«البناء الدرامي وفنون العرض» ما بين الأدب والإعلام

«البناء الدرامي وفنون العرض»  ما بين الأدب والإعلام

العدد 692 صدر بتاريخ 30نوفمبر2020

صارت الدراما التلفزيونية – بصفة خاصة - تحتل المساحة الأوسع في دائرة الاهتمام لدي جمهور المشاهدين للتلفزيون؛ والذي أخذ في السيطرة على أغلب الأجهزة الإعلامية والفنية، واستقطاب كافة شرائح المجتمع، ومحاولة تفعيلها في عملية البناء المجتمعي وخاصة ونحن ندرك جميعا أهمية هذه الوسيلة - الدراما التلفزيونية - وكيف تلقى إقبالا جماهيريا منقطع النظير، وكيف تسهم في عملية التأثير في اتجاهات الجمهور وتعديل آرائهم، ويكفي أن ندرك أن عدد مشاهدي التمثيلية الواحدة - إذا كانت محبوبة شعبيا - يساوي عدد مشاهدي المسرحية لو استمر عرضها أكثر من ثلاثين عاما في المسرح، الامر الذي دفع المؤلف إلى محاولة وضع الأسس الفنية التي تسهم في تشكيلها، ومحاولة جمع ما تناثر من مقوماتها في منظومة واحدة، ليوضح من خلالها معالمها الأساسية، ويجمل ما تعارف عليه من أنواعها، وأشكالها، وقواعدها، وطرق تنفيذها، لتسهل على القارئ العربي والمختص الإلمام بها، خاصة وأننا نلمس بوضوح افتقار مكتبتنا العربية إلي كتب تشرح فنون الدراما المرئية بوجه عام.
ففي هذا الكتاب، يحاول المؤلف توضيح معالم «الدراما المرئية»، في منظومة متكاملة يجمع فيها ما بين الأدب والإعلام، ووسائل الاتصال، لأنه يوقن أن دراسة الدراما، دراسة شمولية يدخل فيها أكثر من مجال من مجالات الأدب، كالرواية، والمسرحية، والموسيقي، واللغة بجمالياتها، وعلى ناقدها أن يكون ملما بتقنيات الفن، من تصوير ومونتاج وإضاءة وصوت، إضافة إلى فهم لطبيعة الوسيلة الإعلامية ورسالتها.
ويهدف هذا الكتاب إلى تقديم فكرة متكاملة عن آليات صناعة، وإنتاج الدراما المرئية عامة، والسينمائية والتلفزيونية خاصة، وتفاصيل الحرفة والأصول الجمالية والفنية لها، بطريقة متسلسلة تشمل آليات إنتاج الدراما المرئية، بدء من الفكرة إلى أن يتم تقديم العمل على الشاشة، ومشاهدته وتقيمه، وذلك بأسلوب يسهم في خلق المتعة لدى المشاهد، ويساعد المختص على تدريب حسه النقدي؛ بالتعرف على العناصر الأساسية في عملية صناعة الدراما المرئية، ويساعده على الفهم والتذوق بشكل أفضل، ويعمل على تدريب حسه النقدي، ويعين الناقد الدرامي على التمييز بين الجيد والرديء، من خلال ما يشاهده من أعمال على الشاشة، ويسهم في ترسيخ أصول ممارسة العملية النقدية ذاتها.  
وقد قسم المؤلف الكتاب إلى مجموعة من المباحث والفصول:
 ففي الفصل الأول: يتعرض بالدراسة لمفهوم الدراما، ونشأتها وأهميتها بصورة عامة، ويتناول بالتفصيل أنواعها المختلفة، والقوالب الفنية التي توضع فيها، واشكال التأليف الدرامي المرئي.
أما الفصل الثاني: فيخصصه للنص الدرامي وقواعد بنائه وطبيعته، وعناصر البناء الدرامي من فكرة، وحدث، وصراع.
ويتناول الفصل الثالث: الحبكة والعلاقات الز مكانية موضحا طبيعة الحبكة، وخصائصها وتقسيماتها، وعناصر صياغتها، ويتناول كذلك الحديث عن الحدث الزماني والمكاني.  
في الفصل الرابع: يتناول المؤلف الشخصيات الدرامية؛ موضحا مصادرها ومواصفاتها، وخواصها، ومراحل رسمها، وابعادها، وسماتها، وعلاقاتها، وانواعها.
أما الفصل الخامس: يتناول السرد الدرامي، واللغة الدرامية في السينما والتلفزيون، ويوضح مفهوم الحوار، وشروطه، ووظائفه، وانواعه، وجمالياته.
أن هذا الكتاب ربما يكون الأول في مجاله، من حيث طريقة التناول بهذه الشمولية والتطبيق على نماذج فنية عديدة، مصحوبا بالعديد من الصور واللقطات لمشاهد تطبيقية لكل ما طرح من مفاهيم نظرية.
على سبيل المثال عند شرح خاصية من خصائص الحوار الدرامي. وهي:
-الارتفاع بمستوى الحوار في حالة الانفعال مع تقصير فقراته وكسر الايقاع إذا طالت الكلمات وكذلك في حال المناقشات العقلانية او مخاطبة الجماهير، فكلما زاد شحن الحوار عاطفيا زاد تأثر المشاهد به.  
تم التطبيق بمثال مصور من مسلسل شيخ العرب.
الفن مرآة الحياة؛ كلمة أرسطو التي أطلقها قبل آلاف السنين، لتظل تتناقلها الألسن والأقلام من حينها إلى اليوم، ولا يستطيع أي من المتصديين للكتابة في الآداب والفنون أن يتخطاها، ولا أن يغمض عينه عنها، « وإذا كان الفن مرآة الحياة كما يقول أرسطو؛ فإن هذا الفن ليس تهويما في البعيد، أو هربا من المشاكل، وإنما هو مواجهة حقيقية، واقتحام جريء، وقصد مسئول في هذا الزمن، وفي هذه البقعة من العالم، لنكون فعلا شهودا في هذه المرحلة
هذه المرحلة التي تحتاج منا أن نرسخ فيها لمفاهيم الفن الهادف، الذي يخدم الأمة وقضاياها، ويسمو بالشعوب ولا يخدرها، ويثير فيها وعيا ذاتيا يمنحها أن تفهم واقعها، وتواجه تحديات العصر الجديد الذي تحيياه.
ذلك الفن الذي يهيئ اللقاء الكامل بين «الجمال« و«الحق». فالجمال حقيقة في هذا الكون، والحق هو ذروة الجمال. ومن هنا يلتقيان في القمة التي تلتقي عندها كل حقائق الوجود. إن وظيفة الفن هي صنع الجمال؛ الجمال بمعناه الواسع الذي لا يقف عند حدود الحس، ولا ينحصر في قالب محدود. “ فالفن هو أعظم وسيلة في الوجود، من الممكن أن تنفذ بها الأفكار إلي القلوب والعقول. وفي ظل حالة الصراع الفكري التي يشهدها العالم الآن فيما يسمي بعصر العولمة، فإن الفن يكون أخطر سلاح في الوجود بعد القنبلة الذرية، وأسلحة الدمار الشامل
لكن هل يمكن أن يكون للفن وجود لو لم يرغب الإنسان في الحياة مرتين؟ نعم لكل منا حياته، لكن مع الفن نحياها ثانية؛ إنها فرضية بسيطة، ولكن بساطتها لا تمنع صحتها.
ولكن الآن بفضل المنهج النقدي التاريخي المطبق على دراسة الأدب؛ أدركنا أن كل نوع من الأنواع الأدبية يتطور، أي أنه بعد عصر بدائي تختلط فيه الأنواع ولا تتحدد، يأخذ كل نوع في التميز، والاستقلال عن جيرانه الذين كانوا مختلطين اختلاطا تاما، ثم يتكون، ويحيا حياته الخاصة متدرجا حتى يصل إلى النضوج والكمال لكي ينتهي أمره إلى الضعف والانحلال

تكامل الفنون الدرامية الثلاثة:
 ترى الكثير من النظريات النقدية اليوم أن العصر الذي نعيش فيه هو عصر الرواية، لكن المؤلف يري أننا ربما لا نكون قد بالغنا، ولا جانبنا الصواب؛ حين نقول: أن العصر الذي نعيش - بل وربما الذي سيأتي غدا - هو في الجانب الفني عصر الدراما المرئية، وليس هذا من باب التعسف ولا الفرض الجدلي، ولا أيضا تغييبا للفنون الأخرى، ولا هضم حقها، ولكن لأن الواقع المرئي والمشاهد هو الذي فرض نفسه، فإننا لا نكاد نشعر أن هناك رواية ولا ديوانا شعريا، علي الرغم من المقولة الخالدة التي ظلت تتردد كمسلمة من المسلمات، أن الشعر ديوان العرب، قد حظي بالاهتمام أو التأثير مثل فيلم سينمائي أو مسلسل تلفزيوني - اللهم إلا من بعض الدوائر الخاصة والنخبوية - في حين أن الأعمال السينمائية والتلفزيونية تلقي الاهتمام وتجذب الجميع بلا استثناء؛ حيث أن طغيان ثقافة الصورة التي اجتاحت كل مجالات الثقافة؛ قد ساهم في خفوت بريق الكلمة المقروءة بوجه عام.
ويتفق المؤلف مع القول الشائع - إلى حد ما - « إن تأثير فيلم واحد أو مسلسل واحد ناجح فنيا يفوق تأثير مئات الكتب والمحاضرات، وآلاف الخطب على عقول الناس (8).
ولا ينكر على أي جنس من الأجناس الأدبية دوره وأهميته في صياغة الوجدان، وتغذية العواطف والأفكار، ويؤمن « أن كل أداة من أدوات الفن تمتلك خصائصها وبالتالي قوتها وطريقتها في القول وتستطيع أن تساهم في خلق المناخ الملائم للتعبير.
ولكن أهمية الدراما المرئية أنها مفتوحة، ومتواصلة مع الأدوات الأخرى على الرغم من تعقيدات إنتاجها. ويمكن القول أن الدراما التلفزيونية على الرغم من عمرها الذي لم يتجاوز عشرات السنين؛ إلا أنها استطاعت أن تنجح في انتزاع مكانتها من بين غالبية وسائل التعبير الفنية الأخرى، أضف إلى ذلك استفادتها منها جميعا، فهي قد ضمت في جوانبها مجمل خصائص ومميزات هذه الوسائل؛ فالربع الأخير من القرن العشرين طرح - على حد تعبير المخرج السوري نجدت أنزور - « مؤشرات قوية لولادة فن ثامن هو فن الدراما التلفزيونية، والآن هذه الدراما ككل الفنون التي سبقتها، تصنع لنفسها وجها واضحا وملامح راسخة، وهذا مسار ولادة طبيعية، وكما أخذت السينما الكثير من صفات المسرح وبقية الفنون الست التي سبقتها ؛ تأخذ الآن الدراما التلفزيونية بعض صفاتها من السينما ومن بقية الفنون، وهي تستخدم الكلمة والصورة والفعل الدرامي والموسيقى والإضاءة ضمن خصوصية معينة
إنها تخاطب الوجدان وتحرضه، وتستفز أنبل ما فيه، مستفيدة بذلك من الشعر رغما عن واقعيتها، وعرضها للواقع بكل حقائقه الصارخة، ومجمل قضاياه، واستطاعت أن تأخذ من الرواية كل ما فيها، بل إن الرواية هي الجزء الأساسي المكون لها، وأهم منطلقاتها الأولي نحو واقع التجسيد والمشاهدة، حيث أن القص والحكاية وبناء السرد، كلها استعارتها الدراما التلفزيونية وبدأت منطلقة منها.
الاختلاف بين كل من المسرح والسينما والتلفزيون:
 إن إحدى وظائف الفن في المجتمع الإنساني هي أنه يساعد على تكيف المحيط الذي نعيش فيه، وهو وسيلة من وسائل التواصل الإنساني حيث يزودنا الفن بوسيلة الإقناع التي تأتي من خلال الاستجابة الحسية والعقلية والعاطفية لما قد يمارسه الفنان، ويحاول أن ينقله إلينا. « وكما تتباين اللغات الإنسانية المنطوقة أو المكتوبة، تتباين الفنون بوصفها أنماطا من اللغات الإنسانية تتوسل أدواتها التعبيرية والتقنية المتباينة. إن فن التفكير باللغة المكتوبة أو المنطوقة المنزاحة (الأدب) يختلف في أدواته وتقنياته عن فن التفكير بالكتل والحجوم (النحت)، أو التفكير بالخطوط والألوان والأشكال (التصوير)، أو التفكير بالأصوات (الموسيقى)، أو التفكير بلغة الصور المتحركة والصوت (السينما) “


محمود سعيد