«مسرح محمود دياب» على مائدة القومي

«مسرح محمود دياب» على مائدة القومي

العدد 570 صدر بتاريخ 30يوليو2018

أقيم الأسبوع الماضي، بالمجلس الأعلى للثقافة ندوة عن «مسرح الكاتب محمود دياب» وذلك في الملتقى الفكري للمهرجان القومي، ضمن فعاليات المهرجان القومي للمسرح، في دورته الحادية عشرة، دورة محمود دياب. أدار الندوة الدكتور محمود نسيم وتحدث بها الدكتور حسين عبد القادر والدكتورة شيماء توفيق. أشار الدكتور محمود نسيم إلى أن اختيار محمود دياب لتحمل الدورة الحادية عشرة من المهرجان القومي اسمه كان له صدى كبير، ووجد الكثير من الترحيب والاهتمام. وتساءل نسيم: لماذا يحضر الآن محمود دياب رغم غيابه ما يقرب من ثلاثين عاما؟ قال: هو كان حاضرا بكثافة كبيرة في المسرح وفي الثقافة الجماهيرية. وقد ظلت قيمة محمود دياب لأنه كاتب استثنائي، وله تجربة استثنائية.
وتابع: هذا الاحتفاء ليس تكريسا أو تسجيلا لما كتبه محمود دياب ولكن توضيحا لقيمة هذا الكاتب، وتجاوزه لآليات الكتابة، فقيمة التجاوز قيمة هامة في المشهد المسرحي، يجب أن يعيها الجيل الحالي، حتى لا يتجمد المشهد المسرحي وتسقط الصورة، مشيرا إلى أن قيمة محمود دياب تتمثل في أنه كاتب التجربة ومثقف التجربة، وليس مثقف التقنية، فنحن بإزاء كاتب يحمل رؤية، وتتميز نصوصه بأنها استكشاف واستبصار لواقعة، بالإضافة إلى أن لديه إدراكا للواقع في أشكاله المتطورة والمتحولة، وهو أمر هام ولدينا كتاب يفتقدون بناء الشكل المسرحي، ويتميز محمود دياب بامتلاكه وإدراكه وقدراته في فنون الفرجة الشعبية واستبصار الأشياء الأساسية في المسرح الغربي.
وأضاف نسيم أن كتابات دياب بدءا من “البيت الكبير” وحتى آخر أعماله “أرض لا تنبت الزهور”، ورغم كتابته للقصة والرواية والسينما فإن إبداعه المسرحي يظل هو الأبرز في مشواره، مع تجربة سعد الله ونوس، ورغم قدرته على تدوين الفكرة الشعبية فإن لديه القدرة أيضا على رصد وتمصير الروايات العالمية وخصوصا ليونيسكو.
د. شيماء توفيق أشارت إلى بداية محمود دياب كقاص، مع مطلع الستينات، حيث زخرت هذه الفترة بالكثير من الأحداث السياسية لمجتمع يعيش نتائج ثورة يوليو، المليئة بالرؤى والأفكار والاهتمامات السياسية بالإضافة إلى وجود حالة من الصراع الفكري، وتأثير الفكر الغربي والدعوات المنتشرة للكتابة الواقعية كما عند نعمان عاشور، ألفريد فرج، وسعد الدين وهبة. أضافت: وظهر محمود دياب كحالة فريدة فقد استطاع أن يتخطى الكتابات الواقعية إلى إطار الرمز، وأصبحت الشخصيات التي يقدمها تعبر عن رموز في الواقع، ومن أهم ما يميز كتابات محمود دياب اهتمامه برد فعل الجمهور، وقد ظل هذا الأمر يلازمه منذ البداية حتى في أعماله المسرحية بعد ذلك، وسنلاحظ تأثر محمود دياب بكتاب مسرح العبث وكتاب آخرين أمثال بيراندللو وبريخت ويونيسكو، حيث قدم حالة من التحاور ومزج بين جميع هذه الاتجاهات، وكتابات محمود دياب ركزت على قضيتين مهمتين هما المركز والأطراف، مشيرة إلى أن دياب اعتمد بشكل واقعي على تجسيد مفردات القرية المصرية، ففي مسرحية “الزوبعة” التي كتبت عام 1966 يعرض الكاتب منذ البداية الحال التي عليها هذة القرية وأبناؤها منذ القدم حيث يتم التأكيد على الظلم الواقع على إحدى الأسر التي يتم اتهام عائلها ظلما بارتكاب جريمة، ويحكم عليه بالسجن عشرين عاما، بسبب شهود الزور وحالة الصمت من أهل القرية، وقد تأثر محمود دياب بمسرحية “المفتش” للكاتب الروسى «نيقولاي جوجول» التي كتبها عام 1835 إلا أن جوجول ينهي مسرحيته بنبأ وصول المفتش الحقيقي.
أضافت د. شيماء أن هناك مسرحية أخرى أيضا توضح لنا قضية المركز والأطراف التي شغلت دياب وهي مسرحية «ليالي الحصاد» حيث شكل القرية المنعزلة عن المدينة، وبين مختلف القضايا في هذه المدينة، معتمدا على المسرح الملحمي لبريشت، نبدأ في التعرف على الشخصيات وحالة الزيف التي توجد عليها من خلال اللعبة الداخلية، وهناك شخصيات توضح هذا الزيف ومنها شخصية بكري، وشخصية الفتاة التي يقع في حبها شباب القرية، ولكنهم يرفضونها على المستوى الأخلاقي، وهي شخصية «سنيوره» وقتل النموذج البريء والمتمثل في شخصية «بهية» ليتضح لنا أن مفاسد القرية ستظل وستظل القرية منعزلة وفي حالة فساد.
وأما في مسرحية “رسول من قرية تميرة” – أوضحت - فإنها عن مسألة الحرب والسلام وكتبت عام 1974 في أعقاب حرب أكتور، خلالها تعرض محمود دياب للعلاقة بين المركز والأطراف من خلال القرية التي نتعرف عليها منذ البداية ونتعرف أيضا على مجتمع المدينة السلبي، قرية تميرة تبعد عن المدينة وشبه منعزلة وعلى الرغم من عزلة هذه القرية الصغيرة عن المدينة، فإن خمسة من أبنائها مجندون، عند عودة أحدهم ويدعى “فكري أبو إسماعيل” لقضاء إجازته، سرعان ما يظهر الصراع بينه وعمه “دسوقي” الذي يطمع في الاستيلاء على أرضه، ما يدفع أهل القرية للتكتل في مواجهة العم دسوقي ومنعه من الاستيلاء على أرض فكري الذي يستشهد وهو يدافع عن أرض وطنه، في موازنة من الكاتب بين دسوقي والعدو الإسرائيلي، حيث يسعى كل منهما للاستيلاء على الأرض، وهنا تأكيد في نهاية المسرحية على أن الحرب لم تنتهِ بعد.
ومن خلال النماذج السابقة يظهر محمود دياب، وقد اتخذ القرية للتعبير عن شخصيات من لحم ودم، وفي الوقت ذاته يمكن أن تنسحب العلاقات على المجتمع بشكل عام، مناقشا من خلالها موضوعات وطبائع إنسانية تتخطى حدود القرية (مكانها وزمانها) دون إغفال الجانب السياسي والاجتماعي.
تابعت: أما مسرحية “اضبطوا الساعات” فهي الأكثر اقترابا من مسرح العبث، فالموضوع الأساسي هو فعل الانتظار، الذي يظهر في كتابات مسرح العبث ويعتمد عليه صمويل بيكيت في مسرحيته «في انتظار جودو» حيث يبقى فلاديمير واستراجون ينتظران جودو الذي لا يأتي، وفي مسرحية دياب وخلال منظر لمكان من مفردات واقعية تظهر شخصيات أسرة في المنزل الخاص بها ينتظر أفرادها خطيب الابنة الذي اختفى منذ عشرين عاما، ورغم ذلك تصر الابنة على رفض من يتقدمون لخطبتها منتظرة مجيئه، فليس هناك أزمة بالمعنى التقليدي وإنما يظهر الجميع في حالة انتظار مجيء لا يتحقق حتى النهاية.
واختتمت د. شيماء توفيق حديثها بأن النماذج السابقة وغيرها لا يكفيها دراسة واحدة لتناولها. أضافت: يظهر وعي محمود دياب في مناقشة شتى القضايا ودقته في بناء شخصياته وتكثيفه للجمل الحوارية، في استيعاب تام لطبيعة القرية المصرية ومفرداتها في ذات الوقت الذي تناقش قضايا إنسانية أكثر رحابة، غير مقتصرة على مكان وزمان محددين وقت كتابتها، مشيرة إلى أنها كتابات تصلح لأن تقدم هنا والآن لقدرتها على مناقشة مشكلات واقعنا الراهن دون أن تبقى أسيرة لزمن كتابتها.
بينما استعاد د. حسين عبد القادر بعض الذكريات مع صديقه الكاتب محمود دياب، فقال: إن د. محمود نسيم له دراسة رائعة عن الثنائي محمود دياب وصلاح عبد الصبور، موضحا أنه عندما تولى إدارة مسرح الغد قدم عرض “أرض لا تنبت الزهور” الذي كانت ترفضه الرقابة لسبب لا نعلمه. وأضاف: محمود دياب إنسان شاءت الأقدار أن يولد في قلب القضية وفي الصفوف الأولى من النضال لمواجهة المستعمر الذي احتل الأرض، والأرض لدى المصريين عرض. وتابع: ليس غريبا أن يكتب محمود دياب في سنوات نضجه طفل في الحي الغربي عام 1972، أي في سن الأربعين، وقد قالت لي ابنته إن هذا الطفل هو محمود دياب نفسه، الطفل الذي عايش نبل المعنى في مقاومة العدو ما بين تنشئة الأهل ودور المدرسة والحي والمجتمع، وتفتحت أذناه على أغاريد الواقع من حوله، وعشق الوطن وترانيم المقاومة وكان ميلاده كمبدع برهانا حيا على ما يقوله النفسيون من أن الطفل يولد ولديه إمكانية التطور، وقد التحق محمود دياب بكلية الحقوق وكانت آنذاك كلية من كليات القمة بالنسبة للمهمومين بالوطن والمتطلعين للعب أدوار في سبيل الحرية، والدفاع عن المقهورين، ويأتي محمود إلى القاهرة والمقاومة الوطنية في ذروتها.
تحدث د. حسين عبد القادر عن الجوائز التي حصل عليها محمود دياب، فقال: لم تكن جائزة عرض «البيت القديم» أول جائزة يحصل عليها محمود دياب مع الإشادة بإبداعه، فقد سبقتها “المعجزة” التي حصلت على جائزة مؤسسة المسرح والموسيقى عام 1960 ثم جاءت جائزة اليونيسكو لأحسن كاتب عربي عن مسرحية “الزوبعة”، التي ترجمت للإنجليزية والفرنسية والألمانية.
وشدد د. حسين على ضرورة طباعة أعمال محمود دياب ومقالات د. فاروق عبد القادر عنه، لأهميتها القصوى.
وعقب د. محمود نسيم بأن الهيئة العامة للكتاب بصدد إصدار الأعمال الكاملة لمحمود دياب في أربعة مجلدات، وفي طريقنا للاتفاق مع ابنته هالة، مضيفا: كنت أتمنى طبع مجلد منه ليتم طرحة بالتزامن مع فعاليات مهرجان المسرح القومي.
 
 

 


رنا رأفت