باسم قناوي: أمر تكليف عرض اجتماعي إنساني بعيد عن السياسة

باسم قناوي: أمر تكليف عرض اجتماعي إنساني بعيد عن السياسة

العدد 569 صدر بتاريخ 23يوليو2018

باسم قناوي مخرج مسرحي يعمل بالبيت الفني للمسرح ومدرب تمثيل، قدم الكثير من العروض أبرزها «بدر البدور»، و»روح» الذي حصل من خلاله على ثماني جوائز بالمهرجان القومي للمسرح، وأخيرا عرض «أمر تكليف» الذي يقدمه مؤخرا ضمن مبادرة «اعرف جيشك» التي أطلقها البيت الفني للمسرح، عن العرض وقضايا مسرحية أخرى كان لنا معه هذا الحوار.
بداية حدثنا عن العرض منذ بداية اختيارك للنص وأسباب تأخر ظهوره؟
أطلق البيت الفني للمسرح مبادرة «اعرف جيشك» لزيادة الوعي والرد على حملات الهجوم التي تطال الجيش، وكان يشغلني الأمر قبل إطلاق المبادرة وتشغلني الأحداث الحالية للجنود الذين يستشهدوا ولا نعلم عنهم شيئا سوى الأخبار التي تطلقها القنوات عقب كل حادثة بعيدا عن حياتهم الإنسانية، فبدأت البحث لمعرفة القصص الواقعية لهؤلاء الجنود ومزجها بالإبداع الفني والدرامي لقصص أخرى، أيضا لم يكن التناول رومانسيا أو داميا بل إنساني بحت، واعتمدت في النص على الصياغة الشعرية لطارق علي.
 - معنى ذلك أنك استعنت ببعض الشخصيات القريبة من الشخصيات التي أشرت إليها خلال العرض؟
لم نعرض حالة بعينها لشخص بعينه بل المسمى الفني، فمثلا زوجة اللواء عادل قدمتها رجاء حسين، تحكي قصته كيف أمسك بعادل حباره وانفعالاته تجاه الشخص الذي قتل خمسا وعشرين عسكريا بدم بارد، فنبرز الانفعالات الإنسانية تجاهه، أيضا هناك تناول لقصة المجند الذي استشهد قبل إتمام زفافه وترك خطيبته، والشاب الذي أخفى عن والدته أن يخدم في سيناء خوفا على قلقها وعلمت أثناء تلقيها خبر استشهاده، وغيرها كثير من القصص.
 - ما السبب في تأخر ظهور العرض وتغيير فريق العمل؟
أثناء البروفات توقفنا لبعض الوقت لأسباب إنتاجية لإصراري على العرض على مسرح مناسب، تغيير بعض عناصر فريق العمل فهو أمر وارد وحدث كثيرا في عروضي السابقة، «الحبل» و»روح»، ولا يرتبط بمناسبة الفنان للشخصية التي يقدمها لأنه من الأساس اختيار الفنان على أساس مناسبته للشخصية هو العامل الأول في اختيار الممثل، حتى وإن لم يكن كذلك فهناك جلسات مع الممثل واتفاق على طريقة العمل ونعقد عدة جلسات حتى نتأقلم سويا، بينما ما حدث في «أمر تكليف» أن البعض ارتبط بأعمال أخرى وأكثر من عنصر ارتبط بتصوير يومي فلم يستطع الاستمرار بالعرض.
 - قدمت عددا من العروض عن نصوص عالمية لماذا لجأت في «أمر تكليف» لنص محلي؟
الأمر لم يكن بقصد أن يكون النص محليا ولكن لطبيعة الموضوع المتناول، وعيسى الجمال كاتب محترم وله تقديره والنص استلهام من نص «أغنية على الممر» نقطة حدود لعلي سالم، وعندما طلبت من عيسى الجمال نص أتناول من خلاله الفكرة التي أريد تقديمها، فأخبرني أن النص موجود بالفعل في الهيئة منذ فترة، وقرأته وعملنا عليه كثيرا أنا والمشاركون بالعرض، فدائما في عملي عندما يكون هناك نص مفتوح أجعل كل من يعمل فيه يشاركنا الرأي والمقترحات.
 - وهل اختلف التعامل مع نص محلي عن النص العالمي؟
الفكرة ليست اختلافا من محلي لعالمي بقدر أنه من موضوع لآخر، فالموضوع هو ما يجذبني للعمل عليه، وهو ما يجعل طريقة العمل تختلف من حيث المنطقة أو الزاوية التي تتناول العمل من خلالها، سواء كان العمل إنسانيا أو سياسيا أو اجتماعيا، أو المدرسة التي كتب بها النص إذا ما كانت واقعية أو تعبيرية.
 - العرض ضمن مبادرة «اعرف جيشك» فهل هناك نية لتقديم عدد من العروض؟
بالنسبة لي، فالقضية هنا قضية إنسانية واجتماعية أكثر من كونها سياسية، وتلك الطريقة التي أعمل بها طيلة الوقت، ومن تابع أعمالي خلال الفترة السابقة لمح ذلك في عرض «روح» على سبيل المثال، فهو عالمي، ولكنه إنساني، كذلك بدر البدور الذي كان يتناول فكرة التحرر الفكري خاصة للفتيات وللقرية كلها، وقادت المسألة فتاة تحاول كسر القيود والقضاء على فكرة «الغولا» التي تسيطر على القرية ويخاف منها الجميع، وهكذا «أمر تكليف» فكرة إنسانية ليست عملا تسلسليا، بينما هناك بالفعل مبادرة يتولاها البيت الفني للمسرح «اعرف جيشك».
 - هناك شريحة كبيرة أولى بمشاهدة العرض فهل تنوي تجواله؟
بالفعل، العرض منذ بدايته وهدفه التجوال في المحافظات لأنها الأماكن الأكثر حاجة لتلك النوعية من العروض، لكن هناك بعض التحفظات على فكرة التجوال بألا تكن مجرد اسم بل يكون هناك اهتمام حقيقي من الأماكن لاستقبال العرض بشكل لائق من خلال التنسيق بين قصور الثقافة والمحافظات والتنسيق مع قيادات الأماكن التي تستضيف العرض والبيت الفني، بالإضافة لأهمية الاهتمام بالدعاية للعرض حتى يحقق الهدف من تجواله ويشاهده أكبر عدد من الجمهور.
 - بمناسبة الحديث عن قصور الثقافة ما هي أبرز المشكلات التي عاصرتها من خلال تعاملك معها؟
ما يعاني منه المسرح عموما ولدينا تكلس في وزارة الثقافة يجعل الأمور تسير بشكل بطيء، فأنت كفنان في مكان والروتين في مكان آخر، لكن الحقيقة أن الثقافة الجماهيرية بها طاقات بشرية إبداعية كبيرة جدا، بالإضافة لأنه لا بد أن يكون هناك اهتمام باختيار مديري الإدارات وأن يكونوا فنانين لديهم قدر من الإدارة حتى يعمل بعيدا عن الشكل الوظيفي.
 - ومما يعاني مسرحنا اليوم؟
يعاني غياب إرادة الدولة بأن ينال المسرح مكانه الطبيعي ووظيفته الحقيقية وهي التوعية والتواصل والتربية، بداية من المسرح المدرسي وإهمال دوره والتعامل معه كمجرد نشاط، مرورا بكل الأنشطة سواء المستقلين أو مسرح الدولة، أضف على ذلك أن كل عرض قائم بذاته فهناك غياب للاستراتيجية المحددة لوزارة الثقافة، مثال العبث الذي يحدث في الدراما التلفزيونية الآن تكاد تكون هناك استراتيجية ولكنها مدمرة، فبدلا من الارتقاء بذوق المجتمع المصري فجميعهم يساعدون على تدني هذا الذوق. احترم فكرة أن الفن مرآة المجتمع ولكنك كفنان رسالتك ليست رصد ما يحدث - فالرصد له قنوات كثيرة تعلنه – بينما رسالتك هي التغيير وبث القيم مثلما تربينا على أعمال جيل عظيم مثل أسامة أنور عكاشة ومحمد صفاء عامر، وكنا نخرج بقيم مما يكتبون ولم يكن الأمر فقط استعراض للخيانات والقتل والسرقة والموبيقات الموجودة في المجتمع، فكيف ستبث الأمل وتريد من جيل لديه أمل للمستقبل في ظل ما تبثه من رصد للفئة القليلة الفاسدة التي لا يظهر سواها وكأنها السائد في المجتمع حتى أصبحت هي صورتنا في الخارج.
 - قدمت ورشة للإخراج بمركز أوزوريس فما الذي دفعك إليها؟ وما الجدوى من تلك الورش في رأيك؟
عبارة عن ورشة اليوم الواحد، تواصل معي مركز أوزوريس للمشاركة فيها وكانت الفكرة هي نقل خبرة حباني الله بها لمجموعة من المهتمين بالعمل الفني لأنهم مستقلين أو هواة ويردون التعرف على خبرات الناس التي عملت بشكل مختلف عما اعتادوا عليه سواء في المستقلين أو مسرح الدولة بمنافذه، وهذا ما جعلني أقدم على المشاركة فيها، وكان الأمر بعيدا عن الإطار الأكاديمي في إطار عملي بحت، وهي تعتبر منفذا لمن لم يحالفه الحظ للالتحاق بالشكل الأكاديمي لاكتساب المزيد من الخبرة وثقل موهبتهم.
 - هل يحتاج المخرجون لورش سواء بالاستعانة بخبراء من الخارج أو خبرات من الداخل؟
طيلة الوقت نريد التحديث، فالسبب في نهضة مسرح الستينات هو سفر مجموعة كبيرة من الطلاب للخارج بين روسيا وإيطاليا وعادوا ليصنعوا أسماءهم مثل سعد أردش وكرم مطاوع وهاني مطاوع وأحمد طنطاوي، عادوا بتجارب مختلفة، ونحن في حاجة لرصد التجارب الموجودة لدينا في مصر، وأن يكون هناك تواصل سواء عن طريق الورش أو البعثات مثل جائزة الدولة الإبداعية والسفر كبعثة للأكاديمية بروما، هؤلاء يجب أن يعودوا ويقدموا ما تعلموه، فالكثير ممن سافر لم يقدم شيئا ليس قصورا منه بل لعدم توافر برنامج دقيق ومنظم لاستغلال ما تعلمه في الخارج من خبرات وتجارب ومعظم الناس تعود وتصاب بالاكتئاب والإحباط لما يواجهون من أساليب وأفق مختلفة يصطدم بالبيروقراطية وكأنه لم يغادر قط.
 - كيف ترى إيقاف بعض العروض المسرحية مؤخرا؟
قرار إيقاف عرض ومنعه أسلوب عقيم، إن أردت محاربة القيم السيئة كما تدعي فهناك أساليب أخرى، أيضا كيف تصرح بإقامة مهرجان في الجامعة ثم تمنع عرضا في الجامعة، فتلك قرارات تؤكد عدم وعي متخذها ولا يفترض أن يكون مسئولا فنيا.
 - بعض فناني الأقاليم طالبوا بإنشاء نقابة موازية لنقابة المهن التمثيلية فما رأيك؟
فنانو الأقاليم يعملون من خلال إطار وتحت مظلة قصور الثقافة التابعة للهيئة العامة لقصور الثقافة، ومن يدخل القصر يخضع لاختبارات في الأساس فهي هدفها مساعدة الهواة وليس التربح، عندما تنوي التربح هنا لا بد أن تكون تحت مظلة النقابة.
 - بعد إضافة مسابقة للنقد ضمن فعاليات المهرجان القومي للمسرح هل تأثرت الحركة النقدية؟
لدي أزمة مع فكرة الحركة النقدية في ظل غياب النصوص القوية، سواء على مستوى الدراما التلفزيونية أو على مستوى المسرح يعدون على الأصبع من لديهم كتابات قوية وهامة فليس لدينا عشرة كتاب يتنافسون، فكيف سيكون هناك ثراء في الحركة النقدية، مع العلم أنني أرى مجموعة من الشباب الواعي من النقاد لا يجامل حتى على مستوى الأصدقاء فيتعاملون بموضوعية شديدة، فالحركة النقدية متطورة بالأشخاص وليس الموضوعات.
 - إذن، أنت مع الرأي القائل إن المسرح يعاني من أزمة في التأليف؟
نعم، لدينا أزمة مؤلف أو قد يكون قصورا مني لأنني لا أراهم، لكن أنا على سبيل المثال حين أريد الحصول على نص محلي يواكب مجتمعنا وله عمق لكاتب من جيلنا أو الجيل الذي سبقنا لا أجده، فحتى النصوص التي تحصل على جوائز أعتقد أنها تحصل على الجائزة عن النص كنص أو لتكوينها كنص وليس لصلاحيته للعرض، كما أن هناك نصوصا قوية، ولا أدري لماذا لا يسلط الضوء عليها، وحتى وإن وجد كاتب «شاطر» فإنه يتجه للدراما التلفزيونية لعائدها المادي الكبير.
 - ما الذي ينقص مسارحنا من حيث الإمكانيات لتواكب التطور الحديث في مسارح العالم؟
إننا في حاجة لثورة تقنية في مسارحنا، بداية من التنمية البشرية للعاملين بالمسارح لاستخدام تلك التقنيات - ليس فقط تنمية معرفة وكيفية تشغيل الأجهزة - إنما تنمية بشرية للتعامل مع المسرح بعيدا عن كونه مجرد وظيفه وموظف، فعلى سبيل المثال أواجه الآن مشكلة في المسرح أن الجهاز الذي يعمل من خلاله البروجكتور لا يقبل الـCD والعامل لا يعلم شيئا سوى فتح وغلق الجهاز، لهذا نحتاج لثورة تقنيات وبنية أساسية للمسرح ليصبح جاهزا ومتعدد الأغراض، وتغذية فكرة أنك تقدم عملا له رسالة وتغذي هذا الدافع لدى جميع العاملين بالمسرح، سيجعل الجميع يأخذ على عاتقه جدية العمل، بالإضافة إلى أن نجاح أي عرض لا يرجع للجهة أو الروتين، بل بتوفيق من الله والجمهور الذي يستحسن العمل فيبدأ الترويج له بنفسه، فما زالت الدعاية مشكلة كبيرة وتصطدم بالشكل الروتيني، فلعمل صفحة ممولة يجب دفع اشتراك أسبوعي أو شهري، فلماذا لا يتم تصميم موقع رسمي كبير للبيت الفني للمسرح باشتراك سنوي ويُغذى بشكل كبير كمحرك وموقع رسمي، وأيضا عمل تطبيق للحجز مثلما فعل القطاع الخاص عن طريق الاستعانة بشركة للحجز online حيث هناك قطاع كبير من الجمهور يبعد عن مكان المسرح كثيرا ويبحث عن وسيلة للحجز بدون الحضور للمسرح.

 


روفيدة خليفة