جولة فى شارع المسرح العالمي

جولة فى شارع المسرح العالمي

العدد 655 صدر بتاريخ 16مارس2020

أسباب عديدة جعلت صحيفة الجارديان البريطانية تختار مسرحية «ذكريات محل الحلاقة» بين افضل 50 مسرحية قدمت على المسارح البريطانية منذ عام 2000 (قدمت فى 2017). ولا يكفى لهذا التصنيف أن مؤلفها وأبطالها جميعا من السود. ربما يرجع السبب إلى الموضوع المبتكر الطريف وإلى المعالجة الجيدة المبتكرة.
فى البداية المسرحية من تأليف الشاعر والكاتب المسرحى  الشاب  البريطانى الجنسية والإقامة والنيجيرى المولد «إينوا إيلامز» (36 سنة).  ويتمتع ايلامز بموهبة فى الكتابة للمسرح اهلته للفوز بالعديد من الجوائز فى تلك السن الصغيرة. كما كتب مسرحيات لفرقة شكسبير المسرحية وفرقة المسرح القومى البريطانية منها معالجة لمسرحية تشيكوف «ثلاث بنات». وكتب ايضا عددا من المسرحيات التليفزيونية  لهيئة الاذاعة البريطانية. وكان احيانا يشارك فى التمثيل فى ادوار ثانوية فى بعض مسرحياته. وهو زميل منذ عامين «للجمعية البريطانية الملكية للادب « وهى مؤسسة ادبية مرموقة لاتضم الا صفوة الادباء. وكان ايلامز من اوائل الادباء الذين استفادوا من تخفيف شروط الانضمام حيث كانت تشترط الا يقل سن العضو الجديد عن 40 عاما.
وسبق له الفوز بجائزة فرينج المسرحية المرموقة الاسكتلندية التى تنافس جائزة لورنس أوليفييه.  وكان ذلك عن مسرحية «القصة الرابعة عشر» وهى مسرحية ذات ممثل واحد يجسد شخصيتين  وفصل واحد. وكتبها وهو فى الخامسة والعشرين من عمره. وتدور احداثها فى مسقط رأسه نيجيريا فى يوم استقلالها عن الاحتلال البريطانى.
اما فكرة المسرحية المبتكرة «ذكريات محال الحلاقة» فتدور حول دور محلات الحلاقة فى حياة السود وهى فكرة عالجها  المؤلف والمخرج باسلوب مبتكر  وشيق اضفى عليها الجاذبية. وقد رشحت المسرحية لجائزة «الفريد فاجون» وهى جائزة تمنح عن الاعمال المسرحية التى يكتبها السود. وهى تحمل اسم الفريد فاجون (1937 – 1986)   وهو كاتب مسرحى وشاعر بريطانى هاجر من جاميكا.  لكنها لم تحصل عليها.
ست دول
دارت أحداث المسرحية فى ست محال للحلاقة موزعة بين ست مدن احدها  فى بريطانيا والباقى فى جنوب افريقيا ونيجيريا وكينيا وأوغندا وزيمبابوى) فى وقت واحد وهو ما عالجه الاخراج ببراعة  بعيدا عن المباشرة وانما دعوة للمشاهد لاعمال تفكيره.  وبشكل اكثر تحديدا تبدا الاحداث فى المحال الستة مع مباراة  بين فريقى تشيلسى وبرشلونة فى الدور قبل النهائى لدورى ابطال اوروبا والتى اسفرت عن فوزتشيلسى. وبعد نهاية المباراة تبدأ مناقشات بين رواد المحال حول المباراة ثم تتطرق الى  الحديث فى مسائل متنوعة منها  اوضاع المهاجرين الافارقة فى بريطانيا  والذكورة والانوثة   والدين وغيرها  ليتضح فى النهاية ان محال الحلاقة تعد فى حقيقة الامر منتدى للسود لتبادل الاراء حول  كافة القضايا بما فيها الفن والموسيقى .
وتكون البداية فى محل للحلاقة فى لندن حيث يكتشف الشاب صاحب المحل ان اباه مسجون فيخوض مناقشات مع زبائنه بعد انتهاء المباراة حول هذا الموضوع.
وجسد شخصيات السود فى المسرحية عدد من الممثلين السود مثل البريطانى  بيتر بانكولى و النيجيرى البريطانى سيريل نيرى  وعبده ساليس وهو الاسم الفنى للمثل البريطانى صاحب الاصول الغانية عبد الوهاب مومونى وفيسايو اكينادى النيجيرى الاصل. وكلهم ممثلون ومؤلفون ولهم اعمال اخرى تليفزيونية وسنيمائية. وساليس هو اشهرهم حيث يلعب دور الممرض كورتيس فى الحلقات الطبية «المصابون».
عدة شخصيات
وكان كل ممثل يجسد عدة شخصيات حتى الشخصيات النسائية. ويرى ناقد الجارديان انه كان من الافضل لو اسندت الشخصيات النسائية الى ممثلات من النساء وهناك كثيرات من الممثلات السود القادرات على تجسيد شخصيات المسرحية. ويتمتع جميع الممثلين بلياقة بدنية ورشاقة عالية للتعامل مع الشخصيات المتعددة. كما انهم يحتاجون اليها لاداء بعض الرقصات الافريقية التقليدية  مع من يريد من  المتفرجين فى بدايه العرض ونهايته حتى يعيش الجمهور جو المسرحية الذى يريده المؤلف.
وفى سبيل ايضاح الفكرة استخدم ايلماس العامية الانجليزية المبسطة التى يقول انها تحوى عبارات وكلمات قوية تنقل ما يريده من معان. وعادة ما تستخدم المسرحيات فى بريطانيا لهجة الكوكاى التى يتم الحديث بها فى لندن وضواحيها.
الكاتبة المسرحية الشابة تهتم بالانتحار
ثلاث فترات زمنية  فى وقت واحد
قراءة النص الاصلى تضيف الكثير
ونلتقى مع مسرحية اخرى اعتبرتها الجارديان بين افضل خمسين مسرحية وهى»تشريح الانتحار: الم فى ثلاث نسخ».المسرحية من تاليف الكاتبة المسرحية الشابة( ايضا مثل المسرحية السابقة) اليس بيرش (34 عاما).وهى كاتبة بدات ابداعاتها المسرحية مبكرا عندما كانت فى السادسة عشر. ومارست ايضا التمثيل الصامت (البانتومايم) لسنوات قليلة قبل ان تتفرغ للكتابة المسرحية.
وطبيعى ان تختار بيرش هذا الموضوع المهم بعد ان باتت حالات الانتحار تشهد زيادات تبعث على القلق فى دول الغرب فى السنوات الاخيرة. وفى هذه المسرحية تناقش بيرش الاسباب التى يمكن ان تكون وراء تلك الظاهرة. وتناقش بيرش القضية من خلال ثلاثة اجيال من النساء تدور مناقشات بينهن حول الحياة وجدوى استمرارها.
واختارت الجارديان المسرحية التى استغرقت ساعة و45 دقيقة  رغم انها  عرضت فى الولايات المتحدة على الجانب الاخر من الاطلنطى باعتبار انها من ابداع كاتبة بريطانية وعرضت فى برودواى عاصمة المسرح الامريكى. وقد عرضت فى بريطانيا بالفعل بعد صدور التقييم وبنفس رؤية مخرجتها الامريكية.
 وسبق ان فازت المسرحية بجائزة سوزان سميث المسرحية المخصصة لكاتبات المسرح من النساء دون الرجال. وتم اطلاق هذه الجائزة منذ عام 1978 تخليدا لذكرى الكاتبة المسرحية البريطانية سوزان سميث التى رحلت قبلها بعام عن عمر يناهز 42 عاما فقط.
ثلاثة فى واحد
تدور المسرحية بشكل مبتكر عبر ثلاث فترات زمنية فى 1970 و1990 و2030. وخلال الفترات الثلاث  -اثنتان سابقتان  وثالثة مستقبلية- تستعرض الكاتبة الاسباب التى تجعل الشخص ينهار من داخله فيصبح من الطبيعى ان يقدم على الانتحار.
 تبدا المسرحية فى حقبة السبعينيات بكارول التى تعانى من الاكتئاب وترتدى ملابس توحى بالكابة وهى تجلس فى حديقة منزلها. ويجلس معها زوجها الذى يتهمها بانها تسعى الى الانتحار بالامتناع عن الطعام والاسراف فى شرب الخمر وتعاطى ادوية دون ضرورة على امل ان يعجل ذلك بوفاتها لانها لا تجد لديها الجرأة على الانتحار دفعة واحدة. ويتساءل الزوج عن السبب فى ذلك حيث انه لا يجد فى حياتها سببا يدفعها الى ذلك.
وبعد ذلك تتحول الاضاءة الى ابنتها « انا» وينتقل الزمن الى 1990 حيث  تعالج  فى احدى المستشفيات وهى تحاول نزع انبوب محلول وريدى من ذراعها عنوة والطبيب يقاومها ويؤكد انها يمكن ان تموت لو فعلت ذلك.
وتتحول الاضاءة بعد ذلك الى مستشفى اخر فى عام 2030 حيث تظهر بونى ابنة انا وحفيدة كارول وقد اصبحت طبيبة وهى توقع الكشف على احد المرضى وتتظاهر بانها سعيدة وهى تعانى اكتئابا يكاد يدفعها للانتحار. وبذلك تكون خشبة المسرح مقسمة الى ثلاثة اجزاء. وتدور الأحداث فى وقت واحد فى ثلاث فترات زمنية.  
ويتوالى الحوار والمشاهد  بشكل سلس تتحرك فيه الاحداث افقيا وراسيا لتظهر فيه تجارب صعبة مرت بها كل واحدة دفعتها الى ذلك وساهمت فى تفاقمها سلبيات المجتمع البريطانى التى يمكن ان تنسحب على مجتمعات الغرب او المجتمعات الانسانية بشكل عام. وتم خلال الحوار استخدام نفس الكلمات والعبارات للتأكيد على ان المشكلة تظل واحدة رغم تعاقب الزمن.
وقد تم اختيار المخرجة الامريكية ليليانا بلين كروز للاستفادة من سرعة الايقاع التى يتميز بها المسرح الامريكى والتى برعت فى عرض تعقيدات النفس البشرية.  
وينصح ناقد الجارديان كل من يشاهد المسرحية بقراءة نصها الاصلى لانها سوف تضيف اليه الكثير.


ترجمة هشام عبد الرءوف