«ظل الحكايات».. يمتد وينعكس داخل كل إنسان على قدر الحكايات

«ظل الحكايات».. يمتد وينعكس داخل كل إنسان على قدر الحكايات

العدد 657 صدر بتاريخ 30مارس2020

عرض (ظل الحكايات) تأليف: «إبراهيم الحسينى» واخراج: «عادل بركات» .. نرى (منصور)  هذا الإنسان المتأزم الذى يتشابه مع الكثير من البشر .. لم يستطع ان يُحقق أي حلم من أحلامه التى يرى فيها نفسه أو رغباته .. نراه مكبلا بعدة أمور كترك حبيبته له .. هذا الدافع الذى جعله يفكر فى الهروب من عجزه .. يحاول الهروب من سماع الحكايات صغيرا .. ويحاول السفر ليلبى دعوة أحد أصدقائه لحضور زفافه .. لنراه بهذا المكان الذى يبدو محطة قطار او / مقابر / حلم / كابوس / .. أيا كان المسمى.. فهى تحتمل كل تلك الأماكن لتكون محطة صراع نفسى  .. تظهر فيها كل الأحداث التى تتلاقى أمامه ونراها معه أثناء سماعه لحكاية (ليل) وكأنها لحظة إظهار هذا المنصور وعوالمه وحواسه .. المتمثلة فى أطياف وظلال غير موجودة سوى داخله هو فقط .. وتظهر لنا كتداعيات سريالية دون ترتيب ولكنها فى نفس الوقت تحمل دلالات ومعانى كثيرة فالشخصيات تتحدث معه وتنعكس صورتهم فيه ونراه داخلهم كما نرى أنفسنا .. فهو يمثل الواقع بكل ما فيه من وهم وتأزم .. أما هم فمجرد إنعكاس لشخصيات أسطورية تُلقى بظلالها على شخصيات عالمه وواقعه.. الموجودة داخله .. تخرج على شكل هلاوس وكوابيس .. كظلال مُتلازمة / مُحاسبة له .. مُحاولة أن تجيب سؤاله لنفسه عمن يكون .. وتتردد الأسئلة ويحاول أن يكتشف حقيقة مَن حوله .. الواقع والظل وتفتيت الزمن واللحظة وتقاطع العلاقات وتماسها وتقابلها .. والبحث وراء الحقيقة .. حقيقة الوجود فى هذا العالم الغامض المليء بالأحداث الغير مُؤكدة والغير حقيقية ولكنها فى نفس الوقت تتلامس مع حكايات أسطورية قديمة .. وتختلط داخل هذا الإنسان الرمز لكل انسان فى هذا العالم .. فيكون صراعه لمعرفة الحقيقة وتبينها ... مع نفسه ومع الأحاسيس والمشاعر الخانقة التى تُسيطر عليه وتعيش داخله وتتجسد أمامه .. فيحاول الهرب.. ولكنه يُحقق بهروبه صراع كل تلك الأشياء الغير منطقية .. بمقابلته معها وعبر مسافات زمنية مختلفة تجتمع فى نفس الوقت .. وبالرغم من اختلافها إلا انها تشدنا بكل قوة للتفكير فى ماهية الحياة وعبثيتها فى صنع الضغوط على كل انسان ... ولكن تضعنا جميعا جمهور المشاهدة ... ساكنى هذا العالم .. فى المواجهة بل وتربطنا فيه بشكل مباشر بوجود المرآة ووجود أشباه ما نراه .. فكل ما نراه ليس الحقيقة بل أشباه الواقع .. حتى الأحلام الكابوسية نجد فيها أشباه ما نعيشه  .. فكل الأشياء ماهي إلا أشباه وظلال تتردد وتنمو وتتماثل وتتعارض ولكنها تنويعات على تيمات واضحة (لمن يفكر).. ترهقه.. وتلاحقه مهما حاول أن يهرب منها فأنه يحقق معناها .. رحلة البحث .. رحلة الحلم ليؤكد أن قطار الحياة ماهو الا مفردات داخله .. ربما تتعارض .. وربما تتفق وتتشابه .. كصراع (منصور) وحيدا مع عوالم يجد فيها ظلال صُورته وظلال صورة كل منا.. فيخطفنا معه صانع هذا العالم الخاص .. وحتى يأتي القطار الذى يحلم به بشكل غير مُكتمل الملامح ليدوس على كل الأشياء .. وتكون الحقيقة متمثلة فى (مشهد المحاكمة) المكمل لمشهد البداية والتى تَظهر فيها صورة (منصور) و(صورتنا) فى الناحية المقابلة للمرآة .. بوضع تلك المرآة فى المنتصف ليظهر مِن أحد اتجاهاتها كل ظلال الحكايات التى شاهدناها مجتمعة فى مشهد البداية والناحية الأخرى منصور ونحن معه ولحظة متوقفة من الزمان بعقارب الساعة الثابتة والتى لا تتحرك الا في هذه اللحظة ..لحظة الختام و(مشهد المحاكمة).. وديكور معبر لـ»محمد فتحى» الذى استطاع أن يصنع عالما خاصا لكل أماكن العرض المنسجمة مع مشاعر (منصور) بالمنظر المتداخل الأماكن والغير محدد المعالم فنشاهد الشخصيات تَظهر وتختفى داخل المنظر وكأنها تأتى من هذه الرسومات الموجودة على الجداريات والتى تَجمع كل ما هو متناقض فنرى الفراشات / و التنين الذى يخرج من الحائط .. الأحلام /الكوابيس .. الكرسى الذى يوحى بالمقبرة بشاهد القبر وتكملة المنظر الخلفى بوجود صورة الرجل الذى يلتهم أبنائه والقطار المتوقف .. وعقارب الساعة التى لا تتحرك .. ووجود الستارة الشفافة التى تحجب جزءأ مما خلفها لتأكيد الغموض الكلى والتساؤلات داخل (منصور) نفسه .. والشخصيات بملابسها التى تتداخل فيها عناصر مختلفة تحيل للزمن القديم والعصرى فنجد ملابس (منصور) عصرية..أما كل الشخصيات الأخرى بملابس شبه التاريخية والأسطورية .. ساعد معها فى ذلك الأقنعة الموحية لـ»فتحى مرزوق» الذى استطاع أن يؤكد الرهبة والعظمة لهذه الشخصيات الأسطورية وإيحاءات كثيرة تتشكل فى رحلة محاسبة (منصور) لنفسه ليُقابل (الحكيم).. ويلتقى (بالقزم) و(العملاق) معا وهروبه منهما لأكثر من مكان .. يتحرك ما بين أزمان وأماكن وشخصيات مختلفة .. لنلهث .. ونتوحد معها .. وتجسد هذه اللحظات موسيقى الملحن «صلاح مصطفى» وتحقيقه للخط الموازى المعبر والمكمل والموضح بأشعار للكاتب «إبراهيم الحسينى» نفسه وبالرغم من أن معظمها باللهجة العامية إلا انها تحمل دلالات ومعانى تتفق معنا كجمهور فى الصالة لزيادة فى التأكيد على ذلك كظل لنا فى هذه الأحداث .. ومجموعة الممثلين بمجهود كبير بدنى وذهنى خصوصا الفنان «رامى الطنبارى» / (منصور) الذى أجتهد فى التعبير عن المواقف المختلفة .. سواء فى الحركة أو الصوت أو الإيماءة .. سواء فى لحظات الواقع أو اللحظات الكابوسية المتأزمة بإحساس ووعى واضح بكل مكنونات الشخصية .. ومعه «عبير الطوخى» بتلقائية وسلاسة وثقة .. و»محمود الزيات» بصوته وأداءه الخاص المتنوع لكل الشخصيات الواقعية والأسطورية ليعبر عنها ويؤكدها بكل قوة ومعهم «محمود خلفاوى» المتميز فى دور (القزم) كشخصية اسطورية تمتلك رأسين وأداء متلون واستخدامه الحركة الخاصة لهذا الرأس بجواره ليؤكد واقعية هذه الشخصية المرتشية والتى تَظهر بالعديد من الوجوه  و «خالد محايرى» فى شخصية (سالم) الذى يحكى له الحكاية بسلاسة وتلقائية و»أسامة جميل» (صديق منصور) ببساطة فى الأداء المُعبر وانتقاله لأداء أكثر من شخصية ومعهم «على أيمن» (ظِل منصور) و»غادة صفوت» كتنويعات على شخصيات متشابهة ومختلفة..أحَيي على رأس القائمة  المخرج «عادل بركات» الذى استطاع أن يُقدم لنا نسيج فنى هارمونى وتجسيد كل الحالات والشخصيات والأماكن متكئا على النص منطلقا منه بدءا برؤيته النابعة لتشكيل هذا العالم بوعى وامتلاكه عناصره التى غلفها بتنويعات فى الإضاءة لتؤكد الحلم والكابوس والواقع وسلاسة الخروج من كل حالة الى أخرى واجتماع الكل فى مشاهد متوازية ومتتالية وتضافر كل العناصر المختلفة من ديكور وملابس ومشاهد فيديو وممثلين وموسيقى واضاءة ..وصُنع عَالم جامح وجامع لكل تلك الأماكن بكل الغموض الموجود.. ليُؤكد الحالة الكابوسية التى تُسيطر على هذا العالم الذى يجمعنا لنعانى مع الجميع بكل ما فيه .. وفى النهاية أحيي المخرج «سامح مجاهد» مدير فرقة الغد ومجموعة العمل ككل بوجود مثل هذا العمل الذى يثير جدلا فنيا من حيث طريقة التناول والعرض ويضع نفسه بكل قوة فى مكانة متقدمة للمسرح المصرى .


صلاح فرغلي