الرقص مع الحياة .. شهادات وحكايات عن فرقة رضا

الرقص مع الحياة ..  شهادات وحكايات عن فرقة رضا

العدد 673 صدر بتاريخ 20يوليو2020

“الرقص مع الحياة .. شهادات وحكايات ووثائق “ كتاب صدر ضمن سلسلة دراسات الفنون الشعبية 2019 التي يصدرها المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية، بمناسبة مرور60 سنة على تأسيس فرقة رضا, تأليف الكاتب أيمن الحكيم., قدم الكتاب المؤرخ والناقد المسرحي د. عمرو دوارة.
حمل الفصل الأول من الكتاب عنوان (محمود رضا الراقص العاشق) يستعرض نشأته في حي السيدة زينب بين أشقائه التسعة,  وكيف كان معلمه الأول هو شقيقه الأكبر “علي” وكان محمود الصغير يجلس ليتابع بشغف رقصات شقيقه المودرن أو ما كان يُعرف وقتها برقص الصالونات مثل التانجو والتويست والرومبا.. ومن فرط غرامه بالرقص ذهب ليمارس رياضة الجمباز لتجعل جسده أكثر مرونة وفي منتهى اللياقة البدنية، وبرع في الجمباز حتى إنه مثّل مصر بمسابقات الدورة الأوليمبية التي أقيمت في هلسنكي عام 1952  .. كما تعلم رقص الباليه الكلاسيكي و حضر عروض فرق الرقص العالمية التي تزور القاهرة وبينها البولشوي و موسييف أشهر فرقتين للرقص في روسيا..
في سنة 1954 جاءت إلى مصر فرقة رقص أرجنتينية اسمها (آلاريا) فانبهر بها وشارك في عروضها وسافر معهم لكنه عاد إلى مصر مرة أخرى.
يروي الكاتب على لسان الفنان القدير محمود رضا كيف أُسند إليه تصميم رقصات أوبريت “يا ليل يا عين” من إخراج زكي طليمات لصالح مصلحة الفنون والنجاح الكبير الذي حققه. ثم محاولته إنشاء فرقة استعراضية من رعاية مصلحة الفنون, ثم انصراف الأديب يحيى حقي رئيس المصلحة عن الفكرة. وكيف أنه فكر في تكوين فرقة خاصة به يكون المسئول عنها حماه د. حسن فهمي أستاذ الجامعة المرموق بكلية الهندسة، ، الذي برغم حساسية وضعه الوظيفي والاجتماعي وافق على الفكرة وشجعها بل ووافق على انضمام ابنته الصغرى “فريدة “  لتكون راقصة الفرقة الأولى وابنته الكبرى “نديدة”   لتكون مصممة أزياء الفرقة، وتولى مع علي رضا  مخرج الفرقة ومديرها الفني بعض المسؤوليات الإدارية.. وأصبح د. حسن فهمي هو الأب الروحي للفرقة.
كما أوضح كيف كانت التقاليد القديمة تمثل صعوبة واجهت الفرقة في بدايتها وكذلك الصعوبات المالية حيث كان الفنان محمود رضا يمول الفرقة بالجهود الذاتية ,وحتى يغيّر نظرة المجتمع للرقص ويحسن سمعته القديمة كيف كان حريصًا على أن يختار راقصي الفرقة من طلاب الجامعة وخريجيها، بالتوازي مع المعايير المهنية مثل اللياقة البدنية العالية.
ثم يصف نجاح الفرقة في أولى حفلاتها بمسرح الأزبكية في 6 أغسطس 1959. وحسن استقبال الناس للفرقة بعد أن كتب عنها كبار الصحفيين، حيث يقول الفنان القدير محمود رضا: وكان أكبر نجاح لنا في رأيي أن جمهورنا أصبح فيه عائلات كاملة, وكانت الفرقة تستعين في  حفلاتها الأولى بأسماء نجوم مطربين معروفين مثل كارم محمود وشهرزاد والثلاثي المرح، ثم انضم إليها بعد ذلك الملحن علي إسماعيل. وتعرضت الفرقة لهزة مادية بعد عودتها من عرض حفلات بألمانيا, مما هدد استمرارها لكن تدخل الرئيس جمال عبد الناصر لتأميم الفرقة ورعاية فرق التليفزيون لها.. مما أتاح لها فرصة الاستمرار مرة أخرى. وقد شهد عام 1961 ضمها للفرق الفنية للدولة ، وأصبح لها مقرا ثابتا في مسرح البالون وزادت الإمكانيات الفنية والمادية للفرقة مع زيادة عدد الراقصين والعازفين. كما أتيح للفرقة أن تقدم عروضها في حضرة الرئيس احتفالا بضيوف مصر من كبار زعماء العالم وقادته، كما أتيح لها أن تطوف دول العالم، شرقه وغربه، تقدم الرقص المصري وتنتزع التصفيق والإعجاب، وتتحول من مجرد فرقة للرقص إلى أيقونة من أيقونات الفن المصري الأصيل المعبر عن الروح والهوية المصرية.
ثم يستعرض المؤلف أيمن الحكيم في هذا الفصل قصة معاناة الفنان محمود رضا مع وزراء الثقافة المتتاليين ومحاربتهم الفرقة ونجاحاتها حتى خروجه إلى المعاش عام 1990. وقد كان محمود رضا يرفض معاملته كموظف ويرفض الروتين الحكومي الذي يقتل الإبداع.
في الفصل الثاني بعنوان “حكايات فريدة” يعرض الكاتب حكايات على لسان الفنانة فريدة فهمي تتحدث فيها عن نشأتها وعلاقتها بالرقص,حيث تقول إنها لم تكن أقل جنونا بالرقص من علي ومحمود رضا، وكانت تشارك في حفلات ومسابقات الرقص بالنادي، وكان والدها يشجعها وينمي فيها هذه الهواية ويرى في الرقص فن  راق، وتتحدث فريدة فهمي عن محمود رضا قائلة: والحق أنه قام بالدور الأكبر والأهم في تأسيس الفرقة واختيار أعضائها وتصميم رقصاتها، وكان هو العقل المدبر والمحرك، في حين تولى علي  مسائل الإدارة وحل المشاكل، وكان يمتلك حلولا سحرية مستعينًا بخبراته وصلاته داخل الوسط الفني, وبحكم خبرة شقيقتي في الرسم والفنون الجميلة فقد أسندوا إليها مهمة تصميم ملابس الفرقة.
 وتشجيع والدها لها تقول: أنا أدين بالفضل في صناعة شخصيتي لهذا الرجل الجميل، الذي منحني مساحة من الحرية سابقة لزمنه ومجتمعه، ولم يشعر بخجل من موهبتي في الرقص، بل شجعها ونمَّاها وتحمل في سبيلها الكثير من المتاعب، وتحكي  عن اختفاء الملحن علي إسماعيل قبل  العرض الأول للفرقة :
لم تعد سوى أيام قليلة تفصلنا عن موعد العرض، لكن علي إسماعيل اختفى ولم يظهر ولم يأت بالموسيقي والنوت، ووقعنا في ورطة، وذهب علي ومحمود رضا يبحثان عن علي إسماعيل حتى استدلا على بيته، وعرفا أنه يلازم ابنه حسين في المستشفى بعدما تعرض لحروق شديدة بسبب انسكاب الماء المغلي على جسده، وفوجئا عندما وصلا المستشفى بعلي إسماعيل يجلس بجوار سرير ابنه وهو منكب على كتابة النوت الموسيقية الخاصة برقصات الفرقة، وفوجئا بأنه جاء بأفراد الفرقة الموسيقية وأجرى بروفات في المستشفى، وأنه جاهز للعرض، وتصل الدهشة إلى منتهاها عندما رفض علي إسماعيل أن يتقاضى أي أجر من الفرقة رغم كل الجهد الذي بذله !..
قالت فهمي: طفنا في تلك السنوات قارات العالم، نقدم الفن المصري ونحظى بتقدير الدنيا وتصفيقها.. رقصنا في أكبر مسارح العالم وأشهرها.. رقصنا في الأوليمبيا  أكبر مسارح باريس قبل أن تقف عليه أم كلثوم لتحيي حفلها الشهير بسنة..و رقصنا في البرت هول أعرق مسارح لندن..
و على مسرح بيتهوفن في ألمانيا.. وفي مسرح هيئة الأمم المتحدة بأمريكا.. بل ورقصنا في أفغانستان..
وأوضحت أن  النظام الذي وضعه محمود رضا في إدارة الفرقة كان السبب الأول لنجاحها واستمرارها، وان القواعد التي أرساها لم تكن تقل كفاءة عن الموجود في أنجح الفرق والمؤسسات الفنية في الدول الكبرى.. أذكر مثلا أن موعد البروفة اليومية للفرقة كان مقدسًا، عندما تدق الساعة السادسة يكون جميع أفراد الفرقة بلا استثناء حاضرون وجاهزون، وفي السادسة وخمس دقائق تغلق أبواب صالة التدريب ولا يسمح لأحد بالدخول أيًا من كان، والمتأخر يوقع عليه عقابًا فوريًا صارمًا!ولم تكن هناك أي استثناءات، لا نجمة الفرقة ولا نجمها، وكنت مجبرة على أن أكون قدوة لراقصات الفرقة، أحضر قبل موعد البروفة، أخفف مكياجي، ألتزم بالتعليمات.. كنت مدركة أن الجميع ينظر لي، ولا بد أن أكون مثلا يُحتذى.
ويتناول الفصل الثالث الموسيقار علي إسماعيل من خلال الحوار مع ابنته شجون ، حيث ساهمت موسيقى علي إسماعيل في النجاح الهائل الذي حققته فرقة رضا، وأصبح من أعمدتها، وطاف معها العالم، وتولى مهمة وضع الألحان والموسيقي التصويرية للأفلام السينمائية التي قامت ببطولتها الفرقة مثل غرام في الكرنك، إجازة نص السنة، وابتكر علي إسماعيل الطريقة الأصعب في وضع موسيقى الرقصات، حيث  كان المعتاد أن يضع هو الموسيقى وبناء عليها تصمم الخطوات، ولكنه قرر أن يعكس الآية، ويترك محمود رضا يضع الخطوات ثم يضع هو الموسيقي، لأنه كان يريد أن يستلهم الإحساس وتكون الموسيقى حية وليست قطعًا مصمتة مهما كانت روعتها !    
أما الفصل الرابع فقد تناول فيه المؤلف الفنان نبيل مبروك أقدم مدربي الفرقة وراقصيها الذي يحكي عن قصته مع الرقص وارتباطه بفرقة رضا وحكاياته معها وذكرياته فيها  ومنها يقول: كان محمود رضا هو دينامو الفرقة، ضحى بالكثير من أجل تأسيس الفرقة، كان يصرف عليها من جيبه في شهور التحضير، و كان يعمل وقتها محاسبًا في شركة شل.. يقبض مرتبه و يوزعه علينا، كان يعطي كل واحد من الراقصين الأربعة عشر خمسة جنيهات، يعني على الأقل تكفيه مواصلات، والخمسة جنيهات وقتها كانت مبلغا معتبرا.. ولما بدأنا حفلات الفرقة كان يعطي كل واحد 15 جنيها من إيراد الشباك..
وعن أصعب موقف واجه الفرقة يقول:  أصعب موقف عشناه لما كنا نعرض في الإسكندرية في بدايات الفرقة، وأثناء العرض وصلنا خبر وفاة نديدة  فهمي زوجة محمود رضا الأولى وشقيقة فريدة، وكانت هي مصممة أزياء الفرقة، وكانت تعانى مرضًا خطيرًا ولم تستطع أن تحضر العرض فبقيت في حجرتها بالفندق، وماتت ونحن على المسرح، وأربكتنا دموع محمود عندما وصله الخبر واضطر علي إسماعيل لوقف العزف والعرض، وتحول العرض في تلك الليلة إلى محزنة.
كان محمود رضا يعتبر نبيل مبروك هو ذراعه اليمنى، يعتمد عليه كثيرًا، ويحل محله على المسرح في حالة غيابه، وحدث أن أصيب نجم الفرقة وقائدها بمرض في وجهه فأدى نبيل مبروك رقصاته مع فريدة فهمي، وفي واحدة من تلك الغيابات جاءت فرقة الصين للفنون الشعبية للقاهرة.. ولما كان هناك بروتوكول لتبادل الزيارات والرقصات مع فرقة رضا، فقد تقرر أن يؤدى الراقصون الصينيون رقصة من رقصات الفرقة المصرية اسمها “غزل” يقوم فيها ثلاثة شبان بمعاكسة فتاة جميلة وهي تحمل البلاص.. أما فرقة رضا فكان عليها أن تؤدي رقصة صينية، يقوم فيها الراقص بالإمساك بشريط أحمر طويل ويحركه باهتزازات سريعة وقوية ومنظمة، ورغم بساطة الرقصة فإنها كانت الرقصة الأصعب التي يؤديها نبيل مبروك طيلة مشواره. رافق  محمود رضا في جولاته التي طاف فيها محافظات مصر باحثا عن رقصاتها الشعبية.. فمن مطروح مثلا جاء بالحجالة، ومن الشرقية العتبة جزاز، ومن سيوة جاء بأشهر رقصاتها.. وتولى محمود رضا فيما بعد عمل كريوجراف  لتلك الرقصات وتقديمها بشكل علمي محترف.. ولا ينسى نبيل مبروك ذلك.
أما الفصل الخامس فحمل عنوان أحمد عثمان الصحفي الراقص، يقول عنه المؤلف :  لا يمكن أن تصدق أن هذا الباحث والمفكر الذي أفنى عمره في الغوص في تاريخ مصر القديمة، وأثار كل هذا الجدل بآرائه في علم المصريات، وآخرها أن مومياء الوزير يويا الموجودة في المتحف المصري هي نفسها لنبي الله يوسف، مقدمًا الأدلة والبراهين التي تثبت صحة هذا الاكتشاف المثير.. لا يمكن أن تصدق أن هذا الرجل الذي بدأ حياته صحفيًا في أخبار اليوم وكاتبًا مسرحيًا واعدًا و تلميذًا مقربًا من كامل الشناوي واضطرته ظروفه للهجرة إلى لندن منذ العام 1964 هو بذاته أحد مؤسسي فرقة رضا ومن آبائها الراقصين، ومن أوائل من اختارهم محمود رضا ليبدأ بهم عروض الفرقة.
ويحكي أحمد عثمان عن تجربته قائلا : كانت تجربة فرقة رضا نقلة فنية حضارية كبيرة، حيث أصبح المصريون – مثل باقي شعوب العالم – لا يخجلون وهم يرقصون حتى إن الجماهير المصرية الآن صارت ترقص وتغني في الشوارع تعبيرًا عن فرحتها، حتى في المناسبات السياسية. إلا أن الفرقة شاخت الآن ولم تتطور وأصبحت الرقصات الحرة التي يؤديها الشباب الآن في الفيديو كليب أكثر تعبيرًا عن مشاعر الشباب ولم تعد محصورة – لا في الرقص البلدي – ولا في الرقصات الشعبية، كما أنه للأسف لم يعد لدينا مسرح استعراضي يقدم الأوبريت .
الفصل السادس تناول فيه المؤلف الفنانة محاسن حسن من الجيل الأول لفرقة رضا والتي تسرد حكاياتها مع الفرقة ومن ضمنها تقول: كنت من بين الراقصات الأوائل للفرقة، مع فيفي وهدى وإيلين وفريال وباتريشا وسميرة ونوال..  و في المقدمة فريدة فهمي راقصة الفرقة ونجمتها، التي  لها كاريزما خاصة وبمجرد دخولها إلى المسرح تخطف كل الأبصار.تابعت: بعد ستة شهور من انضمامي للفرقة تزوجت من أحد أبرز راقصيها وهو نبيل مبروك،  وبدأت رحلتي الطويلة التي استمرت 15 سنة ، طفت فيها العالم مرتين، وعشت مع الفرقة  في قصور تمتعنا فيها بكل الأبهة والفخامة والترف، وجاء علينا وقت لم يكن معنا ثمن الطعام، فكان د. حسن فهمي الأب الروحي للفرقة يجلس بنفسه ليعد لنا ساندوتشات الجبن بالطماطم، لم يكن هناك غيرها، ورغم ذلك لم نفقد متعتنا وحماسنا وإيماننا بالفرقة أبدا.
ويأتي الفصل السابع بعنوان “فرقة رضا على شاشة السينما أفلام واستعراضات وحكايات”, ليقدم لنا فيه الأستاذ أيمن الحكيم تفاصيل ظهور فرقة رضا في الأفلام السينمائية مقسما إياها إلى نوعين :
الأول: علاقة فردية مستقلة، وهي تخص ثلاثة من نجوم الفرقة على وجه التحديد: علي رضا حيث اشترك في أفلام . أحلام الشباب – أول نظرة – يحيا الفن – إلهام –رقصة الوداع – أغلى من عينية – سجين ابو زعبل – الحب الصامت – إسماعيل يس بوليس حربي،  إضافة للأفلام التي ساعد فيها في الإخراج والأفلام التي أخرجها.
ثم فريدة فهمي التي  اشتركت في أفلام : فتى أحلامي – غريبة- إسماعيل يس بوليس حربي- الأخ الكبير – ساحر النساء - جميلة – أسياد وعبيد.
فيما شارك محمود رضا كراقص بعيدا عن الفرقة في  (أحبك أنت – بابا أمين 0 عروسة المولد – أغلى من عينية – قلوب حائرة – فتى أحلامي – ساحر النساء –غريبة – عفريت سمارة – قبلني في الظلام – وفاء للأبد – حب للجميع –غرام في الطريق الزراعي – كفاني يا قلب. إضافة للأفلام التي قام بتصميم رقصاتها وهي  (الرجل الثاني – أضواء المدينة – مولد يا دنيا)
أما  العلاقة الجماعية فتخص الفرقة والأفلام التي شاركت فيها بشكل جماعي. وهي : أجازة نص السنة وغرام في الكرنك وحرامي الورقة.
وفي الملاحق يضع المؤلف قائمة برقصات فرقة رضا وقائمة ذهبية لأهم الراقصين والمدربين والمصممين والملحنين ومؤلفي الأغاني والمطربين وقائدي الأوركسترا ومصممي الديكور والملابس ومديري الفرقة ثم ملحق بأهم المسارح العالمية التي رقصت عليها الفرقة وأبرز الشخصيات السياسية العالمية التي شاهدت عروض الفرقة وأبرز الدول التي زارتها وأهم رحلاتها. ثم يستعرض أهم الجوائز التي حصلت عليها.


أحمد محمد الشريف

ahmadalsharif40@gmail.com‏