مسرح مصر الملكية دراسة لحقبة مهمة من تاريخ المسرح المصري

مسرح مصر الملكية دراسة لحقبة مهمة من تاريخ المسرح المصري

العدد 597 صدر بتاريخ 4فبراير2019

قراءة لكتاب “مسرح مصر الملكية” لد. حمدي عبد العزيز “هذه الدراسة هي لوحة بانورامية لعصر كامل من عصور المسرح المصري وهي تستلزم من وجهة نظر الباحث دراسات تفصيلية لأعمال كل فرقة ومؤلفات كل كاتب.. فالدراسة هي خطوة أولى وضرورية لذاكرة المسرح المصري”.
بهذه الكلمات يقدم الباحث الدكتور حمدي عبد العزيز لمؤلفه الذي صدر في 2018 (مسرح مصر الملكية) وتناول فيه بالبحث والتحليل والتوثيق لحقبة شديدة الأهمية في تاريخ المسرح المصري، وهي فترة حددها في الأعوام من (1924 - 1954) وإن كان هذا التحديد يتسم ببعض المرونة ليتناول أعمالا سابقة على هذه الفترة مثل أعمال فرقة منيرة المهدية مثلا.
ويعتمد الباحث في كتابه منهجا مختلفا ومغايرا، إذ لا يقوم بتتبع تاريخ الدراما والمسرح عاما بعد عام أو حقبة تليها أخرى، كما يتوقع القارئ في مثل هذه الدراسات التاريخية. فالباحث يرى أن الأوبريت والمسرحية المؤلفة يمثل كل منهما مرحلة فنية لها جمالياتها وأيضا تعتبر نتاجا خاصا بمرحلة تاريخية وسياسية بعينها، ويطرح كل منهما خطابا مغايرا ومختلفا. ومن هنا فهو يقسم دراسته تقسيما وفق طبيعة ونوعية العمل الفني والسمة المميزة له، وذلك بدراسة النوعين الرئيسيين للمسرح: المسرح الموسيقي، والمسرح الدرامي.
ويبدأ الباحث كتابه بمقدمة هامة تحت عنوان مجتمع مصر الملكية، يقدم من خلالها رؤية متفحصة للمجتمع المصري وأحواله السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مشيرا إلى المعارك الفكرية والحياة الأدبية في تلك الفترة، حيث يقدم للصراع بين العلمانية والسلفية كما تمثل في مؤلفات الإسلام وأصول الحكم، وفي الشعر الجاهلي، ذلك الصراع الذي انتهي بعودة الاتجاه التوفيقي وانصباب الرافدين العلماني والسلفي ضمن مجراه العام، بعد أن تعذر الحسم وتحتم التصالح كما يرى المؤلف. كما يشير إلى الدور الذي لعبته الجماعة الثقافية في تحقيق الاستقرار الاجتماعي، فالجماعة الثقافية والمنوط بها صياغة ونشر آيديولوجية الجماعة/ الطبقة المسيطرة التي تتكون من خليط من الجنسيات الإيطالية والفرنسية واليونانية والأرمن والشوام والمصريين. وهذه الآيديولوجيا هي «المحافظة على الاستقرار الاجتماعي بالمحافظة على النظام الاجتماعي، هي الرضا بالمقسوم وأن البهدلة في العز والحشمة في الفقر، وخلق الله البشر طبقات، وجعل الناس درجات، وأن الفقر مسألة فردية، كسل، سوء حظ، قلة بخت، لا مسألة اجتماعية مجتمعية/ طبقية» حسب المؤلف.
أما الباب الثاني فيخصص لدراسة الخصائص الفنية المميزة لفن الأوبريت، الذي أحدثته في مصر الفرق الشامية التي وفدت إلى مصر في نهاية القرن التاسع عشر مثل فرقة سليم النقاش، وأبو خليل القباني، ويستعرض أنواع الأوبريت، وهي وفق الدراسة ثلاثة أنواع: السياسية والاجتماعية والعامية، من خلال تحليل نماذج لها من أوبريتات هذه الفترة، مستعينا بنصوص محمد تيمور وأمين صدقي وبديع خيري وغيرهم.
وتأتي دراسة المسرحية في الباب الثالث من الكتاب، حيث يعرض السمات الفنية المميزة للمسرحية، ثم يتناول بالبحث والتحليل المسرحية المؤلفة، والمترجمة، والتاريخية، مستعينا بعشرات النصوص الدرامية لإثبات فرضياته.
ويختتم المؤلف/ الباحث دراسته بعدد من النتائج أهمها أن التمايز بين عروض الأوبريت والعروض المسرحية ليس فقط في السمات الفنية، إذ امتد التمايز إلى الصور القضايا والموضوعات. وتطورت الأوبريت السياسية إلى المسرحية التاريخية، بينما تطورت الأوبريت الاجتماعية إلى المسرحية المؤلفة حيث غاب مفهوم الأمة وحضر مفهوم المجتمع أو العائلة الكبيرة.
ويلفت النظر إلى أن هذه الدراسة وإن كانت تفتح أبوابا لدراسات مستقبلية جادة، إلا أن العقبة الوحيدة والمستمرة هي عدم توافر النصوص القديمة رغم توافر مخطوطاتها في المركز القومي للمسرح، مطالبا بوضع خطة جادة لطبع هذه المخطوطات لتعظيم الاستفادة منهعا قبل تلفها وضياعها واختفائها.
ويُلحق المؤلف كتابه بعدد من الملاحق الهامة التي تتناول قوائم بعروض الفرق التمثيلية والنصوص المسرحية وأعمال الملحنين والمخرجين والممثلين، وأخيرا ملحق يتضمن عددا من صور الأفيشات والإعلانات في تلك الفترة موضوع الكتاب.
كتاب مسرح مصر الملكية (الذي أهداه إلى روح الراحلة الدكتورة نهاد صليحة) هو حلقة من سلسلة من المؤلفات التي تناول خلالها المؤلف تاريخ المسرح المصري، وتغطي الكتب الثلاثة الفترة من 1876 إلى 1974، وهو أيضا واحد من الكتب التي أضافها المؤلف إلى المكتبة المسرحية، مثل معجم المسرحيات المترجمة والمعربة، والمسرح المصري المعاصر، بالإضافة إلى عدد من النصوص مثل حدوتة مصرية ووقائع عام الطاعون، وفنون الفرجة الشعبية في مقامات المنحوس.
غني عن البيان أنه من الصعب عرض كتاب بهذا الحجم واتساع الموضوع وتشعبه في هذه المساحة، ولكن يمكننا القول بوضوح بأنه كتاب جدير بالقراءة، ومرجع مهم لأي مهتم بدراسة المسرح المصري في هذه الفترة شديدة الثراء من تاريخ مسرحنا، وجهد يستحق منا التحية والتقدير والاحتفاء أيضا.


سباعي السيد