«فطائر التفاح» باردة.. غير مستساغة

«فطائر التفاح»   باردة.. غير مستساغة

العدد 651 صدر بتاريخ 17فبراير2020

نعم كثيرة هي العروض التي من الممكن أن تكون غير جيدة. ولكن قليلة هي العروض التي تشعرك بالبرودة التامة في كل خلجة منها وتفصيلة.
مع أننا كنا نمني النفس بمشاهدة عرض أكثر من جيد، فمن الوهلة الأولى؛ عند مشاهدة الديكور قبل ابتداء العرض؛ توقعنا خيرا. فهناك نوعا من الفخامة . والحيز المسرحي منقسم لقسمين واحد علوي وآخر سفلي. العلوي كان بمثابة غرفة نوم مصنوعة بشكل جيد. يفصلها عن المستوى السفلي بعضا من ستائر غير متصلة ولا تمثل حاجبا أو عائقا. وقلنا في أنفسنا هذه إشارة جيدة. ثم الجزء السفلي به مكتبة على اليسار ومطبخ شبه مجهز على اليمين، إلى إن وقعت أعيننا على الكرسي المفترض أن يكون من النوع الهزاز؛ ولكن تنفيذه السي يحول تماما عن هذه الوظيفة فخاولنا التغاضي عنها؛ بل وقلنا هذا السوء من الممكن أن يكون له مبررا. وأننا سنشهد صراعا على المستويين بين غرفة النوم والمكتبة / مع أن الدالة على الصعود من المكتبة لغرفة النوم ربما لا تتفق. وسنمرر أن المطبه والمكتبة على مستوى واحد بتبريرات  كثيرة قد يراها البعض ولن أعترض.
إلى أن بدأ العرض ومرت دقائق أو لحظات معدودات . كل لحظة فيها تتأكد أن هناك مشكلة في الاختيار . الاختيار ككل وليس مفردة واحدة.
ولكن قبلا دعني أحاول أن أخبرك عن نص العرض من نهايته. حيث النهاية هي صورة هذه الأرملة متشحة السواد على سريرها. تتذكر الليلة الماضية ، نعم الليلة الماضية ولا يمكن غير هذا . فمازالت نتيجة الشجار من أوراق ممزقة وأشياء مبعثرة موجودة أمامنا على المستوى الأسفل . ولايمكن لأي مخرج حتى لو كان هاويا في بدايته أن يغفل عن هذا. إذن هي الليلة الماضية قسرا. ولو حاول ان يقول غير هذا فلاداعي للحديث أساسا. تلك الليلة التي كان فيها المرحوم (آدم) على قيد الحياة. حيث كانت تستدعي كل مامر في تلك الليلة من شجار وشجار وشجار ولحظات توافق قليلة تأتي كيفما اتفق؛ أو لآن المؤلف ( عاوز كدا). وتعرف ان الزوج كام مريضا ويعالج بالكيماوي. ومل من الدوار . والزوجه تحثه على تناوله .. إلى أن كانت تلك الليلة التي استمرأ فيها طعم فطيرة التفاح المحروقة. والتي كانت سببا لشجار فيما قبل. وعندما استمرأ صعد. وعندما صعد مارس. وعندما مارس تعب. وعندما تعب مات!!
نعم هذا سياق جيد ولكنه لم يكن هذا فقد كانت هناك تطعيمات عن تفاح الفردوس . وإشارات عن لومه لها لكونها سبب شقائه ونزوله من النعيم .. ثم تعرف ان يعمل مؤلفا له مؤلفات . لكنه لم يحظ بالتقدير الكافي . وهناك هاجس يلح عليه بانه سيدرك يوما قريبا أو بعيدا ان كل صفحاته بيضاء .. بياض اللاشيء . ولعلمك هذا سرد بعضا من النتف المقبلوة التي كان يمكن لها أن تصنع شيئا. ولكن في عموم النص هناك اشياء لا يعرفها ولا يعرف الغرض منها سوى المؤلف نفسه. لأنه لو كان المخرج يعرف لحاول ان يعلمنا أيضا.
الحقيقة أنني لم أعرف بل ولم أقرأ أو أشاهد عملا للمؤلف/  أمجد أو العلا من قبل. ولكن علمتني التجارب أن أي عمل درامي يكون البطل فيه هو مؤلف ما ؛ خاصة إذا كان الكاتب مازال في بدايات العمر او منتصفه. يكون في الأغلب ترجمة لما يراه الكاتب في نفسه_ إلا من رحم ربي _ فهو دائما مهموم بالغير . ويشعر أنه لم يجد التقدير الكافي . وأن كل محاولاته في تغيير حتى أقرب الناس إليه تذهب هباء... الخ. علاوة على أن البعض منهم، وأظن كاتبنا كذلك يمارس فعل كتابة الشعر أو هكذا يتراءى له . حيث تكون هناك بعضا من كلمات؛ لو بذل فها بعضا من جخد لأصبحت كما أنتوى وأضحت  قصائد؛لكن لاجدوى منها سوى البوح عما هو في مكنون الكاتب لا الشخصية؛ أو استعراضا لمقدرة.
وفي نص عرضنا نجده حاول أن يفعل كما يفعل الكثيرون بمزج الشخصي بالعام. وهل هناك أعم من ( آدم وحواء). فكانت هناك الإشارات العامة كالتفاح والفردوس والنزول من النعيم.. الخ. مع أنه قدم شخصيات لايمكنها أن تكون الرجل في عمومه ولا المرأة في عمومها. بل ولا تتماس مع هذه العمومية في الكثير من الأحيان.
إذن نعود لحديثنا الأولى ان المكشلة تكمن أساسا في الاختيار. فأولا اختيار النص لا أجد له أي مبرر على المستوى الدرامي . أما على المستويات الأخرى فربما. أيضا هذا الديكور الذي أعجبنا به أول ولهة خارج عن سياق العرض لم يكن جيدا رغم فخامته . فمع هذه المساحات الهائلة غير المستغلة لا من جانب المخرج ولا من مهندس اليدور بوضع أي دالة ما. فقط امتفى بالترجمة ووضعا بعضا من صور لتفاح أعلى المطبه. قد يقول قائل أنه قصد بالمسافت الشاسعة توضيح البعد بين الشخصيات. فنقول أن البعد الأكبر على المستوى النفسي والشعوري الذي حاولونه؛ يكون بالرغم من القرب . كما أن الحركة المسرحية لم تجهل هناك انفاصلا بين مسافات إلا في مواقع كان فيها الانفصال حتميا مثل وجودر المرأة في مطبخها؛ والرجل يفتش في مكتبته. ثم هذه الشاشة الموجودة على يسار المسرح. نعم هو غلفها بحيث تبدو كورق الخائط ولكنها شاشة عرض ذات زاية تقرب من الخمسة وأربعين درجة. بمعنى أنه يستطيع رؤيتها من يجلس على اليمين ووسط الوسط÷ اما من هم على اليسار فقد استراحوا. حيث استحدمت في أول العرض على تصوير ما يشبه المجرة ثم ركزت على الأرض/ ثم الحدث. ثم استخدامها لتصوير الزوج وهو يقول أشياء ما . يقولها بالفعل أمامنا أو يتذكرها قولا لافعلا . أي انه لو لم تكن هناك لما حدث شيء. طبيعي ان يكون ربما قصد بالمجرة والأرض مجرد العالم. وربما يكون وهذا هو الأرجح محاولا لاستعادة رحلة آدم من السماء للأرض . وهنا يكون قد فاته أن يرينا ماقبل النزول لتكون هناك مقارنة. ولو لاوجود لهذا وإما هي قصة حب بين رجل وامرأة لها مالها وعليها ماعليها. فماسبب المجرة والعالم ورحلة النزول؟
حتى اختيار الممثلين أحمد الرافعي وتيسير عبد العزيز لم يكن مواكبا لبعض الكلمات التي قيلت عن تاريخ الشخصية وهيأتها سمتها. نعم هناك الكثير من عباقرة التمثيل لا يجعلونك تفطن لأمور كهذه ولكنها استثناءات تركد قاعدة. أعلم جيدا أنهم في العموم على درجة عالية من الجودة. ولكن هنا وصلت برودة النص وسطحية التعامل مع المنظر المسرحي على أنه منظر فقط؛ إليهم. وربما لو وجدوا خيطا يمكنهم من خلاله التمثيل لفعلوا.
ولكن على الرغم من كل هذا كان يمكن لهذا العرض أن يتجاوز مرحلة المقبول للجيد . عن طريق تحسين ما اختير. فمثلا لو حذفت الكلمات الزائدة والمواقف المجانية المستعادة والمستدعاة بلا حرفية .. لكان أفضل.. ولو اختصر مهندس الديكور شاشاته ومساحاته الشاسعة واعتمد على التصوير للحالة لا نقل الفوتوغرافيا من التركيو للنص . لوجد لنفسه مساخة تعبير من الممكن أن يعمل بها عن طريق الحذف لا الإضافة. وساعتها سيمكن طبعا للمثلين أن يقبضا على شيء يقومان بأدائه وتمريره طبقا لموهبتهما ودراستهما. وأعتقد أن عرضا مسرحيا مدته خمسة وعشرن دقيقة ويكون متماسكا ومقبولا أفضل من عرض يمتد لساعة ويكون بلا لون.

 


مجدى الحمزاوى

mr.magdyelhamzawy@gmail.com‏