هامش على حوار

هامش على حوار

د.محمود نسيم

العدد 601 صدر بتاريخ 4مارس2019

لدي تعقيب مجمل على ما أورده الدكتور سيد علي إسماعيل في ردوده علي بيان لجنة المسرح، ولكنني أود أن أبدأ بتوضيح وإشارة، التوضيح هو أنني أكتب معبرا فقط عن رأيي الشخصي وتصوراتي الخاصة، بمعنى أن ما أكتبه هنا ليس متصلا بكوني عضوا في لجنة المسرح ولا مرتبطا بها، هو فقط هامش أردت به أن أشارك في السجال العام الدائر الذي أراه رغم كل شيء حيويا وضروريا.
أما الإشارة فهي تتعلق بتقديم الدكتور سيد ردوده باعتبارها بيانا صادرا عن اللجنة العلمية للمؤتمر وتكليفا منها، ثم فوجئنا جميعا بنفي واضح من اثنين من أعضائها لذلك، وهما الدكتور نبيل بهجت الذي كان قاطعا ومحددا في تصريحه لموقع (البوابة)، حيث جاء تصريحه نصا: «إن اللجنة العلمية انتهت من أعمالها بمجرد انتهاء فعاليات المهرجان في السادس من يناير الماضي، وإنه لم يتم تكليف أحد بالحديث حول المحور الفكري في السجال الحادث الآن بشأن اللجنة».
وأضاف تأكيدا أن أي رأي يخرج من أعضاء اللجنة العلمية ما هو إلا تعبير عن قناعات الأفراد الشخصية، ولا يمت بصلة لكل أعضاء اللجنة، وكذلك الدكتور أسامة أبو طالب، الذي كان واضحا هو الآخر في تلك النقطة مشيرا إلى «إنني لم أكلف أحدا بالحديث نيابة عني».
هذان التصريحان ينفيان عن البيان بشكل قطعي كونه صادرا عن اللجنة العلمية، فلماذا قدم الدكتور سيد ردوده باعتبارها بيانا صادرا عن تكليف، رغم أن ذلك استنادا إلى التصريحين لم يحدث، أو على الأقل لم يكن موضع اتفاق عام لدى أعضاء اللجنة، سأتجاوز ما هو أخلاقي هنا، وأعني خداع الرأي العام الثقافي عبر تقديم ردوده وكأنها بيان لجنة، وكأنها تكليف.
سأتجاوز ذلك لأنني بيقين لا أتصور أن الدكتور سيد يمكن أن يكون بهذا التساهل الأخلاقي بحيث يُبيح لنفسه انتحال صفة اللجنة وادعاء تكليفه بكتابة رد وإصدار بيان. أكرر: لا أتصور ذلك يقينا، لأن الدكتور سيد، كما ألاحظ من أدائه العام، يتميز بتماسك سلوكي ومعرفي ينأى به عن شطط الانتحال ولعبة الخداع وتصاغر الادعاء، فضلا عن إدراكه بالقطع أن من يُبيح لنفسه انتحال صفة اللجنة وادعاء تمثيلها، يضع تاريخه وسيرته في موضع السؤال لكي لا أقول الشك، ويجعل مصداقيته قابلة للتأويل لكي لا أقول الإدانة، وهو بما اكتسب من معرفة وبما امتلك من تجربة وخبرة، يعرف أن من يفعل ذلك يعطي لخصومه ومنتقديه فرصة إنهاء الحوار بضربة قاضية تتركه يذوي وحيدا على الحلبة منشغلا بتبرير انتحالاته وتفسيرها.
أعيد تأكيدي صادقا على أن الدكتور سيد خارج هذا الإثم الأخلاقي تماما، ولكن سؤالي لا يزال قائما ومطروحا، لماذا استهل الدكتور ردوده المنشورة على صفحته الشخصية وفي موقع (بتانة) بهذه العبارة: «بتكليف من اللجنة العلمية لندوة «همزة وصل - نقد التجربة»، للرد على بيان لجنة المسرح بالمجلس الأعلى للثقافة، وبصفتي المنسق العام للندوة»، ولماذا صاغها وكأنها، كما أشرت، بيان اللجنة العلمية؟ هل يحتاج الدكتور سيد إلى حماية مُستمدة من إطار كلي، هل لا يستطيع أن يقدم اعتراضاته وتصوراته باعتبارها اجتهادا موثقا بمعرفة واستدلالا فكريا محكوما بمنهج؟ فالتجأ إلى الإيحاء الوهمي بوجود لجنة قابعة خلف البيان.
ومثلما نفيت عنه التجاوز الأخلاقي، أنفي عنه بيقين أيضا احتياجه إلى حماية وإلى إطار عام يمرر من خلاله الردود، ربما هي صفة المنسق العلمي ما دفعته لاعتبار ما يكتب صادرا عن اللجنة، وربما هو اعتقاده أن طرح الردود بصفتها تمثيلا للجنة وليس صوتا لفرد يمكن أن يكسبها قوة الإقناع ويعطيها علامة المرور وشارة الحضور، وربما هو استسهال عابر، أيا كانت الاعتبارات، فإنني أقترح عليه حذف صفة اللجنة والتكليف استنادا، أولا، على ما هو حقيقي، وأعني أن البيان كما بات واضحا ليس صادرا عن اللجنة وليس ممثلا لها ولا دالا عليها، كذلك، ثانيا، لأن الردود في ذاتها هي مجال الحوار وموضع الخلاف.
أتجاوز الآن التوضيح والإشارة إلى ما أريده من تعقيب مجمل بادئا مما ألاحظه من أن ردود الدكتور سيد ركزت على أن بيان لجنة المسرح اعترض على وضع تاريخ زائف للمسرح المصري وابتسار تجربته الممتدة دون استناد إلى مرجعية مستمدة من إعلان الندوة وتعريفها، في سياق ذلك يرجع إلى تعريف الندوة المنشور ذاكرا أنها تأتي لتكمل سلسلة ندوات عربية، يتم من خلالها دراسة نقدية للتجارب الراسخة، ويستدل الدكتور من ذلك على أن الندوة، وفق تعبيراته ذاتها، مخصصة ومحددة ومرتبطة فقط بالدراسات النقدية وليس بالدراسات التاريخية.
 وهنا الإشكال الرئيسي، يعتمد الدكتور على تعريف وارد للندوة قبل إقامتها بشهور كما قال، فيما اعتمد البيان على واقع المؤتمر ذاته، يراوغ الدكتور مركزا على تعريف وتحديد منشورين، وكأن بيان لجنة المسرح جاءا اعتراضا على تعريف وليس على واقع، والسؤال الحتمي هنا هو: إذا كانت الدراسات النقدية وفق التعريف المنشور هي مدار المؤتمر ومجال استقصاءاته، فلماذا وضْع إطار تاريخي، ولماذا انحصرت الدراسات، أيا كانت محاورها، في مرحلة زمنية؟
أنتم من صنع الالتباس، أنتم من قدم المحور الفكري وكأنه تأريخ، أنتم من وضع إطارا زمنيا بدا وكأنه اختزال للمسرح وابتسار لميراثه وحركته، أنتم من تجاوز تعريف الندوة الذي يشير إلى تجارب راسخة لا إلى تاريخ، وحين تُثار اعتراضات واسعة من لجنة أو نقاد أو متابعين، تعود إلى تعريف منشور متقافزا على الواقع ذاته، إن استنادك إلى تعريف الندوة يُدينك، لأنها كما ذكرت أنت مخصصة للدراسات النقدية وليس التاريخية، والجملة واضحة لا التباس فيها ولا غموض، فلماذا تم تحديد المرحلة الزمنية واقتطاعها من سياقها التكويني وتقديمها على أنها المسرح المصري تمييزا وهميا لها عن ما سُمي: المسرح في مصر، ولماذا تركيز حركة المسرح المركبة والمتعددة وقصرها على فترة استنادا إلى اجتهاد بحثي، لا على حقائق علمية موثقة، هذا هو جوهر اعتراض بيان لجنة المسرح. فالإشكالي في الموضوع كله ليس كما حاولت أن توحي في عدم عودة لجنة المسرح إلى تعريف الندوة وطبيعتها المنشورة، وإنما في الوقائع ذاتها، في الفعاليات والإطار الزمني والابتسارات المنهجية، في واقع المؤتمر وليس تعريفه المسبق، رغم ذلك، فإنني أرى فيما ذكرت نقطة متقدمة في الحوار، جوهر اعتراض بيان لجنة المسرح فضلا عن الكثير من النقاد والمشتغلين بالمسرح هو اختزال تاريخ المسرح في مرحلة، وأنت الآن تنفي عن المؤتمر هذا الاختزال، وترد عن ندواته وأبحاثه هذا الابتسار، وتلك نقطة اتفاق أذكرها ليس باعتبارها تراجعا منك أو تجاوزا بأثر رجعي للخطأ، فلست أستهدف أبدا كسب نقاط وهمية، ولست كذلك أتصور أنك أو أحدا من أعضاء اللجنة، وكلها كفاءات علمية ومهنية، يمكن أن يتهاوى هكذا ذاهبا إلى استبعاد مرحلة وتهميش تجارب شكلت تاريخ المسرح وإرثه المعرفي والاجتماعي.
 النقطة الثانية في هذا التعقيب المجمل خاصة بما ذهب إليه الدكتور من أن لجنة المسرح لم ترجع في بيانها إلى الأبحاث والدراسات المقدمة في المؤتمر، وهذه قراءة مبتسرة ومجتزأة، فالبيان ركز على عنوان المؤتمر وإطاره الكلي ومنهجه ورؤيته. أما ورود وقائع وتواريخ وشخصيات في الكتابات المقدمة، فلم يكن ذلك بالطبع موضع اهتمام اللجنة ولا مدار بيانها، خاصة مع ما أصبح شائعا ومتواترا لدى المتابعين من ضعف المستوى العام لمعظم الدراسات المقدمة، وهو ما اعترف به بعض أعضاء اللجنة العلمية ذاتها.
 والحقيقة، إن تهافت عدد ليس قليلا من الكتابات يمكن أن يحيل المؤتمر كله إلى بناء رملي يتهاوى بهبة ريح، وموضع اندهاشي الشخصي هو أن الدكتور سيد باقتداره المهني فضلا عن ما يتطاوس به كثيرا من صفات يضيفها إلى اسمه، يتعامل مع كثير مما قدم من كتابات ويعتبرها أبحاثا علمية، هذه نقطة جانبية على أية حال، فلست هنا في مجال تقويم علمي للأبحاث المقدمة، فقط ما أود الإشارة إليه وتأكيده هو أن محور ارتكاز بيان لجنة المسرح لم يكن الاجتهادات البحثية ولا محاورها، فقد كان الأساسي هو الإطار العام للمؤتمر وعنوانه الكلي وابتساراته الزمنية، كان الأساسي هو سؤال التوثيق، وليس محاور كان يمكن أن تمر وأن تكون موضعا لحوار نقدي لو لم تكن قد أدرجت في إطار تاريخ قطعي وفاصل يحصر الأبحاث بين قوسي ابتداء وانتهاء ملتبسين.
  النقطة الثالثة والمجملة أيضا هي ما يعيده الدكتور ويكرره كثيرا من أن المؤتمر يمثل حلقة أولى من ثلاث حلقات، وأكتفي بالإشارة إلى ما جاء في بيان لجنة المسرح بما معناه أن أي مؤتمر هو وقائعه وندواته ومحاوره وإطاره الكلي وعنوانه العام، وليس ما يتلوه أو يُضاف إليه من حلقات، وتأكيد الدكتور في ذاته دليل على احتياج المؤتمر إلى استكمال وتوضيح وقد تصحيح.
 فلست أعرف مؤتمرا يدافع عنه صانعوه باختراله في مجرد حلقة ويبررون ما أثاره من اعتراضات وإشكاليات بوعد مؤجل بإضافة حلقتين.
 تبقى نقطة ختامية حول الثنائية التي يعيد الدكتور سيد مجددا التأكيد عليها، وأعني ثنائية: المسرح في مصر، والمسرح المصري، ويذكر استدلالا عليها أمثلة مستمدة من المسرح الذي أقامته الحملة الفرنسية، ومسرحي زيزينيا والكوميدي الفرنسي، وغير ذلك، متسائلا: هل عروض المسارح تلك تدخل في نطاق المسرح المصري في مصر؟ ولعلي لست محتاجا إلى توضيح أن هناك فارقا جذريا بين توصيف التجارب وتحديد المراحل الزمنية، تلك الأمثلة الاستدلالية التي أوردها الدكتور تصلح توصيفا لتجارب وعروض، ولكنها لا يمكن أبدا أن تكون إطارا لتحديد مراحل زمنية وأطر تاريخية تشكلت عبرها تجربة المسرح المركبة، تلك التي لا يمكن اعتبار تلك الثنائية مدخلا منهجيا لرؤيتها وبحثها.


محمود نسيم