المسرح المصري في فلسطين قبل نكبة 1948 (7) منيرة المهدية بين التمثيل والغناء في فلسطين

المسرح المصري في فلسطين قبل نكبة 1948 (7) منيرة المهدية بين التمثيل والغناء في فلسطين

منيرة المهدية في دور كليوباترا.

العدد 685 صدر بتاريخ 12أكتوبر2020

نشرت جريدة «فلسطين» - التي تصدر في يافا – خبراً بتاريخ 15 أكتوبر 1921، عنوانه «جوق دار التمثيل العربي»، قالت فيه: « يصل إلى يافا نهار غد الأحد، ويأخذ بتمثيل رواياته الشائقة مدة خمسة أيام فقط. وهي روايات جديدة عصرية لأشهر مؤلفي الإفرنج كرواية تاييس وكرمن وكرمنينا وغيرها. وتقوم السيدة «فتحية أحمد» المطربة الشهيرة بأهم أدوار هذه الروايات. والجوق مؤلف من 35 ممثل وممثلة مع طاقم موسيقي كامل. وفي شهرته ما يغني عن الحث على الإقبال عليه».
هذا الخبر مريب وغريب في طريقة صياغته! فهذا الخبر عن أول زيارة لمنيرة المهدية إلى فلسطين، وبالرغم من ذلك، تمّ تجاهل منيرة وتهميشها!! فالعنوان قدّم اسم المسرح المنتسبة إليه الفرقة «دار التمثيل العربي»، على اسم صاحبة الفرقة وذكر هذا الاسم باستهانة، حيث قال الخبر «المعروف بجوق منيرة المهدية»! والغريب أن اسم منيرة المهدية غير موجود في متن الخبر؛ بوصفها بطلة الفرقة ونجمة العروض المذكورة، واستبدال اسمها باسم المطربة «فتحية أحمد»!! وصياغة الخبر بهذه الصورة، لا يعني إلا حقيقة واحدة إن الفرقة ستأتي إلى فلسطين بدون «منيرة المهدية»، مع استغلال اسمها وشهرتها في عروض سيتم عرضها في فلسطين بدون وجودها!!
بحثت في الصحف الفلسطينية قبل تاريخ نشر هذا الخبر وبعده، فلم أجد شيئاً عن هذه الزيارة المريبة؛ وكأن الخبر لا وجود له! وعندما بحثت في الصحف المصرية اكتشفت السر!! فمنيرة المهدية كانت بطلة مسرحيتها «علي نور الدين»، وآخر عرض قامت به كان في مارس 1921. وفي أبريل، بدأت الصحف تنشر إعلانات، تفيد بأن أعضاء فرقتها بدأت عرض مسرحياتها دون وجودها! وظل الوضع هكذا حتى أواخر أغسطس، عندما نشرت جريدة «الأفكار» إعلاناً، قالت فيه:
« أكبر جوق مصري أدبي في تياترو الأوبرا السلطانية، رحلة جوق دار التمثيل العربي إلى الأقطار السورية إدارة محمود جبر، والوكيل المفوض للرحلة علي يوسف. تبتدئ من النصف الثاني لشهر سبتمبر. الجوق مؤلف من 40 ممثل وممثلة وأوركستر كامل من راقصات وجوقات تلحين مختلفة. وتقوم بتمثيل وغناء أدوار السيدة منيرة المهدية الممثلة ذائعة الصيت «فتحية أحمد» في روايات «كرمن، تاييس، كارمنينا، روزينا، أدنا، كلام في سرك، كلها يومين، التالتة تابتة، هارون الرشيد، علي نور الدين، شهداء الغرام»». وهذا الإعلان يؤكد إعلان جريدة «فلسطين»!! ولكن يظل السؤال مطروحاً: أين «منيرة المهدية» من كل هذا؟! الإجابة وجدناها منشورة في جريدة «المقطم» بتاريخ 14 سبتمبر 1921، تحت عنوان «إعلان»، هذا نصه:
« إن الحُكم الذي أصدرته محكمة مصر الجزئية الشرعية في 6 سبتمبر في إشكال منيرة المهدية، لم ينته به الخصومة، لوجود قضايا هامة أمام هذه المحكمة، لا تزال منظورة، ولم يُفصل فيها حتى الآن. ومن ذلك القضية المحدد لنظرها جلسة 19 سبتمبر، والقضية المنظورة بجلسة 22 سبتمبر. ولا بد للحق أن ينتصر على الباطل بتوفيق الله تعالى للقضاء العادل. [توقيع] «منيرة المهدية»». إذن اختفاء منيرة من المشهد، كان بسبب قضايا منظورة في المحاكم بينها وبين الأشخاص والمسارح، لذلك استغل البعض هذا الظرف، وأعلن عن استمرار الفرقة بدون منيرة، وجاءوا بفتحية أحمد بديلاً عنها، وهي الفرقة التي ستسافر إلى الشام وفلسطين، كما جاء في خبر جريدة فلسطين! فهل قبلت منيرة هذا الوضع؟!
الحق يُقال: إن منيرة كانت سبّاقة في هذا الأمر، حيث نشرت إعلاناً عن فرقتها في جريدة «مصر» في الثامن من أكتوبر 1921 – أي قبل نشر الخبر في جريدة فلسطين – كان عنوانه «عودة السيدة منيرة المهدية للتمثيل»، وجاء فيه الآتي: « تمثل السيدة «منيرة المهدية» أربع روايات غنائية، وهي «كرمن» الشهيرة، و«التالتة تابتة»، و«كلها يومين»، و«علي نور الدين». وسيقوم جوقها إلى سوريا قريباً، وستمثل بعض رواياتها، وجميع روايات المرحوم الشيخ سلامة حجازي. وإدارة الجوق تحذر الجميع من أن بعض الأجواق تريد تمثيل هذه الروايات في سوريا، وتمثلها باسم «جوق السيدة منيرة». والحقيقة أن جوقها لم يزل بمصر والروايات الخاصة بها مسجلة بالمحاكم المختلطة بمصر». وهكذا يتضح لنا السر في عدم ظهور «منيرة المهدية» لأول مرة في فلسطين عام 1921!!
الظهور الأول
كانت منيرة المهدية عام 1927 في قمة مجدها الفني؛ حيث عرضت مسرحيتها الشهيرة «كليوباترا ومارك أنطوان» أمام الموسيقار محمد عبد الوهاب الذي قام بدور البطولة، بوصفه ممثلاً مسرحياً لأول مرة – وآخر مرة - في تاريخه الفني!! ومن مظاهر تألق منيرة المهدية في هذا العام أيضاً، قيام ملك إيطاليا «فيكتور إيمانويل الثالث» بتكريمها!! وحول هذا التكريم، قالت جريدة «كوكب الشرق» في مايو 1927، تحت عنوان «فوز وانتصار»: للسيدة منيرة المهدية فضل على المسرح العربي، لا يجهله أحد من المتتبعين للحركة الفنية في البلد. وهي من الزعيمات اللواتي هذبن فن الغناء، وعملن على ترقيته، حتى وصل إلى مكانة سامية. وكان لا بد أن يقدر الناس هذه السيدة المجاهدة العاملة، فيعقدوا لها لواء الفخار والتمجيد على جبينها، فلا يذكر أحد منيرة المهدية، حتى يذكر سلطانة الفن، وملكة الطرب، وأميرة مغنيات الشرق بأجمعه! والغربيون يقدرون الفنون الجميلة في بلادهم وفي غيرها. من ذلك أن لملك إيطاليا كتاباً يُسمى «الكتاب الذهبي»، يدرج فيه أسماء النوابغ في العالم، والذين لهم مواهب خاصة، ترفعهم عن درجة الآخرين. وقد رأت حكومة إيطاليا أن السيدة منيرة المهدية تستحق هذا التقدير، فأنعمت عليها بوسام الكتاب الذهبي.
وفي الشهر نفسه، نالت السيدة منيرة المهدية وساماً آخر من فرنسا، وانهالت عليها التكريمات والأوسمة والنياشين من كل حدب وصوب، فقامت مجلة «المسرح» المصرية بنشر صور لجميع هذه الأوسمة والنياشين، دلالة على تألق منيرة الفني غير المسبوق!! ومن الواضح أن منيرة أرادت أن تستغل هذا التألق؛ بوصفه دعاية لها ولفرقتها في رحلة فنية إلى فلسطين! وقد تسابقت الصحف والمجلات المصرية في نقل هذا الخبرـ حيث نشرت مجلة «المسرح» في مايو 1927، خبراً بعنوان «إلى فلسطين»، قالت فيه: «يظهر أن موسم الصيف سيكون مجدباً في القاهرة، فها هي الفرق تهاجر الواحدة بعد الأخرى إلى المصايف الداخلية والخارجية. وكان المؤمل أن فرقة السيدة منيرة المهدية قد تبقى في القاهرة. ولكنا تأكدنا أخيراً أن السيدة منيرة ستسافر مع فرقتها إلى فلسطين، حيث تمضي مدة الاصطياف هناك».
أما جريدة «الأهرام»، فقد ذكرت - في يونية 1927 – تفاصيل أخرى، منها: أن الفرقة ستفتتح حفلاتها في مدينة يافا يوم الخميس 23 يونيو، ثم تسافر إلى القدس يوم 26 يونيو، وبعدها تسافر إلى نابلس وحيفا؛ حيث تقدم في كل بلد حفلتين أو ثلاث. وسيكون الافتتاح بمسرحية «الغندورة». وفي منتصف يوليو، نشرت مجلة «الصباح» مجموعة من الأخبار، منها: أن الفرقة أقامت وبنجاح ثلاث حفلات في يافا، وست حفلات في القدس منها حفلة خاصة للسيدات، وقد وجهت منيرة شكرها الكبير لجهود «مظهر بك أبو العز» قنصل مصر في القدس، لما قدمه لها من دعم في هذه الرحلة. كما أقامت الفرقة حفلتين بمدينة نابلس، وهذا ما تم بالفعل. أما ما سوف يتم وأعلنت عنه المجلة، فكان عبارة عن إقامة خمس حفلات في حيفا.
ماذا حدث في نابلس
بناءً على ما سبق، نستطيع أن نقول إن فرقة منيرة المهدية نجحت في جميع حفلاتها، التي أقامتها في يافا والقدس ونابلس .. ومدينة نابلس تحديداً، كانت آخر مدينة عرضت فيها الفرقة داخل فلسطين!! وكنا ننتظر أن نقرأ عن نجاح الفرقة بعد ذلك في حيفا وبيروت ودمشق وحلب .. إلخ نهاية برنامج الرحلة؛ ولكننا قرأنا خبراً غريباً، نشرته مجلة «الصباح» في أواخر يوليو 1927، تحت عنوان «لماذا عادت فرقة السيدة منيرة المهدية قبل إتمام رحلتها؟» .. أما سبب العودة فجأة، فقد نشرته المجلة من خلال أقوال بعض أفراد الفرقة العائدين من فلسطين، قائلين: «نجحت الحفلات التي أقامتها الفرقة في فلسطين والقدس ويافا نجاحاً عظيماً، حتى أن أي حفلة من هذه الحفلات، لم يقل إيرادها عن مائة جنيه مصري ... وحدث مرة أن الفرقة كانت بنابلس، وأعلنت عن حفلة فحضر لشهودها أعيان البلاد وكبراؤها؛ لكن مجموع ثمن التذاكر التي اشتروها، كان قليلاً. فقررت السيدة منيرة الإضراب عن التمثيل. وما كاد الحاضرون يعلمون بهذا الإضراب، حتى تجمهروا وضجوا واعتبروا امتناع الفرقة عن التمثيل ماساً بكرامتهم. وكان مدير البلدية موجوداً بين المتجمهرين، فرأى مدير الفرقة أن يحتاط للطوارئ، فخاطب السلطة العسكرية تليفونياً بالتجمهر. فحضر بعض الجنود، وباتوا طول الليل يحرسون الفندق، الذي تقيم فيه الفرقة. وفى الصباح جاءت سيارة مسلحة ممتلئة جنوداً ببنادقهم، وأبلغوا الفرقة ضرورة مبارحتها للبلد حالاً، فصدعت الفرقة للأمر».
هذا ما قاله بعض أفراد الفرقة، لذلك نشرت مجلة «المسرح» في نهاية يوليو حواراً مع السيدة منيرة، روت فيه تفاصيل مختلفة، مثل قولها: ... في مدينة نابلس طلب رئيس البلدية، أن أحيي حفلة خاصة، فطلبت مبلغ مائتي جنيه، وعرض هو أربعين جنيهاً، فرفضت. وهاجه هذا الرفض، وأصرّ على أن يجعلني أحيي السهرة رغماً عني. واستحضر بعض رفاقه وأعوانه، بمثابة تهديد لي وإكراهي على العمل برغباته. وفي الوقت نفسه، وبعد أن أخفقت محاولاته، لتدخل السلطة الإنجليزية في مصلحتي، أوعز إلى بعض الصحف أن تقوم بحملات ضدي، لتشويه أعمال فرقتي وتمثيلها. فكانت حملة مغرضة أساسها إرضاء رئيس البلدية، واتباع رغبته في التشفي مني بسبب رفضي طلبه. وحينما رأينا روح الغدر تظهر على رئيس البلدية، واستعداده لاستعمال العنف والقوة، لم نر بُداً من محادثة السلطات الإنجليزية وإبلاغها الحادث تليفونياً. ولم تمض خمس دقائق حتى حضرت قوة من الجنود الإنجليز ومعهم ضابط، ومكثوا في حراستنا طول الليل. وفي صباح اليوم التالي رافقونا في طريقنا حتى وصلنا حيفا بسلام.
هربت منيرة من طغيان رئيس البلدية، وانتقلت من نابلس إلى حيفا في حراسة السلطة الإنجليزية، ثم انتقلت من حيفا إلى بيروت لاستكمال رحلتها الفنية، حيث وصت بيروت يوم 11 يوليو 1927 .. وبعد أربع ساعات فقط من وصولها، ضرب زلزال كبير مدينة نابلس، كان من آثاره هدم عشرات البيوت ومئات القتلى؛ فكتب محرر مجلة «المسرح»، تحت عنوان «تحرسها العناية»، قائلاً: لا شك أن السيدة منيرة المهدية تحميها عناية الله، وتحرسها قوة خفية من عنده. فإنه بعد أن رحلت عن نابلس إلى بيروت، بنحو أربع ساعات، اهتزت الأرض وزلزلت ومادت بسكان نابلس ومنازلها.
وتقول منيرة – في حوارها السابق بمجلة المسرح – عن قرار عودتها إلى مصر: ما أن وصلنا بيروت، كانت كأس احتمالي قد امتلأت حتى النهاية من تصرفات أفراد فرقتي. ولم يكن في طاقتي أن أستمر في العمل مع قوم ساءت أخلاقهم، وظهرت بمظهرها الحقيقي الذي كنت أجهله من قبل. وعرض عليّ أحد المتعهدين أن أقوم بإحياء خمسة عشر ليلة في نظير ألف جنيه مصري، ولكني رفضتها في آخر لحظة، وأعلنت أفراد الفرقة بعزمي على الرحيل إلى مصر. وكانت الساعة وقتئذ الثانية عشرة ظهراً. وفي الساعة الثانية بعد الظهر كانت الحقائب معدة، والسيارات جاهزة، وابتدأنا المسير عائدين إلى مصر. وبعد أن عدت إلى القاهرة قررت أن أحلّ الفرقة، وأن أسرّح أفرادها جميعاً، إذ اتضح لي أن ليس فيهم من يستحق أي رعاية أو إشفاق بعد الذي ظهر لي منهم، ونحن في بلاد غربة! وفعلاً صرحت لهم بذلك وأخليت طرفهم من الارتباط بالعمل معي! أما أنا فقد اعتزمت أن أنصرف إلى الهدوء والراحة، لمدة طويلة أستطيع أن أجدد فيها قواي .. وبعد شهرين أو ثلاثة أقضيها في سكون وبلا عمل، أفكر فيما سوف أتخذه من رأي!
رحلات غنائية
وبالفعل قضت السيدة منيرة المهدية عدة أشهر في سكون تام، حتى قررت أن تسير في فنها بصورة متبادلة بين فرقتها المسرحية وتختها الموسيقي!! هذا القرار لم تعلنه منيرة، ولم أجده منشوراً، ولكني استطعت استنتاجه من متابعتي لتاريخ منيرة في هذه الفترة، حيث وجدتها تارة تنشر إعلانات كثيرة عن أغانيها مع تختها الموسيقي في المسارح والصالات والكازينوهات، وتارة أخرى أجد إعلاناتها منتشرة لقيامها بتمثيل مسرحيات غنائية لفرقتها!! وهكذا ظلت منيرة بقية عمرها الفني توزع مجهودها بين أغانيها مع تختها، وبين مسرحياتها مع فرقتها!
والجدير بالذكر إن منيرة المهدية قررت أيضاً قراراً – لم تذكره ولم تنشره – يفيد بعدم سفرها إلى فلسطين مع فرقة مسرحية، بل خصصت رحلاتها إلى فلسطين لحفلاتها الموسيقية الغنائية فقط .. بدون تمثيل!! هذا القرار، تم استنتاجه أيضاً من تاريخ رحلات الفرقة، ومنها رحلة عام 1928، التي قالت عنها مجلة «الصباح» في نهاية يونية من العام نفسه، تحت عنوان «رحلة السيدة منيرة المهدية»: سافرت السيدة منيرة المهدية يوم الخميس 14 يونية من محطة القاهرة، وقد توافد لتحيتها على رصيف المحطة كثيرون من العظماء والكبراء والوجهاء والأدباء وبعض مندوبي الصحف. وتحرك القطار بين دعوات الجميع وتمنياتهم الطيبة. وما كادت السيدة منيرة تصل إلى القنطرة، حتى وجدت كثيراً من أعيان بور سعيد وكبرائها قد حضروا بالسيارات، للاشتراك مع أهالي القنطرة في استقبالها والاحتفاء بها، ثم ركبت قطار فلسطين. فما كاد القطار يصل البلد حتى وجدت كثيرين من ذوي الحيثيات في يافا وكبارها، قد حضروا إلى البلد لاستقبالها ومرافقتها إلى يافا. وفي يوم السبت الماضي أحيت السيدة منيرة حفلة بمدينة يافا، فحضرها نحو ثمانمائة شخص، ولم يتمكن من حضور الحفة أضعاف هذا العدد نظراً لضيق المحل. وانهالت الطلبات على السيدة منيرة لإحياء بضع ليالٍ أخرى متوالية في يافا، حتى يتمكن كل محبي صوتها من سماعها. فوعدتهم بإجابة طلبهم في فرصة أخرى، نظراً لارتباطها بمواعيد في بلاد أخرى. وقد ظلت حفلة يافا إلى الساعة الثانية صباحاً مع أن قانون البلاد ونظمها يحتم إغلاق المحلات العامة في الساعة 12 فقط، ولعل هذا أكبر دليل على ما قوبلت به السيدة منيرة هناك من الحكومة والشعب على السواء. وقد قامت السيدة منيرة بعد ذلك إلى حيفا، وكان بانتظارها على محطتها كثيرون من أولي الشأن والأطباء والمحامين والأهالي. وبعد أن أحيت السيدة منيرة فيها ليلة قضاها الناس في طرب وسرور بتياترو «الانشراح» هناك، سافرت السيدة منيرة إلى بيروت.
والواضح من وصف المجلة، أن حفلات منيرة كانت حفلات غنائية موسيقية فقط، حيث لا توجد أية إشارة إلى أسماء مسرحيات، أو ممثلين أو أي شيء يتعلق بالمسرح!! والدليل على ذلك أن منيرة تركت فلسطين وبلاد الشام، وسافرت إلى تركيا، وأقامت هناك عدة حفلات غنائية، لاقت نجاحاً ما بعده نجاح!! حيث نجحت في التعاون مع أعظم موسيقي في أسطنبول – في هذا الوقت – وهو «نشأت بك»، حيث كوّن لها تختاً موسيقياً تحت رئاسته، مما جعل حفلاتها تلقى الرواج الكبير، وقد أقام لها سفير مصر في تركيا حفلة تكريم حضرها وزراء الجمهورية التركية، وموظفو الدول وقناصلها. كما دعاها «حزب الشعب» لتغني في حفلة تحت رعايته، فحضرت وغنت، ومن حسن حظها كان موجوداً الغازي «مصطفى كمال باشا أتاتورك» الذي خصّها بكلمة ثناء وشكر في نهاية الحفلة.
وفي صيف العام التالي 1929، قامت منيرة برحلة إلى فلسطين وبلاد الشام أيضاً، وكانت رحلة غنائية موسيقية!! وفي أغسطس قامت مجلة «الصباح» باستطلاع رأي بين أصحاب الفرق الفنية، التي سافرت في صيف هذا العام إلى فلسطين وبلاد الشام، وفي هذا الاستطلاع، قالت منيرة: إن إخواننا وجيراننا بفلسطين وسوريا ولبنان يعاملون المصريين في بلادهم أكثر مما يعامل به الشقيق شقيقه، ويبتهجون بمرأى المصريين، وينتهزون الفرص لتكريمهم والاحتفاء بهم وتشجيعهم. وإنني قضيت هناك في بعض الأحيان أعواماً وشهوراً، فما وجدت منهم إلا عطفاً وتكريماً وترحيباً.


سيد علي إسماعيل