فنانون وأصحاب خبرات إدارية يجيبون على السؤال: من هو المدير المسرحي الناجح؟

فنانون وأصحاب خبرات إدارية يجيبون على السؤال: من هو المدير المسرحي الناجح؟

العدد 526 صدر بتاريخ 25سبتمبر2017

الإدارة المسرحية ضلع رئيسي في العملية الإنتاجية المسرحية، وسلامتها تعني دفعًا للحركة المسرحية للأمام، كما أن تعثرها يعني مأزقًا حرجًا للحركة المسرحية ككل، والتاريخ المسرحي يثبت ذلك ويدعمه بشواهد كثيرة، إضافة إلى أن العالم بأسره يَعتبر الآن إدارة الفنون مجالاً له قدره من الأهمية يسمح بإنشاء المعاهد والكليات المتخصصة لدراسته، عن الإدارة في المسرح، وسمات المدير الناجح، وبعض أهمّ مشكلاتنا الإدارية البارزة، ومن أجل الوصول إلى روشتة لتحقيق النجاح الإداري الداعم للحركة المسرحية، كان لـ «مسرحنا» هذه اللقاءات مع بعض الكوادر الإدارية السابقة والحالية.

ترى د. هدى وصفي، صاحبة التجربة الإدارية الثرية، أن من يتصدى للإدارة المسرحية لن يُجديه أن يكون فنانًا فقط دون معرفة إدارية، أو إداريًّا فقط دون معرفة فنية، ولكن لا بدّ أن يجمع ما بين هذا وذاك على السواء. وتضرب مثلاً بتجربتها فتقول:  «حين عُرض عليّ منصب مدير الهناجر لم تكن لي خبرة سابقة في إدارة الفضاءات الثقافية فقمت مباشرة وبشكل شخصي بالالتحاق بدورة تدريبية في فرنسا، كان القائمون على التدريب بها ثلاثة من القائمين على مؤسسات ثقافية في فرنسا، كان ذلك بغرض اكتساب خبرة مبدئية أستطيع الانطلاق منها، فالمثل الشعبي يقول (إدّي العيش لخبازه) «.
 «أمّا عن أهمية الدراسة والتدريب على الإدارة فدعني أتحدث عن التجربة الفرنسية بحكم احتكاكي بها، فهناك لا يتقلد شخص، أيًّا كان، منصبًا إداريًّا دون تدريب، لأنه سيكون مسئولاً عن إدارة البشر واستخراج طاقاتهم في العمل. وهناك طريقتان لتحقيق ذلك، هما  الدراسة الأكاديمية وورش التدريب لتحصيل المعارف الإدارية أو أن تختار نموذجًا لمدير ناجح له الخبرة وتضع أحد الشباب بوصفه مساعدًا له يتعلم منه ويتتلمذ على يديه ثم يكمل المسيرة من بعده، فهذا شأنه شأن رسائل الدراسات العليا التي لا بدّ وأن تكون لها جهة إشراف «. تضيف:  «الإدارة في النهاية هي مسألة إخراج منتج، تمامًا مثل المخرج المسرحي الملمّ بكل المفردات الفنية للعرض، فكذلك المدير الذي سيتعامل مع فنانين وإداريين وعمال وجهات أخرى، لا بدّ له من الخبرة ومن دراسة احتياجاته ليتممها، مثلاً وجدت أنّ معهد الفنون المسرحية لا يقدم تدريبًا للصوت والإضاءة وأنّ الذي يقدم ذلك هو معهد السينما، فكانت ورشة الصوت والإضاءة التي أقمناها في القومي بالتعاون مع مركز الدراسات في فرنسا، وخرج منها حازم شبل وغيره”.
تستطرد:  «أهمّ المشكلات الإدارية لدينا هي في ضعف التعليم والتدريب، فلا يصح أبدًا أن يتخيل أحد نفسه ملهَمًا ولا يحتاج أن يتعلم أو يتدرب، كما أن لدينا مشكلة ضخمة جدًا في استغلال الموارد البشرية وإعادة توزيعها وتوظيفها بالشكل الأمثل، لدينا في القطاعات الحكومية عامة ملايين البشر، والكثير منهم غير مدرب وانفعالي بشكل مستمر ولا يستطيع تقديم الخدمة بشكل جيد ويؤثر على من حوله، فلا بدّ من إعادة هيكلة وتوزيع وتدريب لما يفتقده أعضاء الفريق، شخصيًّا، أعتز بتجربة الهناجر على مدى عشرين عامًا لم يكن هناك وجود لهذه التخمة الوظيفية التي تجدها في المؤسسات الحكومية عادة، فكان فريق الهناجر خمسة عشر شخصًا لا أكثر، ولكن الأهم معرفتهم الجيدة بمهامهم الوظيفية وأدائها بالشكل الأمثل وزيادة عليها إن تطلب الأمر، حيث يقومون بتغطية زملائهم في حالة تعذر أحد أفراد الفريق فلا بدّ للمجموعات أن تتعرف على مهام غيرها كي يتسنى القيام بذلك” .
عن توصياتها للإداري الناجح تقول:  «لا بدّ أن يتعرف مسبقًا على طبيعة المكان الذي سيديره، ويدرس نوع النشاط الذي يقوم به هذا المكان، ثم يقوم بدراسة العاملين معه ومدى قدرتهم على القيام بهذا النشاط المستهدف، ويحرص على تكوين علاقات طيبة مع فريقه، ويوفر لهم بيئة عمل مناسبة، واستقرارًا ماديًّا وهذا أمر هام جدًّا. أمّا المعرفة اللصيقة بالأمور التقنية والمفردات الفنية ومواكبة التطور التكنولوجي في مفردات المنتج الفني كالصوت والإضاءة والديكور وغيرها، هو أمر في غاية الخطورة، لدينا الآن تطور تكنولوجي خطير ومتزايد، مثلاً هناك ما يعرف بـ «Virtual reality « مسرح افتراضي بدون ممثلين أو فريق، وبالمناسبة قدمنا تجربة مماثلة بالتعاون مع إيطاليا، لم يكن على المسرح سوى الإضاءة، والجمهور لم يكن يصدق أنه ليس هناك ممثلون لأنه يرى عرضًا متكاملاً «.
سدّ الثغرات
المخرج المسرحي ناصر عبد المنعم بخبرته الإدارية الطويلة يقول  «لا بدّ من التفريق نوعيًا في المنصب الإداري، فمدير الفرق الفنية لا بدّ أن يكون فنانًا، لأن الأساس هو الإنتاج وعملية الإنتاج لها مفردات لا يستطيع تقييمها سوى الفنان، وطبعًا لن يكون هذا الفنان سوى المخرج الذي هو مدير العرض، فالمخرج الناجح هو مدير ناجح بلا شك، أما الجهات غير الإنتاجية كالمركز القومي للمسرح أو الهيئة العامة لقصور الثقافة، فلا بدّ أن يتقلدها إداري. ثقافة التدريب لدينا غائبة حقيقة أمّا الدراسة فلدينا قسم التنشيط الثقافي في معهد النقد الفني، ولا أريد أن أكون متجنيًا وأقول إن الإدارة المسرحية حاليًا متعثرة، لكننا ما زلنا داخل الصندوق، فنحن نعمل وفق لوائح مالية قديمة جدًا توجه المتميزين نحو الفيديو والسينما ولا نمتلك خططًا ولو سنوية «.
«أهم مشكلاتنا الإدارية غياب التخطيط بعيد المدى، وغياب ثقافة التدريب وغياب ثقافة التسويق، وأخيرًا غياب الصيانة. وروشتة النجاح لأي إداري أن يعمل على سدّ هذه الثغرات».
دراسة إدارة الفنون
أما عن المخرج المسرحي سعيد قابيل، رئيس وحدة البرامج بمركز الفنون بمكتبة الإسكندرية، فيقول: «المنصب الإداري المسرحي قد يتقلده فنان أو رجل إدارة، ولكن لا بدّ للفنان أن يعمل على نفسه إداريًّا، أما الإداري فلا يُشترط أن يكون فنانًا وأكاديميًّا، ولكن يحتاج لقدر من التذوق الفني الجيد وبعض المعرفة بعناصر المنتج الفني، ولكنّ الأهم حسب تصوري هو أن يحدد أيًّا منهم أهدافه ويعرف ماذا يريد أن يقدم في هذا المنصب، هل يأتي ليملأ فراغًا ويمشي على خطا من سبق، أم ليحقق ما تهدفه الإدارة من عملية التطوير الذي قد يكون تغييرًا كاملاً في شكل المؤسسة، فالإدارة مجموعة عناصر تهتم بالإنتاج والجودة الفنية ثم الجمهور المستهدف وتوسيع رقعته. وشخصيًا أرى هناك محاولات إدارية متميزة مثل مركز الإبداع وخالد جلال وأخشى من عدم الموضوعية لو قلت تجربة مركز الفنون بمكتبة الإسكندرية، ولكن كان لنا مؤتمر مسرحي عقدنا من خلاله شراكات متميزة أتت بثمار جيدة ووصلنا لدرجة أنّ المسرح الكبير يكون مكتملاً في بعض الأحيان بتذاكر وهو تغير في ثقافة الجمهور السكندري الذي كان يحضر الفعاليات المجانية، ولكن يبقى بصورة عامة أنّ شكل الأداء في الإدارة الفنية ليس هو الأمثل، فهناك نوع ثالث من إداريي المسرح، لا فنان أو إداري، هو موظف لا يجيد أي مهارات إدارية».
عن الدراسة الأكاديمية يقول: «للأسف دراسة إدارة الفنون غائبة في الوطن العربي، ولا بدّ أن يكون الاتجاه نحو دراسة ولو بعض موادها لمدة عام أو عامين أو كدراسات تكميلية. شخصيًا فكّرت في الدراسات العليا لإدارة الفنون ولم أجد مجالاً لذلك في مصر.
أهم مشكلاتنا الإدارية في تصوري هو استحواذ الدولة على قدر كبير جدًّا من النظم الإنتاجية المسرحية وعدم منح المستقلين الفرصة الكافية على الرغم من انفتاح المستقلين أكثر من العاملين في مسرح الدولة واهتمام المستقلين أكثر بالجوانب الخلاقة إداريًّا وإنتاجيًّا، فلا بدّ من دعمهم وحصولهم على الرقعة الكافية لتقديم منتجهم، أيضًا، النظم الإنتاجية القديمة جدًا في البيت الفني والثقافة الجماهيرية التي تعاني من تدني الأجور بشكل طارد للمبدعين ومشكلات أخرى، لا بدّ أن يُعاد النظر في هذه النظم».
ويضيف: «أهم ما أراه نجاحًا للإداريين المسرحيين هو التواصل وفتح قنوات جديدة للوصول لغير المسرحيين، فنحن عادة ما نتوجه للجمهور الذي يأتينا بالفعل، واعتمادنا على هذه الدائرة المغلقة ومركزية المسرح في القاهرة الكبرى والإسكندرية، نفقدنا ما يزيد عن ثلاثة أرباع سكان الجمهورية من المحافظات، وهناك بعض التجارب التي خرجت خارج هذا الإطار الضيق، ولكننا في أمس الاحتياج لأن يكون هذا توجهنا العام وهدفنا الاستراتيجي للوصول بنشاط المسرح لأن يكون نشاطًا أساسيًّا عند الأسرة المصرية، أعتقد أنّ هذا التوجه سيكون هو الحرب الحقيقية للتطرف والعنف».
إداري بخلفية فنية
المخرج أحمد العطار الذي له تجربته المستقلة في ستوديو عماد الدين، يقول: «يتولى المنصب الإداري رجل إدارة له خلفية فنية، ففي الخارج هناك إدارة فنية إلى جانب المدير الإداري، ومنذ ربع قرن اهتم العالم بتدريس إدارة الفنون لكننا لم نهتم بها للآن، وعلى مستوى المستقلين هناك اهتمام كبير بمسألة الإدارة والورش التي تغطيها وتخدمها لكنني لا أتوقع حدوث هذا على المستوى الرسمي».
يضيف: «للأسف هناك مشكلات إدارية واضحة مثل العمالة الزائدة وعدم وضوح المهام، وبالتالي تؤثر سلبًا على الحركة المسرحية وقد تتسبب في خسائر، وحريق الليسيه قبل شهور شاهد، فالإدارة السليمة تحافظ على مواقعها والعاملين بها، واختلاط المفاهيم عقبة كبيرة أيضًا، فلا يجوز أن يتحول مسرح الدولة لقطاع خاص بقناع زائف.
لا بدّ للإداري أن يعرف أن الأساس هو العمل الفني ويعي طبيعة هذا العمل سواء في القطاع الخاص أو قطاع الثقافة، وأتمنى أن يكون هناك اهتمام بمسألة تنمية الإدارة الفنية عن طريق الدراسة ووضع محتوى ومنهج بتأنٍ، والتدريب والاستعانة بالخبرات الداخلية والتجارب الفنية الخارجية مثلما كانت بداية إنشاء معهد فنون مسرحية».
الجمع بين الجانبين
المخرج والكاتب المسرحي د. جمال ياقوت يقول: «الحل الأمثل الذي قد لا يتوفر هو الجمع بين الجانبين، وخدمني حظي الشخصي في تجربتي أنني درست التجارة وإدارة الأعمال ودرست المسرح، فكانت لي تجربة شخصية أعتز بها في قصر التذوق في سيدي جابر، والواقع يقول إن من يجمع بين الجانبين الفني والإداري نادر، فلا بدّ من استكمال كل جزء مفتقد لدى الطرفين، والأقرب في تصوري هو الفنان الذي لا بدّ أن يعمل على نفسه إداريًّا، والفنان الأقرب هو المخرج باعتباره مديرًا للعرض ومضطلع بكافة عناصره فهو يسمى Director أي مديرًا للعرض، فهو يمارس الإدارة في حدود العرض، فيمكن أن يتقلد المنصب الإداري بعد ذلك. وعلى الرغم من افتقادنا لكوادر إدارية فإن حصر المشكلة في الإداري نفسه سيكون نوعًا من التجني؛ إذ لدينا مشكلات كثيرة في التمويل المالي الذي يجر وراءه مشكلات أكبر مثل الميزانيات والمواقع وغيرها».
عن التدريب والدراسة يضيف: «لدينا تدريبات لكنها شكلية، فلسنا مهتمين بالتدريب بشكل عملي، فالمديرون يرون في أنفسهم خبراء ولا يحتاجون إلى تدريب ويشعرون أن التدريب انتقاص من شخوصهم، فلدينا إدارة مركزية في التدريب، لكنني لا ألمس لها دورًا حقيقيًّا. الطريف في الأمر أنني، وبحكم دراستي وعملي الخاص في الإنتاج المسرحي وخوضي لتدريبات في دول كثيرة، قدّمتُ نفسي لتقديم ورش مجانية في الإنتاج المسرحي، ولكن لم تتم الاستجابة لها على الرغم من أنني أدرّس مادة الإنتاج المسرحي والتسويق في كلية الآداب، واستقدمتني دولة الكويت لتقديم ورش في الإنتاج المسرحي، فثقافة التدريب لدينا بها أزمة حقيقية.
أما عن الدراسة الأكاديمية فلا توجد، وقدّمت توصية لوضع مناهج في المعهد تدرس كيف تسير العملية الإنتاجية المسرحية على أسس علمية سليمة وكيفية التسويق للمنتج المسرحي وخلق الحاجة المسرحية لدى قطاعات جديدة بالتوجه للفلاحين والتجمعات العمالية..إلخ، ولكن لا تزال هذه الدراسة الأكاديمية غائبة وغير متوفرة».
يختتم: «الروشتة صعبة حقيقة، ولكن مع افتراض انتفاء أي مشكلات أخرى لا تخص شخص الإداري نفسه، فتوصيتي له أن يتعلم التخطيط على أساس علمي، ووضع برامج زمنية يتم الالتزام بها تحت أي ظروف، وتعلم وضع الاستراتيجيات وخلق الحاجة للمسرح».
مناخ الحرية
المخرج المسرحي سامي طه، رائد تجربة نوادي المسرح في الثقافة الجماهيرية، يقول: «من يتقلد منصبًا إدارايًّا مسرحيًّا لا بدّ أن تتوافر له الخلفية الثقافية والفنية، بالإضافة لخبرته الإدارية التي كوّنها عبر التدرج في المناصب، ويشترط طبقًا للقانون في مدير إدارة المسرح، أن يكون أكاديميًّا، وفي حالات تقلد الفنانين للهيئة العامة لقصور الثقافة أمثال سعد الدين وهبة أو سمير سرحان أو حمدي غيث، كانت الأمور تسير بأريحية وسلاسة، ولم تكن هناك حالات صدام مع الفنانين، التي قد نشهدها في حالة تقلد المنصب من قبَل إداري فقط يسير وفق مسارات قانونية وإدارية قد تشوبها البيروقراطية أحيانًا، والإدارة لا تعيق الحركة المسرحية ولكنها تخضع للمناخ العام الاجتماعي والثقافي والفني الذي تدعمه الدولة، أو تتهاون في دعمه مما يسمح بغزارة الكوادر الإدارية التي تدعم حركة مسرحية حقيقية أو ربما قلة الكوادر مثل الحال الآن».
عن أهم العقبات يقول: «عدم كفالة حرية الإبداع هي العقبة الأكبر والأهم، فمن خلال تجربة نوادي المسرح، التي حرصت خلالها على توفير الحرية الكاملة للشباب فيها ولو في ظل عدم توافر الميزانيات العالية، راهنّا على الحرية الأهم بالنسبة للفن. وهناك مسألة الرقابة التي عفا عليها الزمن، وأيضًا الاتجاه العام السائد نحو المهرجانات، هل المهرجانات تنتج فنًّا؟ المهرجانات هي انعكاس للفن القائم لكنها لا تنتجه».
أمّا في شأن التدريب فيقول: «شخصيًّا عندما ظهرتُ كانت هناك دورات تدريبية في الهيئة لإعداد الكوادر، وكان يختار هذه الكوادر الفنان سعد الدين وهبة كي تحصل على دورة تدريبية لمدة تسعة أشهر في الإدارة والفنون والمسرح وعلم النفس وتخصصات مختلفة أخرى يتساوى جميع المتدربين في دراستها لصقل مهاراتهم وتعويض ما يفتقدونه».
يختتم: «الإداري الناجح سمته الأساسية هو أن يكون مقبلاً على ما يفعل بحب، وتكون لديه خطة ومنهجية ومشروع، بالإضافة للعلاقات الطيبة مع إداريي المواقع وتقدير جهودهم، لا أن ينشغل بالحفاظ فقط على منصبه، ثمّ يطّلع ويتثقف ويفعل ما يفعل بإبداع قدر المستطاع».
السمة الشخصية
أمّا الفنانة سميحة أيوب فترى أن الشخصية القيادية والصدق والموضوعية والبعد عن الكيل بمكيالين، هي السمات الأساسية للمدير الناجح بغض النظر عن كونه فنانًا أو إداريًّا، وتقول: «لا يُشترط للإداري المسرحي أن يكون فنانًا، فرجل الإدارة الملمّ بخلفية العمل الفني يستطيع أن يحقق النجاح مثلما حدث في حالة حمروش والمرصفي، وأرى أزمة حالية في تسكين بعض المديرين ومعيار اختيارهم وتساؤلات ضرورية عن تاريخهم وقيمتهم بين زملائهم، فلا أفهم حقيقة كيف تُدار الأمور».
عن أهمّ المشكلات الإدارية تقول:  «إهمال التوصيات وتخييب الآمال، فأحيانًا تنعقد آمال كبيرة تنهار مع إهمال توصيات أوصى بها جمع من خيرة المسرحيين يرونها جوهرية وفارقة «.
وتضيف: «روشتة أي مدير ناجح هي الضمير والإخلاص والقوة فلا يكون ضعيفًا له ذراع يستطيع أحدهم ليّه».
لا توجد قاعدة
المخرج المسرحي عصام السيد يرى أن تقلّد المناصب الإدارية لا يخضع لقاعدة محددة وإنما يعود للشخص ودرجة استيعابه للجانب المفتقد عنده، ويقول: «ليست هناك قاعدة، ولدينا نماذج فنانين أداروا ونجحوا جدًا مثل محمود ياسين وسميحة أيوب مثلاً، وإداريون ليسوا من الفنانين ونجحوا أيضًا، مثل أحمد حمروش وآمال المرصفي في القومي. بالنسبة للإدارة المسرحية الآن، فالبيت الفني للمسرح مثلاً يقدّم أعمالاً جيدة لكنّ الإجراءات القانونية والبيروقراطية تسير ببطء شديد، فالعيب ليس في الفنانين حقيقة ولكن في القوانين المكبلة ولدينا إشكالية بين الموظفين والفنانين، تلاحظها في الإدارات والمكاتب العامة أكثر من المسارح».
عن التدريب يقول: «ليس هناك دورات تدريبية في الإدارة تُقدّم لمن هو دون وكلاء الوزارات، فالإداري الأقل من هذا المنصب يكوّن خبرته الإدارية بشكل شخصي مما يضعه عرضة لتحكم الموظفين أحيانًا، وقد يضعون بعض العراقيل أمامه بحجة القانون».
يضيف: «اللوائح والقوانين والبيروقراطية التي لا تناسب العملية الفنية ولا يجب تطبيقها بأي حال على الفن هي أهم العقبات في تصوري. وأهمّ ما أوصي به أي إداري هو تسريع العملية الإنتاجية والتحرك بمرونة في ظل هذه القوانين المكبلة».
لا مانع من الدراسة
أما د. أشرف زكي، نقيب المهن التمثيلية، فيقول: «لا يشترط أن يكون الإداري فنانًا وهناك نماذج نجحت فلا بدّ من الفصل بين الإدارة والتخصص، فالإدارة علم وفن ومن حسن حظي أنني درست إدارة الأعمال بجانب المسرح، ولكن الإدارة هي تراكم لخبرات متدرجة وتعتمد على صقل الشخص نفسه لمهاراته الإدارية فليس لدينا اهتمام مؤسسي بالتدريب، أما الدراسة فلا مانع من دراسة فكرة تقديم مناهج الإدارة في المعهد وهو أمر مفيد جدًّا».
ويضيف: «لدينا محاولات فردية إدارية متميزة، ولكن ليس لدينا خطة استراتيجية عامة، ووصيتي للإداري الناجح أن يتعلم ويدرس ويكوّن خبراته بجرأة وتحدٍ، فالعبرة ليست في تقلد المنصب، ولكن الأهم هو ماذا قدمت من خلال هذا المنصب».
بينما ترى دعاء منصور، مدير عام الإدارة العامة للمسرح بقصور الثقافة سابقًا، أنّ الإدارة لا بدّ لها من إداري متخصص، ويمكنه أن يستعين بلجان فنية في المسائل الفنية، وتقول: «الإدارة بشكل عام، وليس إدارة المسرح فقط، خطة عمل والتزام ومعدلات إنتاج لا بديل عن تحقيقها، شخصيًّا كنّا نقدّم ما لا يقل عن 360 عرضًا سنويًا ما بين ختامي وبيوت وقصور وقوميات، ولدينا خطة نلتزم بها تحت أي ظرف، ولم أتدخل مطلقًا في عمل اللجان الفنية، فالديمقراطية واحترام الآراء والتخصص أمر ضروري لدولاب العمل. ولا بدّ من الاهتمام بدراسة الإدارة في كل الكليات وليس الفنية فقط».
«روشتة النجاح لأي إداري، هي وضع خطة جماعية بناء على استشارة فريق عمله، واحترام رأي الجميع من أعلى السلم لآخره، لا ينجح شخص بمفرده، بالإضافة إلى احتواء المرءوسين. شخصيًّا كنت أتعامل مع الجميع كأبناء حتى من هم أكبر مني سنًّا، وكنت أتنوع ما بين اللين والشدة حسبما يقتضي الأمر».
أمّا د. إيناس عبد الدايم، رئيسة دار الأوبرا المصرية، فتقول: «الإدارة المسرحية لا بدّ من توافر الشق الفني فيها، فأنت في النهاية مدير لمنتج فني، وأرى مجهودًا كبيرًا وحراكًا يتم في الحركة المسرحية المصرية خاصة في ظل نقص الإمكانيات المتاحة، ولكنّ المورد البشري لدينا هو أكبر ثرواتنا فهم يعملون بدافع حب الإبداع، وبمنتهى الأمانة أشعر تجاه المسرحيين تحديدًا بالشفقة لأن أكبر مشكلاتنا الإدارية مع نقص الإمكانيات مشكلات البيروقراطية التي تؤثر بشكل كبير على الحركة الإبداعية وتجعلنا سعداء إن حققنا 50% من أهدافنا المخطط لها».
وتضيف: «أهم سمات الإداري الناجح هو امتلاك خطة وأهداف واضحة وبذل المستطاع بطرق إبداعية كتكوين بعض الشراكات الداعمة مثلاً كي يستطيع تقديم أقصى نجاح في ظل الإمكانيات المتاحة».
المخرج المسرحي محمد مرسي يقول: «الشرط الأول في الإداري المسرحي ليس أن يكون فنانًا، فقد يكون فنانًا ويفتقد للمبادئ الأساسية للإدارة. وشخصيًّا أؤيد فكرة المشروع جدًّا، بمعنى أن يتصدى لإدارة مؤسسة ما من يتقدم بمشروع لهذه المؤسسة التي سيتقلد إدارتها ورؤية لتنفيذ وإدارة هذا المشروع بطريقة معينة، بهذا نستطيع أن نتجنب العشوائية والتخبط، ولكنّ هذا للأسف لا يحدث، فالمسألة تُدار تبعًا للأمزجة والأهواء الشخصية، وبعض من يتقلدوا المناصب الإدارية، للأسف لا يصلحون ومعذورون في آن واحد لأنهم لا يمتلكون القدرات الإدارية ولا يعرفون لماذا وُضعوا في هذه الأماكن، فيتعثرون».
ويضيف: «أهمّ المشكلات الإدارية غياب الاستراتيجية العامة والمشروع عن المؤسسات، وتدمير الإنجازات السابقة وعدم استمراريتها والبناء عليها، فيمكنك أن ترصد أنه بمجرد أن يأتي رئيس قطاع جديد، عليك أن تبدأ من الصفر وهذا يمثل إحباطًا شديدًا للتجارب المميزة والقليلة في وسطنا المسرحي بالطبع، ولدينا تجربة أحمد السيد في أوبرا ملك الذي عمل وفق مشروع واستراتيجية واستهدف شريحة عمرية في غاية الخطورة، ولكن أحبط في النهاية وقدم استقالته».
يختتم: «أهمّ ما أوصي به أي إداري يريد أن يؤتي ثمارًا جيدة في مؤسسته، أن يمتلك مشروعًا وتكون له رؤية واضحة يقاتل لأجل تنفيذها».

 


أحمد منير أحمد