الغرفة حلم الأبرياء بأمل زائف

الغرفة حلم الأبرياء بأمل زائف

العدد 525 صدر بتاريخ 18سبتمبر2017

مجموعة من النماذج البشرية المحبوسة داخل إطار من اللاوعي المفروض عليهم من قبل تجار الأعضاء البشرية ومدمني السادية والتعذيب والمنتفعين ببيع وشراء الإنسان وأعضاؤه ومستقبله بوعود زائفة بحياة أفضل  بعد وأد أحلامه وذكرياته فيتحول– من ثم – إلي مجرد مخزنا متنقلا من قطع الغيار البشرية لتتجلي العلاقة الأزلية بين القاهر والمقهور / بين الحاكم والمحكوم / بين السيد والمسود الذي انفصل عن هويته وشرع في تسطير هوية أخري تتوافق مع ملذاته أو مع متطلباته ويتجلي في العرض أن كلا المعسكرين حُبس داخل غرفته الزجاجية الشفافة إلى درجة الاعتام  دون ذكريات تعيد اليه آدميته أو انسانيته  ليتأكد في العرض ان العالم الذي يتجار بأعضاء الانسان ليس الا واحدا من تجار الأحلام البشرية، والمنبئين بمستقبل زائف للانسان تحقيقا لمجد ومكسب شخصي.
هو رجل أوتي من العلم ما أوتي واخترع جهازا قادرا علي محو ذاكرة الانسان محوا كاملا وتسطير رؤي وذكريات وأفكار مقولبة ومدروسة بشكل كامل تضمن تبعية هذا الممحي ذاكرته له فاستقبل مجموعة من بنو الانسان في مشفاه أو في معمله وكان أن اقتطع المؤلف ووافقه المخرج بالتبيعة من ذاك المبني / المستشفي / المعمل غرفة بها عددا لا بأس به من النساء والرجال، من الشباب ذكرانا وإناث . ويبدء العرض بتلك النماذج البشرية ( رجال ونساء، شباب وشابات ) يتحركون في آلية وحيوية وتدفق وكأنهم ألات منتظمة يرددوا بعض الكلمات التلغرافية التي توحي بتمتعهم بطاقة إيجابية شديدة الوهج ومع ذلك تتسرب البرودة إلى كل من سمع تلك الكلمات الملقاة من قبل هؤلاء الآلات / الشخصيات ويتضح من تنامي الأحداث وتطورها ان تلك الكلمات الباعثة علي الطاقة الإيجابية ليست إلا كلمات غرست غرسا في عقول تلك الشخصيات التي حولها العالم إلى آلات تردد في لاوعي الكلمات الباعثة علي الدفئ والباحثة عنه في ذات اللحظة . وفي خضم عرض أحداث تمتع الشخصيات بالهدوء النفسي والراحة المحببة لذواتهم ومع ظهور مساعدة العالم حاملة ذالك الجهاز الإلكتروني الذي يصدر لهم من الكلمات ما يسطر ذكريات مؤقتة كاذبة وتمتع لحظي بأشياء غير موجودة وكأنهم في رحلة ترفيهية أو يتلقوا الهواء العليل عبر البحر الغير موجود اصلا يحضر للعالم صحفيا يعاني ألما عظيما في القلب ويتفاوض معه بشأن شراء قلب أحد القاطنين في المستشفي / المعمل شرط أن يري الصحفي ذالك المتبرع بقلبه وبعد شد وجذب يوافق العالم ويلتقي الصحفي بالمتبرع الذي يفاجأه انه يوافق باريحية ويرتاب الصحفي من المتبرع كونه يتحدث كأله أُملي عليها كلماتها وتتنامي الأحداث وتتداخل وتتعقد وتشتبك ليعود الحدث لبدايته باستقبال المرضي / الالات / المغييبن / الابرياء يوم جديد / يوم سعيد في حبكة دائرية تدل علي الدوران في حلقة مفرغة .
جل ما يلفت الانتباه في عرض الغرفة والتي قدمته فرقة سيا الحرة ضمن فعاليات العروض المختارة بالمهرجان القومي للمسرح المصري العاشر دورة الدكتورة الراحلة / نهاد صليحة تأليف محمود جمال وإخراج محمد زكي والذي عرض علي خشبة مسرح متروبول ان كل شخصيات المسرحية من الممسوخين / الآلات / الشخصيات الممحو ذكرياتها وذكراها ترتدي نفس الملابس بنفس اللون ( الابيض ) حتي التفصيل الذي لم يميز بين ذكر وانثي ليدل تصميم الملابس علي وعي المخرج بمقتضي الحال فطالما أن شخصيات المسرحية الممحو ذكراها وذكرياتها وهويتها قد محت بالفعل فالاختلاف في الجنس واللون والنوع قد محي بالتبعية واذا كان اللون الابيض هو لون الخير والنقاء في كثير من الأحوال فهو لون المحو في أحايين أخري ان استخدم بشكل ذو دلالة واضحة ولم يتبقي شئ يميز أو يفرق بين مريض وآخر بين نزيل وآخر في تلك الغرفة الا رقما مكتوب أعلي السترة البيضاء وأعلي قلب الشخص المغيب ولأن مصمم الملابس / أميرة صابر هي نفسها التي قامت بمكياج الشخصيات فقد حرصت علي أن تضع بعض التأثيرات علي عين المغيبين اليمني لتتؤام بالتإلى الرؤية مع الدلالة في تجانس وتكامل درامي .
جاء ديكور هادي جمال هادئ ومعبر عن برودة الحياة في المستشفي / المعمل وابتعد عن التقليدية في احتلال شاشات عرض داخل حوائط المستشفي / المعمل تساهم في تغييب أبرياء الغرفة ليروا منها البحر والسماء وما شابه فيظنوا أن تلك الفتحات نافذة تطل علي العالم فضلا عن الاهتمام بوجود العالم ومساعدته أغلب الوقت في تكوين علوي أسفل يسار خشبة المسرح وتحركات المساعدة لقيادة المحو في أسفل صدر المسرح فوق مستوي أعلي درءا للتداخل مع الشخصيات الممحو هويتها وبالتإلى البعد عن التعاطف معهم وساهمت إضاءة أبو بكر الشريف في تحقيق عمق بصري للحدث ودلالات سيمولوجية موحية ونجحت في عدم حدوث تضارب بين عرض المعروض إلكترونيا وبشريا في رؤية احترافية لخطوط الإسقاط الضوئي وزواياه . ولا يمكن إغفال الطاقة المتجددة للممثلين أسامة الحلفاوي، محمد زلط، محمد حسانين، يوسف مصطفي، السيد سعد، أحمد لهيطة، نجوان أحمد، نور محمد، هنا الشوادفي،مريم الحجار، ليلي محمود والذين أرتقي أدائهم إلى درجة عالية من التميز بالمحافظة علي الالية والتدفق وتجليات العمق الفكري والفلسفي للعرض خاصة مع التداخل والتشابه في خطوط الميزانسن المرسومة لينفذوا ( خاصة الأبرياء / المرضي ) الحركة المسرحية بتدفق وعمق مستخدمين لغة الجسد بشكل جيد موضحين تمسكهم بالامل في غد مشرق حتي ان كان ذالك الأمل ليس إلا وهم زائف .


محمد النجار

mae_nagar@yahoo.com‏