حياة حواء.. سجن داخل الذكريات

حياة حواء.. سجن داخل الذكريات

العدد 647 صدر بتاريخ 20يناير2020

في إطار الدورة الرابعة (التجربة الأولي) لمهرجان نقابة المهن التمثيلية على مسرح النهار قدم العرض المسرحي حياة حواء تأليف وإخراج محمد حلمي. تدور الفكرة الرئيسية للعرض عن كيف تقهر المرأة في المجتمعات الشرقية، على الرغم من أن المرأة رمز للتضحية والعطاء دون أن تنتظر شيئا، الا ان الرجل في المجتمعات الشرقية مميز عن المرأة فيقوم بفرض سيطرته عليها وتكون له الكلمة العليا. حواء هي (الحياة، الكون، الابدية، النور الذي لا ينطفئ أبدا) هذا العرض كاشف للمرأة المقهورة التي لم يشعر بها المجتمع.  تبدأ الأحداث بموسيقي أغنية ألف ليلة وليلة للسيدة أم كلثوم من كلمات مرسي جميل عزيز، لحن بليغ حمدي. نتعرف على سيدة تدعي حواء (ايناس عزت) تقدم بها العمر ولا نعلم سنها الحقيقي، تجلس في منزلها وضمن مقتنيات المنزل برواز كبير بجوار باب المنزل، تخرج منه حياة ( هيا هاني ) تتفاعل معها ويدور بينهما حوار، حواء تزوجت رجل مثل كل الفتيات الشرقيات دون أن تعلم عنه شيئا، فقد اختاره الأهل، أنجبت طفلا وتركها الزوج ولا نعلم أين ذهب ولماذا تركها، قامت برعاية الطفل وبعد أن أصبح رجل هجرها وتزوج وسافر وأنجب أطفال، لا نعلم أين وماعدد الاطفال . تستدعي حواء ذكرياتها بشكل غير منتظم فهي تحاكم كل المواقف السلبية التي حدثت لها في الماضي . تتذكر كلمات والدها عندما علم بان رجل تحرش بها في الشارع، قال لها : من اليوم لا تذهبين الى الجامعة حفاظا على شرف الاسرة، ستجلسين في المنزل حتى يأتي رجل يمنحك بكالوريوس في الأعمال المنزلية . دلالة على انتظار عريس، فكان العقاب لها وليس للمتحرش . حياة هي حواء عندما كانت في سن الشباب، سن الطموح والانطلاق، شخصية حالمة تحب الحياة، حواء لم تستطع تحقيق رغباتها نظرنا للقيود التي فرضت عليها بحكم العادات والتقاليد، وعلى الرغم من أنها تعيش حاليا بمفردها وتقدم بها العمر، الا أنها تغلق الأبواب وتسجن نفسها متمسكة بالعادات والتقاليد المزعومة، فعندما ترقص مع حياة داخل منزلها ولم يراهم أحد، تقول لها : لا تخبري أحد بما حدث سيقولون أن السيدة تتراقص وتتمايل وهي في هذا العمر بل يقولون ان عقلي قد أختل أو أنني متصابية . تعيش حواء مع صندوق الذكريات، تخرج منه دمية كان يلعب بها طفلها، وأحذية محتفظة بها لحفيدتها على الرغم من أنها لأتعرف سنها، ونوتة يدون فيها ذكريات، وقصة قرأت منها حياة ( يحكي أن أسد كان يخرج من عرينه كل نهار يظل يزأر في الغابة ..... عاش الأسد بعد ذلك وحيدا يذهب كل يوم الي النهر لينظر إلى انعكاس صورته في الماء ويظل حتي تغيب الشمس ) . هنا نجد ارتباط بين حواء والأسد فكل منهما يعيش وحيدا، حواء تناجي نفسها وتجلد ذاتها، فكلما حثتها حياة على الخروج من المنزل لتعيش وتري العالم خارج هذا السجن، فتخلق الحجج مثل ظهرها يؤلمها أو تغير الموضوع فتخبرها أن أحدا يتلصص عليها من الشباك ولا يجب أن يراها عارية وتسد الشباك وتغطي شعر وجسد حياة ، تخيلت حواء أنها خرجت ( تخرج خلف المنظر المسرحي على اعتبار أنها خرجت بروحها وليس بجسدها - كان يجب استخدام اضاءة) نجدها تشنق الدبدوب، ثم تقوم بالتمثيل الصامت  بشنق نفسها . حياة تكرر على حواء بأن تخرج فتبلغها أنها فقدت المفتاح، وفي نهاية العرض تقول حياة  لحواء لن تتحرري وتدخل في البرواز،تبحث حواء عن حياة لتخبرها بانها سوف تتغير وتتحرر من عزلتها لكنه فات الأوان، وتفجر حواء مفاجئة بأن المفتاح معها لكنها لا تريد الخروج .                                                                                 اذا تحدثنا عن الصورة البصرية فنجد منظر واحد يعبر عن منزل حواء من الداخل ( أحمد فتحي عامر – مصمم الديكور والإضاءة والملابس ) الديكور تجريديا تعبيريا، به العديد من الخطوط المستقيمة لحبال مجدولة تملأ الفراغ المسرحي من  اليمين الي اليسار  مرورا بعمق المسرح يربط بينهما مربعات ومستطيلات حدد بعضها بوضع بعض الأوراق الملونة، كما توجد خيوط معقدة متشابكة فوق بعض الأماكن التي تدل علي باب المنزل والشباك، للدلالة على حالتها النفسية المتشابكة والمعقدة مع العالم الخارجي، والباب حدد بورق أسود مقوي رسم عليه طفلة بيدها خيط ترفعه لأعلى به بعض البالونات، ليدل على ان الاطفال هم من يسمح لهم بالخروج، ويتغير الرسم أثناء العرض لنري مفتاح الحياة، حواء هي من حرمت نفسها من الحياة، و أسفل يسار المسرح نجد اطار مفرغ مصنوع من الخشب علي شكل برواز تقف بداخله حياة التي تعبر عن صورتها في شبابها، يوجد يمين منتصف المسرح مكان للجلوس عبارة عن كرسيان ومنضدة صغيرة عليها كرة صغيرة من الصوف تستخدمها حواء لغزل شيئا ما وهنا نربط بين الخيوط المتشابكة المعقدة ونؤكد أن حواء هي من صنعت هذه الحياة بيدها، والمنضدة بها رف سفلي وضع عليه كاسيت وبجوارها صندوق الذكريات، ويسار منتصف المسرح يوجد كرسي رمزت به حواء لوالدها، المنزل بشكل عام يعبر عن السجن التي عزلت نفسها بداخله فهي تعاني من الاضطرابات النفسية من وجودها بمفردها في هذا المكان . أما الإضاءة فكانت متنوعة بين الألوان الباردة والساخنة فنجد اللون الأزرق في حالة الاسترخاء عند سماع أغنية أم كلثوم وكذلك اللون البرتقالي للتعبير عن حياتها عندما تتذكر أسرتها، واللون الأحمر عندما تذكرت بعض الأحداث المؤلمة التي مرت بها، والبؤر الضوئية علي الباب لإظهار الرسومات وعلى الكراسي وعلى البرواز والذي سلط عليه اضاءة خلفية أيضا، وأحيانا انارة كاملة . والملابس عصرية ترتدي حواء جلباب اسود وتغطي شعرها وترتدي كوفية ومظاهرة فهي تشبه الكثير من المصريات في هذا السن، أما حياة ترتدي فستان حملات فوق الركبة تدل على التحرر والشباب، تنوع الاعداد الموسيقي ( أحمد علاء ) بين الشرقية والغربية، فقد استخدمت الموسيقي الشرقية في أغنية الف  ليلة وليلة، والغربية عندما ارتدت حياة الأحذية، وهي وجهة نظر تحترم حيث انني كنت اتمني ان تكون الموسيقي شرقية خالصة .                                                                                   على الرغم من أن هذا العرض يصلح تماما أن يكون من عروض المونودراما فحواء تعرض حياتها، الا ان المؤلف وبذكاء شديد جعل حواء هي الصورة الخارجية في المجتمع وحياة هي الصورة الداخلية. كما ان اللغة العربية حققت حالة من التميز بالرغم من بعض الأخطاء، وعلى الرغم من بعض الهنات في عروض اليوم الواحد الا أن التحية واجبة للمخرج الواعد محمد حلمي.

 


جمال الفيشاوي