التفاصيل المجهولة لأول معهد مسرحي في مصر (16) العام الدراسي الأول بقاعة المحاضرات

التفاصيل المجهولة لأول معهد مسرحي في مصر (16) العام الدراسي الأول بقاعة المحاضرات

العدد 666 صدر بتاريخ 1يونيو2020

الساعة الرابعة والنصف عصراً، من يوم السبت الأول من يناير 1932، هو موعد وتاريخ افتتاح «قاعة محاضرات فن التمثيل» بالمدرسة الإبراهيمية الثانوية بباب اللوق!! وفيه اجتمع ناظر المدرسة – الأستاذ محمد حسين محمد - بطلاب القاعة، وظل نصف ساعة يوجه إليهم النصح والإرشاد، والحث على وجوب التمسك بالأخلاق الحميدة، والمواظبة على حضور المحاضرات!! فهو يعلم علم اليقين أن تصرفات بعض الطلبة والطالبات، كانت السبب المباشر في غلق المعهد وتحويلة إلى قاعة محاضرات!! كما يعلم هذا الناظر أيضاً أن وزير التقاليد يتربص بهذه القاعة، وينوي إغلاقها مثل المعهد الموءود!!
المحاضرات الأولى
أول محاضرة تلقاها الطلبة المستجدون في أول يوم دراسي، كانت في مقرر «الأدب المسرحي» للأستاذ «علي عبد الواحد»، وكانت محاضرة تعريفية، طلب الأستاذ من كل طالب ذكر اسمه وبلده وعمره واللغات الأجنبية التي يعرفها. ثم جاء وقت المحاضرة الثانية للأستاذ جورج أبيض أستاذ الإلقاء والإخراج، فذهب الطلاب إلى ردهة واسعة، صُفّ فيها عدد كبير من المقاعد، وعند دخول الأستاذ أبيض قُوبل بعاصفة شديدة من التصفيق، وقد تحدث معهم في هذه المحاضرة عن فن الإلقاء .. هكذا وصفت لنا جريدة «أبو الهول» اليوم الدراسي الأول.
وبعد مرور أسبوعين تابعت الجريدة الدراسة في القاعة، وعلمنا منها أن الأستاذ صفوت – أستاذ مادة اللغة العربية – بدأ يحاضر الطلبة بتفسير كتاب «نهج البلاغة»، وأشارت الجريدة “إلى إعجاب الطلبة الشامل بطريقته في المحاضرات وآدابه العالية وثنائهم عليه”. أما محاضرات جورج أبيض، فقالت عنها الجريدة: “وطريقة الأستاذ أبيض في محاضرات الإلقاء، أن يحلل الطلبة قطعاً مختارة من روايات تمثيلية، كقطعة الخنجر من رواية «مكبث»، وقطعة من رسول القيصر من «أوديب الملك»، ثم يطلب إليهم أن يلقوها أمامه، كل بمفرده، ويصلح أخطاءهم في الإلقاء”. أما محاضرات زكي طليمات، فتمثلت في محاضرتين، الأولى «كيفية إخراج الصوت»، وهي المحاضرة نفسها التي تحدثنا عنها من قبل أثناء حديثنا عن محاضرات «معهد فن التمثيل»، والمحاضرة الأخرى، كانت بعنوان «كيف تخرج دورك»، وذكرت الجريدة محاورها الأساسية، التي ذكرها طليمات، وهي: “لكي يخرج الممثل دوره ينبغي اتباع ما يأتي: أولاً، أن يقرأ الرواية حتى يفهمها. ثانياً، أن يقرأ دوره ودور الممثل الذي أمامه، فكثيراً ما يكون كلام الذي أمامه مكملاً لشخصيته. ثالثاً، أن يحفظ دوره حفظاً جيداً. رابعاً، أن يقسم جُمل الدور حسب المعاني، وحسب قدرته على التنفس. خامساً، أن يعمل عدة بروفات بالملابس التي ستمثل بها الرواية، فكثيراً ما تحتاج الملابس إلى حركات جديدة”. أما الأستاذ علي عبد الواحد، فقالت عنه الجريدة: “إلى اليوم الذي نكتب فيه هذا، لم يبدأ الأستاذ علي عبد الواحد محاضراته عن «تاريخ الأدب المسرحي»! ففي أول يوم لاجتماع الطلبة في القاعة، أعلن الأستاذ أنه مضطر أن يحذو حذو الدكتور طه حسين في البدء بمحاضرات عن سوفوكليس واكتفى بذلك. وفي يوم السبت الماضي أعلن اعتذاره، واستبدلت محاضرته بمحاضرة في اللغة العربية”.
وبعد مرور شهر من الدراسة، شعرت إدارة القاعة باستحالة استمرار الدراسة لهذا العدد الهائل من الطلبة المستجدين – 130 طالباً – لذلك قررت تصفية هذا العدد، وتحدثت جريدة «أبو الهول»، حول هذا الأمر في فبراير 1932، قائلة: “ قررت إدارة القاعة عمل تصفية لطلبة السنة الأولى لتقليل عددهم، وستكون هذه التصفية على أساس فصل الطلبة الذين ثبت غيابهم عن الحضور مرات متعددة. وعندنا أن هذا أساس لا يصلح للسير عليه. فقد يكون بين المتغيبين من هم أصلح فنياً لتعليم التمثيل من المواظبين على الحضور. وفوق ذلك فللغائب عذره ويجب أن تُعطى له الفرصة لتقديم هذا العذر وإثبات شرعيته. وخير أساس يصلح لهذه التصفية هو امتحان عام لطلبة السنة الأولى، ولا سيما فيما يختص بكشف الهيئة. فما زلنا نقول إن كثيرين منهم لا يصلحون شكلاً البتة لأن يكونوا ممثلين. وإلى جانب هؤلاء يوجد كثيرون تعدوا سن التعليم، أو صغار جداً لا يفهمون من التمثيل إلا أنه لعبة صبيانية أو عرائس خشبية، فهم لا يفهمون ما يُلقى عليهم من محاضرات. ويرجع السبب في ذلك إلى أن إدارة القاعة أباحت تقديم طلبات الانضمام دون قيد ولا شرط ولا تحديد سن أدنى وسن أقصى. ودون اعتبار لدرجة التعليم عند الطالب الذي يريد أن يكون في المستقبل أستاذاً للجمهور. وهذا خطأ مازال في الإمكان ملافاة نتائجه”.
الامتحانات ونتائجها
جاء شهر مايو، وهو شهر الامتحانات، ومنذ بدايته بدأت الصحف تنشر القرارات والأخبار المتضاربة، التي تعكس حقيقة واضحة وجلية، وهي أن مصير هذه القاعة، سيكون مثل مصير «معهد فن التمثيل»!! فقد قيل إن الامتحانات – برئاسة ناظر المدرسة الإبراهيمية - ستكون شفوية في مواد الإلقاء وحرفية المسرح تارة، وتارة أخرى في الإخراج والأدب التمثيلي! كما قررت لجنة الامتحانات “أن يمتحن طلبة القاعة الثانية في أدوار السيدات، كما يمتحن السيدات في أدوار الرجال! وفعلاً وُزعت الأدوار المطلوب الامتحان فيها على الطلبة، ومنها مشهد من رواية «كليوباترا»، سيمثله أحمد البدوي في دور «أدنونيس». وعبد الفتاح حسن في دور «كليوباترا». أما الطالبات فلا يوجد منهن إلا «زوزو حمدي الحكيم»؛ لأنها هي الوحيدة التي واظبت مدة الدراسة، وهي الوحيدة التي تقرر امتحانها”!! وبالرغم من ذلك وجدنا «روحية خالد»، و«فاطمة محمد محمد» في كشوف النتائج النهائية!!
وبعد توزيع الأدوار التمثيلية، “احتج الطلبة على هذا القرار، وانتدبوا عنهم «محمد عبد القدوس، وأحمد البدوي، ومحمد بهجت»، فقابلوا هيئة اللجنة، ورفعوا الاحتجاج إليها”، ولم يؤخذ به!! وجاء موعد الامتحان، وامتحن الطلاب والطالبات في الفصلين الأول والثاني، وكتبت مجلة الصباح كلمة، قالت فيها، تحت عنوان «امتحان الطلبة والطالبات في قاعة المحاضرات»: “بدأ امتحان طلبة وطالبات قاعة المحاضرات من يوم السبت الماضي، وقد خُصص السبت والاثنين والأربعاء لامتحان الطلبة، وأيام الأحد والثلاثاء والخميس لامتحان الطالبات. وقد كان امتحان العربي بمعرفة الأستاذ محمد صفوت، والإلقاء بمعرفة الأستاذ جورج أبيض والأستاذ زكي طليمات، والأدب المسرحي بمعرفة الأستاذ علي عبد الواحد، والإخراج بمعرفة الأستاذ جورج أبيض. وقد اشتركت «روحية خالد» في الامتحان بدور «ليلى»، كما اشتركت «زوزو حمدي» بدور «قيس» من رواية «مجنون ليلى»”.
انتهت الامتحانات، وأعلنت النتائج مجلة «الكواكب» في نهاية يونيو 1932، ومنها علمنا أن الدرجة الكبرى لمادتي «الإخراج والأدب المسرحي» 40 درجة، والصغرى 16 درجة. أما الدرجة الكبرى لمادة «اللغة العربية»، فكانت 20 درجة، والصغرى ثماني درجات. أما مادة «الإلقاء»، فكانت درجتها الكبرى 60، والصغرى 30 درجة. ومن خلال الجدول المنشور الخاص بالقاعة الثانية، ظهرت نتيجة طلاب وطالبات «معهد فن التمثيل» الملغي، وبذلك تكون هذه الدفعة مميزة بميزة لن تتكرر في تاريخ المعاهد المسرحية؛ حيث إنها الدفعة الوحيدة التي درست سنتين: الأولى نظامية داخل معهد أكاديمي، والأخرى داخل قاعة بإحدى المدارس الثانوية!! وعلى الرغم من أن كل طالب لم ينل «شهادة رسمية» من وزارة المعارف؛ إلا أنه نال شهادة معنوية من تاريخ المسرح، مكتوب فيها: “إن هذا الطالب من الدفعة الأولى التي درست المسرح، دراسة أكاديمية في أول معهد مسرحي في مصر وفي العالم العربي”!!
وهذه هي أسماء الطلاب وفقاً لترتيب التفوق، مع ذكر الدرجة الكلية: حنا وهبه (133)، محمد الغزاوي (132)، عبد الفتاح حسن (131)، أحمد البدوي (129)، عبد الفتاح عزو (125)، محمد عبد القدوس (120)، أمين موسى (120)، محمد بهجت (111)، طلعت عزمي (110)، إسماعيل نظمي (110)، فهمي حنا (103). أما الطالبات، فتقدم منهن ثلاث: زوزو حمدي الحكيم، وروحية محمد خالد، وفاطمة محمد محمد، ونجحت الأولى والثانية، أما الثالثة فقد تغيبت عن تأدية امتحان مادة الأدب المسرحي، مما أدى إلى رسوبها!!
وبعد إعلان النتيجة، تلقى كل طالب خطاباً رسمياً - ظن الجميع أنه شهادة التخرج الرسمية – فحسمت مجلة «الصباح» الأمر ونشرته في أواخر يوليو 1932، وهذا نصه: “ حضرة ... بما إنكم نجحتم في امتحان المباراة، للذين واظبوا على الحضور لقاعة المحاضرات في فن التمثيل، وكان ترتيبكم ... فالوزارة كلفتنا بأن نهنئكم فنهنئكم، وأقبلوا تحياتنا. [توقيع] مدير القاعة محمد حسين محمد [ناظر المدرسة الإبراهيمية الثانوية].
أقوال الناجحين
لم تهتم الصحف بأخبار قاعة المحاضرات في أول أعوامها، مثلما اهتمت بالعام الوحيد في تاريخ «معهد فن التمثيل» الملغي!! وربما السبب، راجع إلى قناعة الجميع بأن عمر القاعة قصير، ووجودها كان من أجل وأد المعهد في مهده!! وبالرغم من ذلك، ربما نجد في نتائج الطلاب، وأقوالهم المنشورة بعد نجاحهم – في مجلة الصباح - ما يعكس لنا ما فقدناه، ولم نشهده ولم نقرأ عنه!! فعلى سبيل المثال اعترض الناجح الأول «حنا وهبه» على امتحان الأدب المسرحي، كونه امتحاناً تحريراً، وكان يتمنى أن يكون بجانبه امتحان شفوي، ليستطيع الطالب من خلاله تعويض ما فقده من درجات في الامتحان التحريري!! ويقول أيضاً: إن الطالب، ستكون وظيفته ممثلاً، ويحتاج إلى الكلام والحوار، وتقوية هاتين المهارتين ستكون بواسطة الامتحانات الشفوية!
والجدير بالذكر إن هذا الطالب – في الأصل - موظف بمصلحة الصحة، وأحد أعضاء جمعية أنصار التمثيل. وبسبب هذا، بالإضافة إلى تفوقه، اعترض على ترتيبه، وشكك في نتائجه الطالب «محمد الغزاوي»، الذي نال الترتيب الثاني، قائلاً: “بالرغم من أنني ظهرت الثاني في نتيجة الامتحان، فإنني أعتقد إنني الأول! لأن المنشور الخاص بإنشاء قاعة المحاضرات، ينص على أن طلبة القاعة يقسمون إلى فصلين: السنة الأولى للمستجدين، والسنة الثانية من طلبة المعهد الملغي. فإن الأول [يقصد الطالب حنا وهبه] ولو أنه عزيز عليّ إلا أنه كان من مستمعي السنة الأولى في العام الماضي، والنتيجة كانت أقرب إلى الحظ منها إلى الحقيقة! أما التدريس .. فقد كانت قصر المدة تجعلنا لا نستفيد كثيراً”.
وربما ما نشره الطالب أحمد البدوي – بوصفه أحد طلاب معهد فن التمثيل الملغي - يلخص حقيقة قاعة المحاضرات غير المعلنة، والمعروفة للجميع!! فقد قال: “كانت قاعة المحاضرات التمثيلية في هذا العام، أشبه الأشياء بغرفة الاستراحة في محطات السكك الحديدية. وستظل كذلك حتى يدق ناقوس القطار، الذي ننتظره فيحملنا جميعاً إلى الغاية التي كرسنا لها حياتنا، فنصل إليها عن طريق كامل غير منقوص [يقصد عودة «معهد فن التمثيل»]. ولقد أثبتت النتيجة النهائية لهذه القاعة عدم صلاحيتها وفساد نظامها. فمثلاً الأدب المسرحي درس ثقافة وتاريخ، لا يرتبط ارتباطاً وثيقاً بفن الممثل ذاته!”.
وإذا تطرقنا إلى نماذج من أقوال الطلاب المستجدين في قاعة المحاضرات، سنجد الطالب المتفوق والأول في الامتحانات «عبد العليم خطاب» - الممثل الشهير فيما بعد – يتحدث عن انتظام الدراسة، وعن كفاءة الأساتذة إلا من بعض المحسوبية عند جورج أبيض، وحقد من طلاب الفرقة الثانية على الأستاذ علي عبد الواحد. وعن نفسه، قال: كنت مندهشاً عندما رأيت زملائي بعد ظهور النتيجة ينظرون إليّ شذراً! لا لشيء مطلقاً إلا لأنني أول الناجحين. وعلى أي حال فأنا لا أبالي، وكفاني فخراً إني كنت أول الناجحين بالسنة الأولى أمام لجنة مكونة من الأستاذين زكي طليمات وجورج أبيض.
أما «ألبير عمون» الذي لم يقع عليه الاختيار ضمن طلاب «معهد فن التمثيل»، عندما تم افتتاحه منذ سنتن - وكتب ضد طليمات والمعهد كثيراً، بسبب عدم التحاقه بالمعهد - وجدناه طالباً مستجداً في قاعة المحاضرات، وقد أدى الامتحان ونال الترتيب الثالث ضمن الناجحين، على الرغم من أنه دخن سيجارة أثناء امتحان الأدب المسرحي، فأخرجه الأستاذ خارج قاعة الامتحان، ليستكمل تدخين السيجارة في نصف ساعة، تم احتسابها من وقت امتحانه!! هذا الطالب – الذي أصبح صحافياً مشهوراً فيما بعد - أدلى برأيه في القاعة، بكلمة متوقعة، قال فيها: “إني أفضل قاعة المحاضرات الحالية عن معهد التمثيل السابق، على شرط أن يُسن لها قانون خاص، وأن يعتني بتنظيم برامجها الاعتناء الكافي، الأمران اللذان بهما حياة القاعة، وبدونهما ذبولها وموتها. وأقول بصراحة إن مدرساً من مدرسي القاعة لا يعلم إلى الآن عدد سني الدراسة فيها، ولا عن مصير متخرجيها، ولا عن مكافآت المتقدمين من طلابها. بل كل هذه الأشياء في شرعهم، موكولة إلى القضاء يقاسمه فيها القدر! وطلاب القاعة بين القضاء والقدر وبين ماضيهم المؤلم ومستقبلهم المظلم، حيارى لا حول لهم ولا قوة ... وإني لأعتقد اعتقاداً أكيداً أن الطالبين الوحيدين اللذين يتفوقان في القاعة هما «عثمان حمدي»، و«محمود السباع»”، وهو الفنان الشهير والقدير فيما بعد.
أما الطالب محمود حسن حمدي، الرابع في ترتيب الناجحين، فكان اعتراضه وجيهاً بالنسبة لامتحان الإلقاء، وفيه قال: “بما أن الدرجة المخصصة للإلقاء هي درجة كبيرة جداً بالنسبة إلى درجات المواد الأخرى، فمن الظلم البيّن أن تكون هذه الدرجة ضحية خمس دقائق، يلقي أثناءها الطالب جزءاً من قطعته المختارة! لأن الطالب - بل وكل إنسان - معرض لطوارئ نفسية أو صحية تؤثر في إلقائه، تأثيراً قد يؤدي به إلى السقوط. على أنه لو خُصصت درجات إلقاء الطالب أثناء العام الدراسي، ووضعت مع الدرجة التي حصل عليها في الامتحان، ثم أُخذ المتوسط، لما كان هناك ظلم”. كما ذكر هذا الطالب رأيه في الطالب الأول في ترتيب الناجحين – وهو «عبد العليم خطاب» - ذاكراً عنه موقفاً غريباً، قال فيه: “أما الناجح الأول، فليس عندي ما أقوله عنه، سوى أنه من أضعف طلبة القاعة في اللغة العربية. وهو لم يعتلِ خشبة مسرح القاعة إلا مرات، تُعد على أصابع اليد الواحدة. وقد حدث في مرة من هذه المرات أن أبدى له حضرة أستاذنا الكبير جورج أبيض بعض الملاحظات على إلقائه، فأظهر العجرفة والامتعاض، حتى قال له الأستاذ: «مش عاجبك كلامي؟» فقال له: «لأ مش عاجبني»، وترك القاعة وانصرف”.
أما الطالب حسن لطفي المنفلوطي - الثامن في ترتيب الناجحين - فقد كان جريئاً في كشفه عن أمور مهمة، مثل قوله: “ كنت متردداً في دخول الامتحان لعدم استعدادي الاستعداد الكافي؛ ولكن أخيراً دخلت فوجدت أن امتحان الأدب المسرحي، هو كل ما أُعطى للطلبة في خلال السنة. أما عن نظام القاعة، فقد كان سيئاً جداً! إذ كيف يُباح دخوله لكل إنسان؟ وقد كانت نتيجة ذلك تلك النتيجة السيئة للامتحان! ثم أين هي المحاضرات، التي كُنا في انتظارها؟ هل هي تلك التمرينات البسيطة، التي كانت مقصورة على بضع أفراد دون الآخرين؟”.
أما الطالب وهبه محمود - الثاني في ترتيب الناجحين – فكان أكثر المتحدثين جرأة ومكاشفة!! ومما قاله: “ إن نقض وزارة المعارف الأسس التي وضعت من أجلها تلك المدرسة، وتحويلها إلى قاعة للمحاضرات التمثيلية، وعدم اعتراف وزارة المعارف بها كمدرسة أميرية، لها نظمها وبرنامجها، هو مبعث الضجة القائمة حولها، والتي ستستمر هكذا حتى يتغير رأي ولاة الأمور من جهتها”. وعن المقررات الدراسية، قال: “كانت اللغة العربية، ليس لها برنامج محدد ولا قواعد معلومة، بل كانت قاصرة على قراءة فصلين من «مجنون ليلى» مع شرح المعنى. ولا شك أن تفاوت إدراك الطلبة كان عقبة في طريق المدرس. غير أن الأستاذ صفوت كان لا يألو جهداً في الأخذ بناصر كل طالب. ومادة الإلقاء مبتورة، وطريقة الامتحان فيها ليست مقياساً حقيقياً لكفاءة الطالب، ولا تدل على استعداده في التمثيل. وكان الأستاذ جورج لا يحضر في موعده بالضبط. وبالإجمال انتهى العام الدراسي والطلبة على جهل تام بأسرار المسرح! ومن النقص أن يكون الطلبة بين طالب في الخامسة عشر، وآخر يناهز الأربعين! وكانت المحسوبية منتشرة في الأعمال الإدارية. والمكان الموجود بالمدرسة الإبراهيمية لا يصلح بالمرة إلا إذا أدخلت عليه بعض التعديلات”.
هذه الأقوال في مجملها، هي خلاصة تاريخ هذه القاعة في عام كامل، أسوة بعام «معهد فن التمثيل»، مع الفرق الشاسع بينهما!! والمقارنة هنا، تثبت أن قرار وزير التقاليد بتحويل «معهد فن التمثيل» إلى «قاعة محاضرات فن التمثيل»، هو قرار خاطئ، نتج عنه مشروع فاشل اسمه «قاعة محاضرات»!! وإن كنا لم نسمع شيئاً ذا بال عن جورج أبيض، أو زكي طليمات، فهذا لأنهما لم يتحمسا للتدريس في القاعة، بعد أن شيدا بأيديهما المعهد الموءود من قبل!! والمعلومة التي ذكرها أحد الطلاب، بأن القاعة لم يدرس فيها الطلاب إلا مقرر «الأدب المسرحي» على يد الأستاذ علي عبد الواحد، هي معلومة صحيحة؛ سنتحدث عن تفاصيلها في المقالة القادمة!!


سيد علي إسماعيل