الأداء المسرحي ذلك الفن المستقل

 الأداء المسرحي ذلك الفن المستقل

العدد 610 صدر بتاريخ 6مايو2019

– الأداء المسرحي باعتباره مستقلا جذريا عن الأدب:
الادعاء بأن الأداءات المسرحية هي أعمال فنية مستقلة عن الأدب، يجب أن يرتبط برؤية عن العلاقة بين النصوص المستخدمة في الأداءات المسرحية والأداءات نفسها. وعلى الرغم من أن هناك عددا من النماذج المحددة والمفصلة لعلاقة النص – الأداء، وتقع في أربعة أنواع عامة ومثالية: النموذج الأدبي the literary model، نموذج النصين the two text model، نموذج العلامة – الرمز the type –token model، ونموذج المكونات the ingredeients model. ويدافع بعض المنظرين الآن عن النموذج الأدبي على الرغم من قوته االنسبية. ويقبل كثير من منظري المسرح والأداء نموذج النصين. ويقبل كثير من الفلاسفة المشاركين في الجماليات التحليلية شيئا مثل نموذج العلامة – الرمز، باعتباره في المسار الصحيح. وأنادي بنموذج المكونات والاستقلال الجذري للأداء المسرحي المرتبط بهذا النموذج.
 النموذج الأدبي
يؤكد أتباع هذا النموذج صحة المزاعم التالية:
(1) الأداءات المسرحية هي عروض لأعمال أدبية، أعمال أدبية درامية عادة وليس حصريا.
(2) ينشئ المشاهدون هوية الأداء بالإشارة إلى العمل الفني الذي يقدمه.
(3) الأداء هو أداء لعمل ما في حالة مطابقته لذلك العمل.
(4) الأداءات المسرحية ليست أعمالا فنية، في حين أن الأعمال الفنية المقدمة في الأداءات المسرحية هي الأعمال الأدبية التي يتم أداؤها.
(5) تتميز أعمال الأدب الدرامي بأن لها صغيتين في التقديم – باعتبارها أعمالا مقروءة وأعمالا يمكن أداؤها على خشبة المسرح.
ولا داعي لتفسير النموذج الأدبي باعتبار أنه ينكر أن الأداءات المسرحية تتعلق ببراعة فنية كبيرة أو أن المتخصصين في المسرح فنانون حقيقيون، بل إن ما يتم إنكاره هو مسائل براعة المؤدين في الأعمال الفنية المنفصلة عن الأعمال الأدبية المعروضة.
يعبر هذا النموذج عن ثلاث أفكار مهمة ومرتبطة عن الطرق التي يشارك بها المشاهدون في الأداءات المسرحية. أولا، يقدم طريقة مباشرة لتمييز ما يفعله المشاهدون عندما يؤكدون ما هو الأداء الذي شاهدوه. فالمشاهدون يرون أعمالا أدبية، مصورة أو مفسرة بواسطة فنون المسرح، سواء كانوا يدركون هذه الحقيقة من عدمه. ولذلك، وعندما يميزون الأداء الذي يشاهدونه، فإنهم يفعلون ذلك دائما بالإشارة إلى النص الأدبي الذي شاهدوا تجسيده أو تفسيره. ثانيا، يفسر هذا النموذج كيف يتم ذلك. ثالثا، يفسر النموذج كيف يميز المشاهدون الأداءات المختلفة للمسرحية نفسها.
ولكن، يواجه النموذج الأدبي عقبتين مهمتين. أولا، هناك صعوبات في تمييز ما يمكن اعتباره أمينا مع النص. ففي حين أنه ربما لا يوجد معيار غير تاريخي متماسك للإخلاص للنص، ولا أعرف سببا مبدئيا يستبعد السرد التاريخي للإخلاص للنص. فعلى اعتبار تاريخي، سوف يكون معيار الاعتبار التاريخي للإخلاص للنص أي اتفاق متماسك داخليا متوافق بوضوح مع أهداف المتخصصين في المسرح وتوقعات المشاهدين في لحظة تاريخية معينة. ولذلك، مثلا، يمكن أن نعتقد أن الأداءات الطبيعية والأداءات البريختية يمكن أن تكون أمينة مع أداءات مسرحية «بيت الدمية»، ولكن أداء مثل الذي قدمته فرقة (مبو ماينز Mabou Mines) بعنوان «بيت دمية Dollhouse» – اختياره الغريب للممثلين والأدوار ومقاطعة التي تغني – يدفع الحبكة، وأن أي شيء فيما وراء هذا النوع من الأداء (مثل أن نتخيل جروتوفسكي أمامنا، يستخدم نص (إبسن) كمجرد مادة أو ذريعة لمسرح الصورة) لن يتم تفسيره باعتباره أمينا مع النص، وبالتالي، أداء عمل (إبسن). ولكن في ثقافة محتملة بمستوى مختلف من الإخلاص للنص متأصلة تماما في معايير ثقافية مختلفة تماما في التقديم والتلقي المسرحيين، فقد ينظر المشاهدون إلى المسألة بشكل مختلف. قد يعترفون، مثلا، بحقيقة أن عرض فرقة (مابو ماينز) اعتمد بشكل خشن على إدراك صحيح لقصد (إبسن) في ما يتعلق بصور نصه، ولذلك، قرروا أن الأداء يتوافق مع معاييرهم. فهل ركز عرض (مابو ماينز) بدلا من ذلك على انشغالنا بهذه الصور – مثلما يمكن أن تكون هي الحال إذا أخرجه جروتوفسكي فعلا – يمكن أن يجد المشاهدون في هذه الثقافة أن العرض فشل في التوافق مع معيارهم في الإخلاص للنص وأن ذلك ليس أداء لمسرحية (إبسن).
وفكرة المعايير التاريخية للإخلاص للنص لا تتعارض مع أي شيء في الادعاءات الثلاثة الأولى التي يعتبرها النموذج الأدبي صحيحة، ولكنه محتمل أن ينتهك روح النموذج لأنه يفرض ضغطا كبيرا على الادعاء الرابع. بمعنى أن فكرة ما يتعلق بالفعالية المسرحية التي هي عرضة إلى درجة معقولة من التذبذب – فكرة أن الإخلاص للنص دائما مسألة كل من الممكن والمسموح به – قد يمنح ميزة أكبر لبراعة المؤدي أكثر مما يناسب بشكل مريح مع الإنكار المطلق لمكانة العمل الفني بالنسبة للأداء.
والأهم من ذلك، فإن المعيار التاريخي للإخلاص للنص، رغم ذلك، عرضة لتحد مباشر ومدمر. لأن مثل هذا المعيار يعتمد على أعمال الأدب الدرامي الأكثر استقرارا مما كانت عليه الآن أو في أي وقت مضى. فأغلب أعمال الأدب الدرامي الكلاسيكية الغربية توجد في إصدارات أصلية متعددة. وهذا لأنها كانت مكتوبة أصلا كنصوص للأداء وقد تم تحريرها (في شكل نصوص) في وقت لاحق، ولم تكن مكتوبة غالبا بواسطة المؤلف باعتبارها أعمالا للقراءة. ولأن معظم النصوص المكتوبة أصلا مؤقتة، فإنها عرضة للتغيير بواسطة المؤدين والمخرجين، ويتم تعديلها غالبا كوسيلة نقل إلى خشبة المسرح بواسطة هذه العملية.
ويبقى أن التحدي الأكثر جدية للنموذج الأدبي له علاقة بالأداءات المسرحية غير الأمينة مع الأعمال التي هي أداءاتها ومع الأداءات التي ليس لها عمل موجود مسبقا. تأمل أي أداء أمين مع نص (إبسن) «هيدا جابلر Hedda Gabler» – بمعيار ما من الأمانة التاريخية مع النص – يمكن أن يكون أداء لـ«هيدا جابلر». فربما كان أداء سيئا لذلك العمل، ولكن يمكنه أن يظل أداء لذلك العمل. ولكن، إذا كان الادعاءان الثاني والثالث صحيحين، ولم يكن الأداء أمينا مع النص، عندئذ يمكن أن يفشل الأداء في أن يكون أمينا مع نص «هيدا جابلر». وربما كان أداء مسرحيا جيدا، ولكنه لن يكون أداء لمسرحية (إبسن) على الإطلاق. ولكن إذا كان الادعاء الأول للنموذج الأدبي صحيحا، فإنه يظل أداء لعمل أدبي ما. والمشكلة هي، أنه لن يتضح ماذا يمكن أن يكون ذلك العمل.
قد يقترح مؤيدو النموذج الأدبي أننا نستطيع تأمين الأعمال الأدبية لهذه الأداءات، لأن النص، من حيث المبدأ، قابل دائما للاسترجاع من الأداء. والفكرة هي أن بعض المتلقين، المهرة في الاختزال، يمكنهم دائما استرجاع النص المنطوق الحيوي لهوية العمل الذي يتم أداؤه. وهناك عدة مشكلات في هذا الاقتراح. أولا، أنها استراتيجية معقولة إذا كان من الممكن إعادة بناء النص بشكل موثوق به من الأداءات، وهناك أسباب وجيهة أن نشك في أن هذا يمكن أن يحدث. وفكرة استعادة النص تعتمد على قدرة المختزل أن يفصل بوضوح بين مجموعتين من العناصر في الأداء: تلك التي هي نتيجة إرشادات الأداء التي يمكن أن تأتي من النص أو من المخرج وتلك التي هي مكونات لفظية في العمل الأدبي. ولكن هذا موضع تساؤل بواسطة الأداءات البريختية المحتملة للمسرحية، وحتى مع الأداءات التي تنتمي إلى المذهب الطبيعي فليست ممكنة. ثانيا، حتى لو كان هذا النوع من استعادة النص كان ممكنا، فإن هذه الحقيقة لا تقدم سببا للاعتقاد لأن يكون النص المستعاد من أعمال الأدب الدرامي. ثالثا، حتى لو أقتنعنا بقبول النص المستعاد باعتباره من الأدب الدرامي، فليس من الضروري أن يكون هذا النص هو نوع الصلة القصدية الصحيحة بالأداء. وللمقارنة, حتى لو استطعنا إعادة بناء النص من أداء مسرحي ارتجالي معين، فليس من الضروري – ولا نعتقد بشكل مميز – أن الأداء كان أداء لذلك النص.
وفي النهاية، فإن المشكلة تتفاقم من خلال حقيقة أن هناك أداءات لا يمكن تفسيرها ببساطة، باستخدام أي تحليل، باعتبارها أداءات لأي عمل على الإطلاق: هذه الفئة من الأداءات تتضمن أعمال الكوميديا دي لارتي والتمثيل الإيمائي، والحالات التاريخية المفهومة جيدا من العروض المسرحية التي لا تنطوي على أي عمل، كما أنها تشمل الكثير من أمثلة الأعمال المسرحية التجريبية في الستينات والسبعينات.
 نموذج النصين:
مثل نموذج الرمز/ العلامة الذي سوف نشرحه فيما بعد، يأخذ هذا النموذج إشارته من الفكرة المشتركة بأن معظم النصوص المستخدمة في الأداءات المسرحية يتم كتابتها لكي تقدم على خشبة المسرح وتحاول توضيح هذه الفكرة بدقة وتفاصيل أكثر. ويفهم نموذج النصين العلاقة بين المسرحية وأداءاتها باعتبارها تنشأ من العلاقة بين نوعين مختلفين من اللغة: فالمسرحية تنشأ من علامات لغوية وتنشأ الأداءات من علامات مسرحية. وفي ما يتعلق بالأداء، فإن هذا يعني بدقة أكثر شيئا مثل التالي:
 «نص الأداء يقصد به الأداء المسرحي، الذي يعتبر مجموعة غير مرتبة (من خلال مجموعة كاملة ومتماسكة) من الوحدات النصية (التعبيرات) ذات أطوال مختلفة وتستدعي شفرات مختلفة متباينة مع بعضها البعض، غالبا ما تكون غير محددة (أو على الأقل غير محددة دائما) يتم من خلالها تنفيذ استراتيجيات تواصلية، ويعتمد ذلك أيضا على سياق تقديمها وتلقيها».
وفكرة الأداء كنص هذه ترتكز في النهاية على فكرة قراءة الأفعال البشرية باعتبارها نصوصا. وقد أعطيت هذه الفكرة التأسيسية تفسيرا صارما من جانب البعض، ويعتمد آخرون عليها باعتباره تناظرا ببساطة.
يعتقد مؤيدو هذا النموذج أن المزاعم التالية صحيحة.
(1) بشكل نموذجي، ولكن ليس ذلك دائما، أن الأداءات المسرحية هي ترجمة أو تحويل أو إعادة تشكيل للمحتويات المطابقة للنصوص المكتوبة.
(2) عندما يتطابق الأداء المسرحي مع النص المكتوب، ينشئ المشاهدون هوية للأداء بالإشارة إلى النص الذي تكون ترجمته، أو تكملته، أو تمثيله، أو تنفيذه، هو الأداء.
(3) لأنه لا توجد ترجمة أو تحويل أو إعادة بناء بصوت أحادي للنص المكتوب المطابق، فإن معيار الإخلاص للنص المطلوب في النموذج الأدبي بلا فائدة.
(4) الأداءات المسرحية أو العروض هي أعمال فنية في ذاتها.
(5) النصوص المكتوبة المنقولة إلى نصوص أداء هي عادة أعمال فنية، ومن أعمال الأدب الدرامي بوجه خاص.
هناك ميزتان واضحتان فورا في نموذج النصين. أولا، يعد بالمزيد من المصادر للتعامل مع كل من تلك الأداءات التي لا تتوافق مع معيار الإخلاص للنص (وهكذا على مستوى النموذج الأدبي لا تتوافق الأداءات مع نص معين) ومع تلك الأداءات التي ليست لنص على الإطلاق. يعترف هذا النموذج على الفور أنه سيكون هناك مثل هذه الحالات ويحاول أن يفسح لهم مكانا. ثانيا، يعتقد هذا النموذج أن الأداءات المسرحية أعمال فنية قائمة بذاتها، حيث يمكن تناول ذلك الزعم لكي يعني أن الأداءات يمكن أن تتميز وتقوّم في الإطار الملائم للتجارب الجمالية والفنية والاجتماعية التي يحصل عليها المشاهدون من أنواع الفن الأخرى.
أي مزايا خاصة للرؤية هي تلك التي تعود على فكرة الفعل الإنساني باعتباره نصا. والأبرز بين هذه المزايا الأخيرة هو إمكانية التحالف المنهجي الجاد بين دراسات الأداء والعلوم الاجتماعية التي تطورت في الأصل على أساس أن الفعل البشري مقروء مثل النص. والميزة الأخرى هي أن نظرية النصين يبدو أنها تمزق رباط الإخلاص للنص بين النصوص المكتوبة المستخدمة في الأداء ونصوص الأداء التي يمكن أن تنشأ منها.
تواجه نظرية النصين صعوبات لا يمكن تجاوزها. أولا، من غير الواضح أن نظرية النصين تحقق فعلا هروبا من معيار الإخلاص للنص. فإذا كان الأداء ترجمة أو حتى إعادة بناء للنص المكتوب، فإن النص المكتوب يظل هو المسئول – في مستوى ما – عن الأداء. وإذا كانت المطالبة بمعيار الإخلاص للنص لم يعد لها فائدة يقصد منها تمييز الهروب من سلطة قصد المؤلف، فإن نظرية النصين سوف تفشل لهذا السبب. ثانيا، يجادل البعض بأن هناك أداءات غير دلالية non - semiotic. وهذه العروض تحقق شكليا نصا مكتوبا. ولكنها تقاوم القراءة كنصوص أداء ذات معنى لأن اختيار هذه الملامح في تلك الأداءات إما أن يكون مصادفة أو نتيجة أساليب ليس لها مضمون دلالي.. ثالثا، يبدو أن نموذج النصين يفشل في أحد الأشياء التي يفعلها النموذج الأدبي جيدا، وهي تحديدا، توضيح كيف أن مشاهدة أداء المسرحية هو مشاهدة المسرحية نفسها. فعلى أساس هذا النموذج لن نشاهد المسرحية أبدا، بل نشاهد فقط ترجمة أو تحويل أو إعادة بناء لها.
وفي النهاية، من خلال وضع الأداء في علاقة ترجمة أو تحويل أو إعادة بناء النص المكتوب، فلن يفشل نموذج النصين فقط في الهروب من سيطرة النص (المكتوب)، ولكن لذلك السبب يفشل أيضا في جعل الأداءات المسرحية أعمالا فنية قائمة بذاتها، على الأقل إن كان هذا يعني أن مكانتها الفنية مساوية لمكانة النص المكتوب.
ورغم مواطن الضعف في نموذج النصين بالنسبة لعلاقة النص - الأداء، فإن النموذج المرتكز على فكرة أن النصوص مكتوبة للأداء، من المرجح أن تكون جذابة، لأن كل الصياغات المرتكزة على هذه الفكرة تحاول أن تضع الثقل الصحيح على البراعة الفنية المتعلقة بتقديم المسرح.
 نموذج الرمز/ العلامة:
يفكر البعض في علاقة النص – الأداء في إطار أنطولوجي صريح ويسعون إلى تفسيرها بتوظيف التمييز بين مثال للنوع والنوع نفسه. وهذا التمييز يتم التقاطه غالبا بالإشارة إلى النماذج ورموزها. والمؤيدون لهذا النموذج يزعمون أن المزاعم التالية صحيحة.
(1) الأداءات المسرحية هي أمثلة (رموز أو علامات) للمسرحيات المفهومة باعتبارها نماذج، والمسرحيات يمكن أن تبدأ بعدة طرق، على سبيل المثال بكتابة نص، أو بتقديم أداء مستقل على خشبة المسرح.
(2) يؤسس المشاهدون هوية الأداء بالإشارة إلى النماذج المسرحية التي هي الرموز المميزة في الأداء.
(3) عندما تبدأ المسرحية بكتابة المؤلف لنص من أجل الأداء، فإن نص المؤلف يحدد ما يمكن اعتبار أنه يرمز إلى نموذج، ولذلك فإن كتابة هذا النص تعد مثل كتابة مسرحية.
(4) الأداءات المسرحية هي أعمال فنية في حد ذاتها.
(5) يرتبط هذا النموذج بوجهتي نظر متنافستين في المكانة الفنية للنصوص التي تبدأ بها الأداءات. يؤكد أحدها أنه عندما تبدأ المسرحية بالنص، فلا يوجد سوى عمل فني واحد هو العمل الذي يكتمل بالأداء الذي يحتوي أيضا، كجزء أساسي، على عناصر مهمة في النص نفسه. ولهذا السبب يجب أن نتأمل هذا باعتباره رؤية عمل فني واحد. وعلى أساس هذه الرؤية، فإن النص المكتوب من أجل الأداء ليس عملا فنيا في حد ذاته، بل يجب أن يكتمل في الأداء ويتمثل فيه لكي يكون عملا فنيا. وبالمقارنة، تؤكد رؤية العملين الفنيين أنه عندما تبدأ المسرحية بعمل من الأدب الدرامي يكون الأداء المسرحي رمزا لنموذج المسرحية ويكون كذلك نصا مكتوبا، وبذلك يكون لنصوص الأدب الدرامي المكتوبة صيغتا تقديم، كنصوص للقراءة ونصوص قابلة للتنفيذ كأداءات.
قوة هذا النموذج هو أنه ينجح حيث تنجح كل النماذج السابقة ويفشل أيضا حيث يفشلون. نموذج «النموذج/ الرمز» يقدم القصة المباشرة لما يفعله المشاهدون عندما يتأكدون من ماهية الأداء الذي يشاهدونه، وتلك القصة تفسر كيف يكون ذلك، ففي أثناء مشاهدة أداء المسرحية، يرى المشاهدون المسرحية نفسها وكيف يستطيع المشاهدون أن يميزوا مختلف الأداءات بأنها لنفس المسرحية، فعند مشاهدة أي أداء للمسرحية فإننا نرى رمزا للمسرحية، مثال لها، ولذلك نرى المسرحية. علاوة على ذلك، يقدم هذا النموذج مصادر للتعامل مع تلك العروض التي ليس لها نص ببساطة، وما يعد نموذج - مسرحية هو شيء يبدأه الأداء.
وفي النهاية، يمكن استخدام النموذج لدفع فكرة أن الأداءات المسرحية هي أعمال فنية في حد ذاتها، لأننا نستطيع ببساطة أن نرى أن هذا النموذج يتيح نقدا منفصلا لنموذج المسرحية، من الوسائل التي يكون بها النموذج رمزا، ومن رموز أدائه – علاوة على تكامل هذه المبادئ.
وأحد الأشياء التي لا يفعلها نموذج «النموذج/ الرمز» هي أن نموذج النصين يسعى إلى فصل رابطة الإخلاص للنص بين النصوص المكتوبة المستخدمة في الأداء ونصوص الأداء التي يمكن أن تنشأ منها، فلا بد أن يكون هناك معيار ما يتحدد به متى يكون أداء بعينه رموزا تميز نموذج المسرحية. وبذلك سوف يواجه بعضا من التحديات نفسها التي يواجهها النموذج الأدبي. أولا، لا يوجد سبب للاعتقاد بأن يكون معيار الإخلاص للنص واضحا عندما نتأمل النصوص باعتبارها تبدأ المسرحية بشكل أكبر عندما نتأملها كأعمال أدبية. ولا يجب أن نكون متفائلين في ما يتعلق بثبات هذه النصوص المكتوبة لكي تبدأ بها نماذج المسرحية بشكل أكبر في ما يتعلق بالنصوص التي تعد من أعمال الأدب الدرامي. ولذلك لن يتضح بالضبط ما هي صيغة النص التي تبدأ نموذج المسرحية على أية حال.
ثانيا، يجب أن يوضع اعتبار منفصل لمعالجة هذه الأداءات التي لا تتوافق مع أي نوع من معايير الإخلاص للنص، والمنحرفة جدا عن العناصر المنشئة لنموذج المسرحية، والتي لن تستطيع بشكل معقول أن تعد رموزا ناقصة في هذا النموذج. وبوضوح لا يمكن اعتبارها مثل أداءات مسرحية بعينها. ويعالج مؤيدو نموذج «النموذج/ الرمز» هذه الحالات كالتالي: قد تتناظر هذه الأداءات مع الابتكارات الموسيقية أو الخيالات الوهمية، فهي قد تكون أداءات من فن الأداء (عن المسرحية مثلا)، فضلا عن أنها أمثلة لأداءات مسرحية للمسرحية.
لا يثير الطابع المميز لهذه الحلول إشكالية من وجهة نظر الأنطولوجيا، ولكنها تطرح مشكلات أبستمولوجية، لأنه لا يتضح في هذه الحالات كيف يميز المشاهدون الأداءات التي يشاهدونها، إذ يجب عليهم أولا أن يميزوا الأداء، وعندئذ، يستنتجون بالمقارنة مع نموذج المسرحية أن الأداء انحرف بطريقة من هذه الطرق. ويواجه حل هذا النموذج مشكلة معرفية مماثلة في حالة الأداءات التي لا تبدأ بنص على الإطلاق. وفي تلك الحالات، إن ما يهم كنمودج للمسرحية هو الشيء الذي يبدأ به الأداء، وما يهم كمزيد من الأداءات لهذه المسرحية يتحدد بواسطة نموذج المسرحية التي يبدأ به أول أداء. والسؤال هو كيف يميز المشاهدون نموذج المسرحية التي يبدأ بها الأداء، ولكنها تُرى بشكل أبستمولوجي، كم واجه المشاهدون الأداء أول مرة، إذ لا يتضح كيف يمكن أن يفكروا فيه ويميزونه كذلك.
ولكن المشاهدين، بالطبع، ليست لديهم مشكلة في تمييز أداءات من هذا النوع. كلما كانت أنطولوجيا الأداء صحيحة كانت الأبستمولوجيا واضحة جدا. في الواقع، حتى عندما تبدأ المسرحية بنص مكتوب، كما في هذا النموذج، فإن أغلبنا يكون في هذا الموقف: لو أنني شاهدت أداء واحدا لنص «هيدا جابلر»، ذلك بالنسبة لي هو نص «هيدا جابلر»، إذا ذهبت إلى مسرحية أخرى توصف بأنها «هيدا جابلر» فسوف أستنتج أنني شاهدت المسرحية نفسها في المرة الأولى إذا اعتقدت أن نفس القصة قدمت إذا تحدثت مع شخص آخر عن القصة والشخصيات بالطريقة نفسها التي فعلت في المرة الأولى.
فمن خلال الإشارة الصريحة إلى تجاربنا مع الأداء التي يقوم بها معظمنا، نحدد في الواقع الأداء الذي رأيناها بما قلناه لبعضنا البعض عند خروجنا من المسرح.
 نموذج المكونات:
يتأمل أنصار هذا النموذج النصوص المستخدمة في الأداءات المسرحية باعتبارها مكونات كثيرة، مصادر الكلمات والأفكار الأخرى للأداءات المسرحية، مع مكونات أخرى متاحة من مختلف المصادر. ولا تعد أعمال الأدب الدرامي، بوجه خاص، مكونات ملائمة خصوصا أو داخليا للأداءات. والأداءات كمكونات ليست سوى مصدر واحد بين عدة مصادر ممكنة للكلمات بالنسبة للأداء المسرحي. فالحوار النصي يقدم، بمصطلحات أخرى، جزءا آخر من المعلومات.
قد توجد أسباب خارجية لاعتبار أعمال الأدب الدرامي أنواعا مفيدة من المكونات للأداءات المسرحية. ولكن تخيل هذا الموقف: عدد من الطهاة موجودون في غرفة مع مكونات محتملة من مختلف الأنواع لكي يحدد وجبة ويجهزها، وليست معهم وصفات، ولا توجيهات أداء، ولا عناصر تحدد القواعد التأسيسية ماذا يجب أن يكون شكل الوجبة التي يقدمونها ورائحتها ومذاقها، وليس لديهم شيء سوى قدراتهم كطهاة، ومعرفة بالمكونات نفسها، ومزودون بمعرفة ماذا فعل الطهاة الآخرون بهذه المكونات المماثلة، وأفكارهم عن نوع الأطباق أو الوجبات التي يريدون تحضيرها. وهذا بالضبط مماثل للموقف الذي يواجه الرسامين أمام لوحاتهم. وهو الموقف الذي يواجه فرق الأداء المسرحي عندما يشرعون في إبداع أداء على أساس نموذج مكونات علاقة النص بالأداء.
وبشكل أكثر تحديدا، يؤكد أنصار نموذج المكونات أن هذه المزاعم صحيحة.
(1) الأداءات المسرحية ليست أداءات لأعمال أدبية، وليست نصوص أداء تم التوصل إليها بواسطة تحويل النص المكتوب، وليست تكملة أو تنفيذا لأعمال يتم البدء بها – بأي معنى للموضوعية – في النصوص المكتوبة من أي نوع.
(2) تنشأ هوية الأداء بالإشارة إلى صور الأداء نفسه أو حقائقه وأحيانا بالإشارة إلى صور وحقائق عن الأداءات الأخرى أيضا.
(3) تبعا لذلك، لن يكون الأداء هو أداء لعمل آخر، ولن يكون أداء لنص أو أي شيء يتم البدء به في النص، ولذلك لا وجود لمعيار الإخلاص للنص – من أي نوع – مطلوب لتحديد العمل المقدم في الأداء.
(4) الأداءات المسرحية هي أعمال فنية في حد ذاتها.
(5) النص المستخدم كمصدر للمكونات اللفظية وغيرها في الأداء المسرحي، ربما لها حياة أخرى باعتبارها عملا من الفن الأدبي، ولكن لا يحتاجها. علاوة على ذلك، سواء كان للنص حياة أدبية في حد ذاته فهو سؤال لا يرتبط منطقيا باستخدام أي مواد من هذا النص في أداء مسرحي، بمعنى أنه لا توجد صيغة مسرحية لتقديم أعمال الأدب الدرامي: لأنها مثل أعمال الأدب الدرامي نصوص للقراءة فقط.
لا داعي لتفسير هذه الملاحظة الأخيرة باعتبار أنها تحدد كيف يجب أن تقرأ هذه الأعمال الأدبية، فقد تكون أعمالا أدبية، ولكن يبقى السؤال: هل حقيقة أنها مكتوبة للأداء تشترك في الملامح التي يجب الأخذ بها في التفكير في كيفية قراءتها؟
الفرق الأول المهم بين نموذج المكونات والنماذج الأخرى هو أنه يسقط فكرة أن الأداءات المسرحية بها شيء غريب على الأداء. وتنشأ المشكلة الرئيسية التي تواجه كلا من النماذج السابقة التي شرحناها من فكرة أن الأداءات قصدية، لدرجة أنها دائما تقريبا عن شيء مختلف عن الأداء نفسه. ويتجنب هذا النموذج تلك المشكلات تماما، وأنه بديهي إلى حد ما.
من الواضح أن كل ما نعتبره أداء ليس قصديا. تأمل ما في ذهنك عندما تجامل صديقك بعد مشاهدته وهو يتهرب ببراعة من مناسبة عامة وحرجة اجتماعيا، فنقول بعد أن يستقر الأمر «أداء جيد». وعندئذ نشعر أنه لا داعي أن نعتقد أنه لا بد أن يكون شيئا مما فعلته هو أداء. ولا داعي لذلك في هذه الحالة. ويعمم نموذج المكونات هذه الفكرة في كل الأداءات المسرحية.
يمكن أن يعاود الأسلوب القصدي ظهوره دون الإشارة إلى النصوص. افترض مثلا أنك ترى صديقك يخلص نفسه بالطريقة نفسها في مناسبة أخرى. وفي هذه الحالة، قد تميل إلى مجاملته بقولك «فعلتها مرة ثانية!». من خلال تعبيرك بضمير الغائب تنوي أن تشير إلى نظام اجتماعي من نوع ما يبدو أنه لديه للتخلص من المواقف الاجتماعية القاسية. ويتناظر النظام الاجتماعي الذي يؤديه صديقك مع الأساليب التي يؤديها لاعبو الجمباز، وكثير منها له أسماء. وبمجرد أن يكون للنظام اسم، قد يعود المصطلح المقصود إلى الظهور في إشارة إلى النظام.
والفرق الرئيسي الثاني بين نموذج المكونات والنماذج الأخرى، هو أن هذا النموذج يقبل الممارسة العادية للمشاهدين، باعتبارهم ينشؤون هوية الأداء عن طريق الإشارة إلى الأداء نفسه، باعتباره الشيء الوحيد الملائم لهوية الأداء. ويحتاج هذا الزعم كثيرا من الدعم أكثر مما يحصل عليه بتوضيح أن هذا على ما يبدو الطريقة التي يمارسها الجمهور فعلا لتمييز العروض، لأنه ليس ما نقوله لبعضنا البعض عندما نخرج من المسرح يؤخذ على أنه تمييز للأداء. وذلك هو أحد الأسباب التي جعلت النداء إلى شيء غريب عن الأداء أو غيره في الأداء كان قويا، ويتم تزويد المزيد من الدعم لذلك النداء من خلال حقيقة أن بعض الأداءات يصعب تحديدها بدقة باعتبارها أحداثا مستقلة تقع في أماكن وأزمنة محددة بسبب طبيعتها التفاعلية، أو لأنها تتعلق بالعلاقة بين المشاهدين والأداء الذي هو متقطع ومجزأ وبدون مدة محددة.
وسوف أدافع عن نموذج المكونات في الفصلين الخامس والسادس من هذا الكتاب. وأجادل بأن الاعتبار الملائم للكيفية التي نفهم بها الأداءات، توضح لنا كيف نميزها في الحقيقة. بدقة أكثر، سوف أناقش ثلاثة مزاعم، أولا سوف أناقش في الفصل الخامس أن هناك مستوى أساسيا لفهم الأداءات المسرحية التي لا تحتاج اهتماما أكثر مما يقدم أثناء تدفق الأداء لحظة بلحظة كما يحدث على خشبة المسرح. وفي الفصل السادس، أناقش أن الآليات التي تحدث بها هذه المتابعة تتعلق بلقاء متلقين متباينين تماما في وصف ما يحدث في الأداء، وأناقش علاوة على ذلك أنه بسبب تأمين مثل هذه اللقاءات، فإن الوصف الناتج لما يحدث يرقى إلى المستوى الأساسي من تطابقات الأداءات باعتبارها أعمالا.
ومناقشة الزعم بأننا قادرون على تمييز الأعمال بدون الإشارة إلى النصوص التي تستخدمها ناقصة، رغم ذلك، إن لم يكن لدينا أيضا معرفة للكيفية التي يميز بها المشاهدون الأداء (مثل الشخصيات والصور والأدوات) عبر الأداءات في العرض، وعبر العروض التي تستخدم مادة النص نفسها، وعبر الأداءات التي تستفيد من مختلف مواد النص (عندما تظهر الشخصيات نفسها في قصص مختلفة مثلا).
وفي الفصل السابع أقدم تحليلا للكيفية التي يميز بها المشاهدون العناصر عبر الأداءات التي تعتمد على فهم طاقات المشاهدين في الظروف العادية، وعلى أساس حقيقة أن الأداءات المسرحية هي أحداث حية في مكان وزمان محددين.

 الأداء المسرحي باعتباره شكلا فنيا:
إذا كانت الممارسة عملا فنيا، فمن الممكن أن نتوقع منها أن تنتج أعمالا فنية. وأحد المفاهيم الشائعة للعمل الفني هو أنه شيء دائم يتم إبداعه في وسيط ما (مثل اللوحة في التصوير الزيتي) من قبل مؤلف (الرسام) لكي ينظر إليه بطريقة معينة (لكي يشاهد بشكل جمالي). وبوضوح، فإن مشاهدة الأداء المسرحي باعتباره شكلا فنيا له أداءات وعروض كأعمال له، تتحدى بعض صور هذا المفهوم. ففكرة أن الأعمال الفنية أشياء دائمة تقع فعلا تحت ضغط، بالطبع، إن لم تكن بالموسيقى ثم بالرقص بالتأكيد.
وربما نريد أن نؤكد أنه لكي تكون الممارسة منتجة لأعمال فنية، نحتاج أن نحدد الوسيط/ الوسائط الأساسية لكل المنتجات التي تتعلق بالشكل، وربما نفعل ذلك بطريقة تضبط الحدود أو تفسرها لما يمكن التعبير عنه في وسيط/ وسائط محددة. وبدلا من ذلك، ربما نريد أن نؤكد أننا يجب أن نحدد الصيغة الحسية التي تستقطبها السمات الجمالية لمنتجات الممارسة في المقام الأول. ولكن فكرة الوسيط الثابت، التي تلح على مجموعة معينة من الحواس، لأن كل عمل فني أو كل شكل فني يتعذر الدفاع عنه ببساطة. لذلك فحقيقة أنه لا يوجد وسيط واحد واضح للأداء المسرحي – رغم حقيقة أن كل الأداءات المسرحية تستخدم البشر باعتبارهم مؤدين – ليس تحديا جديدا للمفهوم الشائع.
وفي ما يتعلق بمشاهدة شيء ما جماليا، فإن الفكرة الأساسية التي سوف أستخدمها لتأمل هذا هي أنه لكي تعد الممارسة مثل ممارسة صنع الفن، فيجب أن تكون منتجات الممارسة – أعمالها – قابلة للملاحظة والتقييم والتذوق باعتبارها إنجازات. فنحن نتذوق أعمال الفن، في جزء ليس صغيرا، لأننا نتذوق الإنجازات التي تجسدها. وعلى الرغم من أننا نصنف الأعمال الفنية بمعدل أقل بكثير من المفترض، فإننا نقيم أحيانا الأعمال الفنية، ويبدو المعيار الذي نستخدمه هو أن هناك المزيد من الإنجازات، بطريقة ما، في الأعمال الأفضل أكثر من الأعمال الأقل.
وبالتأكيد يتم تقويم كثير من الممارسات البشرية، التي هي غير فنية بأي معنى مباشر، بسبب الإنجازات التي تسمح للبشر أن يصنعوها. والرياضة البدنية هي مثال واضح. ومع ذلك، يبدو صحيحا أن نربط ما يعد إنجازا بالأعمال الفنية ونربطه أيضا بمعظم ما نقوله ونفعله بهم. ولكن يجب إثراء هذا المفهوم النادر نسبيا لما يتطلبه الأمر من ممارسة ما يجب اعتباره ممارسة لصنع الفن بطريقتين:
أولا، لكي نتذوق أي شيء من أجل الإنجاز الذي يجسده، فيجب أن نفهم ما هو هذا الإنجاز. وهذا يتطلب فهما إلى الخلفية التي يوجد أمامها العمل، وإن لم يوجد إنجاز نستطيع من خلاله أن نحدد نوع الإنجاز الذي ينبغي أن ننظر إليه. وبالنسبة لهذا الأخير، فإن هذا لا يتعلق فقط بما الذي نتذوقه، بل أيضا يتعلق بكيف نتذوقه – ما الذي ينبغي البحث عنه وكيف ننظر إليه.
ثانيا، يتعلق الاهتمام بالإنجاز في الأعمال الفنية بالاهتمام بالتفاصيل، والاهتمام بالإجابة على سؤال ما هي التفاصيل المقدمة التي يمكن أن تدلنا على العمل؟ ومن المعتقد أن هذا يعني تقييد الانتباه لما هو تحت السيطرة القصدية للفنان داخل كل عمل مستقل ويفترض معنى ضيقا نسبيا لكونه تحت السيطرة القصدية. ولكن الموقف الذي سوف أناقشه لا يلزمنا بهذه القيود.
ففي حالة المسرح، فإن مسألة قدرتنا على الإجابة على هذه الأسئلة تعني أننا معتادون على تقاليد المضمون وممارسة الأداء، وترابطاتها. وفي الفصل الثامن، سوف أفصح عن شروط النجاح وأدافع عنها للوصول إلى فهم أعمق للأداء المسرحي بشكل أكبر مما يكفي لتطابق العمل. فأوضح أن الفهم الأعمق للأداء يدخل ضمن شكل فهم تقاليد المحتويات وفهم تقاليد ممارسات الأداء. وبالإشارة إلى الآليات التي نكتسب بها فهما أعمق، أوضح، علاوة على ذلك، أن هذه الأنواع يجب أن تكون مختلفة عن أنواع الفهم واكتساب المعرفة من مختلف المعلومات. وفي النهاية، أناقش أنه، رغم أن الفهم الأعمق ضروري للتذوق الكامل للأداء المسرحي، فإنه غير كافٍ له، فما يحتاجه المتلقي، هو فهم تفسيري للترابط بين ما يقدمه الأداء وكيف ولماذا يقدمه المؤدون بهذه الطريقة.
وفي الفصل التاسع أقدم رؤية في ما يتعلق بأنواع الاختيارات العامة التي يجريها المؤدون في تطوير الأداءات المسرحية، وسوف أستخدم تلك الرؤية لتسويغ التعريفات المؤقتة لتقاليد الأساليب المسرحية. وفي الفصل العاشر سوف أدافع عن رؤية أنه بينما يسمى عدد من الأشياء «تفسيرات» بشكل صحيح للأداء المسرحي، فإن أحد تلك التفسيرات له صلة بشكل أصيل بسؤال ما إذا كان الأداء المسرحي هو شكل فني. وسوف أربط فكرة التفسير هذه بفهم الأساليب.
وفي الفصل الحادي عشر، سوف أستجيب للقلق العميق المتشكك حيال وجهة النظر التي طرحتها بشأن فهم الأساليب أو حتى فهم التقاليد، إذ إنني أدرس التعريفات المؤقتة للأساليب والتقاليد المسرحية بمقارنتها مع النظريات الرائدة في التقاليد الاجتماعية والفنية في الأدبيات الفلسفية. وأدافع عن تمييز التذوق التام للأداءات المسرحية ضد القلق الشكوكي. وسوف أوضح أن التمييز متوافق الأفكار المطروحة هنا، التي ترى أن تذوق الأعمال الفنية مسألة تحديد إنجاز، أمام خلفية من المعلومات ذات الصلة، وأن التذوق يسبق بالإجابة على أنواع من الأسئلة عن التفاصيل التي تشرح ما يدور في أي عمل، ولماذا ذلك الذي يدور.
وفي الخاتمة، سوف أعود إلى أسطورة «ما يتعلق of». فما يؤدي بالكثيرين إلى الاعتقاد بأن النموذج الأدبي أو نموذج النصين في ما يتعلق بعلاقة النص - الأداء يجب أن تكون صحيحة ليس إلا التزام بمجموعة من ممارسات الأداء التي سيطرت على التقاليد المسرحية لعدة مئات من السنوات. فقد كانت تلك الممارسات سائدة، ومثمرة جدا، لدرجة أنه من الصعب أن نفكر إلا في هذه الأطر. وسوف أستخدم المادة التي طورتها في الفصلين التاسع والحادي عشر لتعريف التقاليد المسرحية، وأوضح أنها ضرورية للتقاليد التي يعمل الناس بداخلها وتصبح عمياء عن طرق العمل الأخرى. ثم أقدم تعريفا للتقاليد التي تقوم على النص وأدافع عنه. وأوضح أن بضعة حقائق فقط حول بداية الأداء انطلاقا من النص تقيد من ذلك الأداء. وسوف أناقش في الواقع، أن ما يعيق هذا التقليد يتعلق بتلك التغيرات في التقاليد التي تنقل ما يمكن أن نتعلمه من الأداء.
وبمجرد أن نتخلص من استعباد التقاليد القائمة على النص والآراء الخاطئة حول ما يعوق الأداء في هذا التقليد، تكون لدينا طريقة لوصف أداءاته المسرحية المميزة ضمن النطاق العام للرؤية التي ندافع عنها في هذا الكتاب. وبالتركيز على المادة نفسها التي استخدمناها لتحديد مما ينشأ التذوق التام للأداءات، إذ إننا قادرون على أن نلاحظ أن بعض الأداءات في تقاليد النص هي ادعاءات اختارتها الفرق المسرحية لتعويق اختياراتها الأخرى مع أن الرؤى الزائفة كانت صحيحة.
الفائدة الرئيسية لهذا التناول هي أنه، بينما نستطيع أن نستمر في الحكم على نجاح المؤدين في إطار التقاليد التي تقوم على النص، كما فعلنا من قبل، نستطيع أيضا الحكم على نجاح المؤدين. وتحييدا، نستطيع أن نفسر ونقيم الاختيار بأنه مقيد جدا في البيئة الجمالية والثقافية التي تجد الفرقة المسرحية نفسها فيها. وحيث إن تقاليد النص قد حجبت الحقيقة، فإن القرارات الأساسية حول كيفية استخدام النص تعد في النهاية اختيارات يمكن أن يقوم من خلالها المتفرجون الحكم الجمالي والفني المناسب.
 

 


ترجمة أحمد عبد الفتاح