الإيهام المسرحي.. بين الحقيقة والوهم

الإيهام المسرحي.. بين الحقيقة والوهم

العدد 661 صدر بتاريخ 27أبريل2020

     لقد قيل الكثير عن حالتنا العقلية ونحن نشاهد حدثا مسرحيا . ويعد التذبذب المستمر بين الاعتقاد بأن ما تراه ونسمعه هو حقيقة ونفي هذا الاعتقاد عندما ندرك أن الواقع الحقيقي هو أننا في المسرح (1) . وقد قيل أن هناك لحظات تعزز الإيهام وغيرها تدحضه , وهناك أيضا تناول ثالث وهو فكرة إيهام الذات الواعية A  conscious self illusion (2) . ومن المفترض أن يتعزز الإيهام بواسطة كل ما يزيد من التشابه بين مفاهيمنا عن خشبة المسرح وعن الواقع , وأن هذا الإيهام يتمزق بواسطة أشياء تذكرنا أننا في المسرح – مثل خشبة المسرح نفسها والقاعة والمتفرجين .. الخ .
     تتضح عدم صحة نظريات التذبذب بين الوعي بالواقعي وغير الواقعي عندما نحلل سلوكنا دون تحيز أثناء العرض المسرحي , وحتى عندما نتذكر كيف نشعر أثناء الحدث المسرحي (3) .
     وبغض النظر عن مدى شعورنا بالقلق , فليس لدينا أي وعي أو إدراك أو اعتقاد علي الإطلاق بأن ما يقدمه الممثلون هو الواقع الحقيقي . ونتيجة لذلك , لا يمكننا في الواقع أن نفكر في أنها ليست حقيقة . فهناك شيء واحد مؤكد : التصورات التي تثيرها خشبة المسرح فينا من خلال التشابه , التمثيلات العقلية التي نستمدها من التجارب السابقة ( وكذلك من الواقع) ونحن نقارن بين الاثنين ( عالم الواقع الفعلي وعالم خشبة المسرح) . ولكننا نفعل ذلك فيما يتعلق بتشابههم وليس حقيقتهم – وهذا هو الفرق . وبنفس الطريقة فان التواجد المسرحي لشخصية سحرية من حكاية خرافية , قد يثير ذكرى شخصية مشابهة رسمها فنان . وإذا صادفنا , في حالة التشابه المذهل , أن ما نراه حقيقي , فان هذا لا يعدو كونه مجرد انعكاس تنظيري ذي طبيعة خارج فنية extra-artistic , تصرف انتباهنا مؤقتا عن خشبة المسرح . وحتى أولئك المتفرجين الذين يميلون إلى إصدار هذا النوع من الأحكام يفضلون تركها لفترات الاستراحة . وعندما نبتعد عن العرض لا ننخرط ي هذه الأفكار – اذ تزول بمجرد أن تتضاءل المشاعر . فالتجربة الدرامية الأكثر مثالية خالية من تفكير في حقيقة خشبة المسرح , سواء كانت ايجابية أو سلبية .
     في رأينا , ان ما يحدث علي خشبة المسرح ليس حقيقي أو غير حقيقي , بل انه حقيقة أخرى تختلف عن الحقيقة التي نعيشها : إنها حقيقة فنية – وهي في هذه الحالة بالذات حقيقة مسرحية . ويتصور علم الجمال هذه الحقيقة المختلفة , في كثير من الأحيان , من حيث أنها حقيقة واضحة . فلم يفٌسر لنا هذا المفهوم نفسيا , رغم أنه نوقش كثيرا من وجهة نظر ميتافيزيقية . وعونا نسأل إلى أي مدى تختلف الحقائق الواضحة والحقائق الفعلية بالنسبة للذات الواعية . وما الذي يميز انطباعاتي عندما أشاهد في مكان ما , كمشاهد عارض , مشادة بين شخصين , عن تلك التي أشاهدها تحدث علي خشبة المسرح ؟ . علاوة علي ذلك , دعونا نفترض أنني شاهدت هذين الشخصين دون أن أفهم إطار موقف تفاعلهما , أو علي الأقل دون أن ألتقط الإطار الكامل للفعل المسرحي . يساعدنا هذا المثال الافتراضي أن نفهم في فهم الفرق في الانطباع , لأن الإدراك متطابق في كلتا الحالتين , ولكن الانطباع مختلف (4) .
     يمكن القول إن تصور المسرح , الذي كان لدينا بالتأكيد قبل بدء العرض يرتبط – من خلال الذاكرة – بكل التصورات التالية التي تأتي من خشبة المسرح , برغم حقيقة أننا , عند هذه النقطة ,  لا نهتم بإطار الفعل المسرحي . وبينما يمكن أن يبدو أن هذه الفرضية تشرح الفرق بين الانطباعين المذكورين آنفا  , فالحقيقة أننا لا نعي هذا الانقسام , عندما تستحوذ المسرحية علي انتباهنا . وبين الحين والآخر , ربما تذكرنا بعض التفاصيل بأننا في المسرح , ولكن تؤكد هذه التذكرة تحديدا بأننا لا نعيه في نفس الوقت . علاوة علي ذلك , فان مجرد ارتباط قاعة المسرح بخشبة المسرح غير كاف لشرح جوهر هذه الحقيقة الواضحة . وعندما يدخل الكاتب المسرحي والممثلون لتلقي التحية , بعد انتهاء العرض , وهذه ليست حقيقة واضحة حتى نستخدمها ؛ إذ يحدث نفس الشيء  عندما نحضر عرضا للباليه ( مع أنه لا يحدث عند مشاهدة عرض بانتومايم درامي ) أو نحضر حفل موسيقي حيث يظهر كل أعضاء الأوركسترا علي خشبة المسرح – حتى لو كنا ندرك أن كل هذا يحدث علي خشبة المسرح .
     فان لم تختلف التصورات والتداعيات , فلا بد أن يوجد الفرق في تناول التصور نفسه . في الحالة الأولي نفهم المشادة السابق ذكرها باعتبارها حقيقة أخرى للحياة – أعني باعتبارها شيئا حقيقيا : وهذا هو التناول الحقيقي , وفي الحالة الثانية نراها كشيء تمثيلي , يتم تجسيده : وهذا هو التناول المسرحي (5) . وهذه الأخيرة حالة خاصة من التصور الأيقوني Iconic perception وهو موجود في الفنون الأيقونية ويختلف عن الحقيقة أو موقف الحياة السابق ذكره , وليس مضادا له , بمعنى أنه حقيقي . فالتناول المسرحي هو حالة ذهنية لا نفكر فيها في الواقع والحقيقة ولا نختبر إحساسا خاصا بهذا الواقع ( أعني هنا الواقع الخارجي ) , وهذه حالة ترافقنا في الحياة العادية , ولا تختفي إلا في المواقف غير الطبيعية , علي سبيل المثال عندما نمرض أو نشعر بالتعب . في هذه اللحظات يبدو كل شيء يمر أمامنا غريبا وكأنه بعيد المنال وكأنه حلم . الأحلام نفسها ليست مثالا جيدا , فهي تقدم غالبا إحساسا بالواقع , لدرجة أننا في كثير من الأحيان نسترجع عندما نستيقظ وندرك أن ما كنا نحلم به ليس حقيقيا لحسن الحظ .
     من ناحية أخرى , هناك حالات ذهنية يضعف فيها الإحساس بالواقع (الخارجي) ولكن لا يتم قمعها بالكامل . ومثال حالة التعب السابق سوف يذكر الجميع بالتأكيد بالأوقات التي عايشوا فيها إحساسا مماثلا حتى عندما لا يكون التعب هو العنصر . وهي حالات محددة من أحلام اليقظة والتأمل التي تثيرها الموضوعات التي ننغمس فيها , ان جاز التعبير , وأمثلة هذا المنظر الطبيعي ومدخل المعبد .. الخ . ومن الواضح أن هذه حالة جمالية ناتجة عن أشياء جميلة . فالإحساس بالواقع ضعيف جدا ولكنه ليس غائبا ؛ فهو يبقى نوعا ما في الخلفية ثم يعود بمجرد أن ينتهي إدراكنا الجمالي ونعود إلى واقعنا اليومي العادي .
     فما هو هذا الإحساس بالواقع الخارجي ؟ . انه يوجد بلا شك في علاقة وثيقة مع الإحساس بواقعنا , وبدقة أكثر في علاقة مع ذاتنا الجسمية – بمعنى كلية ادراكاتنا الجسمية , لأن ذاتنا الجسمية ينتمي نصفها إلى العالم الخارجي , وينتمي النصف الآخر إلى العالم الداخلي , وبالتالي تتوسط بينهما لكونها نصف ذات ونصف موضوع (6) .
     لقد قلنا إن الحالة الجمالية ناتجة عن الأشياء الجميلة . ولكن هذا الفعل ليس سلبيا كما توحي هذه الجملة . انه يشبه ما يحدث في الانتباه الطوعي وغير الطوعي : إذا رغبنا في ذلك , يمكننا تحفيز الحالة الجمالية في أنفسنا , علي الرغم من أن الشيء الجميل هو الحافز . وهكذا تنشأ الحلة الجمالية بشكل عام . فاعتمادا علي الأشياء التي تحفز هذا التوجه الجمالي (7) يمكن أن يكون أكثر تخصصا في التوجه الفني , ثم في التوجه الأيقوني الأكثر تحديدا , ثم في سياق مجالنا الأكثر تحديدا , وهو التوجه المسرحي . وسوف نناقش هذين التوجهين الأخيرين  .
     يختلف التوجه الأيقوني , وكذلك التوجه المسرحي المنبثق عنه , عن التوجه الجمالي العام في وجهين . أولا , عندما يسود هذا الاتجاه , يتم قمع إحساسنا بالواقع تماما . ثانيا , تفسيرنا لما نفهمه مزدوجا , لأنه لا يحتوي علي تمثيل تقني فحسب , بل يتضمن أيضا تمثيل أيقوني . وهذان الوجهان مترابطان , لأن التفسير المزدوج الذي يتم الحفاظ عليه في نفس الوقت , في التناول الواقعي المذكور آنفا , يمكن أن يكون متناقضا من الناحية الواقعية ( بمعنى أن أحدهما يزيح الآخر ) .
     فحقيقة أن تصوري الخاص (س) ( أي تصوري الشخصي) هو في الحقيقة (أ) فهذا يعني أنني مقتنع بالوجود الموضوعي ل ( أ) . وينطبق نفس الشيء إذا كان من المفترض أن يكون التصور (س) هو (ب) . وبالنظر إلى أنه لا يمكن تقديم دليل معين علي المفاهيم الفردية , وأنها تخضع لفكرة مشتركة حول شيء موجود بالفعل, شيء يجعلهم يستبعدون بعضهم البعض تلقائيا , فمن الممكن أن تكون العلاقة بينهما انفصالية .  فمثلا, يمكنني أن أرى ظلا أسودا عندما أكون في الغابة بعد غروب الشمس . فيكون تفسيري مزدوجا : هل هو شجرة فعلا , أم إنسان بلا مأوى . لا يمكن أن يكون كلى الشيئين في نفس الوقت . فإذا قبلت الأمر الأول , فسوف أرفض الثاني , وإذا حدث واكتشفت فيما بعد أن الأمر الأول كان صحيحا , عندئذ مستحيل أن يكون الأمر الثاني صحيحا , وبالتالي فانه قراري . وبالتالي يحافظ الخداع علي علاقته مع الواقع .
     وعلي العكس من ذلك , إذا رأيت تمثالا , فإنني أعتقد أنه تمثال و شخص ما , لأن هذه المفاهيم لا ترتبط بنفس درجة وجود الأشياء فعليا ( والتمثال في طبقة هذه الأشياء ) , وهذا يعني أننا لا نستبعد بعضنا البعض . فانتماء شخص ما إلى فئة الأشياء الموجودة هو أمر موجود في ذهني فقط . وهذا هو الشيء الذي أعبر عنه عندما أعلن أنه تمثال يمثل شخصا ما . ولو أن لي موقفا جماليا , فلن أفكر في إطار الواقعي وغير الواقعي مطلقا . سيكون الأمر مختلفا إذا نظرت إلى التمثال من الناحية التقنية حصريا ؛ ولكن في هذه الحالة أود أن أتأمله , علي سبيل المثال , كعمود مصنوع من الرخام , ولا يمثل بالطبع أي شيء .
     وبالتالي , يمكنني أيضا أن أعلن فيما يتعلق بالفن الدرامي “ أن هذا هو الممثل (أ) , وهو الملك لير في نفس الوقت , لأن هذا مجرد تفسير للإدراك , في حين أن الوجود الفعلي للممثل ليس هدفا للانتباه أثناء الأداء المسرحي . ولا نستطيع أن نتحدث عن الخداع هنا , لأن التفسير مزدوج في المقام الأول ولن يتم تناوله كحقيقة تجريبية – بمعنى أنه اتفاق مع الحقيقة . علاوة علي ذلك , لهذا السبب نفسه لا نستطيع أن نقول إن الممثل ( أ)  هو ملك مزيف . وهذا لن يحدث إلا في حالة الدجال الذي يحاول أن يكون ملكا حقيقيا ؛ وفي هذه الحالة , ربما نصدق أنه الملك أو شيء أخر , ولكن لن يكون كلى الشيئين معا في نفس الوقت . ولعل أعظم مفاتن فن التمثيل هو أن تتاح لك الفرصة لكي تكون شخصا آخر دونما حاجة الي الكذب .
     وقد يكون من الأنسب أن نقول إن الممثل يبدو في مظهر الملك – ليس بالمعنى السلبي للظهور بما ليس هو في الواقع بل بمعنى الظاهرة البحتة دونما علاقة بالواقع, لأنه يبدو كالملك لحواسنا , من وجهة نظر مظهره ( البصري والسمعي) . وبهذه الطريقة يتضح كل شيء علي خشبة المسرح , ولكن ليس باعتباره حقيقيا أو زائفا . فيمكننا أن نتحدث عن الماس الزائف إذا ارتدته امرأة في مناسبة اجتماعية , ولكن لا يمكننا ذلك إذا ارتدته شخصية درامية , فالماس هنا مجرد مظهر , حقيقته, مثل حقيقة وزيف كل الأشياء الموجودة علي خشبة المسرح , مسألة لا أهمية لها , وسؤال عملي بسيط . ينطبق تقييد معنى المظهر علي كلمات مثل “ الإيهام “ و”الإيهامية “ , التي نقدم فيها علاقة مرتبطة بالواقع .  
     وبالتالي نستطيع أن نستنتج من هذا الاستدلال المنطقي المقولة التالية : “ يكمن جوهر الإيهام المسرحي في الجانب المسرحي , وهو مظهر من مظاهر التوجه الأيقوني , ويقمع الإحساس بالواقع بينما يربط التصورات بتمثيل دلالي مزدوج : تقني وأيقوني . “
     والإيهام هنا لا يعني الحقيقة المخادعة . ويتضح هذا بشكل جميل  في حقيقة أن العالم المسرحي نفسه الذي يتجلى أمام أعيننا يعيد تمثيل حالات مماثلة من الإيهام والخداع . وأشير هنا إلى أشكال التظاهر والتخفي بوجه خاص . ففي مسرحية شكسبير “ الليلة الثانية عشرة “ مثلا , ترتدي الممثلة التي تلعب دور “ فيولا” ثياب رجل وتتظاهر بأنها أحد النبلاء . ينطوي تصورنا لكل هذا لكل هذا علي ثلاثة أشكال للتمثيل : أحدهما تقني والآخران أيقونيان . إذ يتضح أن علاقتي “فيولا/الممثلة” و “ فيولا/الرجل النبيل” ليستا متجانستين . فشخصية النبيل هي الزائفة فقط وأن فعل “ فيولا” أثناء التخفي للخداع فقط . ولكن مفهوم الزيف لا ينطبق هنا علي “فيولا” باعتبار أنها شخصية خيالية ولا ينطبق عليها باعتبارها ممثلة . فالشخصيات الأخرى تتعامل مع “ فيولا “  علي أنها “ رجل نبيل” علي الأقل مؤقتا , ولكننا كمتفرجين نراها  “ فيولا “ طوال الوقت . وليس لدي الشخصيات الدرامية أي فكرة أن “ فيولا “ فعلا ممثلة ( رغم أن الممثلين الذين يصورون هذه الشخصيات يعرفون) , ولكننا نعرفها طوال الوقت .
• تحليل التوجه المسرحي :
     يمكننا أن نشرح ظاهرة التوجه المسرحي بالتناظر مع المفتاح الموسيقي : سوف تمثل نفس النغمات أنغام مختلفة اعتمادا علي رمز المفتاح الموسيقي الذي يسبقها . ومفتاح التوجه المسرحي هو كل شيء نفهمه قبل أن تبدأ المسرحية , وفي أغلب الأحيان قبل أن تبدأ مباشرة : مدخل المسرح , القاعة الممتلئة بالناس , إطار خشبة المسرح بالستارة – تٌرفع بعد إشارة الستارة . وطبقا لهذا المنطق , فان الموسيقيين الذين يقرءون النغمات في المفتاح G  سوف يفسرون النغمات التالية بشكل مختلف إذا سبقهم المفتاح الموسيقي F  , برغم التشابه بين تتابع النغمات في كلا الحالتين (8) . وينطبق هذا أيضا علي التصورات المسرحية , القريبة الشبه بتصوراتنا المتعددة للحياة . وينفس الطريقة التي يتم بها الحفاظ علي التفسيرات الموسيقية للموسيقي من خلال بعض الإشارات العرضية ( تكرار الرمز الموسيقي في بداية كل توليفة جديدة وإشارات متخصصة أخرى ) , فان توجه المتفرج المسرحي مدعوم بملاحظات متقطعة ( مثل الوعي بخشبة المسرح) . وهذه الشارات لا تحافظ إلا علي توجهات الموسيقي والمتفرج , ووجود هذه الإشارات ليس ضروريا .
     لقد وضح تفسيرنا الملاحظات المذكور أعلاه ( والكثير غيرها التي نشأت علي خشبة المسرح) , والتي تذكرنا بأننا في المسرح , ليست لحظات أيهام مسرحي (كما تؤكد النظريات التي نوقشت آنفا) , لأنها علي العكس , تؤكدها من خلال المحافظة عليها لنا داخل التوجه المسرحي . أخيرا , بنفس الطريقة التي يؤدي بها تغيير المفتاح الموسيقي من F   إلى  G يؤدي إلى تعّرٌف الموسيقي علي الرجوع  وترك التفسير في مفتاح F  للعودة إلى المفتاح G , وبالمثل , فان مفاهيم معينة مثل ( إنزال الستارة وضوضاء المتفرجين وهم يغادرون القاعة , الخ ) تخبر الجمهور أن الوقت قد حان للتخلي عن التوجه المسرحي والعودة إلى التوجه الواقعي العادي .
     والصياغة بهذه الطريقة , ندرك أن التمييز بين الواقع والإيهام المسرحي هو مسألة تمييز بين مجموعات التمثيل المرتبطة بأحد اقتراحين . وكما لاحظنا من قبل , لا يتطلب التناول الواقعي أي استعداد نفسي معين , أو نتيجة لذلك , أي مجموعة خاصة من التمثيل الدلالية . ويرتبط هذا الموقف ببساطة بمجموعة التمثيل التي اكتسبناها في حياتنا ( خارج المسرح) , لذلك ينصب تركيزنا علي الدلالات والتمثيل التي تحدد تناولنا المسرحي . الأمر بسيط للغاية : إننا نكتسب هذه المجموعة من التمثيل عن طريق اتصالنا بالفن المسرحي أو الفن الدرامي ... ويمكننا القول ان هذا العالم من واقع آخر – واقع فني , واقع مسرحي تحديدا , علي الرغم من موازاة الواقع اليومي العادي والاستجابة له , إلا أن الواقع المسرحي يختلف اختلافا ملحوظا عنه وغير متجانس معه .
...................................................................................
• نشرت هذه المقالة في مجلة PMLA العدد 134,2  عام 2019 , وقد نشرتها جمعية اللغة الحديثة في أمريكا The Modern Language Association of America  . ( وقد نقلها الى الانجليزية “ أميل فوليك “ و “أندريا بريز-سيمون” ) .
• أوتاكر سيتس Otakar Zich  (1879-1934) هو أحد أبرز أعضاء جماعة براغ  التي ظهرت في الثلاثينيات من القرن الماضي . وكان يعمل أستاذا في جامعة تشارلز في براغ . وما تزال مكانته في علم الجمال مثيرة للجدل حتى الآن . ومن أبرز كتبه “ جماليات الفن الدرامي Aesthetics of the Dramatic Art  (1931) .
• هوامش الترجمة :
(1) يستشهد سيتش هنا بمناقشة هيبوليت تاين  “  ذات التصحيح المتواصل “ في مجلة “  الذكاء “ عام 1870 الصفحات 441-443 , والصفحات 241-242 .
(2) يستشهد سيتش هنا بكونراد لانج الذي يعتبر خداع الوعي الذاتي هو جوهر المتعة الفنية .
(3) يجب أن يضع القراء في أذهانهم أن كلمة Psychological  عند سيتش تعني “ عقلي Noetic” بالمعنى الأصيل المنسوب الي هوسرل . كما يقر سيتش في مقدمة كتابه “ جماليات الفن الدرامي “ . وقد عملت علي حل مشكلة الايهام المسرحي علي أساس نفسي وعقلي , ومن هناك تعاملت مع أسئلة أخرى ولاسيما التبادل المستمر بين الواقعية والمثالية .
(4) الانطباع هو المعنى بالنسبة لنا كمتفرجين .
(5) المصطلح التشيكي الذي ترجمناه الي “ تناول approach” هو الكلمة التشيكية “pojeti” (بمعنى مفهوم – تناول – توجه ) وقد كرره سيتش خلال الفقرة . وهو مرادف لكلمة “ Zamereni “ التشيكية التي تعني التوجه كمفهوم فينومينولوجي أشار اليه سيتش في نفس النص لاحقا  
(6) حذفنا نقاش مختصر عن الادراك الجسمي الداخلي .
(7) لاحظ أن زيتش يبدل هنا المصطلح النفسي “ حالة  State” بالمصطلح الظاهراتي  “توجه “ . أنظر الهامس (5)
(8) يشير سيتش كمتخصص الي حقيقة أن المسرح هو أي شيء يمكن أن يمثل شيئا ما آخر ز


ترجمة أحمد عبد الفتاح