وداعا ناهد حسين

وداعا ناهد حسين

العدد 616 صدر بتاريخ 17يونيو2019

الفنانة المتميزة ناهد حسين التي رحلت عن عالمنا يوم الثلاثاء الرابع من يونيه (2019) ممثلة مصرية موهوبة وحساسة جدا، ولدت بمحافظة القليوبية في السادس من سبتمبر عام 1944، وهي الشقيقة الصغرى للفنانة القديرة رجاء حسين، التي تولت تربيتها ورعايتها بعد وفاة والدهما، حيث تكفلت الفنانة رجاء حسين بوصفها الشقيقة الكبرى برعاية أشقائها الأربعة الأصغر منها. التحقت «ناهد» - وهي أصغر أشقائها - منذ طفولتها بمعهد الباليه، وتخرجت فيه بعد حصولها على شهادة الثانوية العامة،
ونظرا لتفجر هوايتها للتمثيل مبكرا واتخاذها من شقيقتها الكبرى رجاء حسين قدوة لها، فقد بدأت حياتها الفنية مبكرا وبالتحديد في بدايات سبعينات القرن الماضي، كما تزوجت أيضا مبكرا بعد قصة حب مع المخرج التلفزيوني يوسف حجي، الذي عاشت معه حياة أسرية مستقرة، وقد أثمر زواجهما عن إنجاب كل من «رامي» و«ريهام». ويذكر أن سعادة الفنانة ناهد حسين في السنوات الأخيرة من عمرها كانت لا توصف بعدما أصبحت «جدة» ولها أكثر من حفيد. وجدير بالذكر أن زوجها الفنان يوسف حجي شقيق لكل من الفنان التشكيلي الكبير محمد حجي، والشهيد الأديب المقاتل أحمد حجي.
 - رفض العيش في جلباب الشقيقة:
المشكلة التي يعاني منها بشدة بعض المبدعين المنتمين إلى عائلات فنية، هي التوهج والتألق الفني الكبير لأحد أفرادها، خاصة وأن ذلك التميز والتوهج غالبا ما يكون من نصيب الأب أو الأخ الأكبر. ومما لا شك فيه أن تلك الحالة تتطابق وبدرجة كبيرة مع الفنانة ناهد حسين، فشقيقتها الكبرى الفنانة القديرة رجاء حسين موهبة استثنائية لا جدال في تفردها وعبقريتها، وهي تشع حضورا وتألقا أتاحا لها تحقيق الشهرة الكبيرة والتميز منذ بداياتها الأولى، وذلك على الرغم من أن بداياتها المسرحية قد انطلقت وسط جيل من سيدات ونجمات فرقة «المسرح القومي» (يكفي أن نذكر من بينهن كل من النجمات: سميحة أيوب، سناء جميل، ملك الجمل، محسنة توفيق، سهير البابلي).
والحقيقة، إن تلك المشكلة تتزايد وتتفاقم إذا كانت الجينات الوراثية يظهر تأثيرها بوضوح في ملامح الوجه ونبرات الصوت، فتصبح الشقيقة الصغرى غالبا مجرد نسخة كربونية تذكر المخرجين والمنتجين والجمهور أيضا بعظمة وعبقرية الأصل. لقد تكررت هذه الحالة كثيرا بالوسط الفني (من بينها على سبيل المثال: الرائدة فاطمة رشدي وشقيقتيها رتيبة وأنصاف رشدي، الأستاذ عبد الوارث عسر وشقيقه حسين عسر، والنجمة هدى سلطان وشقيقتها هند علام، والمطربة شريفة فاضل وشقيقتها المطربة ثناء ندا، والنجمة شويكار وشقيقتها شاهيناز طه، والنجم شكري سرحان وشقيقه  سامي سرحان، والنجم رشدي أباظة وشقيقه فكري أباظة، وفي الأجيال التالية الفنان محمد عوض وابنه علاء، والفنان محمد نجم وابنه شريف، وغيرهم الكثيرون). لقد تنبهت الفنانة ناهد حسين لهذه الحقيقة مبكرا فرفضت تحقيق نجاحها عن طريق التشبه بشقيقتها أو تقليد أسلوب أدائها، كما حرصت الفنانة رجاء حسين على عدم تشجيع شقيقتها الصغرى أو ترشيحها لتمثيل بعض الأدوار. ولعل ما يؤكد تلك الحقائق أن الشقيقتين لم يجمع بينهما طوال فترة عملهما بالوسط الفني سوى العمل بمسرحيتين، المسرحية الأولى هي: «عازب وثلاث عوانس» لفرقة مسرح الجيب عام 1972، في مرحلة بدايات الفنانة ناهد حسين، وكانت البطولة للفنانين صلاح ذو الفقار، نعيمة وصفي، ملك الجمل ورجاء حسين، والمسرحية الثانية هي: «الرحلة العجيبة» لفرقة القاهرة للعرائس عام 1991، وقد شاركت الشقيقتان معا في الأداء الصوتي للشخصيات الرئيسية بالمسرحية.
وقد يفسر ما سبق المحاولات المستمرة والدؤوبة للفنانة ناهد حسين لإثبات الذات، وتأكيد مكانتها الفنية مما دفعها لعدم الثبات بعضوية فرقة واحدة والتعاون الفني مع أكثر من فرقة من مسارح الدولة، وإن حرصت خلال مسيرتها على العمل ببعض عروض الأطفال (بفرقة «القاهرة للعرائس»، و«المسرح القومي للأطفال»)، حيث عشقت العمل للأطفال وتميزت في عمل الدوبلاج (التمثيل الصوتي) لبعض مسلسلات الرسوم المتحركة، ومن المفارقات الطريفة أنها قامت ببطولة مسرحيتين بعنوان واحد وهو: «الرحلة العجيبة»، إحداهما بفرقة «القاهرة للعرائس» عام 1991، والثانية بفرقة «المسرح القومي للأطفال» عام 1999.
وأخيرا أود أن أؤكد أنه رغم التشابه الكبير الذي قد يصل إلى التطابق أحيانا بين الشقيقتين (رجاء وناهد) في بعض الملامح ونبرات الصوت، فإنني أرى أن التشابه الأكبر يظل في تلك الموهبة المتوهجة التي جمعت بينهما وتلك الهبة السماوية التي حققت لكل منهما القدرة على لفت وجذب الأنظار ووضع البصمة الفنية المتفردة والتألق فنيا حتى من خلال أصغر الأدوار بعيدا عن البطولات المطلقة.

 - الأدوار الثانوية والموهبة المتفردة:
تمتعت الفنانة المتميزة ناهد حسين بموهبة حقيقية وقدرات خاصة متميزة، ومن بينها قدرتها على حفظ الحوار المسرحي خلال عدة دقائق، ومهاراتها المتفردة على استيعاب الأبعاد الدرامية لأي شخصية سريعا جدا، وأيضا موهبتها في تجسيد مختلف الشخصيات الدرامية بكفاءة عالية، وبالتالي فكثيرا ما لجأ إليها أصحاب الفرق المسرحية الخاصة واستعانوا بها لإنقاذهم في بعض المواقف الحرجة والأزمات مثل الاعتذار المفاجئ لبطلة العرض نتيجة لخلافات شخصية أو لتعرضها لأمر طارئ كالمرض المفاجئ أو لحادث سير وهي في طريقها للمسرح. وقد نجحت الفنانة  ناهد حسين بالفعل في إنقاذ عدة عروض من شبح التوقف الإجباري بقبولها القيام بالبطولة المطلقة أو بعض الأدوار الرئيسة فورا لمدة ليلة واحدة أو خلال فترة محددة من الأيام في حالة اضطرار نجمة العرض للسفر إلى خارج البلاد لإنهاء ارتباطات فنية لعدة أيام أو أسابيع. وبتكرار بعض المواقف أصبحت الفنانة ناهد حسين هي المنقذ المثالي في تلك الحالات وجميع الظروف السابقة، خاصة إذا كان هناك بالفعل جمهور في صالة العرض ينتظر رفع الستار. والحقيقة، إنها كانت دائما تشعر بالمسئولية تجاه العروض المسرحية وتحرص جدا على استمرارها وعدم توقفها وذلك لإيمانها بأن المسرح عمل جماعي، ويضم عددا كبيرا من العمال والفنيين وأصحاب الأدوار الثانوية والكمبارس الذين يعتمدون اعتماد كليا على استمرارية العروض كمصدر أساسي للرزق، وذلك بخلاف اقتناعها بأن إغلاق العرض وهو في قمة نجاحه يعد مخاطرة قد تتسبب للفرقة في مشكلات إدارية ومالية، وقد ينتج عنه إغلاق العرض نهائيا.
هذا ويمكن للناقد المسرحي أو الباحث الفني المتخصص والمتتبع لأعمال الفنانة المتميزة ناهد حسين أن يرصد لها تميزها وتألقها في أداء الأدوار الثانوية، تلك الأدوار التي برزت في أدائها بجانب كبار النجوم واستطاعت مع ذلك أن تلفت جميع الأنظار إلى موهبتها المؤكدة وإلى مهاراتها الفنية التي صقلتها التجارب المختلفة.
ويجب التنويه في هذا الصدد إلى أن أداء الأدوار الثانوية يعد أكثر مشقة مقارنة بأداء أدوار البطولة المطلقة، حيث تتطلب تلك الأدوار الثانوية من القائمين بتجسيدها ضرورة إكتساب قدرات وخبرات خاصة، وذلك نظرا لأن جميع المؤلفين بصفة عامة يقومون بتركيز كل جهودهم وخبراتهم في تحديد الأبعاد الدارمية للشخصيات الأساسية وكذلك في كتابة الحوارات للشخصيات المحورية، وبالتالي يكون على مجموعة ممثلي الأدوار الثانوية الاجتهاد في تحديد الأبعاد المناسبة للشخصيات اللاتي يقومون بتجسيدها وأيضا في إعادة صياغة الحوارات أحيانا بما يتناسب مع كل شخصية ولا يتعارض مع فكر المؤلف. ويضاف إلى ما سبق صعوبة أخرى وهي ضرورة حرصهم على المحافظة على روح المودة والمحبة بينهم وبين النجوم، إذ كثيرا ما تتصاعد رياح المنافسة وتشتعل روح الأنانية لدى النجوم بمجرد تألق أحد أصحاب الأدوار الثانوية ونجاحه في كسب إعجاب الجمهور، فيتدخل النجم على الفور بمحاولة وأد هذا النجاح بحذف بعض العبارات أو المواقف الدرامية!
هذا ويمكن تصنيف مجموعة أعمالها الفنية طبقا لإختلاف القنوات المختلفة (مسرح، سينما، إذاعة، تلفزيون) مع مراعاة التتابع التاريخي كما يلي:

أولا: مشاركاتها المسرحية
يعتبر المسرح هو بداية ظهورها ومجال تميزها الفني، حيث شاركت بأداء بعض البطولات المسرحية وبعض الأدوار الرئيسة في عدد ما يقرب من ثلاثين مسرحية، ومن أشهر المسرحيات التي تألقت من خلالها بمسارح الدولة - بخلاف عروض الأطفال - مسرحيتي «الجدران»، «إعدام مواطن»، «محاكمة الدكتور سيف»، وبمسارح القطاع الخاص مسرحيات: «عش المجانين»، «تلاعبنى ألاعبك»، «أولاد الشوارع».
ويمكن تصنيف مشاركاتها المسرحية طبقا لتنوع جهات الإنتاج واختلاف الفرق المسرحية مع مراعاة التتابع الزمني كما يلي:
أولا: فرق مسارح الدولة
 - «مسرح الجيب»: المشخصاتية (1971)، عازب و3 عوانس (1972).
 - «مسرح الطليعة»: القرار (1974)، ليالي شهرزاد (1977)، الجدران (1979)، إعدام مواطن (1990).
 - «القاهرة للعرائس»: علاء والمصباح (1978)، الرحلة العجيبة (1999).
 - «المسرح الكوميدي»: البنت إللي بتحلم (1982)، إزاي الصحة (1983)، القصيرين (1995)، رمضان مصري جدا (1995).
 - «المسرح المتجول«: مدرسة المشاهدين (1985).
 - «القومي للطفل«: الرحلة العجيبة (1991)، علاء الدين والثلاث دنانير (1993)،
 - «مسرح الشباب»: محاكمة الدكتور سيف (1992).
شاركها في بطولة هذه المسرحيات نخبة من نجوم مسارح الدولة ومن بينهم الفنانين: صلاح ذو الفقار، نعيمة وصفي، ملك الجمل، رجاء حسين، سهير المرشدي، أحمد عبد الحليم، وحيد سيف، خيرية أحمد، ليلى فهمي، سناء يونس، فريدة مرسي، نوال أبو الفتوح، حمدي أحمد، آمال رمزي، هالة صدقي، أحمد ماهر، محمود القلعاوي، عزيزة راشد، محمد أبو العينين، أحمد عقل، صبري عبد المنعم، إسماعيل محمود، أحمد فؤاد سليم، حسن الديب، أحمد حلاوة، مخلص البحيري، راوية أباظة، عادل زكريا، علي عزب، أحمد سلامة، محمد عناني، عهدي صادق، عادل خلف.
ثانيا: فرق القطاع الخاص
وقدمت بعد ذلك الكثير من المسرحيات من أبرزها:
 - «يسري الإبياري» (كوميك تياترو): عش المجانين (1979).
 - «المصرية للكوميديا»: تلاعبنى ألاعبك (1984).
 - «أحمد الإبياري»: هات وخد (1984).
 - «محمد فوزي»: أولاد الشوارع (1987).
المسرحيات المصورة: يا بخت الأطرش (1978)، تلامذة آخر زمن (1980)، ليلة القبض على بابا (1984)، إفتح المحضر (1986)، الملاحيس (1989)، عائلة عصرية جدا (1989)، التعلب في الملعب (1990)، عفوا زوجتى العزيزة (1990)، الهاربان، ثلاث جميلات والحب.
شاركها في بطولة هذه المسرحيات نخبة من نجوم الكوميديا ومن بينهم: محمد عوض، حسن يوسف، حسن مصطفى، محمد رضا، محمد نجم، حسن عابدين، ميمي جمال، ليلى علوي، وحيد سيف، حسين الشربيني، ممدوح وافي، علي الحجار، محمود الجندي، هالة فؤاد، سماح أنور، هياتم، أحمد راتب، نجاح الموجي، أحمد بدير، محمد يوسف، محمد أبو الحسن، المنتصر بالله، سوسن بدر، عزة كمال، أحلام الجريتلي، وائل نور، أحمد أدم، إبراهيم نصر، حجاج عبد العظيم، محمد الشرقاوي.
هذا وقد تعاونت من خلال هذه المسرحيات مع نخبة من كبار المخرجين الذين يمثلون أكثر من جيل من بينهم الأساتذة: عبد الرحيم الزرقاني، أحمد زكي، السيد راضي، سمير العصفوري، محمود الألفي، عبد الغني زكي، مجدي مجاهد، جلال عبد القادر، جمال الشيخ، عادل صادق، أحمد بدر الدين، فيصل عزب، ليلى سعد، زغلول الصيفي، حمدي أحمد، سمير فهمي، ماهر سليم، شريف عبد اللطيف، نهاد كمال.

ثانيا: أهم الأعمال الإذاعية
تميزت الفنانة القديرة  ناهد حسين بصوتها الحساس المتميز وبمخارج ألفاظها السليمة، وبإجادتها وبراعتها في فن الإلقاء، وبمهاراتها البديعة في التلوين الصوتي وقدرتها على التعبير عن مختلف المشاعر والمواقف الإنسانية، وبأدائها البديع وخصوصا في التمثيل باللغة العربية، ولذا فقد أسند إليها مخرجو الإذاعة بعض الأدوار المهمة والمركبة، ولكن للأسف الشديد يصعب بل ويستحيل حصر جميع المشاركات الإذاعية لهذه الفنانة المتميزة، والتي ساهمت في إثراء الإذاعة المصرية بعدد من الأعمال الدرامية على مدار مايزيد عن خمسة وعشرين عاما، وذلك لأننا نفتقد لجميع أشكال التوثيق العلمي بالنسبة للأعمال الإذاعية. هذا وتضم قائمة أعمالها الإذاعية مجموعة من المسلسلات والتمثيليات الإذاعية ومن بينها على سبيل المثال فقط وليس الحصر مسلسلات: من أنا؟، زوج سعيد جدا (سباعية - 1979).

ثالثا: أهم الأعمال التلفزيونية
نجحت الدراما التلفزيونية في الاستفادة من موهبة وخبرات هذه الفنانة القديرة فمنحتها فرصة المشاركة بالبطولة أو تجسيد بعض الشخصيات الرئيسة في عدد من الأعمال التلفزيونية التي قد يصل عددها إلى خمسة وعشرين مسلسلا وسهرة درامية ومن بينها المسلسلات التالية: ريش على ما فيش بالألوان (1978)، زيارة ودية (1979)، الذين يحترقون، ضمير أبلة حكمت (1991)، زوج سعيد جدا (1979)، القضية 512، المتهمة (1972)، الذين يحترقون (1977)، يوميات ونيس (ج2) (1995)، وذلك بالإضافة إلى مشاركاتها ببعض السهرات والتمثيليات التلفزيونية ومن بينها: زوجتي مخطوفة.

رابعا: أهم مشاركاتها السينمائية
رغم عدد الأفلام القليل نسبيا - والذي لايتجاوز عشرة أفلام - والذي لا يتناسب إطلاقا مع حجم موهبتها، فإنها استطاعت أن تثبت وتؤكد مقولة «الكيف أهم من الكم»، وكانت أهم مشاركاتها السينمائية فيلم «خلي بالك من زوزو» عام 1972، من إخراج  حسن الإمام وبطولة  سعاد حسني وحسين فهمي وتحية كاريوكا، حيث شاركت بتجسيد دور العروسة التي قامت كل من نعيمة ألماظية (تحية كاريوكا) وابنتها زوزو (سعاد حسني) بزفافها، وكذلك بفيلم وبالتحديد في فيلم «قضية عم أحمد» عام 1985، من إخراج  علي رضا، وبطولة  فريد شوقي، معالى زايد، فاروق الفيشاوي، حيث شاركت بتجسيد شخصية «لوزة» زوجة إسماعيل (محمد أبو الحسن).
تميزت الفنانة  ناهد حسين طوال مسيرتها الفنية ببعض الصفات الشخصية المحببة لعل من أهمها: أخلاقها السامية ومشاعرها النبيلة، وسمو تعاملاتها الإنسانية الراقية، وثقافتها الحقيقية دون ادعاء والتي تتضح من خلال دماثة تصرفاتها وارتقاء مستوى حواراتها اليومية، وتمتعها بالعلاقات الطيبة مع جميع زملائها. والحقيقة أنني قد لمست تلك الصفات جميعها عن قرب من خلال تجربة شخصية، حيث أسعدني القدر بالمشاركة كمخرج لعرض «المزلقان» لفرقة المسرح القومي وبالتعاون معها على مدى أكثر من شهرين، وكانت مجموعة العرض التي تشاركها البطولة تتكون من الزملاء  نبيل الدسوقي، صبري عبد المنعم، إبراهيم الشرقاوي، فكانت بحق - وهذه شهادة مجردة - خير مثال يحتذى ونموذج مشرف للفنانة المصرية المثقفة الملتزمة، وعلى الرغم من التزامها الشديد في المواعيد وجديتها في إجراء البروفات إلا أنها خفيفة الظل ومرحة، وتنجح منذ أول البروفات في إشاعة جو أسري بين جميع العاملين، حيث تعتبر ومنذ اللقاء الأول أن جميع العاملين معها بالعرض هم أفراد أسرتها.
وجدير بالذكر أن الفنانة المتميزة  ناهد حسين قد ظلت لسنوات طويلة قبل وفاتها بعيدة تماما عن الحياة الفنية والأضواء، وذلك نظرا لأنها منذ بداية تسعينات القرن الماضي قررت ارتداء الحجاب واعتزال الفن، فانسحبت بمنتهى الهدوء من الوسط الفني وبعدت عن الأضواء، وتفرغت للعبادة والصلاة وأداء باقي المناسك الدينية، وذلك دون إعلان ندمها عن مشاركاتها الفنية السابقة أو تحريمها للفن، بل على العكس ظلت - كالفنانة القديرة  شادية - تعتز بمشاركاتها الفنية القيمة وعلى علاقة طيبة بجميع زملائها من الفنانين.
رحم الله هذه الشقيقة الغالية التي كانت مثالا طيبا وقدوة حقيقية للفنانة المثقفة الملتزمة، التي تعرف التزاماتها جيدا وتحترم عملها وجميع زملائها. ولا يسعني في النهاية إلا أن أدعو لها بالرحمة والمغفرة وجنة الخلد بإذن الله جزاء إخلاصها في عملها وحرصها على تأدية رسالتها بأفضل صورة ممكنة، وأن أتقدم بخالص العزاء لجميع الفنانين الزملاء وأفراد الأسرة، وفي مقدمتهن الفنانة القديرة  رجاء حسين التي ندعو لها جميعا بالصحة وطول العمر والاستمرار في إسعادنا بمشاركاته الفنية الثرية.


د.عمرو دوارة

esota82@yahoo.com‏