بيت الأشباح.. دعوة للحياة

بيت الأشباح.. دعوة للحياة

العدد 617 صدر بتاريخ 24يونيو2019

قدم البيت الفني للمسرح – مسرح الشباب – على المسرح العائم الصغير بالمنيل، العرض المسرحي “بيت الأشباح” تأليف وإخراج (محمود جمال الحديني) تمثيل واستعراضات خريجي الدفعة الأولى لورشة “ابدأ حلمك”.
“بيت الأشباح” عباره عن شقة كان يسكنها في الماضي باشا، وجاء بعض الأشباح ليقضوا معه بعض الوقت، إلا أنهم استوطنوا في المكان وحدث تآلف بين الجميع، الأشباح أشخاص موتى ليسوا مشوهين أو مخيفين، كما في حواديت الرعب، لكنهم أشباح لأشخاص موتى تعلقت أرواحهم بالدنيا، خطفهم الموت من حياتهم الدنيا، دون تحقيق أحلامهم، فكل منهم له حكاية، هذه الحكاية كانت سببا في أن تتعلق أرواحهم بالدنيا، فلم يصدقوا الموت، فالحدوته لم تنتهِ والطريق لم ينتهِ، فروح كل منهم متعلقة بنهاية مفتوحة، ينقصها مشهد أخير يتمنون أن يكون سعيدا. كما أنهم من مراحل عمرية مختلفة، ومراحل زمنية مختلفة من تاريخ مصر، فنستطيع القول من المشاهدة إن الحكاية تبدأ منذ قرن مضى من الزمان إلى وقتنا الحالي، وهؤلاء الأشباح أدركوا معنى الحياة، وفي الماضي كانت هذه الأشباح لا تعرف بعضها عندما كانوا على قيد الحياة، لكنهم عندما أقاموا في شقة عبد الحميد باشا حدث التعارف بينهم وأصبحت هذه الشقة هي مكان إقامتهم وممنوع أن يسكنها غيرهم، وكلما أتى حارس العقار بزبون ليسكن الشقة يرهبونه فيهرب من المكان. فكر حارس العقار في خداع من يأتي ليسكن الشقة بأن تكون قيمة الإيجار زهيدة بالنسبة لموقع ومكونات الشقة وأن يكون في العقد شرط جزائي لأنه يعلم تماما بأن الساكن الجديد لم يتحمل وسوف تقوم الأشباح بطرده. يأتي شخص يدعى حسن ويوقع العقد ويقيم بالشقة فتبدأ الأشباح بالتعامل معه لكي يرحل، فيستخدمون معه الحيل مثل بعثرة محتويات شنطة ملابسه أو تحرك الأثاث أو إصدار أصوات رعب أو تشغيل التلفزيون – ويصدر عن التلفزيون إبداعات السينما والتلفزيون المصري في العقود السابقة – فيقررون الظهور له، ويكون عبد الحميد باشا صاحب المنزل هو أول شخص يقوم بهذه المهمة، ولكن بعد ظهورهم له يأتي عمه وأسرته إلى الشقة ويدور بينهم حوار، نعلم منه أن عمه وزوجته هم من ربوه وعينوه في وظيفة لائقة كما أنهم اختاروه عريسا لابنتهم وهو غير راض عن حياته، يبدأ الجميع بالتعاطف معه وأنه شخص ليس لديه خبرة بالحياة، فمات أبوه قبل ميلاده، وماتت أمه وهو في السابعة من عمره، وأصبحت كل الأشباح تتعرف عليه وهو يتعرف عليهم، يتعرف على الزمان الذي عاش فيه كل منهم وكذلك عمله يعلم كل شيء عن حياتهم السابقة، وبدأ يشعر بالتآلف معهم وأن هذه جدته وهذا أباه وهذا صديقه عن طريق حكايتهم لماضيهم لدرجة أنهم يستضيفون شبح أمه فهي الحقيقة الوحيدة في حياته، ويلقن درسا بقيمة ومعنى الحياة قبل فوات الأوان، ولا بد أن تكون له أحلام وأهداف لا بد من أن يحققها، لأن هؤلاء الأشباح لم يعيشوا حياتهم كما ينبغي أن تعاش، فهناك أحلام وفرص وأهداف لم تتحقق أثناء الحياة. هي إذن دعوة للحياة من خلال أموات، أدركوا معنى وعظمة وقيمة الحياة بعد الموت.
اعتمد المخرج وهو المؤلف على الأداء التمثيلي للممثلين؛ لكي يصل فكره للمتلقي ولذلك قام بتدريبهم بشكل احترافي فكانت حركاتهم رشيقة ومحسوبة، مع المحافظة على الإيقاع، وانتزعت الابتسامات التي كانت بصوت مسموع أحيانا. كذلك أمسك ببقية أدواته لخدمة المضمون، فنجد الملابس والمكياج (أميرة صابر) تختلف طبقا للشخصية وأيضا لتاريخ الوفاة، فنجد تاريخ الوفاة الأقدم يكون ذا وجه شاحب أكثر (ممسوخ) كذلك اتساخ الملابس أكثر، وكان لكل شخصية لبس خاص بها، فنجد ملابس الباشا تختلف عن ملابس الحرامي أو ملابس كومبارس السينما، كذلك ملابس المغنية تختلف عن ملابس الجدة، وملابس والدة حسن ذات اللون الأبيض المائل للأصفر (سكري) كانت نظيفة، دلالة على لحظة صدق واقعية وهدوء نفسي وحبه لأمه.
كان ديكور (هبة الكومي) يظهر كلوحة مرسومة بريشة فنان، فنجد الديكور عبارة عن مقتنيات باشا عاش قبل ثورة 1952 فاللوحات الزيتية مزينة الجدران ووجود كرسي هزاز ودفاية وبعض الكراسي للجلوس فالمنظر يمثل “هول”، نلاحظ أن باب الشقة (شمال عمق المسرح) موجود في مستوى مرتفع يضطر أن ينزل القادم من الخارج درجات سلم ليصل إلى “الهول” الذي تدور فيه الأحداث، مما يوحي أنك تنزل مقبرة، يوجد سلم (منتصف عمق المسرح) لم يتصل بشيء من أعلى، ويوجد أعلى هذا السلم طاقة مغلقة يدخل من الخارج نور أخضر (يوحي بالراحة). في نهاية العرض يصعدون على السلم في دلالة على صعود أرواحهم.
كانت إضاءة (أبو بكر الشريف) معبرة عن أحداث العرض، فنجد أنها قسمت إلى قسمين، منطقة واقعية حقيقية في مشهد حسن وعمه وزوجته وابنتهما، فكانت الإضاءة الكاملة للمسرح، ومنطقة افتراضية بظهور الأشباح، وكل مشهد كان له لون إضاءة خاص به، فاللون الأحمر على الأشباح عبر عن عدم رغبتهم بوجود حسن، فلا بد من تخويفه، واللون الروز عبر عن الفانتزيا والخروج عن الواقع وترحيب الأشباح بحسن، والأخضر عن التسامح، كما في مشهد اعتراف سكرتير عبد الحميد باشا بحبه للباشا على الرغم من عدم حب الباشا لأحد، وأنه عندما مات دور على الباشا ليكون بجواره، واللون الأزرق عبر عن الليل في مشهد حسن ولاعب البيانولا، وحديث عن حياة الأشباح وعن ماضي حسن، ونجد اللون الأبيض على حسن عندما يتحدث عن نفسه معبرا عن لحظة صدق واقعية مجردة مع النفس.
أما الموسيقى (رفيق يوسف) كانت موسيقى غربية استخدم فبها الآلات الوترية وآلات النفخ النحاسية ووظفت لخدمة الموضوع فكانت رومانسية شاعرية كما في مشهد جواب ليلي لحبيبها وحيد، وكانت تبطن خلفية بعض المشاهد، والإيقاعات الراقصة في الاستعراضات.
قدم الممثلون بعض الاستعراضات التي كانت من نسيج الدراما لاستكمال الأحداث. أجاد كل الممثلين (فادي ثروت، رامي الحجار، إسلام عبد الوهاب، أميرة عزيز، عمرو شريف، هبة قناوي، زياد عياد، أمل نور الدين، حسن مدحت، ديانا سعيد، أحمد جمال، آية أحمد، محمود طلعت، أحمد أبو النجا، مي السباعي، الحسيني الشمندي، محمود طوسون، حسام الشاعر، مريم الجندي، محمود الدلجاموني، محمود جودة، محمد أشرف، ياسر رضا، ولاء عز الدين، ريهام حسن، دينا الديناري، محمد عمار).
تحية لكل من ساهم في ظهور هذا العرض للنور، والمخرج عادل حسان مدير مسرح الشباب.


جمال الفيشاوي