الساعة الأخيرة.. حرب مستترة

الساعة الأخيرة..  حرب مستترة

العدد 572 صدر بتاريخ 13أغسطس2018

الحروب على مر التاريخ البشري، وعلى كل أشكالها تركت بصمات ودلائل توضح إلى أي مدى الإنسان قادر لخلق المبررات لإبادة الآلاف من البشر من أجل مصالح دولة أو حلف ما. بينما جاءت الحرب العالمية الثانية كذروة لتنامي غرائز الدمار وسحق الدول لبعضها البعض من أجل فرض السيطرة على الآخرين؛ وتعد من أبشع المجازر التي حدثت تحديدا في 1945 القذف النووي على هيروشيما وناجازاكي. وإلى زمن قريب تحاول اليابان معالجة ما خلفه هذا القذف.
تناول عرض «الساعة الأخيرة» مسرحيا هذه اللحظة التاريخية. العرض من تمثيل شريف صبحي، سامية عاطف، معتز السويفي، محمود الزيات، محمد دياب، بمشاركة نورهان أبو سريع ومحمد حسيب، ديكور وأزياء محمد هاشم، ومن إخراج ناصر عبد المنعم.
بفضاء منعزل، يبدو خارج المدينة، يعيش الكولونيل توماس ويلسون مُفجر قنبلة هيروشيما. تبني دراما العرض على «الساعة الأخيرة» من حياته. ويسير بناء الأحداث من داخل عقل الكولونيل. تبدأ الأحداث مع زيارة حارس الحديقة في المنزل المجاور إلى توماس ومن ثم يتركه في ساعته الأخيرة لإحيائه أهم لحظات حياته، حيث يتم استدعاء الطفولة النابغة لهذا العالِم ويظهر صوته في الفضاء المسرحي بوضوح، وعلاقتة الحب الشديدة بوالدته، التي شاركت بموتها في دفع توماس إلى قتل والده في سن الخمس سنوات. إلى آخر الرحلة ومجيء لحظة تفجير القنبلة. وفي حين تم تصدير هذا البطل طوال العرض بصورة الضحية التي وقعت في يد النظام الأمريكي في تلك الفترة وممارسات الضغط عليه لكي يقوم بالتفجير، لكن تلك الصورة تحتاج إلى إعادة نظر؛ كيف يتم تقديم البطل الذي قام جرائم قتل أبادت الملايين بمثل تلك الإنسانية، خصوصا تكوين نمط الشخصية منذ الصغر يميل إلى القتل؟!. وعدم الاعتراف بالجريمة - سواء مسرحيا، أو واقعيا في تسجيلات تلفزيونية - لذا يتشابك العرض مع الواقع بتقديم تلك الشخصية بإنسانية مفرطة مثيرة للشفقة بداية من الارتكاز على عزلته التامة وإن كان له صديقه حارس الحديقة المجاورة.
وينقسم الفضاء المسرحي إلى جزئين؛ الزمن الواقعي وزمن الماضي - غالبا مقترن بعمق المسرح -، وأحيانا ما يكون هناك تداخل في الزمنين. ذلك داخل ديكور مسرحي بسيط عبارة عن أريكة وكرسي، وتمثال توماس الذي يلعب دور في دراما العرض، حيث يواجه توماس نفسه من خلال هذا التمثال ويلقي عليها لوم أفعاله، ففي حين يُثبت التمثال لحظة بطولة الكولونيل، إلا أنها هي نفس اللحظة التي تقترب من ازدواج الشخصية. كما انقسم الزمن الواقعي إلى جزئين، الأول وهو الآني - الذي لا يتجاوز الساعة - وحضور الواقعة التاريخية نفسها على المسرح من خلال الأفلام التسجيلية التي قدمت الأحداث مختلطة مع الحدث المسرحي. الصورة المسرحية في النهاية حاولت إخفاء الفاصل الزمني بين ما يعرض في الأفلام التسجيلية والواقع، من خلال استخدام ألوان غير حادة مثل الرمادي أو الأبيض مع انعكاسه على السلويت.
أحد أسباب تقديم نمط شخصية الكولونيل بتلك الحساسية الإنسانية جاءت بالتوازي مع زيادة هيمنة أساليب النظام الأمريكي في ذلك الوقت؛ للكشف عن حيل هذا النظام. ويأتي على الصعيد الآخر لحظة الدمار الذي يمر به الشعب الياباني وذلك في حوار يدور بين الكولونيل وفتاة فاقدة البصر ولا تدرك ما حل ببلادها. لننتقل إلى صوت خطابي يواجه الجمهور بعدم اتهام القاتل علي سحق كل هؤلاء البشر، فكل منا له جرائمه، كل منا - كشعوب - يرأسه نظام سلطة يدفع مصيره بشكل مغاير. لكن بين سطور العرض هناك صوت يحمل تناقض في تكوين شخصية الكولونيل؛ حيث تصدير نبوغه وعبقريته، وعلى النقيض يصفه بقلة الوعي لمصيره، وخضوعه للأوامر، خصوصا في مشهد محاولة منع تكرار الجريمة مرة أخرى في ناجازاكي على يد صديقه الملاكم.
«لماذا نتذكر ما يحزننا في الوقت الذي يجب فيه أن تكون سعداء؟» جاءت على لسان الكولونيل محاولة منه تجاوز الصوت الذي يذكره بجريمته في يوم عيد ميلاده، ومصادفتًا يوم وفاته أيضا. مجازا كأنها ليست بجريمة هزت حضارة بأكملها!
وبصوت خطابي واضح يفتخر البطل بجريمته التي ارتكبها بدافع حب وطنه، وتنفيذ مصالح الدولة، وهي نفس الدولة التي نبذت فعله في النهاية عندما تحول مسار مصالحها إلى اتجاه آخر. أي بطولة إذن تخلقها مصالح دولة على حساب أباده شعب وحضارته؟. والسؤال المفصلي في العرض، لماذا يبرأ القاتل أمام واقعنا المصري الآني، تحت مبررات إنسانية؟! وفي مواجهة مع جمهور المسرح، ومشاركة فعل الجريمة التي يرتكبها كل منا في حياته واخفائها؛ يفتخر القاتل بجريمته الأكثر دموية. ما زالت الحروب قائمة، ما زالت الجرائم ترتكب تحت اسم حب الوطن إلى آخر ثانية في الساعة الأخيرة.


سمر هادي