هاملت.. ما زال ينتظر

هاملت.. ما زال ينتظر

العدد 564 صدر بتاريخ 18يونيو2018

سيظل هاملت تلك الشخصية الشكسبيرية هي غاية ما يسعى إليه عشاق المسرح في كل مكان وزمان، بل إن مسرحية هاملت من المآسي الكبرى لوليم شكبير التي سطرت اسمه بحروف من نور فوق قلوب مبدعي المسرح وفي سجلات التاريخ الأدبي حتى يومنا هذا، وما زال متربعا على عرش الإجادة كنص أدبي وكتاريخ إبداعي بل وأغلب التناولات الإخراجية الحديثة والقديمة دائما ما تتباين في إبداعها لزخم الدلالات المطروحة في هذا النص وكثرة أطروحاتها الفكرية والآيديولوجية والسيميولوجية، فهاملت كشخصية درامية ما زال يحلم بها كل محب لفن التمثيل وهاملت كنص مسرحي ما زال يحلم به كل عاشق للإخراج وباحث عن الثقل الفني تاريخا وإبداعا.
في إحدى قاعات قصر ثقافة الجيزة وضمن فعاليات المهرجان الختامي الثالث والأربعين لفرق الأقاليم، قدمت فرقة قصر ثقافة الجيزة عرضها المسرحي (هاملت) للكاتب الإنجليزي الأشهر وليم شكسبير، ومن إخراج سامح بسيوني الذي اختار أن يصمم رؤيته الإخراجية داخل قاعة ضيقة تحتوي جماهير النظارة والممثلين هروبا من الرؤى الكلاسيكية التي اختارت مسرح العلبة الإيطالية لطرح رؤاها ودلالاتها، فضلا عن بدء تصميم الديكور لوائل عبد الله الذي صمم ديكورا شمل كل مشاهد العرض وأماكن الأحداث المتداخلة والمتشابكة والمشتبكة زمانا ومكانا وطرحا، ذلك أننا نجد مشهدا مركبا لقصر الملك هاملت المغدور به، بدلالة هي الأقرب للحكم (كرسي العرش) في صدر المسرح وعلى مستوى في العمق (عائلة أوفليا) وفي المقدمة (مخدع الملكة الأم)، فضلا عن سقف القاعة الذي أنار بصليب دالا على صلاة العم نادما على أفعاله وجبانة الموتي التي حملت جثامين القتلى. هذه التداخلات الزمانية والمكانية التي أثرت الصورة استتبعها وجود شبه كامل للممثلين على خشبة المسرحي في لوحات ثابته تقريبا، وعضضها تلك الدلالات الرمزية على ملابس الممثلين للتفريق بين مراكز وقوى ودلالات الشخصيات بل ورؤاها للحياة باختلاف النظرة والمنظور.
هاملت الشاب أمير الدنيمارك الذي استدعي لوفاة والده، وعند حضوره إلى بلدته قادما اإليها بحزن الابن المكلوم فوجئ أن والدته قد خلعت ثوب الحداد وتزوجت عمه فأسقط في يده ما كان وارتبك في تفسير ما ال إليه الموقف حتي إذا ما قرر الهروب ثانية من هذا السفه فوجئ بهوراشيو صديقه الحميم يخبره أن شبح والده الميت يظهر كل ليلة عند سور المدينة، وعندما يحاول الشاب ان يستجلي الأمر يخبره شبح والده أن الأب لم يمت وإنما قتل بيد عمه غدرا وتزوج الأم قسرا وتتداخل الأحداث التي اقتص منها المعد الكثير من الزوائد فبدا عرضا لاهثا بشكل كبير وصاحبه إيقاع سريع بشكل كبير جدا يصيب بالتوتر استنادا إلى القاء سريع بشكل كبير من بعض الممثلين وموسيقي، هي الأميز في نقل الحالة المتوترة ـعدها (أحمد لطفي) عن بعض المقطوعات العالمية التي تناسبت مع الحال والمحتوى.
وعودة لتتابع الأحداث التي لم يغفلها المعد/ المخرج، فقد استقدم هاملت فرقة التشخيص لاحتفالية بالقصر وعندها تأكد له من توتر الملك أن العم قتل الأب ثم قتل هاملت والد أوفيليا خطأ ثم ماتت أوفليا حزنا مع ادعاء هاملت الجنون حتي ألقت المبارزة الأخيرة بين هاملت ولايرتس شقيق أوفليت الكلمة الأخيرة بموت الجميع وانتهاء الجميع.
اعتمد المخرج سامح بسيوني حالة الإيهام الكامل في العرض المسرحي هاملت لفرقة قصر ثقافة الجيزة، فعمد إلى تغيير الزمان والمكان عن طريق الإضاءة باظلام أماكن وإضاءة أخرى بشكل سريع ومتدافع بل وتغيير أماكن إسقاط الضوء وزوايا الإسقاط بشكل مميز في حقيقة الأمر بل واستخدم أيضا فنية أخرى بإضاءة (كشافات ذاتية للديكور/ الأبليكات) التي ألبسها تشكيلا اقترب من التاج عن يمين المسرح ويساره في سيميترية جمالية الشكل وعميقة التأثير خاصة مع إضاءة الصليب العلوي الذي احتوى العم إبان مناجاته، ويبدو أنه اختيار دار العرض على شكل القاعة كان هدفه الأساسي هو التلاعب بأماكن إسقاط الضوء وزواياه وخلق حالة الحميمة بين الجمهور والصورة ليذوب الجمهور في صورة العرض لاستجلاء دلالاته.
قسم المخرج دور الأم بين فتاتين مختلفتين في البعد المادي للإشارة إلى الأم المكلومة التي مات عنها زوجها والمرأة التي وهبت جسدها لشقيق الزوج، فتداعت وأصبحت أنثى باحثة عن تلبية الرغبة، وتلاعبت الشخصيتان بعقل هاملت الشاب الذي اجتهد في حدود المتاح في نقل الاضطراب البادي على شخصية هاملت واعتمد اعتمادا كليا على رشاقته في المبارزة والأداء البدني وإن برع في الأداء التمثيلي (العم) ذاك الواثق في أدائه والقادم من رصيد خبرات واضح ومتمكن في التمكن من لحظات الحكي والتشخيص والتجسد الجسدي والحركي والإيمائي فدنا له الإيقاع تميزا.
العرض المسرحي هاملت لقصر ثقافة الجيزة محاولة جيدة للكشف عن كنوز ما زال يحويها النص المسرحي الشكسبيري هاملت التي اتخذ من زخم الدلالات وسيلة للوصول إلى الصمود أمام الزمان والانتظار لتجارب أخرى تنقل ما خفي من دلالات.


محمد النجار

mae_nagar@yahoo.com‏