن الممر الي النهاية.
الديكور في العرض يتجاوب مع فكرة انها منطقة عسكرية، لذلك جميع التفصيلات توحي بالجو العام، اما الإضاءة فقد كانت متوافقة مع طبيعة الدراما وهو ما يتوافق أيضا مع طبيعة المكان المعروضة فيه، وهي من تصميم وائل عبد الفتاح، وتنفيذ وليد درويش.
الملابس منة الله ممدوح وهي ملابس عسكرية اشبه بالملابس العسكرية ابان تلك الفترة التاريخية لحرب1967..
الممثلون يوسف المنصور قدم دور عم محمد، كريم عبد الكريم قدم دور شوقي، نور صالح قدم دور مسعد، بورا صابر في دور حمدي عمر صلاح في دور منير، وطبيعة الأدوار الموكلة الي الممثلين هي أدوار مُركبة علي المستوي الإنساني لذلك تطلبت الكثير من الجهد، والفهم وهو ما كان متوفرا في الأداء التمثيلي من قِبل ممثلين العرض.
في هذا العرض تفاعل الجمهور بشكل واضح خصوصا الأطفال، وكانت الأجواء تدعو الي التفاؤل.
عرض أغنية علي الممر يعد تجسيدا للعروض المسرحية التي تحاول القاء الضوء علي فترة من حياة مصر كانت فيها حالة الانهزام هي السائدة بين الكثير من أبناء الشعب المصري، بينما علي الجبهة ورغم شبح الموت الي جوار الخوف ذلك الكائن الخرافي المؤدي الي الهزيمة علي المستوي المادي والمعنوي الا أن شجاعة الجندي المصري واجهت كل ذلك، العرض يقدم ادق التفاصيل بين الجنود علي الجبهة وهي تفاصيل تلقي الضوء علي مدي صدق الجندي المصري وبسالته وتضحياته التي لا يمكن ان تقدر بثمن.
عرض تراث سيناوي
جولة سياحية وفولكلور
قدم مركز شباب العريش عرض تراث سيناوي، تأليف مصطفي شحاتة اخراج ناصر حسن، يقدم العرض من خلال الرقص الفولكلوري بعض من الأفكار التي تقدم التراث السيناوي وذلك من خلال الملابس البدوية ونقوشها ومن خلال الحركات الفولكلورية الراقصة، العرض يقدم حالة من الكرنفالية الي المتلقي وهو ما يشع البهجة خصوصا بين الأطفال الحاضرين للفرجة علي العرض، هذا الي جوار ان الأجواء الكرنفالية والاحتفالية هي ما تترك أثر جيد لدي المتلقي، خصوصا وان هذا المتلقي من أماكن مختلفة، من مصر و الدول العربية والأجنبية.
 في أعلي منطقة التمثيل يوجد شاشة تقدم بعض لمحات من المناطق السياحية المختلفة في شرم الشيخ، هذا الي جوار الاعتماد علي أغاني التراث الشعبي السيناوي ، ولأن الفولكور يعد مجموعة الفنون القديمة والقصص والحكايات والاساطير ،ويتم نقل المعرفة في الفولكلور من جيل الي جيل عن طريق الرواية الشفهية، يبدأ العرض في حالة من الحكي كمحاولة لجذب انتباه المتلقين، الي ما سيدور من أحداث تكون البداية فيها بغناء فولكلوري كالترحيب بالجميع وحثهم علي زيارة المعالم السياحية في سيناء.
 هذا الغناء يعبر عن العريش وعن اهل سيناء، العرض يحاول تقديم حكاية بسيطة مفادها القاء الضوء علي مخاطر الإرهاب وكيف انه قادر علي هدم أي شيء، فثمة مشهد يقدم من خلال العرض ويعبر فيه مجموعة الممثلين عن تلك الحالة التي تحدث في أرض الواقع حينما يهاجم الإرهاب الغاشم المدنيين فيفتت شملهم ويتحول المكان الي جزء للهلع والخوف والموت ، يصور العرض كيف يمكن للإرهاب في لحظة أن يغير المستقبل ويدمر الحاضر، ففي مشهد تمثيلي يقتل الإرهابيين أحد المدنيين والذي يحمله باقي الممثلين خارجين به خلف مساحة التمثيل، فيرفض الجميع صارخين بجملة دائمة التكرار وهي لا .لا للإرهاب الغاشم.
العرض يحاول ان يقدم مجتمع العريش مشيرا الي ما يحيط بهذا المجتمع من مخاطر مؤكدا علي ان أبناء العريش البواسل من المدنيين والذين يتلقون الرصاص في صدورهم نظرا لغدر الإرهاب ليسوا أقل أهمية من الجنود المصريين المحاربين للإرهاب، وهو ما يدعو للتفكر والتأكيد علي فكرة ان الجميع مصريين وانه من حق المدنيين ان يحيوا في أمان بلا خوف، وأن الإرهاب لابد من القضاء عليه.
يمكن اعتبار هذا العرض محاولة لتقديم عمل فني يعبر عن ما يحدث في سيناء وتحديدا في العريش الي جوار الإشارة الي الألم الذي يُلم بمن فقد احد افراد اسرته اواحد من أصحابه.
 في هذا العرض تتنوع الرقصات وتختتم بالنواح والعديد والصراخ علي من مات جراء رصاص الغدر.
 من الجيد ان يقدم مسرح في مركز شباب بالعريش، فالمسرح قادر علي التغيير والدفع بالحياة الي ما هو افضل، ومساعدة الشباب الصغير علي تحقيق رؤية أفضل واستيعاب بشكل جيد لما يدور حوله.
 الممثلون ريم مصطفي ، باسم عادل ، محمود عوض، رضوان مصطفي، اسراء علي، نرمين خالد ، تصميم دراما حركية مصطفي خضري.
عرض تراث سيناوي عبارة عن مجموعة رقصات تعبر عن التراث السيناوي المرتبط بالأرض وبالبدو، وهو في النهاية محاولة لتقديم مسرح يتحدث عن بعض المشاكل والقضايا التي يتعرض لها سكان العريش في سيناء.
وأخيرا نتمني ان يستمر المسرح في العريش وان يتطور الي الأفضل دائما.
وضمن مسابقة المونودراما قدم عرض:
صورة ماريا..
 استباحة الجسد وانسحاق الوجود الإنساني
 “ما الحرب سوي ساحات دم ليس في هذه الحرب مغلوب وغالب» تلك جملة لعبد الرحمن الشرقاوي في مسرحيته الفتي مهران، ويمكن من خلال هذه الجملة الولوج الي عالم مسرحية صورة ماريا تأليف ليديا شيرمان هوداك، وهي مونودراما عن فظائع الصرب ضد النساء في اطار الحرب اليوغسلافية في التسعينات، وعلي الرغم من ان النص كُتب لتوضيح ويلات تلك الحرب الا انه يصلح لكل زمان ومكان، واذا كان الحديث عن الحرب فعلينا تأمل جملة الشرقاوي وهل كان يقصد رجال الحرب ام نسائها أم إن ويلات الحرب لا تُفرق بين ذكر وانثي، مسرحية صورة ماريا من اخراج منار زين، تقدم ضمن مسابقة المونودرما علي قصر ثقافة شرم الشيخ.
 تلتقط المخرجة فكرة اضطهاد المرأة واستعباد جسدها فتقدمها بمعطيات تعبر عن شخصية مهزومة تم الاستمرار في التنكيل بها، وكان التحرش والاغتصاب جزء أساسي في تهشيم شخصيتها ونزع ثقتها في نفسها وكأنها تُعاقب لكونها إمراءة، كل ذلك من تبعات الحرب التي فرضت علي بلدها، تتبع المخرجة أسلوب السرد وكأنها الراوي في حكايتها تجسد دور السارد العليم، في سياق الروي وهروبا في البداية من الحديث عن جوهر ما حدث وتسبب في ألمها، تذكر لوتشي ابنتها وحبيبها وكيف ان القذائف استهدفت بيته في لحظة كانت لوتشي معه، ومات تاركا اياها وتؤكد ماريا أنه حينما لاحظت حمل ابنتها لوتشي عرفت انها مرتبطة بزميلها بينما في خضم البوح، تحكي ما حدث لها ولإبنتها من اغتصاب تسبب في حملهما والمدهش في الأمر أنهم يعرفون من فعلوا بهم ذلك، فهي حالة من القهر المستمر تحيا في خضمها ماريا وتحاول التخلص من تلك الأعباء النفسية بهذا الافراغ الوجداني من خلال الحكي والرسم.
الفكرة العامة التي يحتوي عليها النص الأصلي هي فكرة الاغتصاب، وانتهاك جسد المرأة جراء الحروب، لكن في مسرحيتنا التي عرضت اليوم ليس شرطا أن يكون الانتهاك من خلال الحرب بل تجدر الإشارة الي انه ثمة انتهاك دائم مادام العقل ليس حرا، تبدو مساحة الفضاء التمثيلي الذي تؤدي فيه المونودراما علي خشبة المسرح وكأنه مكان خانق تعوق فيه حركة ماريا تلك الاقمشة المدلاه من اعلي خشبة المسرح ،والمثبتة في الخشبة وتستغل الممثلة تلك الاقمشة في أن تنثر عليها الألوان من خلال الفرشاة ومن خلال كفي يدها أيضا في النهاية فجميعنا نحمل صور لما مر بحياتنا في داخلنا وعلينا التخلص من هذا العبء السلبى بأي وسيلة وفي حالة ماريا كان الرسم وسيلة ناجزة، ذلك ما قالته الطبيبة النفسية المعالجة لماريا، يشير العرض الي أنه من اللافت للنظر في الحروب أنه يمكن التعامل مع جريمة الاغتصاب علي انها جريمة عابرة يمكن التغاضي عنها، بل يمكن اعتبارها ضريبة حرب يتجاهلها التاريخ ولا يذكرها الجميع، وكأنها غير ذات أهمية.
 في دراسة بعنوان «المرأة والحرب والاغتصاب» قدمتها كاثرينا موللير، أشارت فيها ان الهدف من عمليات الاغتصاب أثناء الحرب هو الحاق الإهانة بالجبهة المعادية وإرهاب المدنيين واجبارهم علي الفرار، وانجاب جيل ثان من الأطفال المخلطين كسياسة للتطهير العرقي» تلك فكرة تصنع للانتهاك نوع من الحصانة في خضم حروب قائمة في ذاتها علي الاحتلال.
 في أنين دائم تقدم ماريا حكاياتها في محاولة للتحرر الذي أصبح غير ذي جدوي في خضم تجربة تهمش وجودها الإنساني، و تستبدله بوجود مهشم متشرذم، تحاول ماريا التخلص مما يعتمل في داخلها من مشاعر متضاربة من خلال الرقص خلف الأقمشة علي اعتبار ان الأقمشة في لحظة ما تتحول الي سلويت تتراقص ورائها ماريا في بعض الحركات الايمائية التي تعبر عن مدي القهر الذي أصبحت فيه جراء ذلك الاغتصاب، وما أثر علي نفسها هو اغتصاب ابنتها امامها من مجموعة من الرجال كانت هي تعلمهم وكانوا جيرانها، فلا مراعاة اذا لأي شيء سوي الغريزة، تسترسل ماريا في الحكي وذكر ما مر بها وتعود للرسم من جديد وكأنها حالة من الافراغ الوجداني لعلها تنجوا مما يطاردها من ذكريات مؤلمة، تقفز ماريا عبر جملها غير المرتبة من زمن الي اخر في سرعة واضحة محاولة بذلك، الالمام بكل ما حدث بشكل سريع فقد يبدو ما تقول لحظة هذيان ابان اشتداد مرض الاكتئاب او أن تلك اللحظة من البوح هي أحد وسائلها لإجتياز الألم.
صورة ماريا تمثيل نادين خالد، ديكور نورهان سمي، إضاءة عز حلمي.
وأخيرا تميزت دورة هذا العام من مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي بالتنوع في القضايا المطروحة في عروضها.


داليا همام