أكرم مصطفى: العرض يسير في دوائر ضيقة ومغلقة تغلفها حالة الانتظار

أكرم مصطفى: العرض يسير في دوائر ضيقة ومغلقة تغلفها حالة الانتظار

العدد 623 صدر بتاريخ 5أغسطس2019

 أقام المركز القومي للمسرح برئاسة الفنان ياسر صادق  الأسبوع قبل الماضي ندوة  نقدية للعرض المسرحي “ نوح الحمام” وذلك في مقره  بالزمالك،  تحدث فيها الناقدان محمد بهجت وجرجس شكري عن العرض،  في حضور صناعه وعلي رأسهم المخرج أكرم مصطفي.  أدار الندوة الباحث محمد حسن.
أشار الناقد محمد بهجت في تناوله للعرض إلى وجود ملمح من “ في انتظار جودو” وكذلك ملمحان مهمان من التراث الشعبي،  حيث استحضار فكرة البطل الشريف والمجرم الظريف الحاضرة في التراث العالمي بشكل عام من خلال عدة شخصيات شهيرة و كذلك في تراثنا  الشعبي، مثل  “ ادهم الشرقاوي” و “ علي الزيبق” ..هذا النمط الذي حاز علي اهتمام عدد كبير من المبدعين فقدموه كما  قدم العرض  المجرم المحبوب  “ وطني” الغائب الحاضر دائما طوال العرض،  وربما يقصد المؤلف منها دلالة ما وربما لا يقصد. أضاف: هذا الغائب الحاضر الذي يمثل لكل نمط أهمية كبيرة، ومن خلاله تتكشف الشخصيات، وتتكشف  أهمية البناء الدرامي الذي قدمه المؤلف والمخرج أكرم مصطفي  والذي جعلنا طيلة  المسرحية لدينا شغف المتابعة لكي نكتشف علاقة الشخصيات السبعة يبعضها البعض وبوطني. أما الملمح الثاني – تابع بهجت- فهو ملمح التقطيع السينمائي،  مشيرا إلي انتقال العرض بين الثلاث ديكورات بلغة سينمائية. و قدم بهجت تحفظه الشديد علي ديكور “البار”  رغم اعجابة بمجمل الديكور، ولكنة يري ان البار تحديدا لا يمثل  الواقع في الصعيد، أضاف:   بينما لعبت الإضاءة دورا رئيسيا و رائعا في تنفيذ هذا الملمح السينمائي،  مؤكدا علي ان  عنصر الموسيقي اتسم بالشجن  و يحمل روح العملاق الراحل حمدي رؤوف من خلال المبدعين احمد ومحمد حمدي رؤوف، وأشار إلى  ان الموسيقي تظهر تفاصيل البيئة  الصعيدية  بمقادير بحيث لا يزيد الموضوع عن المطلوب إيصاله إلي المتلقي.
اما عن الممثلين  فقال  إنهم علي قدر عالي من الإبداع و الأخلاقية أيضا، مشيرا إلي أن  انتقال الحركة من لوحة إلي أخري يحتاج إلي فنان علي قدر عالي من الأخلاقية حتي لا يطغي فنان علي الأخر، وهذا ما تمتع به الفنانين السبعة، وأكد على أن التمثيل كان عبارة عن مباراة ثرية بينهم. وعن دور الفنان احمد مجدي قال يروق لكثير من الفنانين المبدعين وهو دور الممثل الأخرس الذي لا يستخدم أهم أدوات  الممثل وهو الحوار،  وبالرغم من ذلك كان قادرا علي الإبداع من خلال تعبيرات الوجه والحركة. أضاف: اما الفنان أكرم مصطفى فقد قدم شخصية الرجل المهزوم بتقاليد البيئة، المطلوب منه أن يأخذ بالثأر وهو يعلم أنه أقل من الخصم فيصمت ويفضل الموت عن الركوع، بينما لعب الفنان ياسر عزت شخصية القاسي ليكشف لنا أثناء العرض أن هذه القسوة عبارة عن (قشرة) استطاع أن يظهرها ببراعه،  
و كشف بهجت عن مباراة تمثيلية أخرى  بين النماذج النسائية؛ الكبيرة (الأم) الفنانة سوسن ربيع  مؤكدا أنها  تمتلك من  قوة الحنان والسيطرة بالأنوثة والأمومة كل من حولها، الأمر الذي تطلب ذكاء وجهد كبيرا استطاعت الفنانة أن تؤديها ببراعه شديدة، و الفنانة إيناس المصري التي وصفها  بأنها من طراز رفيع المستوى، وأنها قدمت دورا صعبا  وهو العشيقة التي لم تجرح شعور المتلقي طيلة فترة العرض،  أما النموذج الثالث فمثلته الفنانة نشوي التي قامت بدور الزوجة الضعيفة التي  تلجأ دائما للسحر والعالم الغيبي لأنها لاتستطيع التعامل مع العالم الحقيقي، و والمنتهكة في كل الأحوال.
فيما قدم الناقد جرجس شكري التحية للفنان ياسر صادق رئيس المركز القومي للمسرح علي  فكرة أن تكون الندوة توثيقية، وانتقالها من المسرح إلي مقر المركز. وعن العرض قال شكري إن عنوان العرض يدعوا إلي التساؤل قبل المشاهدة: هل هو مجرد كنايه يقصد منه العرض  معنى أعمق واكبر، مضيفا أن نوح الحمام في اللغة هو ما تبديه الحمامة بسجعها من النواح ، موضحا أن النواح يعني اجتماع  النساء علي البكاء و الحزن .
تابع : المقصود بالنواح فعل جماعي،  سواء علي مستوي اللغة أوعلي مستوي التاريخ،  وكفعل لا يمكن أن يكون النواح علي المستوي الفردى، و أشار شكري إلى  أن هناك ثلاثة أشكال من النواح داخل العرض، أطلق عليها اسم منصات؛ حيث  يري أنها من تراث العصور الوسطى. موضحا أن تلك الفترة كانت تفتقر لإمكانية نقل الديكور، فكانت المنصات تقام في الفضاءات، وينتقل معها الجمهور من مشهد إلي مشهد. تابع الناقد : قدم المخرج والمؤلف أكرم مصطفى هذه المنصات الثلاثة حول شخص يسمي “ وطني”  لا يظهر أثناء العرض،  من خلال حبكة تعتمد في بنائها العميق على مرارة الهزيمة والآسي والخوف وانتظار الثأر والانتقام وانتظار الحبيب ، كل ذلك من خلال فلسفة الموت،  ورغم عدم ظهور وطني إلا انه هو القوة الفاعلة التي تحرك الأحداث  من البداية إلي النهاية، حيث  وضع المؤلف في هذه الشخصية “ وطني” صفات البطل الشعبي بجدارة، و وصف شكري شخصية وطني ب” الأسطورية”  وقد نسجت منها الجماعة مزيجا من الواقع والخيال. البعض يصدق وجودها والبعض الأخر لا يصدق.
أكد شكري ان البناء الدرامي للشخصيات والمنصات جعل المتلقي -لعدة أسباب-  يري نفسه أمام شئ حقيقي واقعي، وكأنه يعيش معهم في هذا المكان، مشيرا إلي واقعية الديكور والاكسسوارات. وفي الختام أشار شكري إلى ان هذه النوعية من العروض لا تقدم تساؤلات للمتلقي، إنما تعيد تصوير الواقع كما هو.
 و اتفق المخرج أكرم مصطفي حول هذه النقطة التي ختم بها الناقد مداخلته   مؤكدا على أن  هذه النوعية من العروض ليست مهمتها طرح أسئلة أو إثارة جدل،  مضيفا انه قصد فقط ان يضع المتلقي في بؤرة الأحداث من خلال استخدام كل الأدوات المتاحة من ديكور وإضاءة وموسيقي تلك التي ساعدته كثيرا علي تحقيق الهدف من العرض ووضع المتلقي في قلب الحدث، وان يتلقي جرعه فنية دسمة يري ويسمع من خلالها فقط  عن الحب والجنس والموت والسلطة .. والخ،   ولا يسأل عن شئ.  موضحا ان العرض يسير في دوائر ضيقة ومغلقة تغلفها حالة الانتظار ولا يوجد تصاعد درامي للأحداث. أضاف انه كان يتمني ان يكون جانب الواقعية اكبر ولكن التنفيذ اجبر العمل علي ذلك.   
“ نوح الحمام” من إنتاج فرقة الطليعة برئاسة الفنان شادي سرور، بطولة: سوسن ربيع . ياسر عزت . نشوى حسن . احمد مجد الدين . أكرم مصطفي . إبراهيم البية. إيناس المصري، المطربة : فاطمة محمد علي، و المطرب احمد حمدي رؤوف، موسيقي والحان: محمد حمدي رؤوف، ديكور : فادي فوكيه، تصميم إضاءة: عمرو عبد الله، ملابس: شيماء محمود
ماكياج : ادهم عفيفي. تنفيذ ديكور : لمياء أبو السعود، هيئة الإخراج : كمال خضر. وائل حامد . هبة غازي،  تأليف وإخراج : أكرم مصطفي    
 


محمود عبد العزيز