محمد صبحي كما عرفناه

محمد صبحي كما عرفناه

العدد 555 صدر بتاريخ 16أبريل2018

لايمكن لأي باحث أو دارس للمسرح المصري المعاصر أن يتجاوز الدور الواضح للفنان المسرحي «محمد صبحي» في هذا المسرح، منذ تبلور موهبته الفنية أكاديميا كممثل في فضاءات المعهد العالي للفنون المسرحية بأكاديمية الفنون في القاهرة الذي تخرج منه عام 1970.
فخلال سنوات الدراسة، عمل «صبحي» في أدوار صغيرة مع عدد من كبار الفنانين المصريين من قبيل عبد المنعم مدبولي وفؤاد المهندس.. وغيرهم، وبعد تخرجه مباشرة تم تعيينه كمعيد في المعهد ذاته، ليترك العمل في المعهد متفرغا للعمل المسرحي ممثلا ومخرجا مسرحيا قدم الكثير من العروض المسرحية التي توجها مطلع ثمانينات القرن المنصرم بتأسيس (ستديو 80) مع زميله لينين الرملي، مقدما للمسرح المصري والعربي ثنائيا مسرحيا ناجحا استطاع أن يجد له موطأ قدم في خارطة المسرح المصري الذي كان يعج حينها بالكثير من الأسماء المسرحية الكبيرة، لكن ما عرف عن «صبحي» بوصفه ممثلا مسرحيا أكثر منه مخرجا مسرحيا، بمعنى أن المتبع لمسيرته المسرحية (إذا ما استثنينا في الحديث هنا مسيرته الفنية تلفزيونيا وسينمائيا)، سيجد أن «محمد صبحي» لم يعرف له أسلوب أو منهج إخراجي واضح يمكن أن يشار إليه بوصفه ينشد إبراز جماليات العرض على حساب الأداء التمثيلي، فهو ومع جميع عروضه المسرحية التي تصدى لإخراجها منذ سبعينات القرن الماضي وحتى توقف نتاجه المسرحي عام 2000 ليعاود بعد مضي 17 عاما وتحديا نهاية العام الماضي حينما قدم مسرحيته (غزل البنات) المستوحاة من تراث الراحل (نجيب الريحاني) معدا وممثلا ومخرجا لها، لم يهتم بالاشتغال على الجانب الفرجوي، على العكس من اهتمامهِ (الذي يصل حد الإفراط) بتقنيات الأداء التمثيلي لأدواره المسرحية التي قدمها أو حتى تلك المتعلقة ببقية الممثلين الذين يعملون بمعيته، وهذا ما أهله لكي يكوِّن له مسرحه الخاص (مسرح محمد صبحي) الدال على هويته هو وبصمته هو التي لا تشبه إلا هو، والتي حصدت جماهيرية واسعة وعريضة عند الجمهور المصري والعربي على حدٍّ سواء حينما عرضت وما زالت عبر شاشات التلفزة العربية.
«محمد صبحي» يعرف بأن أداء الممثل المسرحي داخل منظومة العرض المسرحي، يعتمد على امتلاكه لخبرات حياتية ومران جسدي وصوتي ضمن عملية إعداده لدوره المسرحي عبر تحويله للمدركات البصرية والحسية إلى استجابات جسدية تشكل لاحقا صورة الأداء التمثيلي، وهو يتكئ على دور المسرح في أن يغرف من قضايا مجتمعه السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فقيام الممثل من وجهة نظر «صبحي» بإشراك طبيعته الروحية والجسدية في عملية الأداء، يستلزم وضوح الرؤية الداخلية لهذا الأداء، لأن هذه الرؤية تستدعي الشعور بالظواهر المحيطة بوجود الممثل كإنسان، وهذا ما تجسد في أدائه كممثل مسرحي وفنان عربي تعاطى مع قضايا أمته العربية، فـ«صبحي» فنان يؤمن إيمانا كاملا بالفكرة القومية العربية وله الكثير من المواقف الواضحة في هذا الشأن سواء على مستوى النشاط اليومي أو الفني وقد عكس ذلك في عدد من أعماله الفنية منها (ماما أمريكا) و(سكة السلامة).. وغيرها.
“محمد صبحي” يعي تماما أن أداءه المسرحي الذي عرف بكونه ممثلا مسرحيا كوميديا من الطراز الأول، هو الدعامة التي يعتمد عليها في انتقال المفهوم المسرحي العام إلى جميع أنواع العلوم الإنسانية التي تسعى لفهم أحوال وأنشطة الممثل/ الفنان كإنسان يتفاعل مع قضايا مجتمعه وهو ما تنبه إليه «صبحي» لأن المسرح يعد مرآة لهذا المجتمع؛ لذا فإن الظواهر الحياتية والاجتماعية وبنية المجتمع المصري والعربي خلال العقود الأربعة الماضية ككل كان لها انعكاسات واضحة في عروض «محمد صبحي» لأن التجربة المسرحية ليست مجرد انعكاس طبيعي للموضوعات الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية وإنما هي انعكاس موضوعي لها؛ إذ تستهدف الربط بين أداء الممثل وعلاقات الواقع الاجتماعي في سياق متوافق، فضلا عن وجود علاقة رابطة ما بين الصور والأفكار أو الأشكال والمفاهيم بحركة التغير البنائي في المجتمع التي تنعكس نفسيا على أداء الممثل، وتطورها يقود إلى جعل الشكل المسرحي ومضمونه ذا أعماق اجتماعية، وهذا ما تجلى في أعمال «صبحي» المسرحية كمواقف سياسية كما عرفناه وعرفناها نحن جمهوره ومتابعيه في العالم العربي سواء اختلفنا أو تآلفنا معه أو معها.
«محمد صبحي» الذي يقص شريط عامه السبعين هذه الأيام قد تنبه القائمون على المهرجانات المسرحية العربية والدولية فتسابقوا إلى تكريمه والاحتفاء بمنجزه، ففي أيام قرطاج المسرحية بدورتها الـ19 لعام 2017 مؤخرا، تم تكريم «محمد صبحي» عن مجمل أعماله المسرحية، فيما منحته الشارقة (جائزة الشارقة للإبداع المسرحي) لعام 2018، أما مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي فقد عمد إلى تسمية دورته الثالثة لعام 2018 باسمه، فـ«محمد صبحي» ما زال يعد بالكثير مسرحيا، ليبقى فارسا من فرسان مسرحنا العربي كما عرفناه.


بشار عليوي