اتهامات بالعنصرية بسبب مسرحية إسخيلوس

اتهامات بالعنصرية بسبب مسرحية إسخيلوس

العدد 608 صدر بتاريخ 22أبريل2019

بنجاح كبير يبدأ مسلسل السيت كوم الأمريكي «إنها الولايات المتحدة» وهو مسلسل كوميدي اجتماعي رومانسي، عامه الرابع على شبكة إن بي سي الأمريكية. وخلال السنوات الثلاث السابقة عرضت 54 حلقة بمعدل 18 حلقة في الموسم الواحد وحققت نجاحا كبيرا وفازت بجوائز كثيرة.
وفي العام الرابع ينوي كاتب الحلقات دان فولجمان – وهو منتجها أيضا – إدخال نوع من التجديد فيها. وسوف يكون التجديد هنا عن طريق المسرح ولكنها ستكون مسرحية تلفزيونية مدتها ساعة تقدم على شاشة التلفزيون فقط كحلقة من حلقات المسلسل.

بسبب مسرحية تعرض حاليا على مسرح جامعة السوربون في باريس، يدور جدل كبير يصل أحيانا إلى تبادل الاتهامات بالعنصرية من جانب وبالتحريض ضد حرية التعبير من جانب آخر.
المسرحية موضوع الجدل هي مسرحية «الصافحات» للأديب المسرحي اليوناني إسخيلوس (523 – 456 ق.م) الذي يطلق عليه اسم أبو المسرح اليوناني وعاش في القرن الرابع قبل الميلاد. وهي واحدة من سبع مسرحيات وصلت إلينا من إبداعات هذا الأديب بينما فقدت أكثر من 60 مسرحية أخرى من إبداعاته.
احتجت مجموعة من جماعات الحقوق المدنية على ظهور الممثلين في العرض، وقد ارتدى بعضهم ماكياج أسود أو ذا لون بني قاتم، كما كانت الديكورات فاتحة بشكل غير مبرر وفق هذه الجماعات.
وبعد أيام من الافتتاح وقف نشطاء من أربع منظمات فرنسية مناهضة للعنصرية على مداخل المسرح، ودعت الجمهور المتوجه لمشاهدة المسرحية إلى العودة أدراجهم، وكانت الحجة أن العرض المسرحي عنصري يسخر من السود ويتخذ منهم مادة للضحك.
وتصاعد الأمر أكثر وأكثر فوجدنا «المجلس التمثيلي لاتحادات السود» وهو أحد المنظمات الرئيسية المناهضة للعنصرية ويعرف اختصارا باسم «كران»، يصف المسرحية بأنها دعاية استعمارية ويدعو المسئولين عن المسرحية إلى «التقليل من حدة اللون الأسود للشخصيات».
دفاع
بدورهم، دافع منتجو المسرحية عن الشكل الذي ظهرت به الشخصيات السوداء والديكورات وقالوا إن هذا التباين كان ضروريا بسبب طبيعة المسرح حيث يوفر رؤية مريحة واضحة للمشاهدين الجالسين في المسرح.
وقال المخرج فيليب برونيه، مخرج العرض، إن نياته الفنية تعرضت لسوء تفسير وحولها البعض إلى نيات عنصرية. ومضى قائلا في حديث لصحيفة لوموند الفرنسية إنه يرفض الإساءة لأي جماعة عرقية ويرفض أيضا الحملة التي تدور في الوقت الحالي باعتبارها تستهدف حرية التعبير التي تتمتع بها فرنسا. ورغم ذلك ودرءا للمشكلات، سوف يغير الماكياج الأسود والبني إلى أقنعة للون الذهبي. وقد حاول ذلك بالفعل قبل بدء العرض لكنه فشل بسبب قيود الميزانية. وسوف يكرر المحاولة ويصر عليها مستفيدا في ذلك من دعم وزيري الثقافة (فرانك فيستيه) والتعليم العالي (فريدريك فيتال) ليساعداه في توفير نفقات الأقنعة التي تحتاج مواصفات خاصة تتجاوز مجرد اللون. وقد يعتمد على التبرعات وقد يساهم بنفسه.
ويمضي مخرج العرض قائلا إن السوربون جامعة عريقة وتحترم التقاليد العريقة. وما حدث بالفعل أنها تلتزم بالتقاليد المسرحية العريقة التي كانت سائدة وقت تأليف هذه المسرحية وعرضها قبل أكثر من 2500 سنة حيث كان الممثلون يعتمدون على ارتداء الأقنعة للتعبير عن الشخصيات.
إسخيلوس
ويعد إسخيلوس أبو المسرح اليوناني الذي أضفى على المأساة جلالا وصوفية، وقد تاثر به أدباء كثيرون ولا يزالون يتأثرون به حتى الآن. ومن أبرز من تأثروا به الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش في قصيدته الشهيرة «أشياء كثيرة على هذه الأرض تستحق الحياة». وكان الشاعر الفلسطيني، كما تجلى في كتابات كثيرة له، مفتونا بإسخيلوس، ذلك الكاتب والمسرحي والفنان اليوناني الذي ملأ التراجيديا بالتعبير عن العواطف الرفيعة، والروح الملحمية التي جعلته «أبا المسرح اليوناني».
وقد استحدث إسخيلوس تزيين المسرح بالديكور، باللوحات المصورة، والأدوات، والمذابح، والأبواق، والأشباح، وهي مناظر أمتعت بروعتها عيون المشاهدين. كما أدخل فكرة الممثل الثاني وقد ولد سنة 525 قبل الميلاد. ألف إسخيلوس أول مسرحياته وهو في الخامسة والعشرين.
ومسرحياته السبع التي وصلت إلينا هي (المستجيرات - الفرس - السبعة ضد طيبة - برميثيوس مقيدا - ثلاثية الأوريست – أجاممنون - حاملات القرابين - الصافحات).
في ثلاثية الأوريستيا: (أجاممنون - حاملات القرابين - الصافحات) يتناول إسخيلوس موضوع اللعنة المتوارثة في بيت أتريوس، إذ تروي أحداثها الرئيسية أنّ بلوبس أنجب ولدين هما أتريوس وثيستس، ولقد حاول ثيستس غواية زوجة أتريوس.
قام أتريوس بالتظاهر بأنه قد غفر خطأ أخيه، لكنه انتقاما من أخيه قام بدعوته إلى مأدبة، كان أتريوس قد ذبح فيها أبناء أخيه إلا واحدا، وقدمهم أتريوس لأخيه في المأدبة، وأكل الأب لحم أبنائه من دون أن يعرف الحقيقة، ولكنه سرعان ما علمها فلعن أتريوس وذريته وفرّ بابنه الباقي هاربا.
دعوة مسرحية لحل أزمة المياه في «فلينت» كاساس: ترتبط بمشكلات أخرى
يعتبر المسرح ساحة مناسبة لمناقشة مشكلات المجتمع، وهذا ما يحدث حاليا في ولاية ميتشجان الأمريكية حيث حان الوقت بالنسبة للمسرح أن يقوم بدوره في التعامل مع مشكلة مهمة تعانيها الولاية.
تعرف المشكلة باختصار باسم «أزمة مياه فلينت»، وفلينت هي مدينة في الولاية تم تغيير مصدر المياه الذي يغذيها في عام 2014 إلى بحيرة هورون إحدى البحيرات العظمى بدلا من نهر فلينت الذي تطل عليه المدينة. وكان وراء ذلك الأزمة المالية التي واجهت المدينة مما جعل المسئولين في الولاية يسعون إلى خفض النفقات.
وعند إتمام عملية التحويل بدأت شكوى سكان المدينة من تغير لون المياه ومذاقها ورائحتها ما أدى إلى مشكلات كثيرة زادت حدتها مع اكتشاف ارتفاع نسبة الرصاص في أجسام عدد كبير من سكان المدينة (أكثر من 100 ألف) بما يتبع ذلك من أضرار يمكن أن تصيب القلب والكلى والجهاز العصبي. هذا فضلا عن مشكلات تصيب الأطفال في السمع وتأخر البلوغ.
وثارت أزمات كثيرة ورفعت دعاوى قضائية وتعرضت حكومة الولاية لاتهامات بالإهمال في معالجة المياه، ووصل الأمر إلى الكونغرس والحكومة الاتحادية في واشنطن ولم يتم الوصول إلى حل بعد.
دور المسرح
ولم يمض الأمر مرور الكرام على الفن، تم إعداد عدة أفلام تسجيلية وحلقات درامية، وحان الوقت كي يتقدم المسرح للقيام بدوره والتعامل مع المشكلة حيث تعرض مسرحية تدور حولها على مسرح أرثر ميلر في جامعة ميتشجان، وبسبب الإمكانيات المادية وعوامل أخرى عرضت المسرحية لمدة ثمانية أيام فقط.
كتب المسرحية الكاتب المسرحي الأمريكي خوسيه كاساس وهو في الوقت نفسه أستاذ مساعد للمسرح والدراما بالجامعة، يقول كاساس إنه كتب هذه المسرحية التي أطلق عليها اسم «فلينت» من واقع حبه لهذه المدينة التي كانت يوما ما سعيدة ومزدهرة بفضل مصنع جنرال موتورز الموجود بها، حتى بدأت تتراجع بعد أن أغلقت الشركة جزءا كبيرا من المصنع، وزادت الأوضاع سوءا في المدينة بسبب أزمة المياه.
وهنا قرر كتابة مسرحية يناقش فيها الأزمة وما تعرضت له المدينة وسكانها من مشكلات لا تزال تداعياتها مستمرة، واحتاج الأمر منه ثلاث سنوات أجرى خلالها أكثر من 80 مقابلة مع أشخاص من سكان المدينة والنشطاء والعلماء ورجال السياسة ليقدم عرضا واقعيا مبسطا للمشكلة مع بعض الرقصات والموسيقى للتخفيف من الأزمة.
وقال إن الشخصيات تمثل أشخاصا حقيقيين من سكان المدينة، ويتم توضيح المشكلة من خلال حوارات تدور بينهم أو حوار داخلي داخل الشخصيات، وسوف تناقش المسرحية على الهامش بعض مشكلات المدينة الأخرى مثل الفقر والعنف والممارسات العنصرية التي يقوم بها عنصريون بيض.
ويقول إنه كان يفكر أن يخصص النص المسرحي للحديث عن مشكلة المياه دون سواها، لكنه قرر توسيع النص بعد أن وجد المشكلة ترتبط بمشكلات أخرى بل حتى بعيوب في النظام الاقتصادي والاجتماعي في أمريكا، وهذه المشكلات والعيوب هي التي جعلت حكومة الولاية لا تتعامل مع المشكلة على النحو اللائق.
ويضيف أنه يهتم في أعماله المسرحية عادة بالفئات المهمشة التي لا تجد من يهتم بحقوقها، فقد سبق أن كتب مسرحية عن أعمال البلطجة، وحتى عن مشكلة من يقتلون عند محاولتهم عبور الحدود مع المكسيك. وهو يأمل أن تلفت المسرحية الأنظار إلى معاناة سكان المدينة التي لم تنته بعد حتى إنهم يخصصون نسبة كبيرة من دخلهم لشراء المياه المعبأة والمرشحات.


ترجمة هشام عبد الرءوف