المسرح الشعري عند صلاح عبد الصبور في رسالة دكتوراه بالمغرب

المسرح الشعري عند صلاح عبد الصبور في رسالة دكتوراه بالمغرب

العدد 702 صدر بتاريخ 8فبراير2021

ناقشت  الباحثة: نعيمة الحرشي. تحت إشراف الدكتور محمد كنوني كلية الآداب والعلوم الإنسانية سيدي محمد بن عبد الله، فاس- سايس بالمغرب، وتكونت لجنة الحكم والمناقشة من الدكتور إدريس الذهبي- كلية الآداب والعلوم الإنسانية سيدي محمد بن عبد الله، ظهر المهراز- فاس، الدكتور الحسان أحجيج كلية الآداب والعلوم الإنسانية سيدي محمد بن عبد الله – سايس، الدكتور محمد الوهابي المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين- فاس.
يندرج هذا البحث ضمن البحوث المنجزة في مركز دراسات الدكتوراه اللغات والتراث والتهيئة المجالية؛ مختبر اللغة والتواصل وتقنيات التعبير، والذي حظيت بالتسجيل ضمن طلبته الباحثين، فكان موضوع البحث موسوما ب: المسرح الشعري عند صلاح عبد الصبور: القضايا والمؤثرات.
نشأ المسرح في الضفة الأخرى بلغة الشعر، ولم يكن – في البدء – هناك تصنيف للمسرح على أساس النثري – منه – والشعري، فهذا الأمر بدأ مع ظهور المسرح النثري الذي أعلن نفسه مع تطور المجتمع الإنساني وظهور قضايا متنوعة لا يمكن التعبير عنها إلا نثرا، إضافة لقربه من الحياة اليومية. ولست –هنا – بصدد عقد مقارنة النثري والشعري في المسرح، لكن ما أريد قوله هو أن هذا الوافد على الثقافة العربية عن طريق النقل والاقتباس؛ اقتفى خطوات المسرح الغربي، لكنه لم يبدأ شعريا خالصا – كما عند الغرب – لكن اختلط فيه النثري بالشعري، الشيء الذي يطرح صعوبة التأريخ للمسرح الشعري بمعزل عن النثري؛ خاصة في مرحلة التأسيس. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن كتابة مسرح يختلط فيه الشعري بالنثري في مرحلة البدايات؛ لم يكن فقط بدافع التقليد، وإنما بتدخل المؤثر الثقافي المتجلي في كون الأمة العربية أمة شاعرة، والشعر ديوانها ووجدانها القومي، ثم إن الشاعر المسرحي – في اعتقادي – كان يسعى بشكل واع أو غير واع إلى إثبات قدرة لغته (لغة الشعر) على كتابة المسرح وطرق جميع مواضيعه وتمثل كل أشكاله.
إن المسرح الشعري العربي؛ شأنه شأن صنوه النثري عرف مراحل تطور متنامية عبر سيرورة وصيرورة الأجيال المسرحية من التأسيس إلى التأصيل فالتجريب، ومن المسرحية الشعرية التقليدية ( العمودية ) إلى المسرحية الشعرية الحديثة (شعر التفعيلة). وإذا كانت الأولى قد عاشت مراحل تأسيسها وتأصيلها من خلال أعلام المسرح الشعري كأحمد شوقي الذي يعد إماما لهم ومؤسسا حقيقيا للمسرح الشعري العربي مستفيدا من اللبنات الأولى التي وضعها الرواد (النقاش، القباني، صنوع، اليازجي... وغيرهم)، فإن المسرحية الشعرية الحديثة – أيضا – عاشت نفس المراحل مع رواد آخرين ك (أحمد باكثير، عبد الرحمن الشرقاوي، معين بسيسو...وغيرهم)  الذين ساهموا في المضي بالمسرح الشعري العربي إلى آفاق أرحب. لكن الحديث عن هؤلاء المسرحيين المبدعين في تاريخ المسرح الشعري العربي ليس بموضوع هذا البحث، لذلك أكتفي – في متن البحث – ببعض الإشارات لمساهماتهم القيمة، فموضوع هذا البحث هو الشاعر المسرحي صلاح عبد الصبور.الذي يأتي كعلامة فارقة في مسيرة ومسار تطور المسرح الشعري العربي فنا وفكرا، أسلوبا ولغة شعرية درامية ورؤية معاصرة في طرح القضايا ومعالجتها، ولا عجب أن يكون صلاح عبد الصبور صاحب الثقافة الموسوعية والحس الدرامي قادرا على الجمع بين التعبير الشعري التصويري والتعبير المسرحي وإخراجهما مسرحا شعريا يلائم بين الصورة الشعرية والصورة الدرامية.
إشكالية البحث:
حاول البحث الكشف عن ملامح أدب وفكر وفن شاعر معاصر، ويطمح إلى رصد الجوانب الموضوعية والفنية في إبداعه المسرحي، والخروج بنظرة تحدد مدى تطور الدراما الشعرية في مصر، انطلاقا من كون تجربة صلاح عبد الصبور تجربة نموذجية، ولذلك فإن البحث في ملامح وخصوصيات هذه التجربة يضيء في - نظرنا - مساحة شاسعة من مسرحنا الشعري العربي.
هكذا حددت إشكالية هذا البحث في سؤال ملائمة الشعر كلغة لكتابة مسرحية حديثة أو معاصرة؛ تستطيع تمثل عناصر واتجاهات المسرح الحديث، وتتمكن من مسايرة وعرض قضايا المجتمع الحديث والمعاصر. وطبيعة هذه الإشكالية هي التي ألزمتنا بوضع أسئلة محورية أوجزها فيما يلي:
ما مدى مساهمة صلاح عبد الصبور – النوعية – في مسيرة تطور المسرح الشعري العربي؟، كيف استطاع صلاح عبد الصبور تطويع ثقافته الموسوعية في حركة تطور المسرح الشعري العربي؟ وهل استطاع مسرحه الشعري تمثل مستجدات المدارس والتيارات المسرحية الغربية؟ وهل تمكن المسرح الشعري عنده من رصد ومواكبة قضايا عصره؟، كيف وظف صلاح عبد الصبور مجموعة من المؤثرات الغربية والتراثية واللغوية في بناء مسرحه الشعري؟، ما هي القضايا التي تناولها صلاح عبد الصبور في مسرحه الشعري؟، ما هي الإضافة أو الطفرة التي حققها صلاح عبد الصبور للمسرح الشعري العربي من خلال هذه المؤثرات والقضايا الفاعلة في نصوصه المسرحية؟
انقسم البحث إلي
فصل أول عنوانه نشأة المسرح الشعري وتطوره، وهذا الفصل جعلته في ثلاثة مباحث كما يلي:
المبحث الأول: عرضت فيه الباحثة مرحلة التأسيس للمسرح العربي من خلال مساهمات ثلاثة من رواده، وهم على التوالي: مارون النقاش، أبو خليل القباني، يعقوب صنوع، هذا مع إبراز دورهم وبصماتهم في هذه المرحلة، مبينة – كذلك – نشأة المسرح الشعري ومكانته في تطور المسرح العربي من خلال بيان سمات المسرحية الشعرية التقليدية (الكلاسيكية) ومميزات المسرحية الشعرية الحديثة أو المعاصرة (المكتوبة بشعر التفعيلة ).
و المبحث الثاني: قدمت فيه الباحثة تجربة الشاعر صلاح عبد الصبور في المسرح الشعري، من خلال دراسة المرتكزات الأساسية في مسرحه ( اللغة، الشكل المسرحي، المضامين المسرحية )، والمبحث الثالث: وقدمت الباحثة من خلاله قراءة موجزة للمسرح الشعري العربي في ضوء النقد، وتناولت فيه قراءة آراء النقاد بخصوص أحقية الشعر من النثر في كتابة المسرح، ثم طرحت ثلاثة تجارب من خلال قراءة النقاد، وهي على التوالي: تجربة أحمد شوقي، عبد الرحمن الشرقاوي، صلاح عبد الصبور.
أما الفصل الثاني: وضعت الباحثة له عنوان: المؤثرات الفاعلة في المسرح الشعري عند صلاح عبد الصبور. وقمت بتقسيم هذا الفصل إلى خمسة مباحث كما يلي:
المبحث الأول: خصصته الباحثة لتفاعل الشاعر المسرحي صلاح عبد الصبور مع التراجيديا الإغريقية بعناصرها الأساسية كالجوقة والسقطة التراجيدية والشخوص والبناء الدرامي من خلال « مأساة الحلاج «، المبحث الثاني: وخصص لتأثير مسرح اللامعقول على مسرح صلاح عبد الصبور، وبوجه خاص مسرحيته « مسافر ليل « التي تتقاطع بشكل جلي مع مسرحية « جريمة قتل في الكاتدرائية «، أما المبحث الثالث: تناولت الباحثة فيه علاقة صلاح عبد الصبور بالمسرح الملحمي من خلال مسرحية « الأميرة تنتظر « ومسرحية « بعد أن يموت الملك «، أما المبحث الرابع: عكفت فيه الباحثة على بيان تأثير التراث بمختلف مشاربه في التجربة المسرحية لصلاح عبد الصبور، و المبحث الخامس: ختمت به الباحثة هذا الفصل، وتناولت فيه تأثر صلاح عبد الصبور بتوماس ستيرنز إليوت، هذا التأثير ظهر بشكل جلي على المستوى اللغوي ( الجسارة اللغوية ).
أما الفصل الثالث: عنونته الباحثة بـ : القضايا المؤثثة لمسرح صلاح عبد الصبور الشعري: « الحلاج « و « ليلى والمجنون « كنموذجين. وقد أدرجت في هذا الفصل ثلاثة مباحث، كما يلي:
المبحث الأول: في تحديد المفاهيم والقضايا، وقد خصصته – كتوطئة – للتعريف بمفهوم المثقف عند مجموعة من الباحثين في مختلف الحقول الثقافية، ثم عملت على رصد طبيعة العلاقة بين المثقف والسلطة، و المبحث الثاني: كان بعنوان: الظروف العامة الفاعلة في قضايا ومضامين المسرح الشعري عند صلاح عبد الصبور. وقد تناولت في هذا المبحث حياة صلاح عبد الصبور كمثقف بين إكراهات النظام السياسي الاستبدادي، وبؤس البيئة الاجتماعية، وأزمات وصراعات المحيط الثقافي والسلطة.
أما المبحث الثالث: تناولت الباحثة من خلاله دراسة نموذجين من الإنتاج المسرحي الشعري لصلاح عبد الصبور، وهما مسرحية « مأساة الحلاج « ومسرحية « ليلى والمجنون «، فكان عنوان المبحث: ثلاثية المثقف والسلطة والمجتمع في مسرح صلاح عبد الصبور: «مأساة الحلاج « و « ليلى والمجنون « كنموذجين. فدرست النص الأول من خلال تقديم الدوافع النفسية والفكرية والسياق التاريخي لإنتاج هذه المسرحية. ثم طرحت القضايا الموجودة في المسرحية، فكانت قضية الالتزام السياسي والاجتماعي للمثقف، وكلمة المثقف إزاء مشكلات البيئة الاجتماعية والسلطان الجائر، ثم قضية العدل والحرية ومشكلة الفقر والقهر الاجتماعي: بين إكراهات السلطة المستبدة وعائق نضال المثقف،.وكذا قضية فصل السلطة القضائية عن السلطة السياسية وتأثير هيمنة السلطة المستبدة على العدالة والقانون: انطلاقا من كون استقلالية القضاء صمام أمان لنزاهته وضمان لتحقيق الحرية والعدل وحقوق الإنسان والمجتمع.
بعد التطرق للقضايا في مسرحية « الحلاج « كان الانتقال لمسرحية « ليلى والمجنون «، والتي تضمنت بدورها قضايا أوردتها الباحثة من خلال العناصر التالية:
سلبية رسالة المثقف في ظل التمزق الذاتي والانشطار والصراعات المزمنة.
إرهاب السلطة السياسية واحتواؤها للمحيط الثقافي والمثقفين بنسف الدور الاجتماعي للمثقف:
المرأة/الرجل: التوافق والصراع بين الطبيعة الإنسانية (الحب والجنس) والاجتماع البشري ( السياسة والمجتمع والثقافة ):
أهم النتائج، تداخل مفهومي الشعر المسرحي والمسرح الشعري، وامتزاج الشعري بالنثري في أغلبية التجارب التأسيسية، واعتماد الشعر العمودي في هذه المرحلة من مراحل المسرح الشعري العربي؛ وكذا طغيان النقل والتقليد والترجمة والغنائية على هذه التجارب.
غياب كتابات نقدية موازية – زمنيا – لهذه التجارب التأسيسية، مع الاعتماد على رافد التراث في مختلف المشاريع التأصيلية للمسرح العربي نثرا وشعرا.
اعتبار أحمد شوقي أول من كتب مسرحية شعرية، وأول من ذلل القصيدة العربية وطوعها للتمثيل، وأن مسرحياته كانت أقرب إلى الشعر المسرحي منها إلى المسرح الشعري، مع اتهامه - في معظم كتابات نقاد المسرح الشعري –بالغنائية.
الانتقال إلى شعر التفعيلة في كتابة النصوص المسرحية الشعرية، واعتبار صلاح عبد الصبور رائد المسرح الشعري تأصيلا وإبداعا وتجريبا.
ان تجربة صلاح عبد الصبور ميزتها نقط أساسية، نجملها فيما يلي:
أن صلاح عبد الصبور قد أعطى للمسرح الشعري آفاقا رحبة جديدة، وهذا راجع بالأساس إلى تكوينه وتجربته الشعرية العتيدة في مجال الشعر عامة،
ولما كان صلاح عبد الصبور شديد الاعتقاد بشمول الثقافة الإنسانية وعمومها، فقد انتقل إلى خوض غمار تجارب مسرحية أخرى، فكانت مسرحية «مسافر ليل» التي اهتدى فيها إلى استخدام رؤى وتصورات مسرح العبث، انطلاقا من تأثر صلاح عبد الصبور بالتجربة اليونيسكية التي يقول فيها: «منذ خمس سنوات التقيت المسرحي العظيم يوجين أونيسكو في مسرحية الكراسي
امتزجت الصوفية بالعبثية والوجودية و البريشتية في إبداعية صلاح عبد الصبور، وهي تيارات سادت جيله وعصره، وقد أخذ من كل هذا ما يغذي تطلعاته وقلقه، غير أن عبثية صلاح عبد الصبور كانت عقلانية ومسيسة، فقد أحال العبث ( في مسرحية مسافر ليل ) من معناه الميتافيزيقي إلى معنى سياسي اجتماعي، فكان اللامعقول قناعا للتورية السياسية الاجتماعية، كما كانت وجوديته حسية وإنسانية، ثم إنه مع البريشتية لم يكن تعليميا؛ فلم يكن في هذا ذو خطاب تحريضي، بل هي جماع مؤثرات عناصر استخدمها ليبرز قلق العربي وهزائمه.
إن تأثير الاتجاهات المسرحية الغربية عليه كان محدودا، بمعنى أن صلاح عبد الصبور كان انتقائيا فيما يختاره من العناصر المسرحية الغربية؛ ليطعم بها مسرحياته فنيا وفكريا، فلم يكن ليذوب فيها، أو أن يكون مجرد صدى لصوتها، بل كان تفصيلا متفردا إلى جانبها، فقد عمل على التوفيق بين المغامرة الشكلية ( المؤثرات ) وبين الإخلاص للمضامين الاجتماعية.
استوعب صلاح عبد الصبور التراكمات الشعرية والسياسية والفكرية، ثم عاد إلى أناه وإلى خصوصيته؛ متجاوزا البنى السابقة في أفق اكتشاف تجاربه الخاصة، فهو لم يتعامل مع المؤثرات التي أثرت في إبداعيته كبنى نهائية، بل كان يحول هذه المؤثرات إلى مادة شعرية بعد مرورها عبر تجاربه الفكرية وعبر ذاتيته، ومن تم فهو لم يكن قناص تيارات غربية مغلقة، ولا مؤثرات تراثية نافية لما سبق، بل إنه كان ينضج هذه المؤثرات في غناه الذاتي، ثم يرحل حاملا آثارها في داخله.


محمود سعيد