الباحث المسرحي محمد نصار: عملت على 18 مسرحية تم انتشالها من مهملات الرقابة

 الباحث المسرحي محمد نصار: عملت على 18 مسرحية تم انتشالها من مهملات الرقابة

العدد 637 صدر بتاريخ 11نوفمبر2019

مرت علينا الاحتفالات بذكرى انتصارات أكتوبر في الأيام الماضية كي تذكرنا دائما أننا كنا نواجه عدوا صهيونيا غاشما معتديا مغرورا بقوته مستهينا بقدرنا وقدرتنا، وأننا حاربناه لرد عدوانه واستعادة أرضنا ورفض استسلام الضعفاء وفرض سلام الأقوياء، وأننا رغم شيوع اليأس والإحباط وحالة الفقر الأقرب للإفلاس كنا في وحدة وطنية ورغبة في الثأر دفعت أبطالنا إلى النصر المبين.. كان انتظارنا لست سنوات جزءا من ثقافتنا، واستشفاء من نكستنا، واستعدادا لمعركة المصير، وكان جنودنا البواسل أبطالا يستمدون العون من الله، وكان وراءهم شعب بطل يشاركهم الحرب كتفا بكتف، ويمدهم بالدعم مالا ودما ودعاء.
من هذا المنطلق أعد الباحث المسرحي د. محمد حسن نصار رسالته بعنوان (الرؤية والتشكيل في نصوص المسرح التسجيلي في مصر) متناولا مسرحيات حرب أكتوبر نموذجا، وقد نال بها درجة الدكتوراه في شهر يونيو الماضي بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف الأولى من قسم اللغة العربية بكلية الآداب بجامعة حلوان تحت إشراف الأستاذ الدكتور سيد علي إسماعيل أستاذ الأدب الحديث والدكتور أحمد بهي العساسي المدرس بقسم اللغة العربية. وقدم د. نصار معالجته لهذا الموضوع بالتطبيق على ثمانية عشر نصا مسرحيا كتبت إبان حرب أكتوبر تم اكتشافها وقد استخرجها د. سيد علي إسماعيل من دهاليز وأوراق الرقابة على المصنفات الفنية من أصل ثلاثين نصا تم إنقاذها من مهملات الرقابة على المسرحيات. وهي نصوص غير منشورة، بين مخطوط ومكتوب بالآلة الكاتبة، وهذه النصوص كلها تتحدث عن بطولات الجيش المصري في حرب أكتوبر 1973، ويحكمها معيار واحد، هو أنها مكتوبة خلال عام واحد من بداية الحرب، أي أنها مكتوبة من أكتوبر 1973 حتى أكتوبر 1974 فقط.
وتزامنا مع الاحتفال بانتصارات أكتوبر رأينا أنه من واجبنا تسليط الضوء على ما جاء بهذه الدراسة، وذلك لجدة الموضوع الذي لم يسبق تناوله من قبل ولأهميته الفنية في البحث المتعمق في دراما حرب أكتوبر. وأيضا باعتبار أن تلك النصوص الثلاثين إنما هي ثروة درامية مفقودة يجب استعادتها والاستفادة منها بشكل ما. ود. محمد نصار يشغل خبير مدير عام إدارة أبحاث التزييف والتزوير بالإسماعيلية، وحاصل على درجة الدكتوراه في الكيمياء العضوية والماجستير في القانون الجنائي.
لماذا فكرت في تحليل نصوص حرب أكتوبر بالتحديد؟
أوضح أولا أن الفضل في اكتشاف وإنقاذ تلك النصوص من الإهمال وعودتها للحياة يعود إلى الأستاذ الدكتور سيد علي إسماعيل، وقد قمت بعملي الأكاديمي والعلمي عليها بعد ذلك، وقد تم ذلك بناء على فرضية أساسية هي أن المسرح التسجيلي هو أقدر وأجدر أشكال المسرح على رصد الظواهر وتسجيلها. ومن هنا كانت المسرحيات المختارة هي مسرحيات تقع تحت مظلة أدب الحرب، فقد كانت فصول الدراسة جميعها مرتبطة بالحرب ذاتها. بحيث شرحت في الباب الأول أهم الرؤى الموضوعية للمؤلفين، وشرحت في الباب الثاني التشكيل في النصوص المسرحية المختارة. لتتم بذلك الإجابة عن السؤالين: ماذا قيل؟ وكيف قيل؟
كيف كان اختيارك لتلك النصوص؟
لقد درست في هذه الأطروحة ثماني عشرة مسرحية مختارة من (نصوص مسرحيات حرب أكتوبر)، وذلك بوصفها نماذج للمسرح التسجيلي، بغرض بيان الرؤية والتشكيل في تلك النصوص تطبيقيا. وقد اخترت هذه النصوص بناء على ثلاثة معايير أولها التأليف خلال العام الأول من حرب أكتوبر، أي خلال الفترة من أكتوبر 1973 إلى نهاية سبتمبر 1974، وثانيها عدم سبق الطباعة والنشر، وثالثها وجود سمات وخصائص المسرح التسجيلي. ومن أسماء تلك النصوص (هيلا هيلا يا مصر)، (حراس الحياة)، (أولاد بلدن)، (القرار)، (دموع الأخطبوط)، (الحمام على برج أكتوبر)، وغيرها.
هل عرضت تلك النصوص على خشبة المسرح أم ظل البعض منها حبيس الأوراق؟
لم أتيقن من خلال البحث من عدد المسرحيات التي عرضت على خشبة المسرح من هذه النصوص، خاصة وأن اهتمامي النقدي كان منصبا على النصوص المكتوبة دون العروض المسرحية. غير أن المعلومات المتوفرة عنها والتي حددت اسم مخرجها ترجح كونها جميعا قد عرضت مسرحيا.بل إن أحد العروض قد أخرج وصور للتلفزيون وهو نص (حدث في أكتوبر لكاتبه إسماعيل العادلي). كما لم أبحث في أسباب عدم نشر تلك النصوص ولم أتابع ما تم تحويله منها إلى عرض مسرحي لأن ذلك كان خارج الهدف من دراستي للنصوص.
ما الصعوبات التي واجهتك عند إنجاز الرسالة؟
تمثلت الصعوبات في عدم وضوح طباعة النصوص محل الدراسة لكونها نسخا كربونية لآلة كاتبة عربية قديمة، وكثيرة الأخطاء الطباعية. وإن كان أحد شروطنا لاختيار النصوص ألا يكون منشورا أو مطبوعا من قبل. عدم القدرة على التواصل مع مؤلفي هذه النصوص لوفاة معظمهم، فلم أتواصل إلا مع الأستاذ عبد العزيز عبد الظاهر مؤلف نص/ الحمام على برج أكتوبر. وكذلك اتساع شريحة النصوص محل الدراسة وقصور دراسة أكاديمية واحدة عن الإحاطة بكل زوايا الدراسة دون تضخم أو ترهل.
ما أهم النقاط التي حرصت على كشفها وتحليلها من حيث المضمون في رؤية الكتاب للدراما المسرحية لحرب أكتوبر؟
لقد خصصت الباب الأول للرؤية، ويتكون من خمسة فصول، الفصل الأول بعنوان (الشخصية اليهودية الصهيونية في مسرح أكتوبر) تناولت فيه أهمية دراسة الشخصية اليهودية الصهيونية. وجاء الفصل الثاني بعنوان (الحرب من أجل السلام)، وتناولت تلك الرؤية في مقدمة نظرية اشتملت على الجذور الفلسفية لفكرة الحرب من أجل السلام، والرؤية الإسلامية للحرب وواقع ما قبل حرب أكتوبر وواقع ما بعدها، وفي الفصل الثالث بعنوان (الجبهة الداخلية) ركزت على ثلاثة محددات موضوعية هي الوحدة الوطنية والحالة الاقتصادية والتحول النفسي. فأكدت على وحدة عنصري الأمة مسلميها ومسيحييها مستدلا على ذلك بأكثر من مشهد من مشاهد المسرحيات المختارة مبرزا ما في تلك المشاهد من دلالات على تضافر المسلمين والمسيحيين في نسيج شعبي واحد. كما جئت ببعض المشاهد التي تشرح الوضع الاقتصادي الكارثي الذي كان أقرب للإفلاس وكذلك الوضع النفسي الذي كان هو عين الإحباط واليأس والتشكيك واستبعاد فكرة الحرب ونقد القيادة السياسية والسخرية منها. أما في الفصل الرابع فتناولت ظاهرة الانتظار في مسرحيات أكتوبر ورصدت أبرز الشواهد الدالة عليها في النصوص المختارة. مبينا تفاوت دلالات الانتظار ما بين الضعف واليأس والأمل والاستعداد والمراوغة لتحقيق مفاجأة العبور. وفي الفصل الخامس المعنون (البطولة في مسرحيات حرب أكتوبر) أكدت أن البطولة لم تنل حظها المستحق من الاهتمام والتفصيل وأنها جاءت في صفحات قليلة من النصوص لا تتناسب وأهمية النصر العسكري المتحقق، وأنها في الغالب بطولات خيالية لا تعتمد على حقائق وثائقية، وذلك للتعجل في الكتابة قبل استقرار الأوضاع على أرض المعركة.
وما الذي طرحته في الدراسة على مستوى الشكل في نصوص الحرب؟
قمت بدراسة (التشكيل) في النصوص المسرحية موضوع الدراسة في خمسة فصول، خصصت أولها لدراسة اللغة المستخدمة فجاء بعنوان (مسرحيات أكتوبر بين العامية والفصحى). وقد أكد على دور العامية في تحقيق كسر الإيهام، ودورها في تيسير الارتجال وتحقيق الفكاهة والسخرية.
أما الفصل الثاني من الباب الثاني فقد خصصته لدراسة (الشعر في مسرحيات حرب أكتوبر) وبدأته بعرض الأجواء الاحتفالية التي صاحبت فرحة النصر وتوجيه وزارة الثقافة الدعوة للمؤلفين للإسهام بمؤلفاتهم عن حرب أكتوبر. وقد تبينت أن النصوص المختارة هي نصوص عامية في مجملها فيما عدا نص شعري فصيح هو (سقوط بارليف). أما الشعر العامي فقد مثلت له بنص (الحمام على برج أكتوبر) واعتبرته الوجه المقابل لنص سقوط بارليف من حيث كونه نصا شعريا عاميا بكامله. ودرست ظاهرة تعدد المؤلفين للنص المسرحي. كما درست دور الكورس في التعليق على الأحداث من خلال الأغاني والمقطوعات الشعرية. وأظهرت دور الأناشيد الوطنية في نصي (عبور الفلاحين، في حب مصر)، كما تعرضت لكيفية تقسيم النصوص إلى لوحات غنائية معبرة في نص (وطلع النهار) مشيرا إلى تميز الشاعر محمد الشرنوبي في صياغة أشعار العامية في نصي (دموع الأخطبوط، وطلع النهار).
وأما الفصل الثالث فقد جاء بعنوان (الفضاء الدرامي في مسرحيات حرب أكتوبر) بادئا ببيان المفارقة بين الفضاء الدرامي والفضاء المسرحي باعتبار الأخير جزءا من الأول من خلال جدلية العلاقة بين النص والعرض والتأكيد على دور السينوغرافيا في بناء الفضاء المسرحي المعبر عن رؤية العرض المسرحي التي قد تتطابق مع رؤية مؤلف النص أو تختلف معها أو توازيها في مستويات دلالية مختلفة. وأما الفصل الرابع فقد جاء بعنوان (الحوار المسرحي والشخصية المسرحية) وقد جمعت كلا من الحوار والشخصية في فصل واحد بوصفهما وجهين لعملة واحدة باعتبار أن الحوار كاشف عن الشخصية وأن الشخصية إنما تنطق بما يناسبها في الحوار. وفي الفصل الخامس والأخير من الباب الثاني تناولت (النص الإرشادي أو الإرشادات المسرحية) في (مسرحيات حرب أكتوبر).
هل اعتمدت دراما أكتوبر على الحقائق الموثقة أم على خيال المؤلفين؟
أن النصوص المختارة كانت بعيدة عن مشروع هيئة المسرح لتوثيق بطولات حرب أكتوبر، حيث كانت بعيدة كل البعد عن التسجيلية فلم يذكر فيها أماكن الوقائع الحقيقية ولم تعتمد على أرقام وإحصائيات دقيقة. لكن أفق الخيال الإبداعي الواسع أفرز في تلك النصوص صورا مقبولة للبطولة، اهتم فيها مؤلفوها بالكليات دون التفاصيل، وبالجوانب النفسية والمعنوية أكثر من الجوانب الحسية والمادية.
إذن هل يمكن أن ندعي أن لدينا نصوصا عبرت عن إنجاز نصر أكتوبر كما ينبغي؟
أستطيع ان أقول إن الدراسة توصلت إلى عدة نتائج مهمة في هذا الشأن أوجز بعضها في عدة نقاط، وهي: أولا إن النصوص موضوع الدراسة قد بينت إجماع المؤلفين على أن مصر ما خاضت حرب أكتوبر لميول توسعية ولا حتى لميول انتقامية، وقد عادت فور تحقيق النصر تنادي بالسلام. وثانيا إن الجبهة الداخلية المصرية قبل الحرب لم تكن لترشح المصريين للعبور والانتصار وتحقيق ما ظنه العالم كله حلما مستحيلا، فاليأس والإحباط كان جوا عاما قلما يفلت منه أحد، والفقر والعوز إلى حد الإفلاس كان هو عنوان الحالة الاقتصادية المتردية.
ويمكن القول ثالثا إن حرب أكتوبر قد تمت وفق حسابات القيادة السياسية في إصدار قرار الحرب رهانا على الخصائص الفريدة للشعب المصري، شعب متوحد العناصر منذ فجر التاريخ، لا تزلزله الفتن، ولا تهزمه الدسائس، شعب صبور في الشدائد، صعب المراس حين تختبر إرادته.
وذهبت في النتائج أيضا إلى أن الانتظار كان قاسما مشتركا في نفوس المصريين جميعا، وكان انتظارهم انتظارا إيجابيا تمثل في تكثيف التدريبات وتحسين التسليح وزيادة التوعية وتغيير نوعية المقاتل بالاعتماد على الجامعيين الذين يستطيعون التعامل مع الأسلحة المتطورة واستيعاب خطط الحرب الحديثة. وذلك مع رفع الروح المعنوية. أما المدنيون من المصريين، فقد كان غالب انتظارهم سلبيا لأنهم لا يستطيعون المشاركة في اتخاذ قرار الحرب فاكتفوا بالتحسر على الشهداء والمصابين، وكان الجانب الفاعل الضئيل في هذا الانتظار هو الضغط الشعبي على رئيس الدولة دفعا له في اتجاه اتخاذ قرار الحرب.
إذن فقد أظهر الكتاب أن الشعب المصري كان سلبيا مقابل بطولات الجيش في ميدان الحرب؟
لا إطلاقا، لم تكتف النصوص موضوع الدراسة بالبطولة العسكرية، بل أبرزت بطولات مدنيين شاركوا في مواقع شتى في دعم المقاتلين أو الدفاع عن مؤسسات الدولة وأراضيها. كم أبرزت النصوص بطولة الأم المصرية التي قدمت ابنها الشهيد فداء للأرض ونصرة للحق، وتحملت في سبيل ذلك لوعة الفقد.
كيف كانت ملامح الشخصية المصرية إذن في تلك النصوص؟
 - أخذت الشخصيات المسرحية في النصوص المختارة ما يناسبها من البيان، فلم يهتم المؤلفون ببيان كافة عناصرها الشكلية والنفسية والاجتماعية إلا بقدر ما يقتضيه التعرف عليها وعلى دورها في المشاركة في الفعل الدرامي. وقد أفلح المؤلفون في نحت الملامح النفسية الخاصة بالشخصيات الرئيسية والمساعدة بدرجات كافية لتفسير التصرفات والآراء الصادرة عن كل منها. وقد كان للشخصيات التاريخية حضورها في نص واحد من النصوص المختارة هو (الحمام على برج أكتوبر) الذي استحضر شخصيات الخديوي وعرابي والنديم وزهران، كما كان للشخصيات الأسطورية (إيزيس، أوزوريس، حورس)حضورها في نص واحد كذلك هو(حدث في أكتوبر).
كما لجأ المؤلفون أحيانا لتجسيد الشخصيات الرمزية، فظهرت (شخصية مصر) في الكثير من النصوص منها (الحمام على برج أكتوبر، أولاد بلدنا، سنين الصبر) في صورة سيدة تتكلم بالحكمة وتتسم بالصبر والأناة، وتعامل أبناءها بالود والحب والرحمة، وتعلق على الأحداث بما يناسبها وقد تشارك في توجيهها. كما ظهرت شخصية الشهيد (الطيف) في مسرحية سنين الصبر.
في مقابل ذلك كيف أشارت تلك النصوص إلى الإسرائيليين؟
إن كل الشخصيات اليهودية بالنصوص موضوع الدراسة كانت ذات سمات صهيونية واضحة. إن ما اتسمت به الشخصيات اليهودية الصهيونية من سمات السادية والدموية والتوسعية والغرور وتحقير غير اليهود هي صفات أجمع عليها مؤلفو النصوص موضوع الدراسة بحيث لم يشذ منهم واحد يذكر يهوديا بخير، اللهم إلا في حوار قصير بين شارون وأحد القادة في معركة قبية الأردن تلمح فيه ملمحا إنسانيا خافتا في شخصية ذلك القائد. وهذا الإجماع متوافق مع السياق التاريخي لكتابة النصوص، بوصفه رد فعل على التحقير اليهودي للمصريين والعرب.
وعلى مستوى الأخلاق ظهر اليهودي ديوثا لا يغار على عرضه، بخيلا لا يهتم بغير المال، غادرا لا يؤتمن على كلمة أو عقد، كاذبا لا يصدق في كلمة، خائنا لا يوثق جانبه.وأما شخصية المرأة اليهودية فقد كادت النصوص المختارة تخلو من نماذجها لولا وجود شخصيتي (كارينا وجيسيكا) بمسرحية عفاريت من ورق. وقد أظهرت الأولى أخلاق الخيانة والعهر مع توظيف الجمال الأنثوي لخدمة المخطط الصهيوني. بينما أظهرت الثانية قدرة على تزوير العقود انتصارا لموقف أبيها (شايلوك) المغلوط في صراعه مع خصمه (أنطونيو). أما الشخصيات المدنية فلم تظهر سوى بوصفها أصواتا في خلفية المشهد لوصف الآلام التي عاني منها المجتمع المدني الإسرائيلي بعد الهزيمة التي لحقت بإسرائيل في حرب أكتوبر المجيدة.
هل أثرت أحزان وهموم الشارع المصري أثناء الحرب على مستوى التناول الشكلي واللغة والحوار في المسرحيات؟
إن النصوص المختارة جاءت جميعها – إلا واحد – مكتوبة بالعامية المصرية، تعد من أسباب هذا الاختيار قدرة اللغة العامية على إتاحة السخرية والاستهزاء بالشخصيات اليهودية الصهيونية والحط من شأنها تحريضا للمتلقي ومواجهة للتزييف والإضلال الذي تقوم به الآلة الإعلامية الصهيونية. وكذلك قدرة اللغة العامية على تحقيق كسر الإيهام ودمج المتلقي في الأحداث واحتوائه تمهيدا لضخ الرسالة التحريضية التي يتبناها النص التسجيلي. كما تبينت عدم تمكن المؤلفين من قواعد اللغة العربية على نحو ما تبرزه أخطاؤهم في النصوص الإرشادية مما دعاهم للهروب منها إلى الكتابة بالعامية. ويمكن القول إن أفضل النصوص هي ما وظفت فيها كلتا اللغتين العامية والفصحى في مستويين مختلفين من خلال تقنية المسرح داخل المسرح، فنال النص مزايا كل منهما. كما توصلت أيضا إلى أنه كان للشعر بنوعيه الفصيح والعامي حضور قوي في النصوص موضوع الدراسة وقد أمكن ملاحظة عدة أنماط من التوظيف الشعري جمعت في جدول بنهاية الفصل الثاني من الباب الثاني. أما بخصوص الحوار الدرامي فقد كان للديالوج المسرحي المساحة الأكبر من الحوار المسرحي – وهو أمر طبيعي ومنطقي – بينما كانت المونولوجات المسرحية قليلة الكثافة. وقد وظفت في مواضعها للكشف عن الدوافع النفسية للشخصيات من جانب، وكمصدر للمعلومات للمتلقي من جانب آخر. وكان الصمت - بوصفه أداة حوارية ذات دلالة - موظفا في مواضعه للدلالة على الحيرة والعجز والقهر وكلها حالات نفسية ملائمة لظروف الشخصيات المسرحية في سياقات النصوص.
إن تناول موضوع الحرب يحتاج إلى تخيل سينوغرافي ذو طبيعة خاصة، فكيف وظفت الدراما المسرحية الفراغ المسرحي؟
إن الفضاء المسرحي في كافة مسرحيات حرب أكتوبر كان مقيدا بإمكانيات السينوغرافيا في توظيف ذلك الفضاء المنظور وربطه بفضاء مسرحى غير منظورمن خلال مؤثرات الصوت والإضاءة التي يوردها المؤلف في النص الإرشادي بالمسرحية. إن الفضاءات الدرامية كانت أوسع مدى من الفضاءات المسرحية من خلال إحالة السرد والحوار معا إلى تصور أحداث خارجية هامة لا تستوعبها الفضاءات المسرحية المنظورة، على الأقل فيما هو ميتافيزيقي كالجن والملائكة، وذلك لتشكيل رؤية المؤلف، بشأن كل من الشخصية اليهودية، والجبهة الداخلية المصرية، وظاهرة الانتظار، والحرب من أجل السلام وهي أهم الرؤى الموضوعية التي تعرضت لها النصوص.
وكيف انطبق ذلك على الإرشادات الخاصة بالديكور والإضاءة وغير ذلك؟
اتضح أن هناك تفاوتا كبيرا فيما بين المؤلفين لتلك النصوص من حيث القدرة على توظيف النص الإرشادي لبيان عناصر العرض المسرحي المتصور في مخيلة المؤلف. ما يمكن إجماله بشأن النص الإرشادي ودوره في النصوص المسرحية المختارة، هو أن ثمة تفاوتا كبيرا فيما بين المؤلفين من حيث القدرة على توظيف النص الإرشادي لبيان عناصر العرض المسرحي المتصور في مخيلة المؤلف، فقد كتب البعض تفصيلا للمنظر المسرحي يكاد لا يدع دورا للمصمم إلا بوصفه منفذا لتصور المؤلف فقط.بينما أجمل آخرون وصف المنظر تاركين مهمة تصوره للمتلقي وللمخرج والمصمم. إن الدراسة الأسلوبية للنص الإرشادي بالمسرحيات المختارة لم تسفر عن الكشف عن ظواهر فنية راسخة لدي المؤلفين، اللهم إلا الاختزال الشديد في وصف المنظر المسرحي عند هارون هاشم رشيد مؤلف مسرحية سقوط بارليف، والإسهاب الشديد في وصف الفعل المسرحي عند صلاح راتب مؤلف (عفاريت من ورق). أما بخصوص الإضاءة فإنه رغم ضعف الإمكانيات السينوغرافية المتاحة خلال فترة تأليف النصوص - فإن المؤلفين قد استخدموا الإضاءة استخداما جيدا في تصدير الشخصيات والأشياء لتصبح محور تركيز المتلقي من جانب ولتحميلها بدلالات رمزية يريدها المؤلف من جانب آخر. خاصة توظيف الإضاءة الملونة. وقد ظهر ذلك جليا في مسرحيات (رصاصة وشظية وحفنة رمال)، (عفاريت من ورق) و(سنين الصبر).
هل توجد ملاحظات أخرى توصلت إليها في الدراسة من حيث الشكل المسرحي؟
توجد ملاحظة خاصة بعنصر الزمان الدرامي حيث لم ينل حظا وفيرا من مساحة النص الإرشادي لأنه غالبا ما يذكر مرة واحدة وصفا للحظات ما قبل الحرب يوم 6 أكتوبر 1973 أو ارتدادا لنكسة 1967 دون الاستغراق في تفاصيل زمنية أدق. كما أن الإضاءة والدخان قد استخدما كدوال على عنصر الزمن وتحقيق أسلوب الاسترجاع (فلاش باك لبعض الأحداث) خاصة في مقام الموازنة بين هزيمة يونيو وانتصار أكتوبر. وأضف إلى ذلك أن النص الإرشادي قد ساهم في غالب المسرحيات موضوع الدراسة في بيان ملامح الشخصيات المسرحية من حيث الوصف الظاهري والبنية النفسية، كما شرح العلاقات بين الشخصيات ومهد لتقبل المتلقي لدوافعها إلى الفعل الدرامي.
وما أهم التوصيات التي أنهيت بها بحثك حول هذه النصوص؟
أصدرت عدة توصيات تلخصت في ضرورة جمع النصوص موضوع الدراسة وإنتاج موسوعة لمسرحيات حرب أكتوبر، باعتبارها سجلا لأدب الحرب وللمسرح التسجيلي، وتبني وزارة التربية والتعليم بعض النصوص المختارة ووضعها ضمن المقررات الدراسية لمادة اللغة العربية، لتزكية الروح الوطنية وتذكير الدارسين بحالة الشعب المصري في مواجهة الأعداء وبث روح الوحدة والتضامن التي كانت سببا في النصر. وأخيرا توجيه نسخة من الرسالة إلى إدارة الشؤون المعنوية بالقوات المسلحة للإفادة منها في احتفالات الدولة بنصر أكتوبر.


أحمد محمد الشريف

ahmadalsharif40@gmail.com‏