للمسارح ..حكايات وأسرار(6)

للمسارح  ..حكايات وأسرار(6)

العدد 670 صدر بتاريخ 29يونيو2020

كل مسرح له حكايات وأسرار, ليبقى شاهدا على تاريخ المسرح بكل عروضه ومسرحياته ومبدعيه مخرجين وممثلين وفنيين, فكم من نجوم تألقوا  ومخرجين أبدعوا لا تعرف الأجيال اللاحقة عنهم وعن إبداعاتهم شيئا, والفن هو عملية إبداعية تراكمية, من هنا رأينا أن نسلط الضوء على بعض من أهم دور العرض المسرحي بمصر بداية انتقاء بالمسارح القائمة والفاعلة حاليا, كمجرد نماذج حتى استكمال الباقين  في مجال آخر, وذلك من حيث نشأتها وتاريخها وإمكانياتها ومتطلباتها ومشاكلها التقنية إن وجدت, وأهم المبدعين الذين تألقوا بها. وسيكون ذلك على عدة حلقات وفي نهاية الحلقة الأخيرة سوف أذكر قائمة المصادر والمراجع التي تمت الاستعانة بها.
مسرح السامر
يطل مسرح السامر على كورنيش النيل بحي العجوزة بمحافظة الجيزة. على نفس أرض البالون والسيرك القومي وهي في الأصل ملك للحكومة الإيطالية ومازالت حتى الآن ملكا لها. وقد أقام عليها الراحل الفنان السيد بدير ناديا للتزحلق على الجليد, وكان رواده من الجاليات الأجنبية بمصر. لكن النادي لم يستمر  ففي عام 1971 شيد مسرح السامر بقرار من السيد الرئيس الراحل أنور السادات. وكان المخرج عباس أحمد هو أول مدير لفرقة مسرح السامر. وتم بناء السامر على غرار مسرح البالون وتم الاستعانة بالفائض من أقمشة غطاء مسرح البالون لتغطيته. وكان قد شيد ببدائية شديدة. وكانت صالة الجمهور تسع ألف متفرج. لكنه استمر سنوات طويلة أقيم عليه فيها أنشطة كثيرة ومهرجانات كبيرة لهيئة الثقافة الجماهيرية وكان أشهرها مهرجان المائة ليلة.
ورغم أن المسرح يحمل اسم السامر إلا أنه تم تصميمه على شكل العلبة الإيطالية دون أي اعتبار لفلسفة وفكر السامر الشعبي الذي يجب عليه أن يحمل لواءه. وذلك لعدم الاستعانة بخبراء مسرحيين لتشييده. ومبنى السامر كان يضم إدارة المسرح, إدارة الأقاليم, إدارة الفرق المركزية, وإدارة السامر, وفرقة الآلات الشعبية, وكان هو المنفذ الوحيد لفرق الثقافة الجماهيرية.
وقد احترق مسرح السامر بعد تأسيسه  بأربع سنوات، لكن تم إعادة بنائه وقد بذل الراحل سعد الدين وهبه  مجهودا كبيرا جدا  في إعادة ترميم وبناء مسرح السامر بعد عدة شهور من حريقه. ولم يحدث به أية تعديلات أو تجديدات بعد ذلك. ثم تم إعادة افتتاح المسرح بمسرحية “عاشق المداحين” من تأليف يسري الجندي وإخراج عبد الرحمن الشافعي حيث كانت قد قدمت الفرقة قبل هذا التاريخ ما يقرب من العشرين عملا مسرحيا وبعد افتتاح السامر بعاشق المداحين قدم الأستاذ عبد الرحمن الشافعي “يا عين صلي علي النبي” ثم “الناس اللي خافت من الفلوس”.
 الذي قدم من خلالها أهم عروض المسرح الشعبي المأخوذة عن السير الشعبية لشوقي عبد الحكيم ويسري الجندي وتولي الثاني إدارة فرقة السامر وهو الذي كان شاهداً على إخلاء  المسرح وفشلت كل محاولاته في المقاومة وما تبقي أيضاً من السامر أنه قدم  خلال السبعينات والثمانينات مئات العروض.
في عام 1980 بدأت الفرقة في التعامل مع المخرج عبد الغفار عودة الذي قدم مسرحية “آن الأوان” أو “النسر الأحمر” ثم بعده مسرحية “شبيك لبيك” لرؤوف الاسيوطي ثم “الناديين في هوجة الزعيم” وبدأت في التعامل مع المخرجين الكبار مثل عباس أحمد وسمير العصفوري وكمال يس والمخرجين الشباب في هذه الفترة مثل ناصر عبد المنعم وسلامة حسن وصالح سعد وعصام السيد وسامي طه وعبد الستار الخضري ومن أبناء الثقافة الجماهيرية حافظ أحمد حافظ وإميل جرجس وحسن الوزير وغيرهم. ومن الممثلين الذين قدموا عروضا على خشبة مسرح السامر سواء كانوا نجوما أو كانوا شبابا برزوا من خلالها: محيي إسماعيل وأحمد مرعي ورجاء حسين وإبراهيم عبد الرازق وحمدي حافظ ويونس شلبي وحمدي الوزير  وعبد الوزير وهناء الشوربجي وغيرهم الكثير.
 من أهم العروض التي قدمت على خشبة مسرح السامر: اليهودي التائه, أدهم الشرقاوي، على الزيبق، شفيقة ومتولي، أبو زيد الهلالي، أيوب وناعسة، البعض يأكلونها والعة، زعيط ومعيط، اليهودي التائه، شكوى الفلاح الفصيح، حكاية من وادي الملح،  الزوبعة، الهلافيت، رسول من قرية تميرا، باب الفتوح، حسان وكلمة الموال،  راجل بميت ألف،  العمر لحظة، الأرض، الدخان،  لعبة الزمن، جحا باع حماره،  مولد يا سيد، الشحاتين، ليلة في قصر الرشيد،  القصير، حكاية قابيل وهابيل، مدرسة العساكر، عنتر في الساحة، تحت التهديد، سلطان زمانه “ وعرض عاشق المداحين عن الشاعر بيرم التونسي الذي كتبه يسري الجندي وأخرجه عبد الرحمن الشافعي وكان أول عرض يحضره الرئيس السادات وينقله التليفزيون المصري على الهواء مباشرة، ومن أسماء هذه العروض نعرف أن السامر قدم كبار الكتاب محمود دياب ميخائيل رومان، يسري الجندي، عبد الرحمن الشرقاوي، أبو العلا السلاموني.
 كانت خشبة مسرح السامر خشبة كبيرة بمقاييس الخشبات المتعارف عليها وكان لها سوفيتا عالية فكانت خشبة مسرح كاملة وخلفيتها غرف للممثلين. كما أنه كان يعاني للأسف من تبدد صوت المؤديين والممثلين في الهواء لضعف التقنيات به. كان يوجد في منطقة كورنيش العجوزة ثلاث خيمات السامر والسيرك والبالون وكان السامر أشبه بالبالون قبل تجديده وعمل الخيمة الفيبر الحالية. كان مدخل المسرح عبارة عن باب يطل على كورنيش النيل يليه عدة درجات ثم مساحة فارغة غير مستغلة تم وضع فيها تمثال لزكريا الحجاوي, وعلى يمنها ويسارها غرفا لموظفي الإدارات, ثم سلم أيمن يؤدي إلى غرفة مدير المسرح, وسلم على اليسار يؤدي على الكافيتيريا ودورات المياه, وبين هذين السلمين بابين يؤديان إلى صالة العرض.  وكان مسرح السامر يعد من ضمن المسارح الكبيرة بمصر حيث كانت تقام عليه حفلات أضواء المدينة وكثير من برامج التليفزيون كانت تستخدمه بديلا عن ا?ستوديو. وكانت دائما تقام عليه مهرجانات الثقافة الجماهيرية وخصوصا مهرجان المائة ليلة مسرحية. للأسف لكنه هدم بعد زلزال 1992 أثناء مسرحية “ سلطان زمانه”  تأليف يسري الجندي وإخراج عبد الرحمن الشافعي وبعد أن قدم العديد من العروض المسرحية المصرية المؤثرة في المجتمع المصري. ويشكك معظم المعاصرين في نية إزالة مسرح السامر برغم أنه لم يتأثر بالزلزال حيث أنه ليس مبنى تقليدي لأنه خيمة. وقد ظل مهملا وظل حسن علام يستغله كمخزن لمعداته حتى صدر قرار الرئيس الأسبق مبارك بعودته عام 2010م. وقدمت عليه مسرحية “ابن عروس” 2011م.
وفرقة السامر ليست وليدة وقتها بل هي الفرقة الكبيرة والمحترفة بالثقافة الجماهيرية وهي صاحبة التاريخ الكبير في تقديم أعمال التراث الشعبي والكوميديا الشعبية وغالبية الأعضاء من خريجي أكاديمية الفنون وأقسام المسرح بكليات الآداب وكذلك أوائل الدفعات. أنشئت فرقة السامر سنة 1971 وكانت وقت ذاك تحمل اسم الفرقة النموذجية كونها تضم أسماء كبيرة من النجوم وعلي سبيل المثال لا الحصر الفنانين أحمد زكي ويونس شلبي وعلي الغندور وهناء الشوربجي وحمدي حافظ وفكري أباظة وحياة قنديل وكثيرا من النجوم المتألقين في السبعينات. أيضا كانت تضم أفضل العناصر المسرحية والمتألقين بالأقاليم المصرية من حيث التمثيل وعمل لها في هذه الفترة عدد كبير من المخرجين منهم عباس أحمد وعبد الرحمن الشافعي وحسن عبد السلام  كذلك الفنان الراحل علي الغندور و ناجي كامل .
وقد تولى إدارة مسرح السامر عدد من المخرجين بدءا من المخرج عباس أحمد مرورا بحسن عبد السلام وعبد الرحمن الشافعي ومحمد سالم ويسري الجندي وغيرهم.
ووصولا إلي اليوم تكون الفرقة قد قدمت ما يقترب من أكثر من مائتي عمل وشاءت الأقدار أن تتعثر الفرقة في سنواتها الأخيرة لسبب سوء الإدارة وعدم فهم سيكولوجية الفرقة او الإيمان بمنهجها والعمل علي تقديم أعمال من التراث الشعبي وأعمال تحتمل الحداثة والمعاصرة ولكن لم يكن ذلك السبب الوحيد.
إنما هناك السبب رئيسي والذي يحبط خطط الإنتاج السنوي للفرقة أن مسرح السامر غير جاهز وغير صالح ليستقبل عروض الفرقة وكلما جرت محاولات لتقديم عروض عليها تكون التكلفة عالية حيث تحتاج إلي فراشة تظل بالمكان لفترة أكثر من شهر مما يحمل الدولة وهيئة قصور الثقافة عبئا كبيرا مما يضطر القائمين عليه للبحث عن أماكن بها دور للعروض المسرحية ولاسيما بالعاصمة فأحيانا تصيب وأحيانا تخفق وبالتالي  تؤجل الأعمال مما يساعد علي تأخر الفرقة. وربما كان هذا السبب  الرئيسي في تعطل الفرقة وعطل مسرح السامر في الفترة السابقة إلا من تواجد أعضاء  الفرقة وإدارتها أي أصبح مجرد مقرا لالتقاء الأعضاء وإنما الفرقة لا تملك دار عرض لتقديم أعمالها.
على سبيل المثال في عام 2018 كان لدى فرقة السامر ثلاث أعمال في الخطة هذا العام المالي. ولم تتمكن الفرقة إلا من تقديم عرض واحد ناجح وهو عرض مسرحية (مُرَّة) علي خشبة مسرح مركز الجيزة الثقافي برغم عدم صلاحيته للعرض والذي أفقد العرض الكثير من المشاهدة ولكن لم تتمكن الفرقة من تقديم العرضين التاليين وهما (بتول) والآخر (بروفة فيلم عربي) لعدم وجود مسارح بالعاصمة واقترح الفنان جلال العشري مدير عام مسرح السامر في ذلك الوقت التجوال بالمحافظات برغم تكلفته من إقامة واعاشة وما إلى ذلك.
ولكن السيد رئيس الهيئة حينها د. أحمد عواض وعد بتجديد مسرح السامر, وأيضا أكد علي ذلك نائبه الفنان القدير هشام عطوة وبالفعل جاءت نخبة كبيرة ذات مستوي رفيع وعاينت المكان علي أن يتم تجديده من خلال العام المالي 2019/2018. وظلت فرقة السامر حتى كتابة هذه السطور تعاني من عدم وجود مسرح لتقديم أعمالها.
الوضع الحالي للمسرح معطل منذ سنوات حيث أن الخشبة متآكلة  والحديد تآكل بفعل الصدأ, ودورات المياه متهالكة, وأيضا بلا كهرباء و ? يوجد عداد للكهرباء, وفشل الجميع فى تركيب عداد أو العمل بنظام الممارسة ويتم تأجير  مولد كهربائي وقت العروض. وقد جرت محاولات لتجديده من قبل عدة سنوات وفشلت. ويظل أبناء مسرح السامر في انتظار  إما توفير مسرح بديل أو إعادة تشغيله. والخطط المسرحية تبقى معطلة تنتظر الإفراج لتظهر للنور.


أحمد محمد الشريف

ahmadalsharif40@gmail.com‏