الحلقة الإلكترونية الأولى من سلسلة «إقرأ كتب الهيئة» عين على المسرح

الحلقة الإلكترونية الأولى من سلسلة «إقرأ كتب الهيئة»  عين على المسرح

العدد 690 صدر بتاريخ 16نوفمبر2020

قدمت الهيئة العربية للمسرح الحلقة الإلكترونية الأولى من سلسلة «إقرأ كتب الهيئة» عبر برنامج عين على المسرح حول إصدار “المنظومة الضوئية وتغير المكان في العرض المسرحي” تأليف السينوغراف العراقي أ.علي محمود السوداني.
شارك في مناقشة محتوى الكتاب، بالإضافة إلى مؤلفه أ.علي محمود السوداني كل من السينوغراف الأردني أ.محمد المراشدة والسينوغراف المغربي د.طارق الربح. وسير هذا اللقاء أ.عبد الجبار خمران  مسؤول الاعلام في الهيئة العربية للمسرح.
بعد الترحيب بالحضور وتقديم الخطوط العريضة لبرنامج «إقرأ كتب الهيئة» وتحية المشرفين والمتابعين لإنجاز البرنامج في الهيئة العربية للمسرح الدكتور يوسف عايدابي والأستاذ غنام غنام والأستاذ الحسن النفالي وعلى رأسهم الأستاذ إسماعيل عبد الله الأمين العام للهيئة العربية للمسرح، تم تقديم محتويات كتاب «المنظومة الضوئية وتغير المكان في العرض المسرحي» من طرف مسير اللقاء.
ثم تحدث الكاتب العراقي أ.علي محمود السوداني مجيبا عن سؤال لماذا الكتاب وما هي أهم الإضافات التي جاء بها؟ موضحا بان الكتاب خلاصة لتجارب اشتغالاته على سينوغرافيا العرض المسرحي، وهو رسالة ماجيستير سجل بها عديدا من الحلول التقنية التي توصل إليها عبر مشواره الفني رابطا إنجازه بقيم جمالية وفكرية راهن على تجسيدها من خلال عمله على المنظومة الضوئية وعلاقتها بدلالات المكان المسرحي وفق المتغيرات والتحولات التي تطرأ عليه داخل العرض المسرحي.  
وقد اعتبر المنظومة الضوئية بمثابة العنصر الأساسي في كشف خواص المكان، كما تحدث عن تطورات المكان التاريخية والفلسفية والجمالية انطلاقا من تطور البناء المعماري للفضاء المسرحي منذ العصر اليوناني وإلى عصرنا الحالي مرورا بكل الحقب التاريخية التي عرف فيها المكان تحولات مفصلية أثرت على العرض المسرحي وجمالياته التقنية والفنية، وكذا التطورات التكنولوجية لمصادر الإضاءة وسمات اشتغال الاتجاهات والمدارس المسرحية التي اهتمت بالضوء كلغة فنية وكعنصر جوهري في العرض المسرحي.
وفي حديثه عن نماذج العروض المسرحية التي تناولها في الكتاب، أشار إلى أن استقصائه الجمالي لهذه العروض كان وفق (المكان المتغير) أي بناء على اختلاف مكان العرض وصالة المتفرجين، وذلك من اجل رصد مسار رسم الصورة البصرية والجمالية ذات الدلالات المتغير وفق المكان المتغير.
فيما قال الكاتب الأردني محمد المراشدة: يعد كتاب (المنظومة الضوئية وتغير المكان في العرض المسرحي) للمؤلف علي محمود السوداني والصادر عن الهيئة العربية للمسرح في الشارقة، إضافة هامة للمكتبة العربية، وفي هذا الكتاب ينطلق المؤلف من المكان وأهميته في تشكيل العرض من خلال المنظومة الضوئية التي تتمازج مع الفضاء بكل تقنياته، وفي ضوء ذلك يؤكد المؤلف على دور المتغيرات المكانية في خلق منظومة ضوئية مناسبة طبقا للمكان المتغير.
وأضاف: يستعرض المؤلف في كتابه مفهوم المكان وأهميته وتحولاته في الاستخدام المسرحي من الاغريق القدامى وحتى الوقت الحاضر، وينظر للمكان بوصفه وحدة أساسية من وحدات النص والعرض المسرحي، أن لكل عرض مسرحي حدوده الخاصة، المكانية ، ويتم التأسيس للمنظومة الضوئية داخل المكان إذا كان مبنى شيد خصيصاً للعرض المسرحي أو أي مساحة خالية يتم توظيفها وإعادة تنظيمها و ترتيبها سينوغرافياً، و بالتالي فإن العرض المسرحي هو الذي يقيم هذه الحدود المكانية وفقاً للرؤية الفنية للمخرج.
وتابع: لقد ركز المؤلف على تناول تطورات المكان والعمارة المسرحية عبر حقب تاريخية مختلفة ، وربطها بالتطور البشري للمجتمعات، وعلاقاتها بثقافة المجتمعات، وعرض دور المخرج و وآليات توظيفه للمكان المسرحي، إذا كان داخل مسرح العلبة الإيطالية أو غير ذلك، وتم تناول علاقة المكان المسرحي في إنتاج الصورة المسرحية، وهي بمثابة علاقة جدلية ما بين بنية المكان ومنتوج الصورة المسرحية بكل محمولاتها ودلالاتها.
وأشار إلى أن ميزة هذا الكتاب أنه يمثل تجربة حية للمؤلف ارتبطت بمحطات خاصة بمنجزه الابداعي المسرحي ضمن محطاته المتنوعة نظريا وعمليا، ليقدم لنا من خلال معطيات الكتاب خبرته في التعامل مع الفضاء والتصميم وآليات بناء المنظومة الضوئية بصريا وبما يحقق سيلا من القيم الفكرية والعاطفية والجمالية ، وهذه المنظومة لا يمكن لها أن تتمثل إلا في عقلية السينوغرافي المبدع وصاحب الخبرة الذي يعمل تحويل وتفسير التحولات والمتغيرات التي تطرأ على المنظومة الضوئية وعلاقتها بدلالات المكان وتحولاته، بوصف المكان هو الحيز الذي يمكن للمبدع المخرج والسينوغراف أو الممثل وكل المشاركين في العرض أن يقدموا تطبيقاتهم العملية وما يعبر عن أفكارهم وأخيلتهم محققين القيم الجمالية والفكرية ضمن إنشائية المكان المسرحي.
وأوضح الكاتب الأردني، أن المنظومة الضوئية تحقق عددا من الدلالات الزمانية والمكانية، والمخرج السينوغراف ينطلق في رؤيته من تصورات تتجاوز حيز المجرد المحسوس إلى تشخيص المجسد الملموس في العرض المسرحي، وهي تصورات للخلق تنطلق من الممكن إلى الكائن متمردة على المؤسسة المسرحية التقليدية، وتنحو نحو التجريب وارتياد أفاق جديدة ورحبة لتعيد إنتاج فرضية التقليد واستبدالها بفرضية التجديد والتجريب بهدف صياغة منجز مسرحي إبداعي تتعدد فيه الفضاءات والتحولات المكانية والزمانية في توظيف المنظومة الضوئية الخلاقة، وهذه المنهجية في الاشتغال تتداخل فيها الأزمنة، ويتم تكسير منطق الأحداث، وتنويع الفضاءات والأمكنة، ومن هنا يؤسس التجريب لسلطة الحلم ولخطاب الأنا الباطني الذي يتحرك بين الحقيقة والخيال متجاوزا كل الممكنات إلى لغة ما ورائية تتجاوز لغة الصورة المعتادة.
ونوه بأنه ولا يتردد السوداني في التأكيد على التشكيلات الصورية التي يمكن لها أن تظهر على خشبة المسرح، فهي تمثل لوحة تتحرك عليها العناصر في منظومة متقابلة ومتعارضة، من حيث الحجوم والأشكال والألوان، والإنشاء التصويري الحافل بالدلالات المعرفية والفكرية، والمضامين الفلسفية التي تتحرك ضمن إشكالية الوعي القائمة على البحث عن الروح المطلقة وأسرارها الوجودية، وبذلك فإن المنظومة الضوئية تكسر قوانين الظواهر الحياتية، وتبني لها قانونا فلسفيا جديدا يفجر معنى التساؤل للبحث عن تساؤل كوني آخر مداره منطلق الأسرار ومتلقيه متعدد القراءات، بالإضافة إلى أنه يسلط الضوء على الاضاءة كلغة بصرية في العرض المسرحي حيث يتطرق إلى تطوراتها ووظائفها وخواصها، وتأثيرات اللون وعناصر المنظومة الضوئية، ويستعرض انواع الاضاءة بحسب الاتجاهات التي تنتمي إليها، حيث يتناول الاضاءة في الكلاسيكية القديمة، وفي عصر الكنيسة، وفي الكلاسيكية الحديثة، وفي العصر الإليزابيثي، وفي الرومانسية والطبيعية والواقعية والرمزية والتتعبيرية ومسرح العبث، ومما يؤكد عليه أن لها علاقة وطيدة بالعرض المسرحي لكونها تحقق دلالات رمزية واشارية وأيقونية تحاكي السمات المميزة لكل مرحلة، وهي في الوقت نفسه تعمل على خلق الحالة الصورية.
وأردف: ولكي يتوصل السوداني إلى طبيعة المنظومة الضوئية وتغير المكان في العرض المسرحي، نجده يختار ثلاث مسرحيات كعينات لكتابه هي : روميو وجولييت تأليف شكسبير واخراج مناضل داوود، ومسرحية غريم الورد تأليف الدكتور عقيل مهدي واخراج الدكتور قاسم مؤنس، ومسرحية اموت والعذراء اخراج ابراهيم حنون، وقد توصل من خلال تحليله للعينات إلى عدد من النتائج أهمها:
1ـ ينبغي أن يتناسب التوزيع لمنظومة الضوء مع حجم فضاء العرض بصورة عالية ودقيقة من أجل الوصول إلى مشاهد أكثر تأثيرا من الخطوط ودلالاتها والشكل وتكويناته.
2ـ إن الخبرة الفنية لدى المخرج أو المصمم المحترف تسهم بانتاج بدائل للشكل المسرحي في حالة تغير المكان.
3ـ العروض التي تقدم في مسارح العلبة تكون النتائج الفنية فيها أفضل من القاعات والفضاءات الأخرى من حيث الإيهام والتأثير الجمالي والفكري.
4ـ إن تباين مستويات الاضاءة وحركتها المستمرة بتغيير شكل المكان فكريا من شأنه أن يخلق تنوعا مستمرا في تدفق الشكل البصري للعروض المسرحية.
5ـ إن اختلاف فضاءات العرض من حيث الشكل المعماري يدعو إلى إعادة صاغة شكل العرض الواحد عند نقله لفضاء مختلف عن بيئته الأولى.
واختتم «المراشدة» حديثه قائلًا: من الملاحظ أن السوداني قد تعامل مع السينوغرافيا بكل عناصرها التأثيثية بوعي حدسي، ليقدم لنا سيلا من الدلالات السيميائية والرمزية المتعددة، عبر تقديم منظومة بصرية صورية من خلال استخدامات الاضاءة التي اختزل دلالاتها، وعمق فعلها العلاماتي داخل العرض، لتأخذ المفردات الضوئية معاني عديدة ضمن سياق العرض غير معناها التقليدي، وتتداخل هنا في غير وظائفها، وعلاماتها، وأحجامها بشكل غريب وعجيب، مكونة قيمها الجمالية من خلال التغيرات الظاهرية والباطنية على مستوى الوضع السياقي والدلالي والتشكيلي، لتحقق بذلك قدرة فائقة على التبدل لاكتساب صفات علاماتية متعددة أفرزتها أجواء العرض المسرحي.
وقال الدكتور العراقي طارق الربح: إنّ صاحب الكتاب هو السينوغراف «محمود علي السوداني» من دولة العراق الشقيقة، والّذي أعتبره من أبرز كفاءات جيلنا، في مجال السينوغرافيا على الصعيد العربي، وتشهد له بذلك قيمة منجزه الفني، وتميز مساره الاحترافي، بالإضافة لدماثة أخلاقه المهنية والإنسانية، ونحن هنا نتحدث عن الكائن والواجب أن يكون، فالأخلاق المهنية شرط، تنضاف له شروط أخرى، من قبيل المعرفة العامة، والمهارة التقنية، والكفاءة العلمية، والقدرة على الخلق والإبداع. كما أنه يعدّ من السينوغرافيين الأكاديميين من أبناء جيلي، الذي يجد نفسه اليوم، مطالبا بالتأريخ لمنجزه ومنجز من سبقوه، والعمل على التعريف بالسينوغرافيا العربية على الصعيد العالمي، ففي العالم العربي دول راكمت ما يكفي ليجعل منها مساهما فاعلا في المنجز السينوغرافي العالمي. وكل ما يلزمنا اليوم هو الاستمرار في الإبداع بنفس محليّ أصيل، والتواصل ببعد عالمي طموح.
وتحدث الدكتور طارق الربح عن موضوع الكتاب ومنهجيته، قائلًا: يعتبر كتاب «المنظومة الضوئية وتغير المكان في العرض المسرحي» للسينوغراف «محمود علي السوداني» مادة نظرية قيمة، غنية بالمعطيات والمعلومات والأفكار. وقد تناسبت بنية الكتاب مع المنهج المقارن الذي تبناه الكاتب، وهو ما جعل الكتاب يتميز بما يلي:
1) تركيز المعطيات في ثلاثة أجزاء، بناءا على اطلاع ومطالعة: فخصص الفصل الأول للحديث عن المكان المسرحي، والفصل الثاني للمنظومة الضوئية في المسرح، فيما جاء الفصل الثالث عبارة عن مقارنة بين المتغيرات في المكان والمنظومة الضوئية، في مقاربة لوصل لمادتي الفصلين السابقين.
2) تخصيص فصل رابع في الكتاب للمقاربة التطبيقية. اعتمادا على ثلاثة عروض عراقية، وبناءً على المعاينة والتحليل.  وتم الاشتغال في كل مرة منها على عرض مسرحي مختلف، وتمّت مقاربة كل عرض اعتمادا على تقديمه في مكانين أو ثلاثة أماكن مختلفة.
3) الخروج باستنتاجات، إعمالا لحس الباحث المتسم بالفاعلية، الفكرية والعلمية، وقد جاءت هذه الاستنتاجات على شكل خاتمة، جد مقتضبة.
4) اختتام الكتاب بشق الملحقات، من أربعة أجزاء، بها رسومات ثلاثية الأبعاد وصور، للعروض التي اعتمدها الشق التطبيقي للكتاب.
وأشار إلى أن الكاتب «محمود علي السوداني» توخى الدقة في بعض المصطلحات المهنية، وفي                                             التعبير عن الأفكار التقنية، كأن يقول في القسم الأول: «كما أنّ المكان المسرحي قد اختلف منذ نشوء المسرح ليومنا هذا»، فغالبا ما يتحدث النقاد عن تطور المنشآت المسرحية عبر العصور، في حين أن المسار غير متصل، ولم يكن دائما متطورا كما يوصف. لنأخذ مثلا البناية المسرحية الإليزابيتية ونحاول أن نقارنها بالمنشأة الإغريقية، لنجد أن المسرح الإغريقي أكبر وأفخم من حيث البناء، وجد متطور من حيت التقنيات والآليات. وحتى لا نبخس التشييد الإليزابيتي حقه، فالتطور هو أن البناية الواحدة والمحورية عند الإغريق، قابلها شارع من المنشآت المسرحية عند الإنجليز في عهد المسرح الإيليزابيتي. كما أن الكتابة المسرحية عرفت طفرة نوعية، وتدبير المسارح كذلك.
وأوضح أن هناك مساحات رحبة في الكتابة، تسمح للكاتب المهني أكثر من أي كاتب آخر أن يخوض فيها. كـأن يقول «محمود علي السوداني» في القسم التاني من كتابه، في حديثه عن الوزن البصري للألوان في علاقته بالإضاءة: «... ويرتبط هذا علميا بأن الألوان الداكنة تمتص الحرارة والضوء ولا تعكس منه إلا نسبة قليلة، على عكس الألوان الفاتحة والأقل  عتمة فإنها تعكس كمية أكبر منه ولا تمتص إلا جزءا صغيرا، فضلا عن أن هذه الألوان تجعل الإحساس بأنّ المكان أكبر من المناطق ذات الألوان الداكنة،...»
وتابع: لقد تمحور الكتاب حول وظيفية الإضاءة المسرحية وارتباطها بالمكان المسرحي، لدرجة التدقيق والتمحيص في  مختلف التفاصل العلائقية التي تربط فاعلية كل منهما بمختلف عناصر العرض: من نص مسرحي، ورؤية إخراجية، واشتغال الممثل، وأحجام قطع الديكور وألوانها، وطبيعة أقمشة الأزياء المسرحية وألوانها أيضا.
وأردف: أما الجزء الثالث من الكتاب هو مكمن المقاربة المقارنة التي نهجها الكاتب، تمهيدا للخاتمة التي اختار الكاتب أن تكون عبارة على استنتاجات، (أو نتائج كما تفضل بتسميتها). وقد كان بالإمكان جعل الخاتمة أطول مما هي عليه، باعتبارها نتاجا للمقاربة المقارنة التي نهجها الكتاب. إلاّ أنه يحق للكاتب، بصفته كاتبا، وبسلطته الكاملة على كتابه، أن يكتفي بالقدر الذي يراه مناسبا من الخلاصات. أما جزء الملحقات، فهو يمنح رؤية مشهدية على العروض التي اختارها الكاتب في الشق التطبيقي، وذلك وعي منه بأن الكتابات النظرية في مجالات السينوغرافيا لا تكتمل إلا حينما تقترن بصور ورسومات ومخططات وبيانات، لأن تخصصات السينوغرافيا مجال مشهدي بالأساس.
 


ياسمين عباس