إرهاصات المسرح في الإسكندرية في القرن التاسع عشر(4) المسرح العربي الفرق الشامية واندماج المصريين

إرهاصات المسرح في الإسكندرية  في القرن التاسع عشر(4) المسرح العربي الفرق الشامية واندماج المصريين

العدد 659 صدر بتاريخ 13أبريل2020

الجمعيات الأهلية والهواة
 استعرضنا في الجزء السابق النشاط المسرحي بالإسكندرية على مستوى الفرق المحترفة والتجارية في أواخر القرن التاسع عشر. في مقابل ذلك انتشر النشاط المسرحي بشكل كبير بين عدد من الفرق الهاوية التي تكونت في ذلك الوقت في مدينة الإسكندرية، حيث لم تكن العروض المسرحية مصدرا للدخل بالنسبة لها وإنما هي نشاط فني يمارسه الأعضاء أو إنه يقدم للأعضاء من خلال بعض هواة ومحبي المسرح والدراما. ونلحظ أن هذه الجمعيات قد بدأت في الظهور منذ  العقد التاسع في عام 1886 من خلال جمعية المعارف الأدبية إلا أنها قد زادت وكثر عددها وأنشطتها بشكل كبير في العقد العاشر، ومن هذه الفرق والجمعيات الأدبية:
- جمعية المعارف الأدبية:
وهي كانت أول جمعية تؤسس لهواة المسرح في مصر وكانت تعرف بنادي المعارف برئاسة الأديب محمود أفندي رفقي. وكان من أعضاءها الكاتب المسرحي جرجس مرقص الرشيدي.  والغرض منها إدخال العنصر المصري في المسرح وترك الطريقة التي سار عليها النقاش والقرداحي والخياط وغيرهم. وقد قدمت مسرحية بديعة في تياترو البوليتياما في 5/11/1886. وكان لها نشاط مسرحي كبير في القاهرة، كما قدمت مسرحية (غرائب الانتصار) على مسرح القباني في الإسكندرية في 19/8/1897. وكانت تلك الجمعية تقدم الروايات مجانا في المسارج خدمة للجمعيات الخيرية الأخرى.
- جمعية المسامرة:
وهي جمعية خيرية أسسها محمود أفندي حمدي ومصطفى افندي العوامري وصالح أفندي فهمي ومحمد أفندي منجي وقد قامت بتشخيص مقامات الحريري في مارس 1893، وقام بالبطولة فيها الأديب صالح أفندي فهمي.
- الفتوح الخيرية:
أسسها رئيسها مصطفى أفندي كامل وزايد أفندي إبراهيم وأمين أفندي فهمي وحافظ افندي بيومي،  وقامت بتقديم رواية (الملكة بلقيس) على تياترو البراديزو في مارس 1893، وكانت تلك الجمعية الخيرية تدرس العلوم والمعارف ولها مدرسة في كوم الشقافة.
- جمعية الإشراق المنير:
قدمت في 22/1/1894  في قاعة كونيليانو رواية (كليوباترا) . وقام بتمثيلها أعضاء الجمعية وخصص دخلها لأعمال البر والإحسان. وكان من أبطالها حضرة المنشد البارع علي أفندي راشد.
- جمعية الترقي الأدبي:
تكونت بالإسكندرية في عام 1894، وبدأ نشاطها المسرحي بتمثيل مسرحية (كليوباترا) بمسرح كونيليانو في 23/1/1894، وتوالت العروض بعد ذلك، فقدمت روايات (أفنان الطرب في عجائب العجب وشجاعة العرب) لعلي ضيف القباني بتياترو زيزينيا في 9/12/ 1894 وقد تكرر تمثيلها عدة مرات.
- جمعية الصدق العباسي:
قدمت في 7/3/1894 على مسرح زيزينيا رواية (الصدق بالنجاة) المعروفة برواية (هارون الرشيد مع غانم بن أيوب) وهي ذات خمسة فصول . وتلاها فصل طرب أنشد فيه حضرة الشيخ علي سويلم المطرب المشهور.
- جمعية الابتهاج الأدبي:
ويقول عنها جرجي زيدان: (أنشئت في الإسكندرية عام 1894 بواسطة مستخدمو البوسطة المصرية برئاسة لسيم عطا الله، وموضوعها منع أعضائها من تمضية ساعات الفراغ في أماكن اللهو، وأن يجمعوا نقودا يؤلفون بها فرقة تمثل روايات أدبية يحضرها عائلات الأعضاء فقط، فلا يمضي شهر دون أن يمثلوا رواية، وقد ظلت أعواما عدة).
وبدأت عروضها برواية (غرائب الصدفة)، تأليف إبراهيم ثروت على مسرح قرداحي في 20/9/1894وكان الجمهور فقط من المشتركين في الجمعية وذويهم، وخصص دخلها لمنكوبي الزلزال. وتوالت العروض بعد ذلك، فقدمت مسرحية (عائدة) في 10/12/1894.، ثم (أندروماك) في 14/1/1895، و (شارلمان) في 13/2/1895، وبعد أن لاقت الجمعية النجاح الكبير، تركت مسرح قرداحي الصغير وانتقلت إلى مسرح منفراتو المعروف بمسرح عباس حلمي لسعته الكبيرة. ومثلت به مسرحية (المظلوم) في 25/9/1895. و(مغائر الجن) في 30/10/1895. و(أوتلو) في 19/11/1895. و(الأخ الغادر والابن الثائر) أو (هاملت) في 22/12/1895. و(الخليفة والصياد) في 26/1/1896. و(الصراف المنتقم) في 25/3/1896، و(صلاح الدين الأيوبي) في 30/3/1896، و(عائدة) في 6/7/1896، و(عاقبة الحسد) في 15/7/1896، و(هارون الرشيد) في فبراير 1897.
وفي ديسمبر 1899 تقلد رئاسة الجمعية (علي غاربو) ومثلت مسرحية (غرام الملوك) بالمسرح العباسي في 9/12/1899.
- جمعية التوفيق القبطية:
تأسست عام 1891كان مقرها المركزي بالفجالة بالقاهرة (ومازال قائما حتى الآن) برئاسة إبراهيم منصور، ولها عدة فروع في جميع أنحاء مصر. وقد مثلت في الإسكندرية من خلال فرعها بها، في مسرح القرداحي مسرحية (أوتلو) وفصلين من مسرحية (الصراف المنتقم) في 13/2/1895. ومسرحية (السيد) على المسرح العباسي في 18/2/1898. وفي 31/1/1899 قدمت مسرحية (الاتفاق العجيب) على المسرح العباسي بطولة سلامة حجازي.
- جمعية الإخلاص:
تأسست في الإسكندرية عام 1895 برئاسة محمد طاهر، وبعد فترة انضمت إلى جمعية العروة الوثقى، ومن ضمن أعمالها رواية (خاتم العقيق) في 9/11/1895. وهي من تأليف عبد القادر أفندي سري ناظر مدرسة الجمعية، وقد أحضرت الجمعية تخت محمد أفندي عثمان المطرب المشهور للمشاركة في هذه الليلة.
- جمعية الاتفاق:
تكونت في الإسكندرية عام 1896، وقدمت في إبريل 1896 مسرحيات (المهدي)، و(الشجاع الجبان)، ثم رواية (بطل فلورنسا) في 11/4/1896 على تياترو عباس واختتمتها بفصل مضحك بعنوان (الفيلسوف والغيور) ثم رواية (السيد) في 18/4/1896.
- جمعية السراج المنير:
تكونت بالإسكندرية قبل عام 1896 ومثلت بالمسرح العباسي رواية (الشيخ على الكاتب) من تأليف علي عزوز أحد أعضاء الجمعية في 10/5/1896. ورواية (محاسن الزهور) تأليف محمد عزوز في 2/10/1896. ومسرحية (بلوغ الأمل) في 5/2/1897.
وأقدمت الجمعية على تمثيل رواية (أدهم باشا) في المسرح العباسي في 17/1/1898، لكن تم منعها من قبل المحافظ والحكمدار حتى لا تسبب في مشاكل سياسية وإساءة إلى الجالية اليونانية، واتفقوا مع جوق واتفقوا مع جوق إسكندر فرح على تمثيل إحدى رواياته بدلا منها. ولم يرد ذكر تلك الجمعية بعد ذلك.
- شركة التمثيل الأدبي:
كونها سليم عطا الله بالإسكندرية عندما كان موظفا بهيئة البريد وبعد أن ترك جمعية الابتهاج الأدبي، ومثلت هذه الفرقة رواية (شهداء الغرام) في 25/5/1896، و(شارلمان) في يوليو 1896، و(أوتلو) في 8/8/1896 بمسرح عباس، و(الظلوم) في 1/10/1896.
ثم مسرحية (أندروماك) في 21/12/1896، بمسرح عباس حلمي، و في مارس 1897 ترك سليم عطا الله رئاسة الشركة وتقلدها توفيق أنجلو ثم سابا عازرا، ومثلت الفرقة بعد ذلك مسرحية (عاقبة الغدر) في 5/4/1897، وكانت آخر عروضها (عاقبة الأمور) في 9/1/1898 على المسرح العباسي.
- جمعية المنهل العذب:
تكونت على إثر نكبة أهالي الإسكندرية بوباء الكوليرا في عام 1896، وقدمت رواية (صدق الإخاء) تأليف عزتلو إسماعيل بك عاصم وقام بتمثيلها جوق إسكندر فرح،  وذلك في 11/7/1896،  وخصص دخلها لمساعدة المنكوبين من وباء الكوليرا. ولم يرد ذكر هذه الجمعية بعد ذلك.
- جمعية شمس المعارف:
- قدمت في سبتمبر 1896 رواية (عنتر بن شداد) على التياترو العباسي، وقد خصص دخلها لعائلتين من العائلات الكريمة بالثغر قد أخنى عليهما الدهر.
- جمعية نزهة العائلات:
تكونت بالإسكندرية عام 1897 ومثلت عدة مسرحيات منها مسرحية (حمدان) على مسرح البراديزو في 5/12/1897 ومسرحية (يهوديت) على مسرح الحمراء في 19/2/1898، كما قدمت مسرحيات (شارلمان) و(هاملت) و(الظلوم) و(صلاح الدين) و(شهيدة العفاف) و(هارون الرشيد).
- جمعية المنهج القويم:
مثلت في يناير 1898 رواية (الغيرة الدينية والمدافع الوطنية) في تياترو عدن في شارع البورصة القديمة، وأعقبها فصل مضحك بعنوان (الفيلسوف والغيور).
- جمعية الآداب الإسرائيلية:
ومثلت مسرحية (الرجاء بعد اليأس) على مسرح القرداحي في 1/1/1899.
- جمعية محب الفقير:
هي جمعية يونانية وقدمت مسرحية (الحمامتين) على مسرح زيزينيا بالإسكندرية بجوق الأوبرا الإيطالي وقد بلغ إيراد الحفلة ستمائة جنيه خصصت للأعمال الخيرية.
- جمعية التمثيل الأدبي بالإسكندرية:
قدمت بالإسكندرية في نوفمبر 1899 رواية (هناء المحبين)  بحضور عزتلو بك عاصم الذي ألقى خطبة أنيقة أثناء تشخيص الرواية في التمثيل وعلاقته بتربية النفس وتهذيب الأخلاق.
المسرح المدرسي
إضافة إلى نشاط المسرح المدرسي للمدارس الأجنبية بالإسكندرية والذي كان نشاطا كبيرا وملحوظا في القرن التاسع عشر كما ذكرناه في الفصل السابق، نذكر هنا بعض ما ورد عن المسرح المدرسي العربي حينما أخرج سليمان القرداحي مسرحية (حسن وحسان) في 10 يونيو 1877 بمسرح ألفييري بالإسكندرية حيث ذكر أن القرداحي نظم عرضا لمسرحيتين إحداهما عربية والأخرى فرنسية في يوم الخميس 3 يوليو ليؤديهما على الأرجح تلميذات بمدرسة زوجته (كريستين) للبنات (مدرسة البنات الوطنية) بشارع شريف، بعد الامتحانات السنوية وتوزيع الجوائز، وكان بين الجمهور ضباط جيش وكثير من الأعيان المسلمين والمسيحيين.
وفي الصيف التالي قدم عرضا آخر بالمدرسة، فقدمت يوم الخميس 5 أغسطس 1880 مسرحية (تليماك) إعداد السوري سعد الله البستاني، وكان ذلك على مسرح زيزينيا وحضر العرض الخديو توفيق وأعضاء الحاشية  وحاكم الإسكندرية وخصص لجمع أموال للفقراء لحساب الجمعية اليونانية الكاثوليكية الخيرية بالإسكندرية. وتضمنت المسرحية كثيرا من الأغاني.
نضيف هنا ذكر البرنامج المسرحي لمدرسة دير السانطة بالإسكندرية عندما مثلت عدة مسرحيات في 6/8/1879. وجعلت الحضور مجانا.
كما أنه لا يمكن إغفال ذكر دور عبد الله النديم في هذا المجال حيث كان  من رواد المسرح المدرسي، (يعتبر عبد الله النديم هو أول مصري يكتب للمسرح العربي من 1872 بعد أن كسر احتكار السوريين للكتابة. تلقى النديم تعليما تقليديا إسلاميا. واكتسب شهرة كبيرة بصفته شاعرا وأديبا واختلط في شبابه بالأوساط الأدبية في الإسكندرية وطنطا. حضر إلى الإسكندرية في أوائل 1879 بتعليمات من جمال الدين الأفغاني وانضم إلى أديب إسحاق وسليم النقاش لنشر مبادئ الأفغاني وأفكاره). وقد بدأ النديم نشاطه هذا في عام 1879 عندما أسس مدرسة الجمعية الخيرية الإسلامية لمساعدة فقراء المدينة، فكون جماعة من الطلاب للخطابة والتمثيل. وقدم الطلبة في 5 فبراير 1880 مسرحية باللغة الفرنسية. وكتب النديم مسرحيتين مشهورتين وهما (العرب)، و(الوطن وطالع التوفيق) وهي تورية على اسم الخديو توفيق، وقد كتبت باللهجة العامية، وعرضت هذه المسرحية ذات الفصول الأربعة بالطلبة في فناء المدرسة يوم الاثنين 2 إبريل أمام حشد من الجمهور، ثم أعيد عرضها بحضور الخديو توفيق وحاشيته على مسرح تياترو زيزينيا في 10/7/1881، وقد قام النديم بالتمثيل فيها مع طلابه، وقد نجحت المسرحية نجاحا منقطع النظير، وقد نقد فيها النديم العيوب الاجتماعية والسياسية ووصف ما كانت عليه البلاد من فوضى واضطراب.
كما قدم طلبته مسرحيته الأخرى (العرب) أو (النعمان) في نفس العام على مسرح زيزينيا أمام الخديو وحاشيته، وأوضح فيها النديم مزايا العرب والأعمال الفذة التي أنجزوها، وقد فاضت هذه المسرحية بأسلوب أدبي جيد بديع ومقارنات ومجازات وبيان.
وفي 14 أغسطس 1880 قدم طلبة مدرسة الجمعية الخيرية القبطية بالإسكندرية مسرحية (الملك المنصور ) على مسرح زيزينيا أمام جمهور غفير. تضمن الخديو وذو الفقار باشا وحاكم الإسكندرية.
كما قدم طلبة مدرسة محطة القباري مسرحيتين أمام الخديوي إحداهما بالفرنسية والأخرى بالعربية وذلك في 27 أغسطس 1880 في صالون (استوراري) بالإسكندرية.
ولما أدت الأنشطة الدرامية في مدرسة النديم إلى هذا الفيض من الأنشطة في مدارس أخرى. فقد شجع نديم الأقباط أن يشكلوا اتحادات حتى يمكنه أن يساعدهم  على تقديم مسرحية.
شهد صيف 1881 آخر عرض لمسرحية النديم (الوطن) وذلك في شهر يوليو على مسرح زيزينيا بمناسبة الذكرى الثانية لتولي الخديو توفيق العرش.  وقد فشلت هذه المسرحية مكن حيث الحضور الجماهيري لنجاح مؤامرة ضدها بقيادة حاكم الإسكندرية آنذاك مما تسبب في تقديم النديم استقالته من الجمعية والمدرسة في اليوم التالي.
كما قدم طلبة المدرسة البطريركية للروم الكاثوليك بالإسكندرية في 24 يوليو 1881 مسرحية (الابن الشاطر) أمام القنصل الفرنسي في صالون استوراري في حفل الجوائز.
وعرضت مسرحية أخرى يوم 1 أغسطس بعد الامتحانات بمدرسة الأمريكان بالحي اليهودي بالإسكندرية وكتب المسرحية أحد المدرسين ويدعى فتح الله صباغة.
المراجع والمصادر:
1 - تاريخ المسرح في مصر في القرن التاسع عشر، د. سيد علي إسماعيل، مكتبة الأسرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1998.
2 - تاريخ المسرح في العالم العربي في القرن التاسع عشر، د. سيد علي إسماعيل، مؤسسة هنداوي، المملكة المتحدة، 2016.
3 - المسرح المصري في القرن التاسع عشر، فيليب سادجروف، ترجمة د. أمين العيوطي، سلسلة دراسات في المسرح المصري، المركز القومي للمسرح والموسيقى، 2007.
4 - الدراما العربية المبكرة، محمد مصطفى بدوي، ترجمة جمال عبد المقصود، المركز القومي للترجمة، القاهرة  2013.
5 - تاريخ مسرح زيزينيا بالإسكندرية، د. سيد علي إسماعيل، جريدة (مسرحنا) - عدد 469 - 8 أغسطس 2016.
6 - جهود القباني المسرحية في مصر، د. سيد علي إسماعيل، مؤسسة هندواي، المملكة المتحدة، 2017.
7 - المسرح المصري مائة  وخمسون عاما من الإبداع، د، عمرو دوارة، مطبوعات المهرجان القومي للمسرح المصري، 2019.


أحمد محمد الشريف

ahmadalsharif40@gmail.com‏