وداعا ثريا جبران .. سيدة المسرح المغربي

وداعا ثريا جبران  .. سيدة المسرح المغربي

العدد 679 صدر بتاريخ 31أغسطس2020

بداية يجب توجيه كل التحية والشكر والتقدير لأسرة تحرير جريدتنا الأسبوعية “مسرحنا” لمبادرتهم المهمة والقيمة بتخصيص الصفحة الأخيرة بالعدد السابق (العدد: 678، بتاريخ 24/8/2020) لكلمة المسرح العربي التي كتبتها الفنانة المغربية القديرة/ ثريا جبران بتكليف من “الهيئة العربية للمسرح” للإحتفال بيوم المسرح العربي في 10 يناير 2013. فبالإضافة إلى قيمة هذه الفنانة الكبيرة ومكانتها المرموقة بالمسرح العربي، وأهمية الكلمة التي تضمنت كثير من الأفكار الإيجابية والمعاني السامية أرى أنها كلمة معبرة جدا عن شخصيتها ونجحت في تلخيص مسيرتها الفنية الثرية، وكشفت عن أغوار نفسها البشرية وانحيازها المبكر للجموع والمهمشين، كما وثقت أيضا لتجريتها المسرحية الثرية. ويكفي لذلك مثالا أن نتذكر كلماتها: (منَحتُ العُمْر للمسرح. ما قضيتُه من سنوات على الخشبات - وفي المسارح المغربيّة والعربيّة والأجنبيّة - أكثر ممّا قضيتُه في بيتي وبين أفراد أسرتي الصّغيرة. اتّخذتُ المسرح مسكنا، وأهل المسرح أهلا، وتهتُ طويلا في النّصوص والشخوص والأقنعة والأحلام والخيال. وكانت سعادَتي في كلّ عمل جديد، وطبعا كان هناك الكثير من الألم في طريقي ... المسرح كائن حيّ ينتبِه إلى التّناقضات فيقولُها، وإلى التّوازنات فيضيئها، وإلى الاعوجاجات فيُعَرِّيها، وإلى الهزائم فيُسَمِّيها ... نحن نمضي، ويبقى المسرح دائما، وسيتَّجِه دائما صوب المستقبل، كاشفا الطّريق، راسما الخطوة أمام النّاس ... عَاش مْسُرحَنا العَربي لمجد الأمة وأفقها وآمالها، عاش ُ أهل المسرح أينما كانوا صَّناعا للجَمال ورَعاة ِ للحرية والحلم والتُّخيِل والفْعل الصادق ألأْمين).
والفنانة القديرة/ ثريا جبران - والتي رحلت عن عالمنا يوم الأثنين الموافق 24 أغسطس (2020) - هى سيدة المسرح المغربي بلا منافسة، واسمها الحقيقي طبقا لشهادة الميلاد: السعدية قريطيف-  من مواليد 16  أكتوبر 1952 بمدينة “الدار البيضاء” وتحديدا بدرب بوشنتوف في عمق” درب السلطان”. ويذكر أنها قد فقدت والدها مبكرا، والتحقت أمها بالمؤسسة الخيرية “دار الأطفال” لتعمل كمربية، وهو ما قادها لاكتشاف هذا المكان، خاصة وأن علاقتها بالدار تجاوزت حدوده كمقر عمل لأمها إلى فضاء تربوي، وازدادت تعلقا به بعدما عاشت فترة طويلة تحت رعاية زوج شقيقتها/ محمد جبران، الذي كان نزيلا بالمؤسسة الخيرية وإحدى الدعامات المسرحية بها قبل أن يتم اختياره ليصبح مسؤولا عن مصحة “دار الأطفال” لفترة طويلة من الزمن (وذلك بعد حصوله على شهادة الدولة في التمريض). لم يكن السيد/ جبران الذي “أعار” اسمه العائلي للسعدية، مجرد متعهد للطفلة وعنصر أساسي في المنظومة التربوية، بل ساهم إلى جانب دوره في المجال الطبي في استقطاب مجموعة من الوجوه المسرحية إلى “دار الأطفال”، كما كان إلى جانب زميله/ عبد العظيم الشناوي من الأوائل الذين اشتغلوا بالمسرح من أبناء المؤسسة الخيرية، في الوقت الذي كان أغلب النزلاء يفضلون ممارسة الرياضة (خاصة لعبة كرة السلة).
بدايتها الفنية: 
تألقت الطفلة “ثريا” على خشبة “المسرح البلدي” وانتزعت تصفيق وإعجاب الجمهور. كانت بدايتها في عالم مسرح الهواة وعمرها لا يتعدى عشر سنوات بالرغم من دورها الصغير في المسرحية. وكانت تحرص على متابعة نبض “الخيرية” من خلال والدتها التي تقاسمها هموم المؤسسة.
اختارت الطفلة سكة المسرح بعد أن شجعها السيد/ عبد العظيم الشناوي على الاهتمام والتخصص في هذا المجال، خاصة وأن أستاذ المسرح المخرج الراحل/ فريد بن مبارك قد قام بتشجيعها على الإحتراف، والالتحاق بمعهد المسرح الوطني بالرباط عام 1969، وذلك بالرغم مما كان يشكله الإنتماء للمسرح من خطورة على صاحبه خلال تلك الفترة، إذ كانت الأعمال المسرحية الجادة الملتزمة يتم تقديمها بمراقبة المخبرين السريين والعلنيين.
ويحسب للفنانة/ ثريا جبران  حرصها على صقل موهبتها المؤكدة بالدراسة، فبعدما مارست هواية التمثيل منذ فترة شبابها المبكر من خلال انضمامها لبعض فرق الهواة، ومشاركتها بعروض فرقتي “القناع الصغير”، “المعمورة” تخرجت في معهد “الكونسيرفتوار” بالعاصمة المغربية الرباط. كما يحسب لها أيضا مشاركتها في تأسيس فرقة “الناس”، وفرقة “مسرح اليوم” الذي ظلت تشرف عليه لسنوات طويلة. ويذكر أنها قد تنقلت خلال مسيرتها المسرحية  بين عدة فرق مسرحية، سواء شاركت فيها كممثلة فقط أو بالتأسيس والإنتاج أيضا، ومن بينها على سبيل المثال لا الحصر: مسرح الشعب، مسرح الفرجة، مسرح الشمس، مسرح الفنانين المتحدين. وجدير بالذكر أيضا أنها قد شاركت عدد كبير من المسرحيين المغاربة في التوقيع على “البيان الأول عن الإحتفالية في المسرح” عام 1976.
والفنانة القديرة/ ثريا جبران إذا كانت تعد سيدة المسرح المغربي بلا منافسة فهي أيضا بالتأكيد سيدة مسرح متميزة من الطراز المتفرد ومن سيدات المسرح العربي اللاتي يمثلن القوة الناعمة  بمسرحنا العربي، وفي مقدمتهن السيدات: سميحة أيوب (مصر)، نضال الأشقر (لبنان)، منى واصف (سوريا)، فاطمة الربيعي (العراق)، قمر الصفدي (الأردن)، مريم الصالح وحياة الفهد (الكويت)، عائشة عجوري الشهيرة بكلثوم، وصونيا مكيو (الجزائر)، رجاء بن عمار وجليلة بن بكار (تونس). 
وتقتضي الحقيقة أن نقرر بأن الفنانة القديرة/ ثريا جبران  ليست مجرد ممثلة مسرحية وسينمائية  قديرة استطاعت أن تتخطى بمهارتها وتميزها حدود المملكة المغربية لتتواصل مع الجمهور العربي في كل مكان بل هى أيضا صاحبة تاريخ نضالي وسياسي مشرف، فهى مناضلة سياسية صاحبة فكر ومواقف واضحة وكان لها دور كبير من خلال مشاركتها بالأحزاب السياسية (وبالتحديد الحزب الإشتراكي)، حيث قررت منذ بداياتها مشوارها الفني أن تنحاز إلى الجموع وأن توظف موهبتها ومهاراتها الفنية التي وهبها الله لها في خدمة مجتمعها وأبناء بلدها - خاصة المهمشين - وكذلك للدفاع عن القضايا العربية بصفة عامة. 
هذا ويضاف لرصيد الفنانة/ ثريا جبران في مجال الريادة أنها أول فنانة (ممثلة) تتولى حقيبة وزارة الثقافة بالوطن العربي (ممثلة) وذلك خلال الفترة من عام 2007 إلى عام 2009 بحكومة السيد/ عباس الفاسي، وإن كان يجب الإشارة إلى أنها ليست أول سيدة تتولى هذا المنصب حيث سبقتها إليه الأديبة/ نجاح العطار الذي ظلت وزيرة للثقافة بالجمهورية السورية لمدة 24 عاما (خلال الفترة من 1976 إلى عام 2000). 
ويجب التنويه إلى أن طريق الوزارة لم يكن ممهدا أمام الفنانة/ ثريا جبران بالرغم من مواقفها المشرفة ومسيرة نضالها المعروفة للجميع، وقربها من “حزب الإتحاد الاشتراكي” عندما كان يحظى بتأييد الأغلبية الشعبية. فهي لم تسلم طوال مسيرتها النضالية من تلك النار التي يلفح لهيبها كل مناضل شريف ينحاز لخطاب الحق ويسعى للتغيير، ويكفي أن نذكر أنها تعرضت يوما ما (أيام إدريس البصري) للخطف وحلق شعرها لثنيها عن المشاركة في البرنامج الحواري الجريء “رجل الساعة” على القناة المغربية الثانية، لكنها خرجت من محنتها وحبسها - بعدما غابت عن الحلقة التي سبق الإعلان عنها - أكثر صلابة وأكملت خطابها التنويري من خلال مسرحياتها، لتعبر وبصوت أقوى فوق خشبة المسرح وتصرخ جهرا بما كان الجميع يهمسون به سرا. وعندما تولت الوزارة هاجمها البعض لعدم حصولها على شهادات عليا وكأن موهبتها المتميزة وتجاربها وخبراتها الطويلة وتاريخها المشرف وحصولها على  وسام الاستحقاق الوطني ووسام الجمهورية الفرنسية للفنون والآداب من درجة “فارس” لم يشفعون لها لتولي ذلك المنصب!!. ومما يدعو للدهشة حقا أن بعض الصحفيين ظلوا يصفون أسلوب عملها بالوزارة بالتلقائية والبحث عن الشعبية ومحاولة استرضاء الجماهير والفنانين، أما هي فكانت تقدم نفسها كوزيرة “بنت الشعب” وكانت تفخر بذلك. ومن المؤسف أيضا أن زميلها في الحكومة وزير الإعلام/ خالد الناصري - والمنتمي إلى حزب تقدمي - سعى إلى إيقاف بثّ مسلسلها الكوميدي على أساس أن الأدوار الهزلية التي تؤديها قد تؤثر على صورتها كوزيرة، وبالتالي قد يتضرر منها الأداء الحكومي، ولكن “ثريا” رفضت بشدة هذا الإقتراح، وصرحت على الفور بأن نظرة هذا الوزير إلى فن التمثيل شديدة السطحية، خاصة وأن مسلسلها الكوميدي عمل إبداعي يعبر عن هموم المجتمع، وبالتالي يمكن أن يساعد أفراد الحكومة في النزول من أبراجهم العاجية للإقتراب من نبض الشارع.
- أعمالها الفنية:
تعددت وتنوعت الإسهامات الإبداعية للفنانة/ ثريا جبران في جميع القنوات الفنية (المسرح، السينما، الدراما التليفزيونية والإذاعية)، وفيما يلي محاولة لتقديم حصر وتصنيف لمجموعة من أهم مشاركاتها الفنية بكل مجال من تلك المجالات، وذلك مع مراعاة اختلاف القنوات الفنية والتتابع الزمني بكل مجال: 
1- مشاركاتها المسرحية:
ظل المسرح هو المجال المحبب للفنانة/ ثريا جبران، فهو المجال الذي تفجرت هوايتها لفن التمثيل من خلاله، كما أظهرت وأكدت موهبتها وتعلمت أصول التمثيل من خلاله بفضل نخبة من أخلص أساتذته. وقد شاركت خلال مسيرتها الفنية الثرية ببطولة عدد كبير من المسرحيات، وجسدت من خلالها عدد من الشخصيات الدرامية المتنوعة سواء التاريخية أو المعاصرة. وتضم قائمة أعمالها المسرحية بالفرق المختلفة العروض التالية: حكايات بلا حدود، أبو حيان التوحيدي، سيدي عبد الرحمن المجذوب، ألف حكاية وحكاية، سوق عكاظ، النمرود في هوليوود، الشمس تحتضر، بوغابة، ونركبو الهبال، ياك غير أنا، إمتى نبدأو إمتى؟، مابغاتش تتحفظ لها، المجانين في بيتنا، امرأة غاضبة، جنان الكرمة، خط الرجعة، العين والمطفية، عود الورد، النساء العالمات، أربع ساعات في شاتيلا.
ويلاحظ أن أغلبية المسرحيات السابق ذكرها كانت لمؤلفين محليين بالمملكة المغربية وأن بعضها تم تقديمه باللغة العربية الفصحي في حين قدمت أيضا عددا كبيرا من العروض الأخرى باللهجة المغربية الدارجة (العامية)، كما يلاحظ كذلك أن بعض المسرحيات السابقة كانت من خلال تعاونها مع المسرحي الكبير/ الطيب الصديقي، ومن أهم مشاركاتها معه دورها في العمل البديع “الإمتاع والمؤانسة” الذي اقتبسه الصديقي عن أبي حيان التوحيدي.
2- أعمالها السينمائية: 
شاركت بتجسيد بعض أدوار البطولة الأساسية وبعض الشخصيات المحورية بعدد من الأفلام السينمائية (برغم عدم غزارة الإنتاج السينمائي المغربي بصفة عامة) ومن بينها: جنة الفقراء، أركانة، جوهرة بنت الحبس، عود الورد، بامو، قصر السوق.
3 - مشاركاتها بالدراما التليفزيونية:
شاركت في عدد كبير من الأعمال التليفزيونية المهمة ومن أهمها المسلسلات التالية: ربيع قرطبة، صقر قريش، وذلك إضافة إلى سلسلتها التلفزيونية الكوميدية: المعنى عليك يا المغمض عينيك.
- ذكريات مسرحية:
بدأت معرفتي بهذه الفنانة القديرة من خلال إعجابي الشديد بحساسية أدائها وقدرتها الرائعة على معايشة الشخصيات التي تقوم بتجسيدها، ومهارتها في التعبير عن مختلف المشاعر النفسية بدقة شديدة، وهي بصفة عامة تذكرنا بأداء الرائعتين/ سناء جميل ومحسنة توفيق. والحقيقة من شدة إعجابي بقدراتها الفنية تمنيت أن تتاح لي فرصة الإقتراب من عالمها والتعرف عليها من قرب، ولكن مرت أكثر من عشر سنوات قبل أن يحقق الله لي أمنيتي وطموحي. وكم كانت سعادتي حينما تحققت الأمنية وبصورة أجمل بكثير مما تمنيت، ففي نهاية شهر يناير عام 2008 حظت مسرحية “الممثلة عاشقة نجيب محفوظ” التي جسدتها الفنانة/ انتصار وشرفت بإعدادها وإخراجها بفرصة تمثيل “مصر” بمهرجان “الرباط الأول للمسرحيات القصيرة”. وكان من المنطقي أن يحظى العرض خلال عروضه الثلاث بالمملكة المغربية باهتمام إعلامي ضخم وكثافة مشاهدة كبيرة، وأن يسعدني الحظ بصورة شخصية بفرصة اللقاء مع عدد كبير من الأصدقاء الذين حرصوا على مشاهدة العرض واللقاء وفي مقدمتهم المسرحيين الكبار: د.عبد الكريم برشيد، د.حسن المنيعي، د.عبد الرحمن بن زيدان، د.خالد أمين، عبد الحكيم بن سينا، عبد المجيد فنيش، يوسف ريحان. وبمجرد اعلاني عن إعجابي بالفنانة/ ثريا جبران - وزيرة الثقافة آنذاك - ورغبتي في لقائها مع زوجها المخرج الكبير/ عبد الواحد عوزري بادر الكاتب المبدع/ عبد الكريم برشيد بتنظيم موعد للقاء، وبالفعل تم تحديد الموعد في اليوم التالي مباشرة وقامت باستضافتي بمكتبها أنا ورفيق الدرب الفنان/ عصام عبد الله (رئيس مجلس إدارة الجمعية المصرية لهواة المسرح)، وذلك برغم كثرة مشاغلها. استمر اللقاء في إطار ودي حميمي وكرم عربي أصيل لمدة ساعة كاملة، وانتهى اللقاء بإصرارها على تكريمي واهدائي درع “مسرح محمد الخامس” بالقاعة الرئيسة بالمسرح، ورفضها القاطع لاقتراح تكريمي بمكتبها - توفيرا للوقت والجهد - وطالبت مدير مكتبها بسرعة التواصل مع الفنان القدير/ عبد الله نسيب مدير عام المسرح ليتولى مهمة استقبالنا وتنظيم جولة لنا بالمسرح إلى حين وصولها بعد ساعتين تماما. وجدير بالذكر أن “المسرح الوطني محمد الخامس” أو “مسرح محمد الخامس” هو أكبر مسرح في المملكة المغربية، وأول مبنى مسرحي تم انشائه بعد استقلال المغرب، وقد تأسس عام 1962 وهو يقع وسط مدينة” الرباط” (عاصمة المملكة المغربية)، وبالقرب من المدينة القديمة وشارع محمد الخامس. كذلك يجب التنويه إلى أن هذا المسرح والذي حظى بعروض كبرى الفرق العربية والأجنبية قد حظى أيضا بحفلات غناء الفنانين الكبار/ أم كلثوم وعبد الحليم حافظ. وبالفعل حضرت الفنانة الوزيرة قبل الموعد المحدد بدقائق وأتمت مراسم التكريم الذي شاركها فيه زوجها المخرج/ عبد الواحد عوزري، والأديب الكبير/ عبد الكريم برشيد، وسفير مصر بالمملكة المغربية الدبلوماسي المتميز/ قدري عبد المطلب.
وبقدر سعادتي بهذا التكريم كانت سعادتي أيضا باكتشاف مدى حب هذه الفنانة الأصيلة بل وعشقها لمصر وأهلها وللفن المصري والفنانين والنجوم المصريين الذين تربطها بعدد كبير منهم صداقات قوية وفي مقدمتهم الفنانين/ سميحة أيوب، فاتن حمامة، نور الشريف، وعادل إمام، وأحمد فؤاد نجم، حيث عبرت عن هذا العشق بوضوح من خلال كلمتها أثناء التكريم وأيضا خلال حواراتنا المشتركة.
وتجيء الفرصة لتنظيم اللقاء الثاني مع هذه الفنانة القديرة في نفس العام وبعد شهور قليلة، حيث بدأنا كلجنة عليا للمهرجانات بالجمعية “المصرية لهواة المسرح” الإعداد للدورة السابعة لمهرجان “المسرح العربي”، والذي نظم بمسرحي الفن (جلال الشرقاوي)، والهوسابير خلال مارس 2008 برئاسة الفنان/ محمود ياسين، حيث اقترح الفنان/ عصام عبد الله تكريم الفنانة/ ثريا جبران ضمن أسماء المسرحيين العشر الذين يتم تكريمهم سنويا (ويمثلون عشرة دول عربية شقيقة)، ولكنني قمت بتطوير الإقتراح بإضافة تكريم خاص، وذلك بالتتويج لثلاثة رموز مهمة بمسرحنا العربي وهم الأساتذة: الأديب سمو الشيخ/ د.سلطان القاسمي الذي قام بتأسيس “الهيئة العربية للمسرح” في نفس العام، ود.فوزي فهمي الذي قاد مسيرة “مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي” لمدة عشرين عاما، والفنانة/ ثريا جبران بوصفها أول فنانة تتولى مسؤولية الوزارة، وبالفعل حظى اقتراحي على الموافقة بالإجماع وتم التواصل الفوري مع المتوجين الثلاث للحصول على موافقتهم، وبادرت الفنانة/ ثريا جبران بالإعلان عن سعادتها الكبيرة بهذا التكريم،  ولكن للأسف حالت الظروف المرضية الطارئة لها من حضور مراسم تكريمها بالقاهرة فأرسلت رسالة رقيقة جدا بالإعتذار مع تمنياتها الطيبة بنجاح الدورة.  
- التكريم والجوائز:
كانت أولى الجوائز التي فازت بها الفنانة/ ثريا جبران هي جائزة التمثيل الأولى للهواة وعمرها لم يتجاوز خمسة عشر عاما، وبعد ذلك ومن خلال مسيرتها الفنية أتيحت لها فرصة المشاركة في تمثيل “المملكة المغربية” بعدد كبير من المهرجانات العربية والدولية، كما فازت بعدد من الجوائز القيمة ومن أهمها:
- جائزة الممثلة الأولى بمهرجان “بغداد المسرحي الدولي” عام 1985.
- جائزة أحسن أداء نسائي بمهرجان “قرطاج المسرحي الدولي”.
كما حصلت على العديد من مظاهر التكريم والدروع والأوسمة ومن بينها:
- وسام الاستحقاق الوطني بالمملكة المغربية. وسام الجمهورية الفرنسية للفنون والآداب من درجة “فارس”. وجائزة الشارقة للإبداع المسرحي العربي. 
- التكريم بالدورة الرابعة لمهرجان “قرطاج المسرحي الدولي” عام 1987.
- التكريم بالدورة الرابعة بمهرجان “القاهرة الدولي للمسرح التجريبي” عام 1992.
- التتويج بالدورة السابعة لمهرجان “المسرح العربي” (الذي نظمته “الجمعية المصرية لهواة المسرح”) عام 2008.
- تكليفها بكتابة رسالة اليوم العربي للمسرح (10 يناير) بتكليف من “الهيئة العربية للمسرح” عام 2013. 
رحم الفنانة القديرة المناضلة/ ثريا جبران، التي كانت بحق ثريا المسرح المغربي والعربي المنيرة، والتي رحلت عن عالمنا عن عمر ناهز 68 عاما في مستشفى “الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان” بمدينة الدار البيضاء بعد صراع مرير مع مرض السرطان اللعين. ولكنها إذا كانت قد رحلت بجسدها فإنها ستظل رمزا من أبرز رموز المسرح المغربي، وإحدى القامات الشامخة بالمسرح العربي، وستظل بذاكرتنا فارسة المسرح بحضورها الطاغي الجميل. وكانت بالفعل - رحمها الله - فنانة من طراز نادر وأيقونة للفن الجاد ويكفي أن بعض عباراتها الشهيرة ستظل جزءا من ذاكرة أجيال من المغاربة، بعدما أضيفت إلى القاموس الجمعي للبلاد، كذلك ستظل في قلوب ووجدان الجميع، بعدما ارتبطت في ذاكرة البسطاء ببراعتها في التعبير عن معاناة المحرومين والمهمشين، وأيضا في ذاكرة الفنانين باهتمامها وحرصها على إعطاء الأولوية للجانب الاجتماعي والخيري، من خلال مجموعة إجراءات مهمة كإصدار قانون الفنان وبطاقة الفنان والتغطية الصحية لجميع العاملين بمجال الفنون.


د.عمرو دوارة

esota82@yahoo.com‏