«البخيل».. كوميديا مكررة

«البخيل»..   كوميديا مكررة

العدد 651 صدر بتاريخ 17فبراير2020

يكثر تناول النصوص المسرحية الشهيرة على خشبات المسارح منذ زمن بعيد، هناك من يستدعي نصوص تتماشى مع الواقع المعاصر كونها خامة مسرحية بها رحابة شديدة تساعد صناع العمل على تطويعها لتلائم الواقع المعاش، وآخرون يستدعون نصوص تبدو في قرائتها غير ملائمة للواقع الحالي ولكن بإجراء الإعدادات الخاصة بالنص تصبح المادة المسرحية المقدمة متماشية مع واقعها، وهناك نوع آخر يستمر في تقديم نصوص شهيرة قُدمت عشرات بل ومئات المرات أحيانًا بإجراء إعداد وأحيان آخرى دون ذلك لأسباب مختلفة، فهناك من يجد في تلك النصوص ملاذ للتعبير عن فكرة ما لا يمكن طرحها إلا باستخدام ذلك النص تحديدًا، وهناك من يسعى للنجاح المضمون فيما يخص شهرة النص وحب الجمهور له وقياس مدى رضاء المتلقين لعروض النص السابقه التي تضمن له النجاح إذا أعيد عرضه من جديد.
ومن كل الأسباب التي تجعل صناع العمل يتجهون نحو إخراج  نص عُرض مرات عدة، قدم فريق مسرح الشباب على خشبة مسرح أوبرا ملك العرض المسرحي “البخيل” تأليف الكاتب الفرنسي الشهير موليير، والذي يعتبر هو أشهر نصوصه على الإطلاق بل وأكثرها تقديمًا، قُدم العرض في إطار كوميدي مثلما جاء بالنص وسار في نفس ترتيب الأحداث التي تدور حول أب بخيل يعيش مع ابنه وابنته في قصر فخم، يتسبب بخله في عرقله أحلامهم الوردية ويعوق إكمال قصص حبهما إلى أن يقوم الأبن بسرقة الصندوق الخاص بوالده الذي يدخر فيه كل ثروته، ويشترط عليه إنه لن يعود إليه صندوقه إلا إذا وافق على زواج أبنائه من أحبائهما، وبتوالي الأحداث والمفارقات الكوميدية تنتهي المسرحية نهاية سعيدة بزواج الأبناء وعودة الصندوق للبخيل.
حيث تمثل شخصية الأب البخيل الركيزة الأساسية التي تتحكم في كافة مسارات العمل الفني، وهذا ما صاغه موليير في نصه بداية من عنوان النص الذي يمثل عتبه أو مدخل أولي للعمل، ليؤكد من خلاله أن جميع الأحداث تدور عن ذلك الشخص، ويجعل المتلقي يتسأل قبل القراءة وكذلك قبل مشاهدة العرض المسرحي، من يكون البخيل، وما أثر بخله على باقي الشخصيات، وهل سيشفى من ذلك البخل أم لا؟، وغيرها وغيرها من الأسئلة التي تحفز المتلقي على الولوج للعمل الفني، وبغير عمد يظل المتلقي في حالة تتبع للبخيل وأفعاله وترقب ردود فعله وأثرها على الشخصيات الآخرى، لذا كان من الضروري أثناء العرض الأهتمام بشخصية البخيل كونها محور العمل، والسعي وراء التأكيد على حضوره حتى وإن لم يكن حاضرًا على خشبة المسرح، وبالفعل كانت جميع المشاهد تدور في سيرته والحوار دائمًا ما يتضمن ذكره بين الشخصيات الآخرى، ولكن أثناء حدوث ذلك لم يصنع العرض تغير واضح أو ملحوظ في بناء النص المسرحي سواء على مستوى البناء الدرامي أوالوصف أورسم الشخصيات، لكن ما جعل العرض يختلف عن سابقيه هو مراعاة طبيعة الثقافة السائدة اليوم، حيث راع العرض إنه يعرض بمصر لذا تخلص من طبيعته الفرنسية من حيث الحوار الواضح إنه نتاج بروفات مكثفة وإضافات لإيفهات نابعة من كل شخصية تتلائم مع يومنا الحالي لتساعد كل ممثل في تمكنه من الشخصية، وبخاصة شخصية فالير والمعلم جاك حيث أضافا كلًا من محي الدين يحيى وهادي محي تفاصيل كوميدية جديدة لم تقدم لشخصياتهما من قبل، ولكن على صعيد آخر لم يخل المنظر المسرحي من الطابع الفرنسي الأستقراطي المذكور في النص على مستوى الديكورات والملابس الفخمة، فلا ابتكار أو تجديد يساعد على الإعلاء من شأن التجديد الذي أحدثه الممثلين في لغتهم الحوارية، أي أن الديكور الملائم تمام الملائمة لطبيعة النص وحبكته والملابس المناسبة لرسم الشخصيات الدرامية، جاءتا ليفسدا بعض التطويرات الطفيفة التي أُضيفت للممثلين أثناء سعيهم في كسر الحواجز الثقافية والوصل للمتلقي المصري اليوم.
وذلك كان على مستوى المكان والبيئة التي يعرض بها، أما على مستوى الزمان فلا مبرر واضح لإعادة إنتاج نص موليير من جديد اليوم، سوى استدعاء روح الكوميديا الخالصة التي نفتقدها هذه الأيام بالعروض المسرحية، فُقدم العرض بطاقات شبابية واعدة بها الكثير من الحماس للإضافة والتجديد، وظهر ذلك من معظم إيفهات العرض التي جاءت ملائمة للوقت المعاصر وأيضًا في حركاتهم الراقصة أثناء الأستعراضات التي تخللت المشاهد الدرامية لتفصح عن طاقات قادمة وبقوة الفترات القادمة.
ودون ذلك لا مبرر قوي في تقديم النص، فإذا كان العرض يحتوي على طاقات مثل هؤلاء الشباب الممثلين، فأين طاقات المؤلفين أو المعدين إذن؟
حيث أن السعي وراء تقديم ما تم تقديمه عشرات بل ومئات المرات يجعل المتلقي في كل مرة يبحث عما هو جديد داخل العرض، وإذ لم ينله يجد حاله مصاب بالملل لأنه رأى مثل ذلك مرات عدة وإن كان هناك بعض الفروق الطفيفة بين العرض والآخر.
فثيمة العرض قابلة للتطويع لتجعل اختياره اليوم اختيار مُبرر، لكن الحفاظ على مسار الحبكة دون تطوير واضح من البداية وحتى النهاية بالتأكيد يفقد المتلقي متعة الأستمتاع بالعمل التي كان من الممكن أن يشعر بها إذا بُذل بعض المجهود أثناء الإستعداد لتقديم العمل.


منار خالد