إسماعيل عبد الله: تواري المشروع الشخصي أمام المشروع العام.. وهو ما يسعدني كثيرا

إسماعيل عبد الله: تواري المشروع الشخصي أمام المشروع العام.. وهو ما يسعدني كثيرا

العدد 594 صدر بتاريخ 14يناير2019

الهيئة العربية للمسرح هي الصرح المسرحي الذي أمر بإنشائه صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى للاتحاد حاكم الشارقة في عام 2007، وبعد عام واحد أصبح يوم 10 يناير 2008 هو تاريخ ميلاد هذه الهيئة.. وتاريخ واحد من المهرجانات الهامة والمؤثرة في مسيرة المسرح العربي.
وإلى جوار المهرجان السنوي تقيم الهيئة مشاريع مسرحية متنوعة تهتم بالأطفال والشباب وكذا بالهواة والمحترفين، وتساعد أيضا في تدشين مهرجانات وطنية بالدول العربية التي تفتقر لذلك، وتقدم كل المساعدات المتاحة والممكنة لتوفير الفرص للمسرحيين لتقديم مسرح عربي قادر على تغيير الصيغ والمضامين المسرحية التقليدية والصمود بالمواءمة وبالفكر أمام الظروف السياسية الصعبة التي تمر بالمنطقة العربية الآن.
المسرحيون في ربوع الدول العربية يتعرفون على الهيئة من خلال أنشطتها المستمرة والمتنوعة بالدول المختلفة، ولكن لا يعلم الجميع آليات عمل الهيئة، وأهم استراتيجياتها، والقضايا التي تشتبك في عملها معها، وأيضا تلك الملفات التي تدعمها الهيئة.
هذه المعلومات وغيرها بكثير سيعلن عنها إسماعيل عبد الله، المسرحي الإماراتي الكبير ورئيس الهيئة العربية للمسرح، كما سيكشف في حواره عن كل ما هو جديد بفعاليات الدورة الحادية عشرة.
وإسماعيل عبد الله هو واحد من رموز المشهد المسرحي العربي الذي عمل فيه لسنوات كثيرة ممثلا ومخرجا وكاتبا، يحمل في معظم كتاباته هموم أمته العربية مبلورا صيغا كتابية لافتة للنظر ومثيرة للجدل، كما أنه يهوى الاشتباك مع التراث بأسئلته الكثيرة، وفي السطور القادمة سيتحدث عبد الله باعتباره مسرحيا بارزا مهموما بقضايا الوطن العربي، ومتابعا قويا للحركة المسرحية العربية.
- لك إسهامات كثيرة ومتنوعة في كافة مناحي العمل الفني والإبداعي.. كيف تستطيع المواءمة والموازنة بين مشاريعك الإبداعية الخاصة ومشروع المسرحيين العرب ككل والمتمثل في الهيئة العربية للمسرح؟
حقيقة الأمر، إنه لم يعد لدي الوقت الكثير للاهتمام بالإسهامات الإبداعية الخاصة مع الانشغال بإدارة الهيئة، لذا توارى المشروع الشخصي أمام المشروع العام للهيئة، وهو ما يسعدنا كثيرا، فالمشروع المسرحي لدي لم يعد شخصيا فقط بل مشروع عام؛ لأننا جميعا نبحث طوال الوقت داخل الهيئة عن ماهية الأسباب التي تجعل المسرح العربي له قدرة متجددة على التعبير، وقدرة أيضا على التنفس بحرية لتقديم رسالته الحقيقية للجمهور العام في كل بلادنا العربية، كما أننا نعتبر أنفسنا أمام مسئولية تاريخية تتمثل في إدارة الهيئة العربية للمسرح، لذلك لا بد أن يتوارى أي مشروع شخصي في سبيل استمرار هذا المشروع العام الذي يمثل بيتا لكل المسرحيين العرب.
- بعد عشر سنوات من إطلاق الهيئة العربية للمسرح.. ما هو تقييمك لهذه السنوات؟ وما الذي تحقق من طموح الهيئة على أرض الواقع؟
الطموح الذي نسعى جميعا لتحقيقه مرتبط بطموح هذا الرجل صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة، الذي أطلقه بشكل عام منذ سبعينات القرن الماضي، وهو طموح أكبر بكثير مما تحققه أية مؤسسة ثقافية أطلقها الرجل على مدار هذه الفترة، لذلك نحن نسعى بشكل متواصل لأن نحقق جزءا من هذه الطموحات.
ولا شك أن تأسيس الهيئة أحدث فارقا على الساحة المسرحية العربية؛ فأصبح لدينا بيت مسرحي كبير كما قلنا، وبات هناك سقف آمن للأمة المسرحية العربية لتبادل الأفكار ورسم الرؤى والاستراتيجيات لاستمرار مسيرة المسرح وعمله الدائم على المساهمة في عملية التنمية الوطنية، وليمتد إشعاعه للتأثير على الإنسان العربي أينما كان.
وأتصور أن انتماءنا لهذا البيت أصبح مهما وملحا؛ نظرا لما قدمه عبر هذه السنوات من مشاريع تعزز وجودنا كمسرحيين عرب؛ فالجميع ساهم في تأسيس أركان هذا البيت وتعزيز بقائه إلى يومنا هذا بمساهماتهم ومشاركاتهم وأفكارهم.
- كيف تعمل الهيئة العربية للمسرح للمساهمة بالتأثير الإيجابي على المسرح العربي؟ وما هي أهم استراتيجياتها الراهنة؟
    تعمل الهيئة وفق استراتيجيتين أساسيتين؛ وهما «الاستراتيجية العربية للتنمية المسرحية، واستراتيجية تنمية وتطوير المسرح المدرسي في الوطن العربي»، الأولى شارك في وضعها أكثر من 300 مسرحي عربي عملوا لأكثر من عام كامل لوضع ملامح هذه الاستراتيجية، وقمنا بتحميلها كل آمالنا وأحلامنا وطموحاتنا، ووجدت هذه الاستراتيجية مباركة واستحسانا من وزراء الثقافة العرب؛ وهي المؤسسات الرسمية التي نحتاجها لدعم وجودنا ونشاطنا بالدول العربية.
والثانية لا تقل أهمية عن الأولى، وشارك فيها العشرات من الخبراء المسرحيين العرب وبدأنا نعمل على إنجاز ما حملته من مشاريع وأفكار تهتم بتطوير المسرح المدرسي وتأسيسه بكل السبل والوسائل كي يكون ركيزة معرفية أساسية في التكوين الأول لخريجي المدارس.
والاستراتيجيتان حاولنا فيهما تقديم مشاريع يمكن تنفيذها بعيدا عن التنظير، كما ابتعدنا عن كل ما قد يعوق أهدافها، ووضعنا وهيأنا كل ما يمكن أن يحقق المرجو منهما في الواقع، كما فكرنا في كيفية جعلها مشاريع حقيقية نجني ثمارها كمنجزات لمسرحنا العربي، وبدأنا بالفعل في تنفيذ المشاريع الخاصة بكل استراتيجية منهما.
- استراتيجية تنمية وتطوير المسرح المدرسي في الوطن العربي.. لماذا قررتم التوجه بالمسرح للطفل في مدرسته وما هي أهم الأهداف التي كانت نصب أعينكم؟
هذه استراتيجية عشرية، وبدايتها بالسنتين الأولتين تحت عنوان «الإسعافات الأولية»، وذلك لتأهيل مديري هذا النشاط بالمدارس المختلفة؛ فالهدف تأسيس وتأهيل مشرفين كي يكونوا قادرين على تعليم فنون ومفردات المسرح بشكل حقيقي وصحيح للطلاب بالمدارس العربية، وبالفعل تم تدريب أكثر من 7000 مدربا على المستوى العربي، وبالتالي سيكون هذا العدد هو اللبنة الأساسية للتدريب في دولهم المختلفة، ونأمل خلال السنتين القادمتين أن يكون هناك عدد أكبر من المؤهلين لتدريس هذا النشاط.
وإضافة لذلك لدينا طموح لتدريس المسرح بشكل أساسي بالوطن العربي، ولكننا لا نحلم بتنفيذ هذه الفكرة في الوقت الراهن، فنحن نعمل على هذا المشروع على المدى البعيد، ولكن لأن الإمارات سباقة دائما في دعم هذه الأفكار الجيدة فقد فتحت وزارة التعليم الإماراتية أبوابها لتطبيق هذا المشروع، وخلال العام المنصرم وبالتعاون مع الوزارة عملنا مع خبراء أجانب وعرب لوضع منهج كامل لتطبيق المشروع على الصفوف الدراسية بداية من رياض الأطفال وحتى الصف الثاني عشر، وانتهينا من وضع الخطة بالفعل وتم استقطاب متخصصين في ذلك لبدء تدريس هذا المنهج من العام القادم.
- إزاء الفكر الداعشي والمتأسلم سيكون المسرح بمثابة خط الدفاع الأول.. كيف يمكن أن تتم هذه المواجهة المحتدمة؟
بالتأكيد هذه واحدة من أهم أهدافنا؛ فبناء مصدات فكرية بالمدارس من خلال تنمية هذا الفكر التنويري يمكن أن تساعد مع التدرج في الأمر على إبعاد الأفكار المتطرفة، وعلى أن يحل محلها أفكار أخرى صحيحة، كما أن عملية وأد الفكر الظلامي هي عملية صعبة وشائكة وتحتاج للكثير من الوقت والمحاولات، لذا كان القرار بالتوجه إلى المدارس وهي الكافية لتحصين المجتمع من تلك الأفكار الدخيلة على مجتمعنا العربي.
- نسبة كبيرة من الناس تحاول تسييد أفكارها وفهمها الخاص للدين وغالبا ما يكون هذا الفهم متطرفا أكثر منه فهما حقيقيا.. هل ترى أن المسرح هو الحل؟
نحن للأسف استسلم بعضنا بالفعل لأفكارها وساعدناها بإهمال الرياضة والمسرح أواخر الثمانينات والتسعينات وخرج جيل قادر على نسف قيمنا الإنسانية وتاريخنا بهذه الأفكار الظلامية، مما يجعل إعادة المسرح من الأمور الواجب العمل عليها لاستعادة قيمنا ومُثلنا الراسخة.
- بنظرة عامة كيف ترى المشهد المسرحي العربي من خلال تجوالك في الدول المختلفة؟ وما هي أهم ملامحه؟ وماذا ينقصه؟ وما الذي يحتاجه ليكون أفضل؟
هذا السؤال تحتاج إجابته لكتب وندوات وبحوث، ولكن في تصوّري أننا مادمنا موجودين هنا للاحتفاء بمنجزنا العربي بالقاهرة، فأعتقد أن ذلك يعني أن المسرح ما زال بخير، لكنه يحتاج إلى إمكانات لمواجهة التغيرات الحديثة، من تكنولوجيا وسوشيال ميديا، فأنت تحتاج حاليا لقبول التحدي وتقوم بما يجعلك قادرا على جذب واستقبال الجمهور بشكلٍ قوي ولافت.
وهذا الأمر يجعل هناك ضرورة لإعادة النظر للبنية التحتية لمسرحنا العربي؛ وهو أمر غاية في الأهمية؛ فالمسارح العربية متهالكة وينقصها الكثير لجعلها قادرة على صناعة الفن الممتلئ بالمتعة والقوة، وهو ما يجعلنا نحتاج لقوة يمكن وصفها بأنها «سوبرمانية» لإدهاش الجمهور وسط هذه المتغيرات السريعة.
كما يجب العودة إلى الأساس؛ وهو المعاهد الأكاديمية، نظرا لأن مخرجاتها بها مشكلة كبيرة ولا تتواءم مع المتغيرات الحديثة؛ فهي حبيسة الفكر الستيني حتى الآن، وكل المعاهد تستنسخ المنهج نفسه؛ مما يجعل هناك ضرورة لتعويض هذا النقص.
وفيما يختص بتعويض هذا النقص الأكاديمي، بات لدينا مشكلة أخرى تتمثل في الورش المسرحية التي تقام بشكل عشوائي وغير منظم ولا مدروس؛ فهي كثيرة جدا لكنها غير ممنهجة، مما يجعل إيجابياتها أقل كثيرا من سلبياتها، فنحن نحتاج لإعادة النظر لبناء منهج تكويني يوازي المعاهد المتخصصة ويتميز عليها بمواءمته للحظة الراهنة.
- ما الذي تقوم به الهيئة حاليا لتقديم حل لهذه المشكلة عبر إقامتها للكثير من الورش المسرحية المنتظمة بالوطن العربي كإحدى حلول تعويض النقص الأكاديمي الذي تتحدث عنه؟
بدأنا بالفعل العمل على تأسيس مراكز تأهيل وتدريب بالكثير من الدول؛ منها: اليمن وفلسطين وموريتانيا، وسيفتتح مركز بالسودان هذا العام، وهي المراكز التي تم تدشينها كإحدى مبادرات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، وهذه الكيانات تقدم مرادفا حقيقيا للمعاهد الأكاديمية وليست بديلا عنها، ولكنها تضيف لها لدعم المشهد المسرحي، وكذا توفير فرص عملية لتأهيل المسرحيين في هذه الدول.
- السياسة جزء من فهم عام للثقافة، والمسرح أحد تجليات الفعل الثقافي، وفي زمن يعلو فيه الصوت السياسي على الثقافي.. ما هو الدور الأساسي الذي يمكن أن يلعبه المسرح وكذا الهيئة في ضوء خضم المعارك السياسية الحالية؟
يجب في البداية تثقيف هذا السياسي صاحب قرار خوض هذه المعارك، وهي مشكلة جدلية كبيرة، ومع ذلك فإن المسرح قادر على زراعة الوعي الجمعي، وبالتالي سيؤثر في الفرد العادي وفي السياسي أيضا، والدليل على ذلك أنه لم يستطع نظام، ولم يستطع سياسي، التأثير في المسرح، كما أن المسرح ما زال قادرا على التحدي خلال الفترات القادمة رغم أنها أصبحت الآن مختلفة وأكثر صعوبة عن الماضي، ومع زيادة الصراع السياسي يجب أن يغير الفنان المسرحي تفكيره وأدواته المعرفية لتجاوز هذه المرحلة.
- أسست الهيئة سبع مهرجانات وطنية بدول عربية لا يوجد بها مهرجان وطني خاص بها.. ما مستقبل هذا المشروع؟ وهل ستستمر الهيئة في دعم هذه المهرجانات أم أن دورها ينتهي بوضع حجر الأساس لهذه المهرجانات؟
هذه المهرجانات التي تم إطلاقها في المرحلة الأولى لا نستطيع أن نحدد الآن كم دورة منها ستدعمها الهيئة، ستكون مسئوليتنا بالتعاون مع الوزارات ومؤسسات المجتمع المدني والنقابات في هذه الدول؛ فما زال الأمر قيد الدراسة، والهدف الأساسي من ذلك هو أن نكون قادرين على إطلاق مهرجانات نوعية مغايرة للمهرجانات القائمة بالفعل، وللانتهاء من هذا المثال سنحتاج وقتا للعمل حتى يتثنى لنا تطبيقه في كل دولة.
والمهرجانات العربية الحالية في الكثير من الدول العربية بها الكثير من الترهل والاستنساخ، وتحتاج لإعادة نظر، ولذلك عندما نقرر إطلاق مهرجان جديد يجب أن يتم الأمر بعد أن ندرس الواقع جيدا، وقد أصبح لدينا القدرة على الابتعاد عن السلبيات، وهو ما درسناه في الدورات التجريبية التي أطلقناها من خلال هذا المشروع، وعملنا عليها مع منظمي هذه المهرجانات.
ولدينا الآن بالفعل الكثير من الأفكار بخصوص هذه المهرجانات لتصير بشكل أفضل وأقوى في الدورات القادمة، وسيكون هناك اجتماع في فبراير القادم للقائمين على هذه المهرجانات في الشارقة، للتباحث حول هذه المهرجانات، ولدنيا تقارير تفصيلية حول كل مهرجان، كما أننا تابعنا هذه المهرجانات على أرض الواقع، وتولدت لدنيا أفكار كثيرة، سيتم بلورتها خلال هذا اللقاء حتى لا نقع في سلبيات المهرجانات الأخرى، وسيضاف لهذه المهرجانات السبعة مهرجان جديد في دولة البحرين، كما سيكون هناك لقاء خلال أيام بالقاهرة مع جبار جودي ضيف المهرجان، نقيب الفنانين العراقيين لبحث إمكانية تدشين مهرجان وطني بالعراق.
أيضا ما زال هناك محاولات للبحث عن وجودنا في بعض الدول التي تعاني ما تعانيه من عدم الاستقرار، ولكننا ما زلنا نحاول الوصول لهذه الدول، كما حدث في فلسطين واليمن؛ فنحن حريصون على ذلك لوجود مسرحيين حقيقيين في هذه الأماكن المحتدمة بالصراعات.
- أنت باعتبارك كاتبا مسرحيا قدمت أكثر من 35 نصا مسرحيا ولك علاقة مباشرة بالمشهد المسرحي الخليجي.. في رأيك ما هي أسباب ندرة الكتابة المسرحية النسائية بالخليج وانعدامها في بعض الدول؟
أنا لا أحب هذا التصنيف، فالكاتب كاتب، لكن في هذا الجانب بالفعل هناك ندرة في الأسماء النسائية، ولا أستطيع تحديد أسباب المشكلة؛ فمثلا بالإمارات هناك كاتبات للقصة القصيرة والرواية والشعر، ولكن المسرح هناك تجارب قليلة جدا ولا أدري هل المشكلة تتمثل في عدم التواصل، أم أن هناك عدم ثقة.. ولكن المشكلة الأكبر والأكثر وضوحا الآن هي مشكلة بحث المخرجين عن النصوص الجيدة، فهناك عشرات المسابقات في الدول العربية ولأعمار مختلفة في مجال التأليف المسرحي، ولكن ما زال المخرجون يدورون حول فلك مؤلفين محددين، فلا بد للمخرجين أن يبحثوا أكثر، ولا يوجد لدى كل منهم مشروعه الخاص، وهناك استثناءات قليلة تبحث عن النصوص التي تجعلهم يتقدمون للأمام، ولكن السواد الأعظم لا يبحث، حتى أصبح لدينا «شماعة» صدقناها جميعا، وهي أنه لا يوجد نصوص مسرحية جيدة في الوطن العربي، ولكن ذلك غير صحيح بالمرة؛ فهناك نصوص جيدة تكتب كل عام.
- هل تقودنا هذه الجزئية لضرورة تدشين قاعدة بيانات لكتاب الوطن العربي؟ على أن يكون هناك آلية محددة لانتقاء واختيار من يتم ضمهم لهذه القاعدة؟
هذا بالفعل ما نعمل عليه حاليا، فسوف يتم وضع المعايير الخاصة لعمل قاعدة معلومات كبيرة لمنجز الكتاب المسرحيين العرب، وهو ما سيجعل هناك فرصة أيضا للكتاب بتقديم أنفسهم، وسيكون هناك أيضا قاعدة أخرى خاصة بالمخرجين ليكون هناك حلقة الوصل بين المؤلفين والمخرجين، وكذا بيان تعريفي موثق يعرف بهم وبأعمالهم.
- الدورة الـ11 للمهرجان هذا العام.. ما هي أهم ملامحها وجديدها.. وأهم القيم التي يتم دعمها وإرساؤها؟
عندما نتحدث عن الجديد في المهرجان فنحن نتحدث عن مضمون وقيمة العروض التي تقدم في كل دورة، وهذا العام هناك تنوع كبير في العروض المُقدمة، وهي عروض تكرس الرسالة الفعلية للمسرح، وتناقش قضايا هامة تتماس مع القضايا الوطنية، وهي مسألة هامة جدا، كما أن هناك رؤى إخراجية مختلفة، وأسماء لرموز كبار وشباب وهو التنوع العمري الذي يخلق تنوعا كبيرا.
كما أن رهاننا على مصر لعمل دفعة ثقة جديدة للمهرجان، وهي الدفعة التي تتكئ على هذه الحضارة وهذا الإرث الكبير لمصر، فكلما نعود إلى مصر نأخذ شحنات إيجابية لاستكمال المسيرة؛ فشهادة ميلاد المهرجان كتبت في مصر بعقد الدورة الأولى له هنا، وعاد لينطلق بعد أن أتم عشريته الأولى لتبدأ انطلاقته العشرية الجديدة من القاهرة أيضا.
ولا يوجد في المهرجان ما هو مميز بذاته هذه الدورة؛ فالتميّز نابع في المهرجان من التراكم المستمر الذي أحدثته دوراته، ولكن هناك مؤشرات يمكن ملاحظتها؛ ففي هذه الدورة تشارك الأردن بأربعة عروض منها اثنان في المسابقة الرسمية، وهذا يؤكد على أن المهرجان الوطني الذي أطلقته الهيئة بالأردن جعلتها حاضرة بقوة هذا العام بهذا العدد النسبي الكبير من العروض.
- مجموعة الكتب التي تصدرها الهيئة في المجالات المسرحية المختلفة لها أهميتها الكبيرة، ولكن وصول هذه الكتب للدول التي تقام بها الفعاليات يواجه بصعوبة أحيانا حيث تطبع الكتب بالإمارات ثم يتم شحنها للدولة المضيفة للمهرجان.. فكيف يمكن وجود حل دائم لهذه المشكلة؟
هذه المشكلة بدأ حلها بالفعل هذه الدورة، وهناك 11 إصدارا تمت طباعة نصفها في مطابع القاهرة، وسيكون الحل بالتالي لقابل السنوات في طباعة الكتب في دول أخرى، نحن نفكر في هذا الأمر بشكل جدي وستكون المواصفات الطباعية بنفس الشكل الذي تطبع به بالإمارات ليتم توزيعها على المسرحيين العرب الموجودين بالمهرجان في الدورات المقبلة، وهذه الطريقة اعتمدناها في طباعة «مجلة المسرح» أيضا، فلسهولة حصول المسرحيين العرب عليها نحاول أن تطبع المجلة في أكثر من دولة.
- أين سيكون مهرجان الهيئة العربية للمسرح العام القادم؟
أمامنا عدّة خيارات ولم نتفق على دولة محددة لتقديم الدورة الـ12 بشكل نهائي، والمهم أن تكون الدولة المضيفة للفعاليات مهيأة لهذا الحدث، وبها بنية تحتية ومسارح قادرة على استيعاب العروض المقدمة أيام المهرجان.
- الندوة التطبيقية التي تقام هذه الدورة عن «المسرح المصري من 1905 وحتى 1952» وتلك فترة عامرة بالأحداث السياسية والفرق المسرحية الكبيرة والإنتاج المسرحي الغزير.. هل تنتوي الهيئة استكمال إلقاء الضوء على التاريخ المسرحي لما بعد هذه الفترة؟
بالتأكيد سيحدث ذلك، فهناك خطة لحفظ التاريخ المسرحي العربي منذ بداياته حتى يومنا هذا، وهذا الأمر أحد مشاريع الهيئة لتوثيق الذاكرة المسرحية؛ فتأسيس مركز قومي لتوثيق المسرح العربي واحد من أهم مشاريع «الاستراتيجية العربية لتطوير المسرح العربي»، ووضعنا أساسات المركز بالفعل منذ سنتين.
وهذه الندوة (همزة وصل - نقد التجربة) التي تقام في كل الوطن العربي مهمة جدا على طريق هذا التوثيق، ولا تعتمد فقط على الأرشفة وإنما تعتمد أيضا على عمل بحوث نقدية لهذه الفترات، وهو ما حدث بتونس والمغرب والأردن والسودان.
ومصر بالتحديد تحتاج لأكثر من ثلاث ندوات للإلمام بهذا التاريخ في غير توقيت المهرجان، وسيكون هناك تنظيم لندوات أخرى مستقلة أو على هامش مهرجانات مصر الوطنية، ونأمل أن يستكمل الفريق الموجود بمصر تنظيم هذه الندوات لنستجمع هذا التاريخ بالكامل.
- اختيار المكرمين هذا العام.. لماذا جاء القرار بتكريم هذا العدد الكبير من المسرحيين المصريين؟
الإجابة هي «لأنها مصر».. ودعينا نتحدث بصراحة؛ فالمهرجان كان يكرم شخصية واحدة في كل دورة وتقام كل دورة في دولة مختلفة، وعندما استمعنا للآراء المختلفة وجدنا بالفعل أن هناك صعوبة لتكريم مسرحي واحد ثم تكريم آخر من نفس الدولة بعد عشر سنوات أو أكثر مما دعانا لزيادة عدد المكرمين في كل دروة.
ونظرا لأهمية المسرحيين المصريين وكثرة الرموز المسرحية المصرية، فهذا ما دعانا لاختيار 25 اسما مسرحيا لفنانين كبار بمختلف المجالات؛ فمصر تستحق أن يكرم رموزها الكبار وأصحاب الإرث الكبير الذي ما زلنا نتعلم منه.
- المسار الثالث بالمهرجان.. ما الهدف من وجوده؟ وما الذي يميزه عن المسارات الأخرى؟
الهدف من هذا المسار أن يستمر شعاع المهرجان على كامل الرقعة بالدولة المضيفة لدروته؛ ففي المغرب قدم 53 عرضا مسرحيا بالمسار الثالث، وفي تونس قدمت عروض للعرائس والهواة.
ويكون المسار الثالث هو فرصة ليشاهد المسرحيون العرب والأجانب أكبر قدر من العروض المسرحية التي يمكن أن تقدم طوال أيام المهرجان، وفي مصر سيقدم 10 عروض مسرحية للهواة؛ وهو ما نحاول تكريسه من خلق حالة مسرحية مختلفة.
- مراكز الفنون الأدائية التي أنشئت في بعض الدول.. ما هي أهم الوظائف التي تقوم بها؟ وهل هي مدعومة بشكل كامل من الهيئة أم أنها مدعومة من حكومات هذه الدول؟
تعمل مراكز الفنون بدعم مشترك؛ فالدولة التي ينشأ بها المركز تقدم المكان المناسب لإقامة المركز، والهيئة منوط بها الدعم الفني الكامل بعمل دورات مستمرة لتشكيل الوعي المسرحي والمعرفي بالكامل، وهذه التجربة ستخضع للدراسة والمناقشة بعد السنة الأولى لمعرفة مدى النجاح الذي حققته للاستكمال عليه.
- هل تجد الهيئة دعما من المؤسسات الرسمية دائما أم أنكم تواجهون مشكلات في بعض الدول؟
 لا يمكن أن نقول إننا نواجه رفضا كاملا، ولكننا نجد دعما حتى لو اختلفنا مع قيمته أو أهميته بالنسبة لنا كهيئة، ولكننا يجب أن نحاول في كل مكان حتى لو كان الدعم لا يرضينا ولا يكفينا أحيانا.
والمؤسسات الرسمية أثبتت التجربة أنه يمكن توريطها للعمل معنا؛ فمثلا في موريتانيا عندما استنجدوا بالهيئة عندما كان للهيئة مندوب هناك، وجهنا صاحب السمو للسفر إلى هناك، وبعد دراسة الحالة العامة هناك قررنا البدء في المدارس، واستمر العمل لمدة سنة ونصف، لتأهيل المشرفين على المسرح على أن يستمر التدريب لسنتين ثم يتم إطلاق مهرجانهم الأول بالعاصمة ثم يمتد لبقية الأماكن، ودعمت الهيئة المهرجان بالفعل لمدة ثلاث سنوات بالكامل، وقامت وزارة الثقافة والتربية والتعليم الموريتانية بتوفير كل الإمكانيات المادية لدعم المهرجان لخمسة دورات تالية، وهذه التجربة الحيّة تؤكد على أن الاشتباك مع المؤسسات الرسمية يمكن أن يجدي نفعا كبيرا.
- الهيئة لا تنتج أعمالا مسرحية ولكنها تدعمها بطرق أخرى.. كيف يحدث ذلك؟
الهيئة لا يوجد في نظامها دعم الأعمال المسرحية بالإنتاج الكامل، ولكننا نقوم بعمل ورش تقدم عملا مسرحيا، وهو ما حدث في عمان وموريتانيا العام الماضي، وهي التجربة التي أخضعناها أيضا للدراسة لتطويرها وتعميمها في بقية الدول العربية. إذن، نحن لا ننتج أعمالا مسرحية ولكننا ندعم كل السبل التي تكون الإطار الفني والفكري الذي يؤدي لهذه العروض.


سلوى عثمان