للمسارح حكايات ..وأسرار (2)

للمسارح حكايات ..وأسرار (2)

العدد 665 صدر بتاريخ 25مايو2020

كل مسرح له حكايات وأسرار, ليبقى شاهدا على تاريخ المسرح بكل عروضه ومسرحياته ومبدعيه مخرجين وممثلين وفنيين, فكم من نجوم تألقوا  ومخرجين أبدعوا لا تعرف الأجيال اللاحقة عنهم وعن إبداعاتهم شيئا, والفن هو عملية إبداعية تراكمية, من هنا رأينا أن نسلط الضوء على بعض من أهم دور العرض المسرحي بمصر بداية انتقاء بالمسارح القائمة والفاعلة حاليا, كمجرد نماذج حتى استكمال الباقين في مجال آخر, وذلك من حيث نشأتها وتاريخها وإمكانياتها ومتطلباتها ومشاكلها التقنية إن وجدت, وأهم المبدعين الذين تألقوا بها. وسيكون ذلك على عدة حلقات وفي نهاية الحلقة الأخيرة سوف أذكر قائمة المصادر والمراجع التي تمت الاستعانة بها.
مسرح القاهرة للعرائس
يتميز مسرح العرائس بموقع فريد بجوار حديقة الأزبكية من ناحية وبين ميدان العتبة بوسط القاهرة ضمن مجمع فني يشمل المسرح القومي ومسرح الطليعة.
أما عن فكرة وبدايات إنشاء المسرح ففي عام 1958 وأثناء افتتاح الرئيس جمال عبد الناصر للمعرض الصناعي الزراعي شاهد الرئيس عرض ماريونيت من ضمن العروض الفنية التي كانت تصاحب هذه الأنشطة وكان العرض بعنوان “الأصابع الخمسة” لفرقة تساندريكا الرومانية وكان يصاحبه في هذه الجولة وزير الثقافة فتحي رضوان والدكتور علي الراعي رئيس مصلحة الفنون فطلب منهم الرئيس عبد الناصر سرعة العمل لتدريب جيل جديد من الفنانين على فن عرائس الماريونيت. وتحمس د. علي الراعي للفكرة وبدأ في تنفيذها من خلال اختيار الرعيل الأول لفناني العرائس : صلاح السقا وفكري أمين وإبراهيم رجب, عنتر حافظ , أحمد أبو النجا , صلاح عبد الحي, إبراهيم سالم , ألفريد ميخائيل, نعيمة مصطفى, السيد راضي الذي انفصل مبكرا عنهم. وتم تدريبهم على يد الخبراء الرومان. وانضم إلى هذه المجموعة الفنان ناجي شاكر وصلاح جاهين الذي كتب أول عمل لمسرح العرائس في مصر وهو “الشاطر حسن”. وكان مقر عمل الفرقة في البداية  في  الغرفة رقم 25 في دار الأوبرا المصرية . وظهر العرض الأول لها في 10 مارس عام 1959م. وكان نتيجة نجاح العرض أن تم اختيار وضم مجموعة جديدة من الفنانين وقدموا عرض بنت السلطان تأليف صلاح جاهين وبيرم التونسي معا, ومسرحية الديك العجيب من الأدب الروماني.
وصدر قرار بأن تقدم الفرقة عروضها على مسرح معهد الموسيقى العربية عام 1959م, وقدمت الفرقة بعد ذلك أوبريت الليلة الكبيرة الذي صادف مشاهدة الرئيس جمال عبد الناصر له في المعرض الصناعي بصحبة ملك المغرب, وانبهر بالعرض فكلف ثروت عكاشة وزير الثقافة آنذاك بضرورة بناء مبنى كبير خصيصا ليكون بمثابة مسرحا وأكاديمية لفن العرائس في مصر, فتم بناء المبنى الحالي بالعتبة وقد تكلف حينها مائة ألف جنيه مصري وكانت تكلفة عالية جدا. وفي عام 1963م انتقل إليه فعليا مسرح العرائس. وتولى راجي عنايت إدارة المسرح حينها. وتم تقسيم المسرح لثلاث شعب, هي: شعبة مسرح المدارس وكانت تقدم حفلات صباحية بمسرحيتين هما صحصح لما ينجح وقاهر الأباليس وهي أول مسرحية عرائس بالقفاز وهي مأخوذة عن أسطورة فاوست جوته.  وشعبة الفلاحين بقيادة المخرج علي سالم وقدمت عرض دقي يا مزيكا , إضافة إلى الفرقة الرئيسة.
وقد تم إجراء تجديدات وإصلاحات وصيانة بالمسرح ثلاث مرات:
-  التجديد الأول تم عام 1983 أثناء إدارة الفنان صلاح السقا له, وكان ذلك بعد حريق المسرح والذي حدث بسبب ماس كهربائي نتج عنه احتراق جزء كبير من المسرح, خصوصا مخزن العرائس والديكورات, مما تسبب في خسائر كبيرة. وللأسف اختفى عدد كبير من العرائس التي قيل إنها احترقت.
-  التجديد الثاني عندما كان الفنان  جمال الموجي مديرا للمسرح و ذلك فى أواخر التسعينيات.
- التجديد الثالث في عهد المدير الحالي الفنان محمد نور. وقد بدأ في عام 2017 وانتهى عام 2019.
وتتكون دار العرض من عدة أدوار إضافة إلى المدخل والدور الأرضي:
* ممر كبير على جانبية حديقة بها اشجار متنوعة ونجيل .
* هول كبير لاستقبال الجماهير به كافتيريا .. وبانوراما لنماذج من تاريخ مسرح القاهرة للعرائس لبعض العروض من تراث المسرح .
* ضمن الهول الكبير ثلاث غرف رئيسية: غرفة شباك التذاكر  وغرفة مدير عام الشئون المالية والادارية وغرفة مدير عام دار العرض . كما يوجد بالدور الأرضي خمس غرف للإداريين وورشة نجارة .
* الدور الثاني به صالة الجمهور والحمامات وخشبة المسرح  بملحقاتها .
* الدور الثالث مكتب مدير عام فرقة مسرح القاهرة للعرائس بمكتب ملحق للسكرتارية .
* الدور الرابع به الأتيليه الأول والثاني  لتصنيع العرائس, ومخزن أول للعرائس, وإدارة فرقة الساحة .
* الدور الخامس  ادارة الاحصاء وإدارة خدمة المواطنين, ومخزن آخر للعرائس.
* الدور السادس مخزن كبير للديكورات والعرائس .
* أما من الأدوار من السابع إلى التاسع  فبها مخزن وخزانات المياه والشواية ( السوفيته) وبها الخدمات الرئيسية لميكانيزم سكك الديكور والاضاءة وغرفة مواتير رفع المصعد .
بالنسبة لصالة العرض فهي تسع حاليا عدد 324 كرسي للجمهور.
أما خشبة المسرح مثلها مثل أى خشبة مسرح عادية. ولكن مسرح العرائس به فنون اخرى لخشبة المسرح مثل الباسارل وهى إنشاء خشبة مسرح فوق خشبة المسرح تتحرك لخدمة لاعبي العرائس والعرض ليشعر المشاهد سواء الكبير او الصغير أن المسرح يتحرك ويتنقل به من مكان إلى أخرى. ويظهر هذا جليا فى عرض الليلة الكبيرة, وهو يتنقل بنا من القهوة إلى السيرك إلى الشارع إلى المولد وكأن المسرح يتحرك بنا. وهذا هى مهارة الباسارل. وهناك مهارات أخرى لفن الديكور وعمل البارفانات الخاصة بنوعية العرض وعمل ممشى أو مكان للاعب العرائس سواء من أعلى أو من أسفل لكى يقوم بتحريك العرائس دون أن يراه المشاهد طوال العرض. ولاعب العرائس دائما يرتدى ملابس سوداء يتم تصميمها لكل لاعب حتى لا يشعر به أو يراه المشاهد أثناء تحريك العرائس. ودائما يكون هناك ممشى خلف البارفانات ليسير عليه لاعب العرائس لتحريك العرائس حسب المشهد الفني أو الدرامي.
من عروض مسرح القاهرة للعرائس:
أوبريت (الليلة الكبيرة) تأليف صلاح جاهين وألحان سيد مكاوي وإخراج صلاح السقا. مسرحية (صحصح لما ينجح) تأليف صلاح جاهين ألحان محمد فوزي وإخراج صلاح السقا, مقالب صحصح وتابعه دندش، من أشعار الشاعر عبد الرحمن الأبنودى إخراج صلاح السقا، «أبو على» تأليف الشاعر سيد حجاب إخراج صلاح السقا، و»عودة الشاطر حسن» إخراج صلاح السقا، «عقلة الصباع» إخراج صلاح السقا، «الديك العجيب»، تأليف إيهاب شاكر، وحوار صلاح جاهين إخراج صلاح السقا، «حكاية سقا» تأليف سمير عبد الباقي إخراج صلاح السقا.مسرحية (عروستي) تأليف محمد بهجت, إخراج محمد نور. (محطة مصر) تأليف محمد الزناتي إخراج رضا حسنين, (أوبريت فركش لما يكش) تأليف وإخراج شوقي حجاب, رحلة الزمن الجميل إخراج محمد نور. وغيرهم العديد من العروض المتميزة التي أحبها الأطفال ولاقت نجاحا كبيرا على مدار تاريخ المسرح.
إضافة إلى عروض الفرقة فإن مسرح القاهرة للعرائس يستضيف عددا من عروض المهرجانات المتنوعة. منها عروض مسرح الشركات وعروض الجامعات وخصوصا جامعة عين شمس وبعض عروض البيت الفني للمسرح, وعروض الهواة وأحيانا عروضا للثقافة الجماهيرية . كما أنه يستضيف بعض العروض المحلية في المهرجان التجريبي. وفي المهرجان القومي فتعرض عليه عروض للجامعات والشركات وعروض للهواه من أبناء البيت وعروض للعرائس والأطفال عندما كان المسرح القومي للطفل مغلقا .
بالنسبة للمعوقات والمشكلات التي تواجه المسرح فهي مثل معظم مسارح الدولة نتيجة الروتين تتعلق بصيانة المبنى والأجهزة الفنية وسكك الديكور والإضاءة والمكيفات وغيرها. كما توجد مشكلة دائمة بنظم بالصرف الصحي تحتاج لتكاليف وجهود ضخمة لحلها. يضاف إلى ذلك أن إدارة الحى تحتل المكان المواجه لمدخل مسرح القاهرة للعرائس وتوضع معداتهم أمام البوابة الخاصة بالمسرح. الأمر الذى اضطر ادارة المسرح إغلاق الباب الرئيس له واستخدام المدخل الخاص بمسرح الطليعة للدخول سواء للعاملين او الجمهور.
 لكن المشكلة الأكبر الأزلية والتي يشترك فيها مجمع مسارح العتبة معه وهي مسرح الطليعة والمسرح القومي هي مشكلة الباعة الجائلين المحيطين بالمسرح, حيث يشكل وجودهم بكثافة وعشوائية عائقا أمام الدخول والخروج من المسرح سواء للجمهور أو الفنانين والعاملين بالمسرح, كما أنه يشوه المظهر الجمالي والحضاري المفترض أنه يحيط بصرح فني وثقافي, إضافة لتعرض المكان والمتواجدين به للخطر الدائم نتيجة العشوائية مع تكرار الخلافات والمشاحنات بين الباعة المحيطين بالمسرح وما يتبعها من خسائر ومخاطر للأرواح والممتلكات.  
وقد تولى عدد كبير من المديرين الأكفاء إدارة دار العرض بمسرح القاهرة للعرائس, من أبرزهم: ربيع عبد الكريم, محمد شوقي, أحمد عبد المنعم, ومحمد شافعي.

مسرح الجمهورية
يقع مسرح الجمهورية بشارع الجمهورية (إبراهيم باشا سابقا) بحي عابدين بوسط القاهرة, وكان هذا المبنى حتى عام 1959 من أقد دور العرض السينمائي بالقاهرة وكان معروفا باسم دار سينما رويال والتي تم إنشاؤها عام 1912 وفي عام 1959 أصدر وزير الثقافة ثروت عكاشة قرارا بتحويله إلى مسرح وأطلق عليه مسرح الجمهورية.
وقد أجريت على المسرح تعديلات ضخمة فزينت أرجاؤه بالديكورات والزخارف البديعة وأنشئت واجهة جديدة تطل على شارع الجمهورية وزود المبنى كله بوسائل الإضاءة الحديثة.
وافتتح بعد تحويله من دار سينما إلى مسرح عام 1960.
ويعد مسرج الجمهورية من المسارح الفخمة والعريقة وأكثرها استعدادا لتقديم العروض المسرحية والموسيقية على مدار السنة وذلك لأنه مزود بأجهزة التكييف منذ عام 1963. وتحفل مواسمه بعروض الفرق الموسيقية المحلية والعالمية وفي شهر مايو 1963 قدمت إوبريت الباروكة اقتباس محمد مراد وألحان سيد درويش, ومسرحية قصر الشوق عن رائعة نجيب محفوظ وكلا العرضين من إخراج زكي طليمات.
ومنذ عام 1962 وحتى عام 1964 قدمت الشعبة الثانية بالمسرح القومي عروضها من المسرحيات العالمية بمسرح الجمهورية نذكر منها: الشيخ ملتوف, بيت برنارد إلبا, دكتور كتوك, ماكبث,  الخال فانيا, كما قدم المسرح القومي عروض: القضية, السبنسة, الفرافير. وفي صيف 1964 خصص المسرح لعروض فرقة المسرح العالمي التابعة لفرق التليفزيون المسرحية فقدمت عروض: البرجوازي النبيل, مريض الوهم, وراء الأفق, الدرس والمتحذلقات, الجريمة والعقاب.
ثم قدمت عليه عروض فرقة المسرح الكوميدي في موسم 1965/1966, بعد احتراق مقر مسرح الجيب بنادي السيارات في يناير 1963.
 وبسبب إمكانات المسرح وحسن تجهيزه استخدمته فرق كثيرة خاصة في شهور الصيف مثل: مسرح الحكيم, فرقة يوسف وهبي, فرقة ابن البلد, فرقة القاهرة الاستعراضية, فرقة أوبرا القاهرة, فرقة الباليه المصري.
 ومن أهم المهرجانات التي أقيمت في هذه الفترة: مهرجان 23 يوليو للموسيقى, مهرجان فرق المحافظات, مهرجان الرقص الشعبي عام 1966, مهرجان فرق الشركات, مهرجانه المسرح التجريبي, ومن الفرق الأجنبية الزائرة: فرقة الخليج الكويتي, فرقة الفنون الشعبية الباكستانية, فرقة الماندراجوا الإندونيسية للفون الشعبية, فرقة الفنون الشعبية الهندية, فرقة بلغاريا للفنون الشعبية, المسرح القومي السوري, ليموزين الفرنسية, شكسبير لندن, المسرح الوطني الليبي.
وفي الثامن  من أكتوبر عام 1979 بمناسبة عيد الفن والثقافة افتتح رئيس الجمهورية أنور السادات بعد انتهاء عمليات التطوير الشامل, في احتفالية ضخمة ضمت كل من: وردة , ياسمين الخيام, محمد قنديل, هاني شاكر, محرم فؤاد, حيث أنشدوا نشيد الحب فن وإيمان من ألحان الموسيقار محمد عبد الوهاب
 بعد حريق دار الأوبرا في الثامن و العشرين من أكتوبر عام 1971, تقرر تجديد المسرح ليكون المسرح الرسمي للدولة بديلا عن دار الأوبرا إلى حين إنشاء دار أوبرا جديدة, حيث تم التجديد والتغيير في واجهة المسرح المطلة على شارع الجمهورية واتخذت نمط العمارة الرومانية وعدل السقف إلى الشكل الكلاسيكي  ومن الداخل يوجد بالصالة نجفة من الكريستال واستبدل المدخل الرخامي بالجرانيت وأعيد تنسيق الصالة والألواج كما ألغيت البناوير وكسيت أرضية المقاعد بالقطيفة الحمراء وزود المسرح بأحدث معدات الإضاءة والصوت.
منذ عام 1980 خصص المسرح ليكون بديلا عن دار الأوبرا لتقديم حفلات وعروض فرق قطاع الأوبرا , حيث قدمت عددا من الأوبرات عليه, كما قدم عليه المسرح القومي عروضه خاصة خلال فترة تجديد مسرح الأزبكية مثل: السيرة المحمدية, عملية نوح, أولاد الأصول. كما قدمت بالمسرح بعض عروض المسرح المتجول, منها: المزاد والجارية, كما استقبل المسرح فرق الدراما والباليه والفنون الشعبية في أوائل الثمانينيات.
وفي عام 1990 أغلق المسرح بعد هبوط وتشقق في أرضية الصالة, وفي عامي 49, 95 أجريت على المسرح إصلاحات شاملة بهدف تطوير مرافقه الخدمية والإدارية وزودت سوفيتة المنصة ب18سكة لتستوعب عددا كبيرا من المناظر, واعيد افتتاح المسرح في ديسمبر 1995. وبمناسبة الافتتاح تم عرض ليلة من ألف ليلة من تأليف بيرم التونسي وألحان أحمد صدقي وبطولة يحيى الفخراني وعلى الحجار وغناء أنغام من إخراج محسن حلمي.
وكان من أهم من تولوا إدارة مسرح الجمهورية الفنان نبيل الألفي والفنان محمود القلعاوي في فترة تبعية المسرح للبيت الفني للمسرح. ثم تم افتتاح المسرح للمرة الرابعة في ديسمبر 2001 بعد انتهاء عمليات تطوير جديدة شاملة. حيث قدمت فيه فرقة الرقص المسرحي الحديث (شهر زاد) إخراج وليد عوني.
وقد استضاف مسرح الجمهورية عروض مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي وعروض مهرجان السينما الدولي. ومن أهم العروض المسرحية التي عرضت عليه مسرحية (لن تسقط القدس) بطولة نور الشريف وإخراج فهمي الخولي 2002, (قواعد العشق اربعون) بطولة بهاء ثروت وإخراج عادل حسان 2017.


أحمد محمد الشريف

ahmadalsharif40@gmail.com‏