مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي دورة رابعة وفعاليات متنوعة

مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي دورة رابعة وفعاليات متنوعة

العدد 607 صدر بتاريخ 15أبريل2019

الكثير من الفعاليات تم تقديمها من خلال مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي في دورته الرابعة دورة الفنان “جورج سيدهم”، بداية من الملتقيات الفكرية، ووصولا إلى التكريمات للشخصيات البارزة في المسرح المصري والعربي والعالمي، بالإضافة إلى الورش المسرحية في جميع مناحي العملية المسرحية، ومن اللقاءات الفكرية لقاء عن المسرحي الفرنسي المعاصر كاترين مارناس، واشترك في اللقاء ليان اتشوفسكي والدكتور عمر فرتات، وقد طرح اللقاء الكثير من الاتجاهات المسرحية الفرنسية الحديثة، هذا إلى جوار تكريم الشخصية المسرحية العالمية “يوجينو باربا” وقد تحدث عن تجربته المسرحية المهمة، ومن الشخصيات المسرحية المكرمة الكاتب الإماراتي إسماعيل عبد الله، الفنان المصري محيي إسماعيل، الفنانة ليلى طاهر، الفنانة عايدة عبد العزيز، الفنان مصطفى شعبان، المخرج جمال ياقوت، المخرج محمد الشرقاوي، بالإضافة إلى جائزة العمل الإخراجي الأول التي يقدمها المخرج الكبير عصام السيد، وقد أكد أنها في العام القادم لثلاثة من المخرجين الشباب، بالإضافة إلى توقيعات التعاون التي دشنها المهرجان مع مجموعة من المهرجانات الأخرى.
وبالنسبة للعروض المسرحية ثمة ثلاثة محاور يقدمها المهرجان «محور المسرح المغلق، مسرح الشارع، مسرح المونودراما»، وسنعرض لمجموعة من العروض المسرحية المشاركة 15 دقيقة.. الإرهاب يتحدى الثقافة.
العرض الحائز على جائزة أفضل عرض مسرحي «عرض كندا آخر 15 دقيقة» إخراج مجدي بومطر، يقدم العرض صورة درامية قاسية عن مقتل المخرج والمبدع المصري مصطفى العقاد، حيث يثبت لحظة قتله في نوع من التوثيق، ففي حفل زفاف ابنته ريما في الأردن يفجر الفندق بكل من فيه، وبتقنية الفلاش باك إلى جوار استخدام الخيال الإبداعي، يقدم لنا العرض تفاصيل دقيقة عن حياة مصطفى العقاد في مواجهة حياة الإرهابي الذي قام بعملية الاغتيال، عبر السينوغرافيا يمكن أن ترى انعكاس صورتين فوتوغرافيتين لكلتا الشخصيتين كل بأسرته، ومن اللافت للنظر أن يقدم المخرج “الأم والابنة والزوجة” ممثلات يقمن بذات الأدوار فهي هنا زوجة وابنة وأم مصطفى العقاد، وفي الصورة الأخرى أم وزوجة وابنة الإرهابي، لتعرف الفارق الجوهري بين الاثنين ما بين حياة الفن والإبداع وحياة لشاب فقير بها قدر من الحب، لكن الجهل والفقر وسيطرة الآخر عليه حولته إلى آلة من القتل لدرجة أنه يضحي بحبيبته من أجل القيام بعملية إرهابية، حيث يجعلها ترتدي حزاما ناسفا لتفجر نفسها تنفيذا لأفكاره. يتطور العرض في هارمونية واضحة وصولا للحظة التفجير التي يقدمها المخرج بشكل أشبه بالتقنية السينمائية “التصوير البطيء” بحيث يتم تضخيم لحظة موت مصطفى العقاد slow motion وأسرته، فتترك أثرا واضحا لدى المتلقي.
ومن المُغاير في هذا العرض أنه يقدم كلماته في مزج بين اللغة العربية واللغة الإنجليزية، مما يضفي على المعنى جمالا ويجعله يتخطى حاجز اللغة ليتواصل مع الجميع ليطرح أفكاره بشكل غاية في السهولة واليسر.

“وهم”.. جسد المؤدي ومحاولات اختزال الزمن
قدمت دولة إيطاليا عرض “وهم” إخراج «فابيو أوموديل»، وتتحدد طبيعة العرض من خلال أسلوب واستخدام مكوناته الأساسية، حيث الممثل وجميع عناصر العرض المسرحي الأخرى. وفي عرض “وهم” تتجلى هذه العناصر في فضاء مسرحي، وجسد المؤدي إلى جوار ذلك الامتداد الزمني والإيقاع، والعروض الأدائية تعد في ذاتها فعلا تواصليا قد يصل أحيانا إلى حد التوحد بين القائم على العمل ومتلقيه، هنا في هذا العرض تسيطر الصورة الحركية، والبصرية على العنصر الكلامي، كذلك لا يمكنك بوصفك متلقيا أن تعتمد على فكرة التسلسل الدرامي، وإن كان العرض حاول إبراز بعض التسلسل مستخدما خيال الظل في تلك العملية التي تكررت أكثر من مرة “حيث المرض والاقتراب من الموت فالطبيب ثم الموت”، ذلك أن العرض تعتمد فيه الأفكار على معنى التجاور، فلا معايير تقليدية يمكن من خلالها أن ننظر إلى العرض.
يستخدم العرض موسيقى منتظمة ذات إيقاع تصاعدي مصاحب له أداءات جسدية أشبه بالتمرينات الميكانيكية، التي تعبر عن حركات مجردة لا تحمل إحساسا معينا، يمكن من خلاله أن نرد المرئي والمسموع إلى مرجعية يمكننا تفسيرها بشكل واضح اعتمادا على نوع من الثوابت، وإنما نرى فيه مجموعة من البشر أشبه بالآلة التي تقدم إنتاجها بشكل به الكثير من الانضباط والالتزام، تعتمد تلك الحالة من الآلية على بعض التكوينات والتشكيلات المشهدية التي تعد الإضاءة فيها عنصرا أساسيا، فمستوى الإضاءة المستخدم يساهم في إضفاء الجو العام بشكل واضح، مما يؤكد معنى أهمية الإضاءة واستخداماتها في هذا العرض، والتركيز على استخدام منبع لبؤرة ضوئية في عمق مساحة التمثيل أمامها سلويت من خلاله يمكن تقديم خيال للظل، تلك البؤرة حينما يؤدي الممثلون أمامها تنتج صورة مرئية أشبه بتحرك الظلال، فمجموعة المؤدين في لحظة ما ضمن العرض يقدمون مشاهد أمام هذه الإضاءة تعبر عن دلالات مختلفة، فتارة تأخذك الدلالة إلى تشكيلات أشبه بعربة تحمل مريضا، وأخرى تعبر عن الغوص في أعماق البحار، مجموعة من التنويعات التي تقدم دلالات لها مدلولات ذهنية، بشكل مطلق غير مؤطر بزمان أو مكان بل يمكنك أن تنفتح على ممالك الخيال، لترد تلك الدلالات المطروحة إلى مدلولات ذهنية كامنة في لاوعيك الإنساني غير مرتبطة بالزمان أو المكان.
xo عالم من العزلة والانشطار
مسرحية من إعداد وإخراج «حمزة العصفوري» من خلال جدار أشبه بالحبال المصنوعة بطريقة خاصة يبدأ العرض بعزلة كل شخصية في جزئها الخاص وعلى أنغام موسيقى موترة متصاعدة تبدو حالة التوتر جلية، تلك الحالة من الانقسام تتبدى في أداء الممثلين، ففي نوع من الانشطار تتابع شخصيتين دراميتين، إحداهما تبدو انعكاسا للأخرى، يمكنك بصفتك متلقيا رؤية العرض وكأنه لوحات درامية تقدم في نوع من التصاعد بداية من عدم معرفة الشخصيتين لبعضهم البعض، وانتهاء بفقد إحداهما، تظل الشخصيتان في حالة من الصراع على مدار العرض فما يقوله إحداهما في بعض اللحظات تعبر عنه الأخرى، وكأنه انعكاسها الجسدي في المرآة ففي لحظة ما تقول إحداهما “وجهي مغلف بخيوط العنكبوت” لتنعكس تلك الجملة على أداء الأخرى من خلال إيماءات الجسد والوجه.
تمارس الشخصيات مجموعة من الألعاب الميتاتياترية لكسر الملل وإنهاء الوقت، الذي تظن في لحظة ما أنه قد توقف، هنا يمكن أن ترى شخصيات مهشمة من الداخل تقدم حالة من الهذيان، تمارس لعبة الزوجين فأحدهما يرتدي باروكة لتتجلى حالة التغريب، على المستوى المرئي فهو يبتعد عن نوعه من حيث الجنس “رجل”، ليتقمص النوع الآخر “أنثى” ويبدأ في أداء دور الزوجة المحبة، ولكن بنوع من “الجروتسك” فيبدو التهكم جليا، فهذه مشية وضحكة أنثى، لكنك كمتلقٍ تدرك أن القائم أمامك ليس إلا لعبة في سياق العرض المسرحي، وكما الكاريكاتور بالنسبة للرسم حيث التشويه والتضخيم عمدا، يتم استعراض المواقف بين تلك الأنثى وزوجها، والقائم بشخصية الزوج عليه ارتداء موتيفة تعبر عن شخصيته وهي “الجرافت” فتشعر أنك في مشهد مثير للضحك، ولأنه لا مضحك إلا فيما هو إنساني تعرف أنك في سياق من الهزل المرئي، والتكوين للمشهد يتم أمامك بصفتك متلقيا فكل آليات اللعبة واضحة جلية، فهذا يرتدي الباروكة أمامك ليقوم بدور الأنثى والآخر تكون الجرافت سبيله ليمثل دور الرجل، وحوارهم يبدو في حالة من التكرار الدائم، فأي حوار حقيقي يمكن أن يعول عليه في تلك الحالة من العزلة التي تبدو وكأنها عقاب، ويتم ممارسة لعبة القهر من خلال تلك العلاقة المتخيلة بين الزوج والزوجة وقد يتم تبادل الأدوار أحيانا من حيث الأداء فيما يعني من يمارس سطوته على الآخر الزوج أم الزوجة، ففي لحظة تصعد الزوجة على ظهر الزوج بعد انحناءة ويتحرك بها في حالة من القهر، وبنوع من القسوة يمكن أن ترى علاقة يفتقد فيها التواصل على المستوى الإنساني، بحيث يعقب أحد الممثلين قائلا “الكره هو الشيء الوحيد المتبقي من هذه العلاقة”، وهكذا يتم استعراض هذا النوع من العلاقات الإنسانية بشكل كوميدي.
تتكرر المواقف على مدار العرض المسرحي ويستمر التأكيد على معنى العزلة وعدم التواصل، وفي لحظة ما لا تشعر بوجود ذلك الجدار على خشبة المسرح، الذي تكتشف مع تطور الأحداث أنه مفتوح، فأحد الممثلين يمر من خلاله، وهكذا تذوب مساحة العزلة لتبدو الشخصيات واحدا منشطرا إلى اثنين وبقفد أحدهما بالموت يختفي الآخر من على خشبة المسرح، وينتهي العرض، مسرحية تمتليء بالكثير من الأفكار حاول فيها المخرج تقديم رؤية مُغايرة مستعينا فيها بالكوميديا، وتضخيم المواقف، وكان الصراع بين الشخصيتين سبيله لتحقيق رؤيته.

دراما الشحاتين وملجأ المشردين
قدمت “مصر” عرض “دراما الشحاتين” تأليف بدر محارب، إخراج محمد الرخ، ومنذ اللحظة الأولى للعرض المسرحي تدرك أنك أمام مسرح تم إغلاقه، ومن ثم أصبح ملاذا آمنا للمشردين في الشوارع، بحيث تظهر أولى الشخصيتين في العرض المسرحي وهما مشردان يمارسان لعبة “السيد والعبد” في إطار من المرح وخفة الظل والغناء، وفي حالة من الصراع للحصول على مكان للنوم، إلا أنهما يصطدمان بدخول أشخاص آخرين وعليهم إذن الاختباء، وبذلك تدور الأحداث تصاعدا عبر دخول كل شخصية جديدة إلى خشبة المسرح، في إطار محاولات الإقناع أن يبقى الجميع في هذا المكان المأوى، بغض النظر عن من سبق الآخر للدخول إليه، وفي إشارة إلى أن هذا المكان «المسرح» هو في الأصل بيت ومأوى وملجأ لرواده ومحبيه، ومن غير المعقول أن يغلق ويهمل، وما أن تلتقط تلك الإشارة باعتبارك متلقيا تفاجأ بصوت مندوب السلطة، ضابط البوليس الباحث عن السارق، حيث تدخل شخصية امرأة متخفية في زي رجل ونكتشف أنها تفعل ذلك تحديا لمجتمع المشردين الذي تحيا في كنفه، فهي تتحايل على هذا المجتمع بوضع الشنب وارتداء زي الرجل، وذلك كي لا تتعرض لمضايقات المشردين من الرجال وتسرق مثلهم. وبحضور الضابط تختبئ مع مجموعة المشردين في هذا المسرح، إلا أنه يتم الكشف عن هويتها، وبسؤال الضابط للجميع عن وجودهم في هذا المكان الحكومي (المسرح)، يؤكدون أنهم يمثلون مسرحية، فيطلب أن يشاهد لأنه يحب المسرح، وهكذا يتم الدخول في أداء من «البارودي» حيث المحاكاة التهكية لـ”هاملت” شكسبير، إلى جوار استخدام الكثير من تقنيات الضحك خصوصا «الآلية والتكرار» وهو ما يثير الضحك بشكل واضح، ويخلق حالة من “الميتاتياتر” حيث التمثيل داخل التمثيل، ويشعر المتلقي أن الجميع ما هم إلا عبيد تلك السلطة التي مارست القهر على الجميع.

صدأ.. تيمة تقليدية وصراع لا ينتهي
من خلال مسابقة محور مسرح الشارع والفضاءات المفتوحة، قدمت دولة الإمارات، ضمن فعاليات مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي دورته الرابعة، مسرحية “صدأ” تأليف أحمد الظنحان، إخراج إبراهيمي القحومي، في نوع من التضرع والخشوع وبأجواء روحانية، وبشخص يبدو في حالة من التوسل إلى الخالق طالبا أن يلهمه السبيل إلى كيفية الترقي في رحلته يبدأ العرض، وهي رحلة جل ما يشغله فيها حالة الترقي، وشغف الوصول في محاولة لمعرفة الخالق وطلب يد العون منه، لكنه يتضرع إلى الخالق في مكان أشبه بالصحراء التي لا مميز لها سوى صخرة كبيرة، جرت العادة أن يتخذها العامة مكانا للتبرك والمساندة في دعائهم للخالق، يمكنك أن تعتبر تلك الصخرة وكأنها ضريح يلجأ إليه العامة لتلبية احتياجاتهم لذلك تتخذ هذه الصخرة مكانة كبيرة جدا في نفوس العامة، ذلك هو الجو العام الذي تبدأ فيه أحداث العرض، بينما تظهر شخصية أخرى في منطقة التمثيل ترفض تلك الحالة وتعتبرها مجرد خرافة لا أكثر، فتلك الصخرة لا تحمل له سوى معنى مادي بائس، فهي السبب من وجهة نظره في فقدان أسرته، التي اصطدمت بالصخرة عربتهم وهم على الطريق وأودت بحياتهم، وعلى ذلك فإن هدف ذلك الشخص لحضور هذا المكان هو هدم تلك الصخرة والتخلص منها بأي شكل. ومن هنا يبدأ الصراع، فالأول يرى فيها ملجأ وملاذا على المستوى الروحي، بينما يرى فيها الثاني السبب الأساسي في فقدان عائلته التي كان يحبها، وتوقف الزمن بالنسبة إليه عند تلك اللحظة من الألم والحزن لدرجة أنه يرى في هذه الصخرة وتدميرها خلاصا لما هو فيه من معاناة إنسانية، وألم للفقدان واليأس، يؤكد ذلك الشخص المادي أن الصخرة مجرد خرافة لا حقيقة فيها، فالشخصان أحدهما يمكن تشبيه حالته المستمرة في التضرع على أنها حالة من الصوفية فقد ترك حياته وذهب في مكان فارغ لا يحمل أي دلالات سعيا في الوصول، إلى ذلك الصفاء ومد يد العون من المولى، يتصاعد الحوار بين الشخصيتين وصولا إلى حالة من الاستفزاز، التي تجعل ذلك المتصوف يخرج من حالته الوديعة مدافعا عن تلك الصخرة التي يتبرك بها فيضرب الآخر على رأسه، وبالتالي يفقد الوعي. يتجه الحوار في تلك الحالة إلى الندم على ما فعل مرتبكا ومحاولا التفكير فيما يفعل، وفجأة نكتشف أن الضربة لم تقتل الشخص ولكنها غيبته عن الوعي، وحينما يستعيد وعيه يجد نفسه مكبلا، وبعد توسل وفي النهاية نجد الاثنين مكبلين على نفس الدرجة من قوة القيد، فهو في الحقيقة قيد معنوي لا قيد مادي، فليس الحبل هو ما يكبلهما وإنما أفكارهما هي القيد الأول بالنسبة إليهما، فالأول تحكمه خرافة التوسل بالصخرة حتى وإن كانت نياته طيبة، فهو ينتهج الصوفية ولكنه يلجأ إلى خرافة الصخرة للتبرك بها وكأن الإله يحتاج إلى ما يتوسل به للوصول إليه، والثاني تبدو عقليته المتزمتة الحجرية سببا أساسيا في بؤسه فهو يعتقد بأن الصخرة ليست إلا سببا جوهريا في قتل عائلته، ولا حاجة لها فهي عقبة في الطريق يجب إزالتها، ذلك الصراع بين “الخرافة والواقع المادي” صراع أبدي، ففي معظم المجتمعات تجد تلك الحالة من استخدام الخرافة والاعتماد عليها.

 


داليا همام