المسرح المصري في فلسطين قبل نكبة 1948 (1) أول فرقة مسرحية مصرية تزور فلسطين

المسرح المصري في فلسطين قبل نكبة 1948 (1) أول فرقة مسرحية مصرية تزور فلسطين

مدينة يافا التي شهت أول عرض مسرحي مصري

العدد 679 صدر بتاريخ 31أغسطس2020

عزيزي القارئ .. عندما تسمع كلمة «فلسطين» يقفز إلى ذهنك قضيتها! ولو سألتك ما هي قضية فلسطين، ستقول إنها قضية احتلالها عام 1948. ولو سألتك عن فلسطين قبل عام 1948، ستندهش من السؤال، وستحاول أن تجيب، فلن تسعفك معلوماتك عن فلسطين قبل النكبة؛ وكأن فلسطين لا وجود لها إلا بعد النكبة، وهذا ما كنت تعتقده للأسف الشديد؛ إلا إذا كنت فلسطينياً أو عربياً مطلعاً على تاريخ فلسطين! وفي هذا الحالة، ستكون معلوماتك حول هجرة اليهود، ووعد بلفور، والانتداب البريطاني، وبيع الأراضي، وعصابات الصهاينة ومذابحهم .. إلخ هذه المعلومات!! أما لو سألتك: ماذا تعرف عن المسرح في فلسطين قبل النكبة؟ ستظن أنني أسألك عن المسرح في كوكب المريخ!! لأنك ستظن أن فلسطين طوال تاريخها – قبل النكبة - كانت في صراع مرير ضد الصهاينة والإنجليز، ولا وقت لديها للمسرح! وهذا ظن خاطئ تماماً!!
وتصويب هذا الظن، أحد أهداف مقالاتي هذه، وذلك بتوثيق جزء من تاريخ المسرح في فلسطين؛ كونها دولة عربية، تعاملت معها الفرق المسرحية المصرية، كما تعاملت مع بقية دول الشام والعراق، حيث إن فلسطين كانت إحدى المحطات الرئيسية لأغلب الفرق المسرحية المصرية، التي زارت بلاد الشام والعراق، واستطاعت هذه الفرق أن تُسهم بشكل أو بآخر في ظهور النشاط المسرحي الفلسطيني، وأن تضع بذوراً أنبتت بالفعل الفرق المسرحية الأولى في فلسطين وفي بعض البلدان العربية المجاورة لها في هذه الفترة!!
أما أهم أهدافي من وراء هذه المقالات، هو كتابة تاريخ المسرح في فلسطين قبل النكبة، ليظل هذا التاريخ شاهداً على وجود دولة طبيعية اسمها فلسطين، عاشت حياة طبيعية قبل أن يُستبدل اسمها باسم آخر، وشعبها بشعب آخر، وثقافتها بثقافة أخرى، ومسرحها بمسرح آخر .. لا علاقة له بفلسطين!!
 وأفضل تقديم لهذه المقالات، ما كتبه الأستاذ «يسري حسان» في صفحته «تياترو» بجريدة «المساء» يوم 29 يونية 2020، عندما قال تحت عنوان «المسرح في فلسطين قبل نكبة 1948 .. وثائق جديدة يكشف عنها الجبرتي»:
“ يستعد جبرتي المسرح العربي الدكتور سيد علي إسماعيل لنشر مجموعة مقالات ضخمة، حول (المسرح في فلسطين قبل نكبة 1948)، وهو موضوع لم يكتب فيه أي باحث أو مؤرخ أو موثق من قبل بأسلوب النبش واستخراج المفاجآت والمعلومات غير المعروفة، وهو أسلوب الجبرتي المعروف في تأريخه للمسرح العربي! فمن الممكن أن نجد بعض الباحثين تطرقوا إلى هذه المرحلة من خلال النصوص المسرحية، أو المرور على المرحلة مرور الكرام ببعض الجمل والفقرات؛ ولكننا لم نقرأ ولم نسمع أن باحثاً أو مؤرخاً كتب عن تفاصيل النشاط المسرحي داخل فلسطين قبل نكبة 1948 من خلال الفرق المسرحية المصرية التي زارت فلسطين، والتي وصل عددها إلى أكثر من عشرين فرقة، مثل: فرقة أمين عطا الله، وفرقة عبد العزيز الجاهلي، وفرقة سلامة حجازي، وفرقة منيرة المهدية، وفرقة رمسيس، وفرقة فاطمة رشدي، وفرقة علي الكسار، وفرقة نجيب الريحاني، وفرقة فوزي منيب، وفرقة علي لوز. كما أن الجبرتي سيتحدث بالتفصيل عن النشاط المسرحي داخل مدارس فلسطين، مثل: مدرسة روضة المعارف، ومدرسة الساليزيان! ناهيك عن النشاط المسرحي في الأندية والجمعيات الدينية والأدبية، والثقافية في فلسطين، مثل: جمعية الاتحاد والترقي، وجمعية الشبان المسلمين، وجمعية الشبيبة المارونية، وجمعية قلب يسوع، والجمعية البيتجالية، وجمعية الشبيبة الأرثوذكسية، والجمعية الإسلامية المسيحية بيافا، والنادي السالسي، ونادي التمثيل الحيفاوي. كما سيتعرف القارئ – في هذه المقالات - على النشاط الفني والمسرحي، الذي كان يُقدم في مقاهي فلسطين ومسارحها، مثل: قهوة السنترال، وقهوة زهرة الشرق، وقهوة كوكب الصباح، وقهوة أبي شاكوش، وقهوة الجزيرة، وقهوة مصطفى رابية، وقهوة النيوبار، وقهوة المعارف. أما المسارح داخل فلسطين، فحدث ولا حرج، ومنها: تياترو أنيستي، وتياترو أوليمبيا، وتياترو المعارف، وتياترو زحيمان، ومسرح سينما صهيون، ومسرح سينما عدن، ومسرح بستان الانشراح، ومسرح الكلوب انترناسيونال، ومسرح الست روجينا، ومسرح حديقة بريستول، ومسرح فاينجولد”.
إشكالية العنوان
الخبر المنشور في جريدة المساء يقول إن عنوان المقالات «المسرح في فلسطين قبل نكبة 1948»، والعنوان الرئيسي للمقالات هو «المسرح المصري في فلسطين قبل نكبة 1948» فلماذا هذا التغير؟! الحقيقة أن العنوان الأول «المسرح في فلسطين» هو عنوان الكتاب، الذي سأجمع فيه هذه المقالات! والمقالات تنقسم إلى مجموعتين: الأولى حول الفرق المسرحية المصرية التي زارت فلسطين قبل النكبة، والمجموعة الأخرى عن الأنشطة المسرحية التي تمت في فلسطين قبل النكبة، سواء كانت أنشطة داخل المدارس أو الجمعيات أو النوادي الأدبية والثقافة والمسرحية. وكوني بدأت بالمجموعة الأولى، فهذا راجع إلى أن تاريخ الفرقة المسرحية المصرية التي زارت فلسطين، كان أسبق من تاريخ ظهور أي نشاط مسرحي في فلسطين، وفقاً لما بين يدي من معلومات. وهذا المعيار سألتزم به أيضاً في ترتيب الكتابة عن الفرق المصرية التي زارت فلسطين، وذلك بناءً على تاريخ حضورها الفعلي، وقيامها بالعرض المسرحي داخل فلسطين!! وسبب التأكيد على فعلية الحضور والعرض، أننا سنجد أخباراً منشورة تتحدث عن قرب حضور فرقة ما، ولكن ظروفاً معينة منعت حضورها، وبناءً على ذلك لا أعدّ هذا التاريخ بداية نشاط الفرقة في فلسطين.
خدعة منع التمثيل
من الجائز أن يجد باحث خبراً أو وثيقة أو إشارة، تفيد بأن عرضاً مسرحياً تمّ في فلسطين داخل إحدى المدارس أو الكنائس في القرن التاسع عشر، كما وجد الأستاذ تيسير خلف – في كتابه “نشأة المسرح في بلاد الشام” - عدة أخبار عن عروض مسرحية أقامتها الجمعية الأرثوذكسية في عكا عام 1881!! أما البحث عن أول عرض مسرحي قُدم إلى الجمهور الفلسطيني من قبل إحدى الفرق المسرحية المحترفة في القرن التاسع عشر، فهذا أمر لم يتمّ كشفه حتى الآن؛ لأن أول عرض مسرحي تمّ عرضه في فلسطين – من وجهة نظري - كان عام 1901، من خلال فرقة مسرحية مصرية عربية .. هذه قصتها:
في أواخر القرن التاسع عشر، كانت الفرق المسرحية العاملة في مصر، هي: فرقة سليمان الحداد، وفرقة سليمان القرداحي، وفرقة إسكندر فرح، وفرقة القباني، وفرقة ميخائيل جرجس .. إلخ. وكان الممثلون والممثلات والمطربون والمطربات ينتقلون من فرقة إلى أخرى؛ وفقاً لنجاح الفرقة أو إخفاقها أو توقفها .. إلخ. ويُعد القباني من أبرز أصحاب الفرق المسرحية في تغيير فرقته من حين إلى آخر. فعندما يأتي موسم الصيف – وهو موسم الكساد المسرحي - يقوم القباني بحلّ فرقته، حتى يُوفّر رواتب ممثليه طوال أشهر الصيف، ويسافر هو إلى سورية. وعندما يبدأ الموسم التمثيلي الجديد، يعود إلى مصر، ومعه مجموعة جديدة من الممثلين الشوام، ويقوم بتكوين فرقة مسرحية جديدة من هؤلاء الجُدد مع ما تبقى من فرقته السابقة، أو ممن ترك فرقته ويريد الانضمام إليه.
ويروي لنا «عمر وصفي» في مذكراته - المنشورة في مجلة الصباح عام 1931، بعض تفاصيل هذه المرحلة – قائلاً: “عندما حضر إلى مصر شاب سوري من بيروت [ويقصد جورج طنوس]، جاء يبحث عن عبد الرازق بك عنايت المدير المالي لفرقة القباني، وعرض عليه اتفاقاً يتضمن تأليف فرقة تمثيلية تقدم رواياتها في بيروت وأن يكون المصروف مناصفة بين الاثنين. ولما كان التمثيل ممنوعاً في بيروت بأمر من السلطان عبد الحميد، فقد أخذ الشاب السوري على عاتقه السعي لدى الحكومة لتُصرح بالتمثيل. وكان فرح الممثلين بهذه الفرقة عظيماً وانضم إليها عدد من خيرة ممثلي مصر في ذلك العهد من بينهم الممثلة الشهيرة السيدة مريم سماط وأختاها ورحمين أفندي بيبس والسيدة قرينته. حدث هذا في أوائل سنة 1901، وقد أبحرت بنا الباخرة من بور سعيد قاصدة بيروت! ودخلنا بيروت فكانت الحفاوة بمقدمنا بالغة، وتقدير الجمهور للفن عظيماً، وبدأت ليالي التمثيل فكانت من خيرة الليالي .. ثم تركناها إلى يافا وهي مدينة تجارية كبيرة لقينا فيها كل إقبال من جمهورها، وتشجيع من أولي الأمر، وقد وفقنا إلى مسرح جميل يملكه الخواجة جورج خوري”.
وقبل أن نتطرق إلى ما حدث في يافا، يجب أن نتوقف عند نقطة مهمة ذكرها عمر وصفي، عندما قال: “ولما كان التمثيل ممنوعاً في بيروت بأمر من السلطان عبد الحميد، فقد أخذ الشاب السوري على عاتقه السعي لدى الحكومة لتُصرح بالتمثيل”! هذه المقولة تحديداً، تتحدث عن الأمر السلطاني الذي صدر ضد القباني ومنعه من التمثيل في سورية – وبيروت جزء من سورية الكبيرة في ذلك الوقت – وهي القصة التي نعرفها جميعاً، وقرأنا عنها كثيراً بأن فرماناً أصدره السلطان العثماني ضد مسرح القباني، فمنعه من التمثيل وتم إغلاق مسرحه في سورية!! وهذا المنع ظل حتى عام 1901، عندما حاولت الفرقة المسرحية – التي نتحدث عنها – الدخول إلى بيروت، ونجح جورج طنوس في إدخالها لأول مرة بعد فرمان المنع!!
وهذه المحاولة كشفت لنا أكبر خُدعة في تاريخنا المسرحي العربي؛ لأن السلطان العثماني لم يصدر فرماناً ضد القباني، ولم يمنعه من التمثيل، ولم يغلق مسرحه .. بل هذا المنع تم بناء على تعليمات شفهية – غير رسمية – من أحد أعوان السلطان العثمان، وبدون علمه!! وظل هذا المنع الشفاهي سائداً وسارياً بين رجال الأمن، ولم يكشف هذه الكذبة – التي عاشت بيننا وعشنا بها – إلا الباحث «تيسير خلف» في كتابه «نشأة المسرح في بلاد الشام»، عندما نشر نص برقية مكتوبة باللغة التركية – مرفق صورتها - مؤرخة في عام 1901، وترجمتها تقول: “ «برقية من ولاية سورية»: بعد قدوم شركة مسرح عربية من مصر إلى بيروت وتنفيذها مسرحيات عدة شهور هناك وصلت مساء أمس إلى الشام وأرادت تنفيذ مسرحيات هنا أيضاً، فلم يُسمح لها بذلك، كما بلغنا أن رئيس هذه الشركة هو من الأشخاص المضرين، فقمنا على الفور بتنبيه دائرة البوليس لطردهم من هنا. أرجو التفضل بالاطلاع. [توقيع] الوالي ناظم”.
وهذه البرقية – وفقاً لتاريخها – تخص الفرقة المسرحية المصرية التي نتحدث عنها. أما صاحب الفرقة غير المرغوب في دخوله أمنياً فهو القباني، لأنه صاحب الفرقة وإن لم يكن معهم، إلا أن أغلب أفراد الفرقة، هم من أفراد فرقة القباني، لا سيما مديرها المالي والإداري «عبد الرازق عنايت»!! الشاهد في الأمر أن الوالي لم يتلق أي رد من رؤسائه في أسطمبول على هذه البرقية!! أي إنهم لم يردوا عليه بوجوب منع دخول الفرقة المسرحية، مما يعني عدم وجود وثيقة أو فرمان أو تعليمات أو وثائق رسمية مكتوبة تفيد هذا المنع!! وبذلك يكتشف لنا موقف الوالي ناظم أن تعليمات منع القباني أو منع التمثيل في الشام، كانت تعليمات شفهية لا أساس رسمي لها .. لذلك دخلت الفرقة إلى بلاد الشام، ومنها إلى فلسطين.
عرض لم يتم
نعود إلى مذكرات عمر وصفي، ونستكمل ما ذكره عن أول فرقة مسرحية مصرية تزور فلسطين، وتعرض في يافا أول عرض مسرحي لها، حيث قال: “ قرب موعد التمثيل، والممثلون يجدّون في الاستعداد للعمل، وقد أشعلت الأنوار، وفتحت أبواب الصالة .. فما نشعر إلا والجنود تتدفق إليها أفواجاً؛ كأنما تحولت معسكراً عاماً، وتم لهم النصر .. فاحتلوا جميع المقاعد! جاءوا يتفرجون ولكن بلا أجر. وعبثاً نحاول أن نأخذ منهم مليماً واحداً، بل كيف السبيل إلى التفاهم وهم أتراك لا يدركون غير لغتهم! واستنجدنا بالقائمقام ولكنه ظل مكتوف اليد، وليس في وسعه أن يعمل حيالهم شيئاً .. فهم من الجند الذين قضوا مدتهم وأصبحوا في حلٍّ من الأوامر العسكرية. وهم الآن على وشك العودة إلى وطنهم، فإذا حاول أحد إزعاجهم هاجوا وثاروا فلا سبيل غير السكوت والصبر .. وهكذا بدأنا التمثيل من أجلهم. ولكنا ما لبثنا أن رأيناهم قد ثاروا وصاحوا، لأنهم لا يريدون التمثيل، إنما يريدون غناءً ورقصاً .. وبعد جهاد طويل أفهمناهم أن هنا مسرحاً للتمثيل لا صالة غناء .. وهكذا تركونا ومضوا، وهم يحطمون في طريقهم كل ما تصل إليه أيديهم من مقاعد .. قضينا في هذه المدينة الجميلة شهرين، تمتعنا خلالهما حق المتعة. وفي خلالهما زرنا القدس وكثيراً ما كان أهالي فلسطين يسألوننا أن نحيي بعض الحفلات هناك”.
هذا هو الوصف التفصيلي لأول عرض مسرحي أُقيم في فلسطين من قبل فرقة مسرحية محترفة، جاءت من مصر! ومن المؤكد أن هذه الفرقة عرضت مسرحيات كثيرة في يافا، لأنها مكثت فيها شهرين!! والفرقة محترفة، تعيش من مكاسب عروضها المسرحية! وللأسف الشديد، لولا هذه الإشارة في مذكرات عمر وصفي، ما كنا وضعنا يدنا على هذا العرض المسرحي!! وأتمنى أن يهتم باحث آخر بهذا العرض – أو العروض طوال شهرين - ويتتبع أخبار هذه الفرقة في يافا والقدس، وأن يبحث في الصحف التي كانت تصدر في فلسطين في هذه الفترة، وتحديداً في صيف عام 1901، لأنه سيجد إعلانات أو مقالات مكتوبة حول هذه الفرقة؛ بوصفها أول فرقة مسرحية محترفة تزور فلسطين وتعرض فيها مسرحياتها.
وقبل أن نترك هذا الموضوع، يجب أن نتوقف عند تصرف الجنود الأتراك – كما شرحه عمر وصفي – عندما طلبوا من الفرقة المسرحية أن تقدم غناء ورقصاً!! فربما عزيزي القارئ تظن أن هذا تصرف غير لائق من الجنود!! والحقيقة أن أغلب الفنون في فلسطين ظهرت من خلال الغناء والرقص، الذي كان يُقدم في المقاهي، قبل ظهور العروض المسرحية. وهذا يعني أن المقاهي الفنية، كانت موجودة ومنتشرة في فلسطين منذ أواخر القرن التاسع عشر، لأنني لم أجد أخباراً عنها إلا منذ عام 1908. وسنتحدث عن هذا الأمر كثيراً في المقالات القادمة.
توثيق الفرقة الأولى
مما سبق يتأكد لنا أن أول فرقة مسرحية مصرية دخلت فلسطين وعرضت فيها – وتحديداً في يافا – هي فرقة «كذا» .. واسم أول مسرحية، كانت مسرحية «كذا»!! أي إننا نتحدث عن فرقة بلا اسم وعن مسرحية بلا عنوان؛ لأن الفرقة عبارة عن خليط من بقايا أعضاء الفرق المصرية والشامية المسرحية، التي كانت تعمل في مصر والمتوقفة بسبب فترة الصيف. أما اسم المسرحية فلم يذكره عمر وصفي في مذكراته .. فهل هذا يعني أننا – حتى الآن – لم نجد التوثيق لاسم أول فرقة مسرحية مصرية دخلت فلسطين، وقدمت أول عرض مسرحي له اسم أو عنوان؟!
هذا التوثيق وجدناه وأخبرتنا به جريدة «القدس» - الفلسطينية – عام 1909، عندما قالت: “ إن الجوق المصري الأدبي الذي هو برئاسة الشيخ إبراهيم أحمد الإسكندري، سيمثل مساء الخميس في «قهوة المعارف» رواية «اللصوص الثلاثة». وسيساعده في التمثيل محمد أفندي مصطفى الشهير، وجملة من الشبان الذين نبغوا في هذا الفن الجليل”.
وأرجو عزيزي القارئ ألا تستخف بهذا الخبر، وتظن أن العرض كان بسيطاً وقصيراً، لأنه عُرض في «قهوة المعارف»؛ لأن قهوة المعارف – في هذا الوقت – تُعدّ صالة فنية، تشبه صالات عماد الدين في مصر، مثلها مثل صالة بديعة مصابني، بل وتُعدّ بعض المقاهي في فلسطين مسارح متكاملة .. وسوف نقرأ كثيراً – في المقالات القادمة - عن عروض مسرحية لفرق كبيرة عرضت مسرحياتها في المقاهي الفلسطينية!! 
لم يبق لنا إلا التعريف بصاحب الفرقة؛ حيث إن أغلبنا – ربما – لا يعلمون عنه شيئاً ولم يسمعوا باسمه من قبل! لذلك أقول: إن إبراهيم أحمد الإسكندري، ظهر عام 1900 ممثلاً ومطرباً في «جوق شبان مصر الوطني» لإبراهيم حجازي الذي عرض مسرحية «كليوباترا» في قنا، ومسرحية «صدق الإخاء» في فاقوس. وفي عام 1902 كوّن إبراهيم لنفسه فرقة مسرحية جوّالة حملت اسمه، عرض من خلالها مسرحيتين في طنطا. وفي عام 1903 أطلق على فرقته اسم «الجوق الشرقي» ومثل في إيتاي البارود بدمنهور. وظل إبراهيم أحمد الإسكندري يتنقل بفرقته في أقاليم مصر سنوات كثيرة، حتى عام 1926، عندما نشرت عنه جريدة «المؤدب» في يناير 1926 – آخر خبر وجدناه - تحت عنوان «جمعية الاتحاد الأخوي التمثيلية ببورسعيد»، قائلة:
“ يسرنا أن تقوم في البلد نهضة تمثيلية سارة، انصرف إليها فرقة من شبان البلد لإحياء هذا الفن الجميل، يقوم بتمثيل الروايات الأدبية والأخلاقية تحت إدارة حضرة القدير الشيخ إبراهيم أحمد الإسكندري. وقد تألف مجلس إداراتها من حضرات محمد أفندي رئيساً، وحضرة حسين أفندي أبو العز وكيلاً، وحضرة سليمان أفندي حسن أمين الصندوق، وزكي أفندي السيد سكرتيراً، وحضرة محمد أفندي المنياوي مراجعاً للحسابات، وباقي أعضاء المجلس والجمعية من خيرة شبان البلد. وقد علمنا أنها عزمت على تقديم رواية «صلاح الدين» في القريب العاجل، فنرجو لحضراتهم التوفيق في العمل”.
هذه هي البداية التوثيقية – وفقاً لما بين يدي من معلومات – عن أول فرق مسرحية تزور فلسطين، وتعرض فيها بعض المسرحيات! أما الفرق التي عرضت كثيراً، وزارت فلسطين سنوات طويلة، سنتحدث عنها ابتداء من المقالة التالية، والتي سنتحدث فيها عن فرقة كشكش بك البديل!!


سيد علي إسماعيل