عند الموقد البحث عن أفق جديدة لاحتواء الاحلام

عند الموقد البحث عن أفق جديدة لاحتواء الاحلام

العدد 607 صدر بتاريخ 15أبريل2019

ضمن فعاليات المهرجان الاقليمي لنوادي مسرح اقليم شرق الدلتا الثقافي قدمت فرقة نادي مسرح قصر ثقافة منيا القمح عرضها المسرحي (عند الموقد ) تأليف ناظم حكمت ومن إخراج محمود مسعد الذي استغل قاعة من قاعات قصر ثقافة منيا القمح ليقدم فيها تجربة المسرحية متخليا عن خشبة المسرح وجلالها ودفئها ومتكأ علي دفء آخر أكثر حميمية وهو الاقتراب الي الجمهور ليشركه طواعية في الاحداث بهدف مضمان مشاركة الجمهور حتي ولو ضمنيا وعاطفيا في الاحداث التي لا تخلو من العاطفة فوضع المخرج جمهوره في تشكيل سينوغرافي داخل قاعة العرض ليحاوط الجمهور الممثلين فيحتويهم ويشاركوهم – وجدانيا – الحدث والحديث .
تتعرض تجربة (عند الموقد) لناظم حكمت ومحمود مسعد لقضية شائكة ومتشابكة مع المجتمعات الانسانية في مطلق القول ذلك انها تحكي عن شاب يحب زوجته حبا صادقا حتي قضت نحبها وتركت له طفلة صغيرة -( يارا محمود وهي طفلة بشوشة الوجه تمتاز بالبراءة ) - تخلي بطبيعة الاحوال عن حب للنساء وفاء للزوجة الراحلة واستشعارا بحق الابنة في قلب ابيها وحبه واهتمامه كاملا غير منقوص ومع تطور الاحداث ونضوج الطفلة لا تلبث ان تترك دفء حضن أبيها لتبحث عن دفئ آخر يبعثها للحياة وتترك ابيها لبرودة الموقد والوحدة فيستسلم ويتخلي عن كينونته ويلتزم بالجلوس مستكينا فوق كرسي متحرك لتبزغ الاطروحات الصادمة من بين ثنايا العرض والنص بطبيعة الاحوال والتي مفادها : هل الابناء هم صنيعة الاباء وحسب ؟ ، هل من حق الابناء البحث عن هوية خاصة تشبع رغباتهم وطموحاتهم بعيدا عن هوية ورغبة وطموح الاباء ؟ ، هل من حق الاباء التمسك برسم حياة الابناء والتمسك بوجودهم بجوارهم ما داموا أحياء ؟ ، هل الابناء هم ظل الاباء ؟ . الكثير من الاسئلة التي ظلت متأججة في عقل المتفرج بعد نهاية العرض دون وجود اجابة قاطعة تبرئ هذا او تدين ذاك .
جاءت سينوغرافيا العرض المسرحي ( عند الموقد ) لنادي مسرح قصر ثقافة منيا القمح علي اكثر من مستوي اولها مستوي التخلي عن تقنيات خشبة المسرح وبالتالي التخلص من احادية مجال الرؤية واجراء التجربة داخل قاعة مغلقة وهي في حد ذاتها ابهار من نوع مختلف بالاقتراب الشديد البادي في الاحداث بين المؤدي والمتلقي فضلا عن محاصرة المتلقي للمؤدي من اماكن عدة حتي وان التزم المخرج بتحقيق الايهام الكامل في الاداء والتشخيص وكامل المفردات مما جعل متفرج القاعة مثل متفرج مسرح ( العلبة الايطالية ) متلقي سلبي في التحليل الاخير دون اي تفاعل حقيقي او تداخل في الاحداث ومع اقتراب الجمهور من المؤديين واحتوائهم لهم يبزغ المستوي الثاني ببعض الموتويفات التشكيلية التي نقلت لنا مكان الاحداث وهو منزل بسيط او كوخ في احدي البلدان الباردة مع وجود مدفاة في المنزل وبار ومنضدة وتدور احداث العرض المسرحي كله في نفس المكان مع مرور فترة زمنية ليست بالقصيرة تلك المدة التي استلزمها نضوج الطفلة وانتقالها الي مرحلة الشباب ورغباتها ورعونتها وبدا علي مكان الاحداث التزامه بالثبات والجمود حتي مع مرور الزمن فوفقت بالتبعية السينوغرافيا في هذا التصور الواعي لاننا علي هذا الاساس ننظر الي المنزل من خلال عين الاب الرافض التخلي عن ماضية والمصر علي ان تحيا ابنته في كنفه ابد الدهر في ثبات وجمود فلا خير في هواء لا يستنشقه الاب ودفء الاب لا يوازيه اي دفء  واظهرت تفاصيل السينوغرافيا كموتيفات لونية وتشكيلية ل ( صفاء علي ) الاضاءة الواعية ل ( محمد الطاروطي ) الذي استطاع نقل الزمان والمكان وتفاصيل التشكيل بحنكة مظهرا (برودة المنزل ) حتي مع اضاءة المدفأة فبدا الأفق قاتما في بعض اللحظات ولم تنقشع تلك الغمام الا بظهور الشاب والفتاة اللذان قلبا مجري الاحداث لتعود القتامة بعد انسحاب الابنة من حياة ابيها للبحث عن حياتها .
وعلي الرغم من بساطة اللغة والحوار الا ان تمكن ( علاء فوزي ) في دور العجوز العالم بمجريات الاحداث والواعي لمتطلبات المرحلة والمستقي لخبرات تشبه ما كان  اكسب العرض ثقلا دراميا خاصة في المشاهد الثنائية مع الاب ( محمود مسعد ) الذي بدا ناقلا امينا للشعور الممزق بين رغبته في التمسك بفتاته أبد الدهر وبين الاستسلام لرغبتها في الحياة في كنف الحب حتي وان كان استسلامه سيقعده .
وفي سياق متصل امتازت ( سارة الشربيني وخالد حسن وماجي طه وندي السيد ويارا محمود )
بالوعي بمتطلبات الدور المسند اليهم خاصة مع الرقصات الخالية من التعقيد ( لمحمد اورتن ) .
العرض المسرحي ( عند الموقد ) لنادي مسرح منيا القمح والمقام ضمن فعاليات المهرجان الاقليمي لنوادي مسرح اقليم شرق الدلتا الثقافي قراءة اخري متجددة لصراع الاجيال وحق الاباء في امتلاك ابناؤهم وحق الابناء في البحث عن افق لاحتواء الاحلام


محمد النجار

mae_nagar@yahoo.com‏