المسرح الورقي.. فن بناء الأجيال

المسرح الورقي.. فن بناء الأجيال

العدد 631 صدر بتاريخ 30سبتمبر2019

على هامش مهرجان الهواة المسرحي الذي أقامته إدارة الجمعيات الثقافية التابعة للهيئة العامة لقصور الثقافة بالإسكندرية من 12 إلى 17 سبتمبر، نجحت إدارة المواهب في استغلال هذا الحدث لتعرض على الحضور تجربة خاصة هي (المسرح الورقي) لمؤسسها وراعيها الفنان عاطف أبو شهبة. المسرح الورقي أحد أشكال الفرجة المعتمدة على تقنية تجمع ما بين (الرسوم المتحركة) وفن (الأراجوز). هو فن قديم مستحدث، بمعنى أنه منتشر منذ سنوات طويلة في بلاد الشرق الأقصى، وعرفته مصر التي أضافت إليه لمستها الخاصة، إلا أنه غاب وسط انتشار تقنيات كثيرة عصرية. حتى انتبه إليه واحد من قديسي الفنون، وهو الفنان عاطف أبو شهبة، الذي نذر نفسه له، لا فقط بتنفيذه وعرضه في التجمعات المختلفة كالمدارس والحدائق وغيرها، لكنه وهو الأهم حرصه بدأب ناسك على أن يعلمه لآخرين عبر إقامة ورش تدريبية في مناطق عدة، حتى التقطته إدارة المواهب بالهيئة تحت إدارة مديرها الشاب الطموح محمد صابر، الذي أسر لي أنهم بصدد جولة في أقاليم مصر المختلفة، من أجل نشر هذا النوع، وتدريب أعداد من اللاعبين بهدف ربط الطفل بعوالم المسرح وبالفنون بشكل عام. في إحدى قاعات قصر ثقافة الأنفوشي، استقبلنا الفنان عاطف أبو شهبة، ليعرض علينا تجربته في عرض حمل عنوان (سوق باكوس) وهو في الأساس واحدة من الصور الإذاعية الشهيرة عن أحد أهم الأسواق بالإسكندرية، مستخدما هذه الصورة الإذاعية كخلفية صوتية لتجسيد أحداثها عبر تقنيته الخاصة، بحيث تتحول الأصوات الإذاعية إلى شخوص ورقية تتحرك داخل مسرح صغير أشبه بمسرح الأراجوز. أجمل ما في هذه التجربة هو تفاعل الأطفال وذويهم معها، لكن الأهم هو كم المشاركين من الأطفال في تنفيذ وتحريك الشخوص الورقية. وهو ما يعني أن الهدف من التجربة ليس فقط تقديم عرض يشاهده الأطفال ويفرحون به، ولكن أيضا يشارك بعض منهم في تنفيذه. ورغم بساطة تقنية التحريك المعتمدة على وضع الشخوص الورقية على حوامل خشبية رقيقة يتم تحريكها بأيادي المحركين الذين لا نراهم، وكذلك تحريك الخلفيات بتقنية الستائر المتداخلة المتتابعة، فإنها البساطة التي تكشف عن جهد تدريبي قاسٍ ينجح في إخفاء اللعبة وإظهارها كحقيقة أمام متفرج (طفلا كان أو كبيرا) وينبهر بها. المسرح الورقي، حالة فنية تعليمية بقدر ما هي ممتعة، خاصة مع حرص القائم عليها على اختيار موضوعات ترتبط بتاريخ المنطقة المقام فيها التدريب ومن بعده العرض. وكذلك يمكن استخدامه في تجسيد بعض الموضوعات الدراسية. وأظن أن عاطف أبو شهبة واعٍ بهذا الأمر، وخصوصا بعد تعامله مع أكثر من مدرسة بالإسكندرية وغيرها من المحافظات. المسرح الورقي إذا هو وسيلة فنية لربط الطفل بعوالم الفنون من ناحية، وبتاريخ بلاده من ناحية ثانية. وهو الأمر الذي يجعلنا نتوجه بتحية أولى لمبدعها الفنان عاطف أبو شهبة، وكذلك لإدرة المواهب بالهيئة العامة لقصور الثقافة. فما أجمل أن يرتبط الطفل مبكرا بفن يشارك فيه فيحفر في روحه حب الحياة. 

محمد الروبي